تقوم تركيا حالياً ببسط سياسة خارجية جديدة في اتجاهين، تعتزم من خلالها في المقام الأول تحقيق «القسم الوطني» لآخر برلمان عثماني، ولعله هو السبب في أنها تحتل بصورة غير مشروعة الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، وشمال سورية والعراق، وتستعد أيضاً لغزو شمال اليونان.

 

وثانيا، فهي تساعد في التحضير للعملية البريطانية المقبلة في المنطقة، ولتحقيق ذلك، قامت بنشر 1500 جندي في الصومال، و35 ألفا في قطر، وهي بصدد نشر وحدة عسكرية في السودان.

 

كل هذه الدول مدعوة الآن لدعم الحروب الجهادية الجديدة في القرن الإفريقي، وشبه الجزيرة العربية.

كما يمكن أن تنشئ تركيا موطئ قدم لها في كل من جيبوتي وتشاد، وهما دولتان ضمن منطقة النفوذ الفرنسي.

 

في هذا السياق بالذات خرج لنا مؤخراً ثعبان البحر العجوز: إنشاء دويلة كردية بحيث تكون بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة كإسرائيل بالنسبة لبريطانيا والولايات المتحدة، ذلك هو الموضوع الحقيقي لقمة ماكرون أردوغان الأخيرة في باريس.

هذا المشروع ليس جديدا، وقد يعود لاتفاقيات سايكس بيكو، أو في كل الأحوال لمؤتمر سيفر في عام 1920.

 

فبينما كانت بريطانيا منهمكة في إنشاء «الوطن القومي اليهودي» في فلسطين، كانت فرنسا منشغلة في تجنيد المرتزقة الأكراد من قبيلة «ميليس»، لسحق الثورة القومية العربية في مدينتي الرقة وحلب، بيد أن مشروع دويلة كردستان لم ير النور في جنوب شرق الأناضول، خلافا لوعود الرئيس الأميركي وودرو ويلسون في ذلك الحين.

والآن بعد العديد من التحولات، هاهو المشروع الفرنسي-الأميركي يعود للظهور مع «الربيع العربي».

 

في عام 2011، وقع وزيرا الخارجية، الفرنسي آلآن جوبيه، والتركي أحمد داود أوغلو، اتفاقاً لم يعلن في حينه، يقضي بإنشاء دويلة كردية، ليس في تركيا، بل في شمال سورية، وقد قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان يعارض دائماً تلك الفكرة، بشرط أن يتمكن من ترحيل أكراد تركيا إلى تلك الدويلة.

 

بارك البنتاغون ذلك الاتفاق، وكانت الخطة الأميركية تقضي بإنشاء دويلة كردية في منتصف عام 2014، جنبا إلى جنب مع دويلة «سنية» لقطع طريق الحرير، وكانت هذه مهمة داعش، وقد نشرت الباحثة في البنتاغون روبن رايت خرائط هاتين الدويلتين في صحيفة «نيويورك تايمز» الصادرة في 28 أيلول 2013.

لكن المشروع أخفق مرة أخرى، على الرغم من انضمام صالح مسلم إلى الاجتماع مع رئيسي كل من فرنسا وتركيا الذي جرى في قصر الإليزيه بتاريخ 31 تشرين الأول 2014.

 

تعويضا عن ذلك، تصورت باريس وتل أبيب مجدداً فكرة إنشاء دويلة كردية زائفة، ولكن هذه المرة في العراق، أعلنت ستون دولة عن موافقتها على الفكرة، لكن المشروع باء بالفشل في اللحظة الأخيرة بسبب انسحاب الولايات المتحدة.

في القمة التي انعقدت في 5 تموز 2018، وافق الرئيسان ماكرون وأردوغان على العودة إلى المشروع السابق: إنشاء دويلة كردية في شمال سورية، بشرطين أساسيين: أن يقطع قادتها علنا أي علاقة مع حزب العمال الكردستاني، وألا يكون لها اتصال مع البحر الأبيض المتوسط.

 

القرار النهائي بهذا الشأن وفقا لخالد عيسى، ممثل «وحدات حماية الشعب» في باريس، هو بيد الولايات المتحدة وحدها، التي تمكنت فعليا من تحويل كل من حزب العمال الكردستاني و«وحدات حماية الشعب»، من أحزاب ماركسية موالية للاتحاد السوفييتي السابق، إلى أحزاب فوضوية «أناركية»، موالية للولايات المتحدة.

 

بيد أنه حتى هذا المشروع الرامي لإنشاء إسرائيل جديدة، غير يهودية، ولكن كردية، مصيره ككل المشاريع التي سبقته منذ قرن: الفشل.

  • فريق ماسة
  • 2018-01-08
  • 13296
  • من الأرشيف

"إسرائيل" جديدة بسروال كردي

تقوم تركيا حالياً ببسط سياسة خارجية جديدة في اتجاهين، تعتزم من خلالها في المقام الأول تحقيق «القسم الوطني» لآخر برلمان عثماني، ولعله هو السبب في أنها تحتل بصورة غير مشروعة الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، وشمال سورية والعراق، وتستعد أيضاً لغزو شمال اليونان.   وثانيا، فهي تساعد في التحضير للعملية البريطانية المقبلة في المنطقة، ولتحقيق ذلك، قامت بنشر 1500 جندي في الصومال، و35 ألفا في قطر، وهي بصدد نشر وحدة عسكرية في السودان.   كل هذه الدول مدعوة الآن لدعم الحروب الجهادية الجديدة في القرن الإفريقي، وشبه الجزيرة العربية. كما يمكن أن تنشئ تركيا موطئ قدم لها في كل من جيبوتي وتشاد، وهما دولتان ضمن منطقة النفوذ الفرنسي.   في هذا السياق بالذات خرج لنا مؤخراً ثعبان البحر العجوز: إنشاء دويلة كردية بحيث تكون بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة كإسرائيل بالنسبة لبريطانيا والولايات المتحدة، ذلك هو الموضوع الحقيقي لقمة ماكرون أردوغان الأخيرة في باريس. هذا المشروع ليس جديدا، وقد يعود لاتفاقيات سايكس بيكو، أو في كل الأحوال لمؤتمر سيفر في عام 1920.   فبينما كانت بريطانيا منهمكة في إنشاء «الوطن القومي اليهودي» في فلسطين، كانت فرنسا منشغلة في تجنيد المرتزقة الأكراد من قبيلة «ميليس»، لسحق الثورة القومية العربية في مدينتي الرقة وحلب، بيد أن مشروع دويلة كردستان لم ير النور في جنوب شرق الأناضول، خلافا لوعود الرئيس الأميركي وودرو ويلسون في ذلك الحين. والآن بعد العديد من التحولات، هاهو المشروع الفرنسي-الأميركي يعود للظهور مع «الربيع العربي».   في عام 2011، وقع وزيرا الخارجية، الفرنسي آلآن جوبيه، والتركي أحمد داود أوغلو، اتفاقاً لم يعلن في حينه، يقضي بإنشاء دويلة كردية، ليس في تركيا، بل في شمال سورية، وقد قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان يعارض دائماً تلك الفكرة، بشرط أن يتمكن من ترحيل أكراد تركيا إلى تلك الدويلة.   بارك البنتاغون ذلك الاتفاق، وكانت الخطة الأميركية تقضي بإنشاء دويلة كردية في منتصف عام 2014، جنبا إلى جنب مع دويلة «سنية» لقطع طريق الحرير، وكانت هذه مهمة داعش، وقد نشرت الباحثة في البنتاغون روبن رايت خرائط هاتين الدويلتين في صحيفة «نيويورك تايمز» الصادرة في 28 أيلول 2013. لكن المشروع أخفق مرة أخرى، على الرغم من انضمام صالح مسلم إلى الاجتماع مع رئيسي كل من فرنسا وتركيا الذي جرى في قصر الإليزيه بتاريخ 31 تشرين الأول 2014.   تعويضا عن ذلك، تصورت باريس وتل أبيب مجدداً فكرة إنشاء دويلة كردية زائفة، ولكن هذه المرة في العراق، أعلنت ستون دولة عن موافقتها على الفكرة، لكن المشروع باء بالفشل في اللحظة الأخيرة بسبب انسحاب الولايات المتحدة. في القمة التي انعقدت في 5 تموز 2018، وافق الرئيسان ماكرون وأردوغان على العودة إلى المشروع السابق: إنشاء دويلة كردية في شمال سورية، بشرطين أساسيين: أن يقطع قادتها علنا أي علاقة مع حزب العمال الكردستاني، وألا يكون لها اتصال مع البحر الأبيض المتوسط.   القرار النهائي بهذا الشأن وفقا لخالد عيسى، ممثل «وحدات حماية الشعب» في باريس، هو بيد الولايات المتحدة وحدها، التي تمكنت فعليا من تحويل كل من حزب العمال الكردستاني و«وحدات حماية الشعب»، من أحزاب ماركسية موالية للاتحاد السوفييتي السابق، إلى أحزاب فوضوية «أناركية»، موالية للولايات المتحدة.   بيد أنه حتى هذا المشروع الرامي لإنشاء إسرائيل جديدة، غير يهودية، ولكن كردية، مصيره ككل المشاريع التي سبقته منذ قرن: الفشل.

المصدر : تيري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة