دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تأخر أمس إقلاع الطائرة المغربية التي تقلنا من باريس إلى الدار البيضاء ٦ ساعات. لم أنزعج، ولا تأففت ولا لعنت الطائرات والمطارات.شكرت ربي انها تأخرت بسبب الثلوج. اما سبب فرحي فلأن التأخير سمح لي بأن أتلقى منذ ساعات الصباح الأولى رسالة عبر الفايسبوك من صديق بقاعي مقرونة بصورة فيها بقايا شظايا صاروخ قال لي انه سقط على سطح بيته. وسرعان ما راحت الأنباء تتولى حول إسقاط الجيش السوري طائرة إسرائيلية جاءت كالمعتاد تشن عدوانا دمويا على أرض عربية عريقة . ظننت في البداية أن في الخبر مجرد دعاية، ذلك أننا منذ زمن بعيد لم نسمع عن إسقاط طائرة إسرائيلية وإنما كانت العبارة الدائمة :"سنحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب"
ها هي الأخبار تؤكد إذا أن "الوقت المناسب قد حان " وان طائرة إسرائيلية حديثة الطراز أسقطت.
ثمة شعور بالاعتزاز انتابنا نحن العرب المحبين لدولنا بشكل عام ولسورية على نحو خاص ، لأن في الأمر ما يشي بأن اتجاه الرياح ربما بدأ بالتغيير.. تذكرت كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن أن دول محور المقاومة سوف تتحرك من الآن فصاعدا كمحور وليس كدول منعزلة.
تذكرت كذلك كلاما قديما سمعته شخصيا من الرئيس بشار الأسد يقول :" مهما طالت الحرب سنربحها في نهاية المطاف ونحن ندرك أن ما يحصل هو نتاج تواطؤ دولي وعربي يراد له إنهاء القضية الفلسطينية وجعل إسرائيل قوة وحيدة لا منازع لها في المنطقة وتدمير دول المقاومة "
اشتريت كوبا ساخنا من "النيسكافية" وكرواسان بالشوكولا...ارتميت على أحد مقاعد صالة الانتظار أتمتع بما اشرب وآمل... ورحت ألاحق الأخبار كمن يريد أن لا يفلت منه خبر واحد. تأكدت الأخبار وراح العرب من المشرق حتى المغرب يتبادلون التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي ... جزء من هؤلاء أنفسهم كان حتى الأمس القريب متأثرا بالدعاية المدروسة بإتقان حول الفتنة السنية الشيعية .. كان يكفي هكذا خبر حتى تتغير قناعات ..
حان موعد إقلاع الطائرة... ذهبت إلى باب الصعود إليها.. فوجدت نفسي مجاورا لباب الصعود إلى طائرة "العال" الإسرائيلية في مطار أورلي الفرنسي ... لا أدري أي صدفة تلك التي جعلتني في تلك اللحظة الحساسة أدخل إلى طائرة الخطوط الجوية المغربية بجوار طائرة إسرائيلية. كانت وجوه ركاب طائرة العال مكفهرة... ربما بسبب طول الانتظار، أو بفعل الثلوج، أو لأنهم استمعوا إلى الأخبار فقلقوا.. أنا قررت أنهم قلقوا بسبب إسقاط الطائرة... هكذا قررت.
صعدنا إلى الباص الذي يقلنا من المطار إلى الطائرة مباشرة... عبرت الباب ... كان في الباص كثير من المغاربة وقليل جدا من الأجانب... بعد قليل صعد أحد موظفي الشركة المغربية يقول " سيداتي سادتي، هذا الباص ذاهب إلى الطائرة المغربية وليس إلى طائرة العال " ضحك الركاب ... لا أدري لماذا . ضحكت معهم ..
بين الباص وفي الطائرة، تبادلت أحاديث كثيرة مع الركاب ... معظمهم يشاهد التلفزات... هذه من نعم العمل التلفزيوني ( القليلة) حيث إن المذيع ليس بحاجة إلى مداخل كثيرة للحديث... فورا تبدأ الأسئلة السياسة ... بعضهم كان قد عرف بخبر إسقاط الطائرة والبعض عرفه مني . استطيع الجزم انه بغض النظر عن الموقف مما حصل في سورية في خلال السنوات السبع الماضية.. كان كل من تحدثت معه يشعر باعتزاز كبير ويدعو لاستكمال النصر... هنا في المغرب من المملكة إلى الجزائر فتونس وليبيا وموريتانيا ، لا تزال القلوب تنبض على قلب فلسطين وتناهض الاحتلال وجرائمه... بين فريق التصوير الذي يرافقني، زميلة فلسطينية ، لعلها سمعت بنفسها، وذهلت بمدى حب المغاربة لفلسطين ومن يدافع عنها .... وقبل أن أكتب هذا المقال زرت معرض الكتاب في الدار البيضاء حيث أوقع كتبي، وسمعت من سائقي التاكسي كلاما مشابها :" لا نرضى بظلم إسرائيل وندعو الله أن ينصر العرب والمسلمين عليها " . وأنا أضيف أيضا المسيحيين .. لان اسراىيل تسرق قدس المسيحيين والمسلمين ولا تفرق بين عربي وآخر.
اعتقد شخصيا أن هنا بيت القصيد. العرب الذين عاشوا طويلا الكثير من جور إسرائيل وعدوانها، يتعلقون باي انتصار عليها ويشعرون باستعادة شيء من كرامتهم.
بناء على ذلك يمكن الحديث عن النتائج التالية في قضية إسقاط الطائرة:
• ان إسقاط الطائرة من المفترض أن يكون ثمرة تعاون دقيق وتنسيق تقني عالي بين أطراف محور المقاومة ... ذلك أن هذه الخطوة المهمة تفترض جهوزية المحور للرد على إسرائيل في حال انتقمت لذلك فالتنسيق والتخطيط لا بد أنهما سبقت وتخللا وأعقبا ما حصل.
• ان إسقاط الطائرة يعني أن المحور قرر رفع مستوى الاستراتيجية الدفاعية إلى مستوى الردع وأن هذا هو إنذار أول ليس هدفه اندلاع حرب وإنما ردع إسرائيل عن التفكير في حرب.
• يشير هذا الحدث الجلل إلى أن منظومة الصواريخ عند سورية وحلفائها تطورت على نحو كبير في السنوات الماضية ودخلت في زمن توازن الردع الحقيقي بحدود معينة فملاحقة الطائرة وصلت إلى داخل فلسطين المحتلة.
• جاء إسقاط طائرة "أطلسية" حتى ولو كانت إسرائيل ليس من داخل الحلف ، بعد فترة على إسقاط طائرة روسية وبعد الغطرسة الكبيرة التي مارستها أميركا في الأسابيع القليلة الماضية على الأرض السورية والتي وصلت وقاحتها إلى حد الحديث عن تقسيم سورية.
• جاء إسقاط الطائرة الإسرائيلية وسط تقاطر معلومات عن استعداد أميركي وربما فرنسي للرد على السلاح الكيماوي السوري المزعوم ..كان لا بد إذا من إظهار بعض أسرار سلاح المحور لردع أي مغامرة.
• جاء إسقاط الطائرة بمثابة رد استراتيجي على كل الضغوط الإسرائيلية والأميركية لإخراج قوات إيران وحزب الله من المناطق الجنوبية لسورية ومنع تشكيل خلايا مقاومة في تلك المناطق.
• شكل إسقاط الطائرة ٣ اختراقات نفسية كبيرة ستستمر مفاعيلها طويلا ، أولها رفع على نحو كبير المعنويات في سورية ودول عربية ودعم محور المقاومة وثانيها هز مرة أخرى ثقة الإسرائيليين بجيشهم وسط تنامي القلق من احتمالات رد محور المقاومة خصوصا بعد كلام السيد نصرالله عن احتمال الدخول إلى ما بعد الجليل ، وثالثها أن المهرولين صوب الاستسلام لإسرائيل بذريعة الصلح الذي لم يجد شجرة زيتون واحدة، تلقوا هم أيضا صدمة نفسية ذلك أن الشعوب العربية من المشرق إلى المغرب تريد من يرفع كرامتها لا من يبيع الأرض والعرض ..
ما هي احتمالات المستقبل ؟
أما أن تقبل إسرائيل الصفعة وتفكر مرارا قبل أن تقدم على عدوان جديد لأن أسطورة الطائرات باتت الآن أمام مصير مجهول وتكمل بالمقابل حروبا صغيرة بطرق أخرى مثل القصف من بعيد أو اغتيالات أو ضرب بنى تحتية في سورية ولبنان وتكرر سريعا غاراتها للتغطية على الصفعة ، أو أن تقرر أنه لا بد من خوض الحرب لأنه مهما كانت نتيجتها فهي أسهل من ترك إيران وحزب الله والجيش السوري يشكلون محور مقاومة استراتيجيا خطيرا..
لا شك أننا أمام لحظات استثنائية بكل ما للكلمة من معنى. ولا شك أن قادة إسرائيل الذين سارعوا إلى هضم الصفعة والتهدئة وطلب الوساطات أصيبوا بهوة نفسية عميقة .... هم بحاجة سريعة للقيام بعمل ما ... ليست الطائرة المعادية وحدها من تحطم وإنما المثير أيضا من نفسية الإسرائيليين..
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة