يبدو أن الأزمة في سورية تتجه نحو الذروة في التعقيد على مستويين: سياسي وعسكري. فعلى المستوى السياسي وبعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في «سوتشي» وتعدد التفسيرات حول بيانه الختامي وخصوصاً منه ما يتعلق بمرجعية لجنة صياغة الدستور المُفترضة،

حيث برز مسعى أممي يهدف إلى إعادة ربط نتائج هذا المؤتمر بآليات «جنيف» انطلاقاً من إصرار المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا وفريقه ومن خلفه من الدول الغربية تحديداً على اعتبار أن عملية جنيف التفاوضية التي بدأت مع بيانها الأول عام 2012 هي المرجعية الوحيدة التي مازالت معتمدة لإيجاد حل سياسي للأزمة القائمة في سورية. وبالتالي فإن التوصيف الأممي لمؤتمر «سوتشي» أنه ليس سوى محطة وحيدة من المفترض أن ترفد «جنيف» بدعم معنوي-شعبي أوسع دون أن يعني ذلك السماح لأي من مكونات مؤتمر «سوتشي» المتنوعة والفعالة على الصعد الاجتماعية والوطنية السورية بالمشاركة في أي من جلسات جنيف اللاحقة أو في أي من لجانها التي ستتحمل مسؤولية صياغة مستقبل سورية الدستوري والسياسي.

وبعيداً عما يمكن أن تخلص إليه اتصالات الفريق الأممي مع الحكومة السورية في حال استئنافها قريباً للاتفاق على موجبات تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للدولة السورية، إضافة إلى المبادئ الأولية التي ستحكم عمل هذه اللجنة ونوعية الأعضاء الذين سيتولون هذه المهمة التاريخية التي ستحدد مصير الشعب السوري، فإن العقدة الأساس تكمن في توجس الحكومة السورية من النوايا الكامنة خلف استعجال دي ميستورا بت هذه المسألة المصيرية التي في حال عدم الدقة والحذر في التعاطي معها يمكن أن تؤدي إلى منزلقات خطرة تقضي أو على الأقل تزعزع الدولة القائمة قبل نضوج الظروف الموضوعية لولادة دولة جديدة. لذلك وفقاً لجدول بنود جنيف فإنه لا يمكن تخطي مسألة تشكيل لجنة صياغة الدستور الموعود والانتقال إلى مناقشة مسائل جوهرية أخرى قبل التفاهم على المسألة التي تشكل ركيزة البناء الأولى، ما يعني أنه في حال تعليق التفاهم على تلك المسألة فإنه سيتم تعليق الجدول بأكمله.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه قبل ذلك كله: هل تعتقد أغلبية الشعب السوري التي صمدت وضحت في سبيل الحفاظ على خيارات سورية الإستراتيجية ونموذجها الوطني المميز أنها بحاجة إلى دستور جديد تتم صياغته وفق رغبات خارجية أو مصالح سوريين مرتهنين، أم إن المصلحة الوطنية تستوجب التدرج في إقرار إصلاحات دستورية وقانونية جذرية تأخذ بعين الاعتبار أولوية الحفاظ على الاستقرار وإعادة الأمن وسيادة الدولة والقانون على أرجاء الوطن كافة.

أما على المستوى العسكري، فإن المسعى الأميركي والأوروبي والخليجي لإشغال الرأي العام العالمي من خلال إثارة الكثير من المزاعم «الإنسانية» حول معركة تحرير الغوطة الشرقية من سيطرة الإرهابيين التكفيريين وفي مقدمهم جبهة النصرة، يهدف في الحقيقة إلى إطالة أمد هذه المعركة وتجميد الواقع الميداني في تلك المنطقة درءاً للانتقال المحتوم لقوات الجيش العربي السوري وحلفائه إلى المواجهة المؤكدة والأخيرة ضد قوات الاحتلال الأميركية في شرق الفرات وبالأخص في قاعدة التنف وملحقاتها.

ترى واشنطن أنها استنفدت قدرات كل القوى الإقليمية والمجموعات الإرهابية في معركة منع سورية وحلفائها في محور المقاومة وروسيا من إتمام النصر الكامل في الميدان، وخصوصاً بعدما تم القضاء بشكل شبه نهائي على تنظيم «داعش» ولم يتبق في ساحات القتال سوى جبهة النصرة وبعض المجموعات المرتبطة بها، ما يعني أنه لم يعد هناك من شرعية لأي مجموعة «وطنية معارضة»- كما يسمونها- يمكن الرهان على الاستثمار فيها لإعاقة عمليات الجيش العربي السوري وحلفائه، وما يعني أيضاً أن مجرد وجود هذا الجيش على خطوط المواجهة مع أي جيش أجنبي يسيطر على أراضي سورية أميركياً كان أم تركياً يضع هذا الجيش الأجنبي في موقع العدو المحتل مهما كانت المبررات المزعومة لأسباب وجوده. لذا فإن واشنطن ومعها أنقرة تعلمان أن زوال تلك المجموعات الإرهابية سيعقد المشهد العسكري أمامهما حيث سيكونان أمام خيارين لا ثالث لهما: الانسحاب المُذِل أو المواجهة غير المُشَرَعة والخاسرة حكماً.

  • فريق ماسة
  • 2018-03-06
  • 13039
  • من الأرشيف

سورية.. تعقيد قبل إتمام الانتصار

  يبدو أن الأزمة في سورية تتجه نحو الذروة في التعقيد على مستويين: سياسي وعسكري. فعلى المستوى السياسي وبعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في «سوتشي» وتعدد التفسيرات حول بيانه الختامي وخصوصاً منه ما يتعلق بمرجعية لجنة صياغة الدستور المُفترضة، حيث برز مسعى أممي يهدف إلى إعادة ربط نتائج هذا المؤتمر بآليات «جنيف» انطلاقاً من إصرار المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا وفريقه ومن خلفه من الدول الغربية تحديداً على اعتبار أن عملية جنيف التفاوضية التي بدأت مع بيانها الأول عام 2012 هي المرجعية الوحيدة التي مازالت معتمدة لإيجاد حل سياسي للأزمة القائمة في سورية. وبالتالي فإن التوصيف الأممي لمؤتمر «سوتشي» أنه ليس سوى محطة وحيدة من المفترض أن ترفد «جنيف» بدعم معنوي-شعبي أوسع دون أن يعني ذلك السماح لأي من مكونات مؤتمر «سوتشي» المتنوعة والفعالة على الصعد الاجتماعية والوطنية السورية بالمشاركة في أي من جلسات جنيف اللاحقة أو في أي من لجانها التي ستتحمل مسؤولية صياغة مستقبل سورية الدستوري والسياسي. وبعيداً عما يمكن أن تخلص إليه اتصالات الفريق الأممي مع الحكومة السورية في حال استئنافها قريباً للاتفاق على موجبات تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للدولة السورية، إضافة إلى المبادئ الأولية التي ستحكم عمل هذه اللجنة ونوعية الأعضاء الذين سيتولون هذه المهمة التاريخية التي ستحدد مصير الشعب السوري، فإن العقدة الأساس تكمن في توجس الحكومة السورية من النوايا الكامنة خلف استعجال دي ميستورا بت هذه المسألة المصيرية التي في حال عدم الدقة والحذر في التعاطي معها يمكن أن تؤدي إلى منزلقات خطرة تقضي أو على الأقل تزعزع الدولة القائمة قبل نضوج الظروف الموضوعية لولادة دولة جديدة. لذلك وفقاً لجدول بنود جنيف فإنه لا يمكن تخطي مسألة تشكيل لجنة صياغة الدستور الموعود والانتقال إلى مناقشة مسائل جوهرية أخرى قبل التفاهم على المسألة التي تشكل ركيزة البناء الأولى، ما يعني أنه في حال تعليق التفاهم على تلك المسألة فإنه سيتم تعليق الجدول بأكمله. لكن السؤال الذي يطرح نفسه قبل ذلك كله: هل تعتقد أغلبية الشعب السوري التي صمدت وضحت في سبيل الحفاظ على خيارات سورية الإستراتيجية ونموذجها الوطني المميز أنها بحاجة إلى دستور جديد تتم صياغته وفق رغبات خارجية أو مصالح سوريين مرتهنين، أم إن المصلحة الوطنية تستوجب التدرج في إقرار إصلاحات دستورية وقانونية جذرية تأخذ بعين الاعتبار أولوية الحفاظ على الاستقرار وإعادة الأمن وسيادة الدولة والقانون على أرجاء الوطن كافة. أما على المستوى العسكري، فإن المسعى الأميركي والأوروبي والخليجي لإشغال الرأي العام العالمي من خلال إثارة الكثير من المزاعم «الإنسانية» حول معركة تحرير الغوطة الشرقية من سيطرة الإرهابيين التكفيريين وفي مقدمهم جبهة النصرة، يهدف في الحقيقة إلى إطالة أمد هذه المعركة وتجميد الواقع الميداني في تلك المنطقة درءاً للانتقال المحتوم لقوات الجيش العربي السوري وحلفائه إلى المواجهة المؤكدة والأخيرة ضد قوات الاحتلال الأميركية في شرق الفرات وبالأخص في قاعدة التنف وملحقاتها. ترى واشنطن أنها استنفدت قدرات كل القوى الإقليمية والمجموعات الإرهابية في معركة منع سورية وحلفائها في محور المقاومة وروسيا من إتمام النصر الكامل في الميدان، وخصوصاً بعدما تم القضاء بشكل شبه نهائي على تنظيم «داعش» ولم يتبق في ساحات القتال سوى جبهة النصرة وبعض المجموعات المرتبطة بها، ما يعني أنه لم يعد هناك من شرعية لأي مجموعة «وطنية معارضة»- كما يسمونها- يمكن الرهان على الاستثمار فيها لإعاقة عمليات الجيش العربي السوري وحلفائه، وما يعني أيضاً أن مجرد وجود هذا الجيش على خطوط المواجهة مع أي جيش أجنبي يسيطر على أراضي سورية أميركياً كان أم تركياً يضع هذا الجيش الأجنبي في موقع العدو المحتل مهما كانت المبررات المزعومة لأسباب وجوده. لذا فإن واشنطن ومعها أنقرة تعلمان أن زوال تلك المجموعات الإرهابية سيعقد المشهد العسكري أمامهما حيث سيكونان أمام خيارين لا ثالث لهما: الانسحاب المُذِل أو المواجهة غير المُشَرَعة والخاسرة حكماً.

المصدر : الماسة السورية/ الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة