دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا شك ان ما حدث صباح السبت في العاشر من شهر شباط فبراير الحالي، لناحية نجاح منظومة الدفاع الجوي السورية باسقاط قاذفة اسرائيلية متطورة نوع أف-16 فوق الجولان المحتل،اثناء تنفيذها لاعتداء على قاعدة عسكرية سورية، سيكون له تداعيات ونتائج مهمة تتخطى الجانب العسكري اللافت، لتصل الى جانب استراتيجي واسع، يمكن ان يشكل نقطة مفصلية في الصراع والمواجهة المفتوحة بين "اسرائيل" وبين محور المقاومة بالكامل.
في الحقيقة، ما جرى ليس فقط استهداف واسقاط لقاذفة اسرائيلية متطورة وحسب، بل هو استهداف لمعادلة كانت شبه ثابتة في الفترة الاخيرة، وهي التفوق الجوي لدى العدو في المواجهة معه، وذلك كان لأسباب عدة، تتداخل بين ارجحية التفوق العسكري الاسرائيلي بشكل عام، الى تداعيات الحرب شبه الكونية على سوريا، الى الوجود الاميركي فيها، الضاغط عسكريا وديبلوماسيا، والى ظروف ومعطيات أخرى.
من هنا، جاءت القيمة الاستراتيجية لهذا الاستهداف الناجح، إذ انه اسقط قواعد الاشتباك المعمول بها سابقا لناحية التفوق الجوي للعدو، وادخل في مواجهته قواعد اشتباك اخرى، غيّرت كامل مفاهيم الصراع معه، وحيث اصبح من الآن وصاعدا، أي استهداف من العدو داخل الاراضي السورية سيكون معرضا للرد المباشر والفعال، وستفقد اسرائيل بعد اليوم اي قدرة على تنفيذ اهدافها من تلك الاستهدافات، والتي توزعت بين اهداف معلنة، واهداف غير معلنة.
الاهداف المعلنة كانت تتوزع بين منع تمدد النفوذ الايراني ووقف تعاظم قدرات حزب الله في سوريا او في لبنان، وذلك من خلال الاستهداف الصاروخي المتواصل، من الجو او من البر، لكل ما تعتبره انتشارا او تمركزا او نقلا لأسلحة كاسرة للتوازن، وما إلى ذلك من تواجد يقوي ذلك النفوذ المستهدف، والأهداف غير المعلنة، والتي توازي الاهداف المعلنة وربما تضاهيها، في الأهمية والحساسية، هي الدعم غير المباشر، والمباشر أحيانا، للمجموعات الارهابية وشبه الارهابية التي تقاتل الدولة السورية وتتآمر عليها.
في اقتناعها بتغيير قواعد الاشتباك، أي وقف استهدافاتها داخل سوريا، يعني ذلك بطريقة أخرى، تخليها عن الاهداف المذكورة، المعلنة وغير المعلنة والتي تتداخل مع بعضها مبدئيا، نتيجة وإطارا، وهذا سوف يتعارض بالكامل مع اهدافها المشتركة مع الولايات المتحدة الاميركية من الحرب على سوريا والقبول والتسليم به هو اعتراف بخسارة مخططهم، وانتصار سوريا ومحور المقاومة، ومن هنا تأتي صعوبة تسليم "اسرائيل" وقبولها بتغيير قواعد الاشتباك.
من ناحية أخرى، سيكون في عدم قبولها بتغيير قواعد الاشتباك - طبعا هذا الامر الذي لن تقبل به بعد اليوم سوريا ومحور المقاومة بالكامل - إمكانية كبيرة للجنوح نحو اشتباك واسع، قد يتدحرج نحو حرب محدودة انما عنيفة، او نحو حرب واسعة، وايضا هذا الامر سيكون عليها ان تدرسه انطلاقا من عدة نقاط واهمها:
- الموقف الداخلي المعقد داخل اسرائيل، وعدم استعداد الجبهة الداخلية لحرب واسعة، لأنها ستكون مدمرة حتما، ولا يمكن التكهن بنتائجها وبتداعياتها على تلك الجبهة.
- الموقف الدولي غير المحبذ لهذه الحرب، اميركياً اولاً، لأن في تلك الحرب خربطة لمشاريع وصفقات تعمل عليها الادارة الاميركية حاليا، وتعتبر انها على الطريق لتحقيقها، وروسياً ثانياً، لأن في تلك الحرب احراجا لروسيا ولمشروعها الذي قاربت على تحقيقه، والمتمثل بارساء الحل السوري عن طريق حفظ الدولة والمؤسسات والنظام الذي لا تتخيل بديلا عنه حتى الآن، او لناحية تثبيت حضورها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
- الغموض الذي ما زال يكتنف معطياتها عن ما يمكن ان يكون قد إمتلكه حزب الله من قدرات كاسرة للتوازن، والتي ستتفاجأ بها حتما، وستشكل لقيادتها السياسية والعسكرية ولجبهتها الداخلية صدمة، قد تكون قاضية، او مؤثرة بشكل لا يمكن تجاوزه.
وهكذا، سيكون للموقف الاسرائيلي المُحرَج الآن، في اقتناعها بتغيير قواعد الاشتباك وما ينتج عنه من فشل في تحقيق اهدافها الاستراتيجية في سوريا، أو في عدم اقتناعها والذهاب الى حرب واسعة لا تحمد عقباها عليها، تداعيات خطيرة وحساسة، قد تفشل في الخروج منها سالمة ومتوازنة، وربما سيكون هذا الاستهداف المذل لسلاحها الجوي، والذي طالما كان متفوقا، ولمنظومتها الصاروخية الدفاعية، والتي طالما اعطتها ايضا الكثير من الاهتمام، واعتمدت عليها كصمام أمان لأجوائها، سيكون مفصلا تاريخيا واستراتيجيا نحو هزيمة هذا العدو في المواجهة وفي الصراع معه.
المصدر :
العهد / شارل ابي نادر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة