دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يبدو من غير المنصف مقارنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكل أسلافه ممن تعاقبوا على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية , فهو مختلف في الشكل والإسلوب والنعوت التي أطلقت عليه , فيما يبقى المضمون صنيعة الدولة الأمريكية العميقة ووفق ما ترسمه و تحدده – لكل عهد رئاسي - من عناوين وملامح لسياساتها , عبر الوثيقة التي دأبت على إصدارها منذ العام 1984 تحت عنوان " استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية " حول العالم, وإعتمادها على أبحاث "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط" لصياغة سياستها هناك , حيث دأب المعهد على تقديم أوراق عملٍ كل أربع سنوات , تُقدم للرئيس الأمريكي الجديد مع بدء ولايته , بهدف تقوية العلاقة الإستراتيجية والعسكرية الأمريكية – الإسرائيلية ,
ولطالما اجتهدت الوثيقة على إظهار رفقة السلاح والعقيدة بين المؤسسة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية, و لطالما جاءت بلغةٍ تعتمد النزعة العنصرية الفوقية المغلّفة بهالةٍ دينية تحفظ ما تسميه "حق إسرائيل" في موارد العالم و تضعها فوق القانون الدولي, وتظهيرها كقوة خيرٍ في مواجهة محور الشرّ. ومع إنتهاء العام الأول من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب , بدا العالم أكثر توترا ً وأقل إستقرارا ً , وحال الداخل الأمريكي كحال خارجه , فالرجل لا يملك من الخبرة السياسية بقدر ما يمتلكه في التجارة والمقايضة والصفقات الأخلاقية و اللاأخلاقية على حدٍ سواء , فقد رفع شعار "أمريكا أولا ً" منذ بدء حملته الإنتخابية كمرشح للرئاسة , وأعلن جملة مواقف لا تسر الصديق قبل العدو , وألقي وعوده يمينةً ويسرةً , وقدم نفسه للعالم كرجلٍ نرجسي مخيف أخرق القول و الفعل ، إباحي فضائحي حالم , قرع كافة أجراس العالم , وأراد أن يصبح المنقذ الجديد بتحرير أمريكا من أمريكا وإطلاق يدها من جديد , فأدخل العالم في دوامة الحسابات المعقدة قبل أن يدخل البيت الأبيض , فما عساه فعل في عامه الأول وما يخطط لفعله في عامه الثاني!, خصوصا ً بعدما أعلن عن إستراتيجيته الجديدة ووثيقته التي أقرت "بمواجه الأنظمة المارقة التي تواجه بلاده وحلفائها , والمنظماتٍ الإرهابية العابرة للحدود , ولاّخرين يبثون العنف والشر حول العالم , وبمنافسين يسعون لتحدي النفوذ والقيم والثراء الأمريكي , عبر شراكاتٍ تحمي المصالح الأمريكية" – بحسب ترامب -.
فمع إنتهاء ولاية باراك أوباما , بدت أمريكا بحاجة إلى محراث كبير لقلب التربة قبل أن تتحول أمريكا إلى أرض خائبة وسط جنّات الاّخرين , لكن ترامب كان أشبه بحزامٍ ناسف أطاح بما تبقى من هيبة أمريكا وسمعتها ومكانتها ونفوذها ومصداقيتها , هي أشهرٌ قليلة أُعطيت للرجل لإخراجها من عنق الزجاجة , ونزع قيودها والتخلص من إخفاقاتها وهزائمها وتفاهماتها وإتفاقاتها التي كبلت اّلية تحركها السياسي والعسكري في الساحات الساخنة عموماً وفي سوريا خصوصاً , أشهرٌ أرادها ترامب ليكون الظاهرة , لكن سرعان ما سُحب البساط من تحت قدميه ليكون النسخة الأوبامية التقليدية التي ينقم عليها. لن يكون نسيان عامه الأول سهلا ً بالنسبة لأمريكا والأمريكيين .. فالتعويض يبدو صعباً أو مستحيل المنال في المدى المنظور.. فالفراغات التي تركتها بفضل أخطائها , ملئتها روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا ودول البريكس , والإتحاد الأوراسي وغيرها , واُجبرت واشنطن على التراجع عن قطبيتها الأحادية , الأمر الذي انعكس سلبا ً على علاقاتها مع غالبية دول العالم , ودفعها لإستبدال المنافسة بالتهديد والمواجهة العسكرية , وبالكاد وبفضل العقلاء تم تفادي حروباً عالمية جديدة –حتى الاّن- , على شرف كوريا الشمالية أو إيران أو حتى روسيا . فلم يأتي عامه الأول برداً وسلاماً على الأمريكيين في الداخل , فقد لدغهم الإرهاب مراراً وتكراراً , وامتلئت الشوارع بالمناهضين لترامب ولبقائه في السلطة.. عامٌ تصدرته الخلافات والصدامات وسرعة الإقالات والإتهامات والثرثرات القضائية والإعلامية , وهاجس أن يكون ترامب صديق روسيا وعميلها في واشنطن؟ أم أنه كبش فداء لدولة أدمنت الغطرسة والعنجهية والأخطاء الكبرى , لتجد نفسها تحاصر خصومها وتبتز شركائها و تنقضّ على أعدائها لتحقيق مصالحها وملئ خزائنها بحفة دولارات ؟ أم تراها تمتن لترامب وتلعن زمانه وتكاد تقيله وتتهمه بالخيانة العظمى؟. عامٌ أول لترامب , كان كافيا ً لخسارة جهود تنظيم "داعش" أمريكي الأب والحضانة , ولإنهيار وعود أسلافه بإستثمار ٍ يمتد ثلاثون عاما ً في الشرق الأوسط في سوريا والعراق , فها هو اليوم يبحث عن صيغٍ وأشكال ٍ جديدة للتنظيم ليحافظ على مواقعه الميدانية والسياسية, فالإعتماد على "جبهة النصرة" لن يكون رهاناً واقعيا ً بعد إعلان روسيا قتال و محاربة التنظيم في سوريا أولويةً في العام 2018 . عامٌ كان كافيا ً لترامب لنسف الإتفاقيات والعهود والتفاهمات مع حلف الناتو و تركيا , ولتراجعه في عديد الملفات والساحات , أمام روسيا في سوريا وأوكرانيا ووكوريا الشمالية , ولتعديل الملف النووي الإيراني وتواجده في بحر الصين الجنوبي .. عامٌ أصيبت فيه سياسة واشنطن بشرخٍ كبير بعلاقاتها مع أوروبا ما دفع الأخيرة للتفكير بالإعتماد على نفسها أكثر , والبحث عن مستقبلها ومصالحها ومصيرها بعيدا ً عنها , فيما بدأت بعض دول تحالفها الستيني بالإنسحاب منه على غرار بلجيكا.. فلا الحرب قامت ولا النووي تزحزح فيما تعكر مناخ باريس وإتفاقيتها الملغاة . عامٌ توجه ترامب بتحدٍ كبير واجه من خلاله العالم كله بإعترافه بالقدس عاصمة لليهود , وإنحدر إلى مستوى تسجيل أسماء الدول التي لم تصوت لصالح قراره لمعاقبتها, بعدما وضع رهانه على الأكراد في سوريا وبدا كمن يراهن على جثة ميتة , على ضوء فشل المشاريع الإنفصالية في العراق وكاتالونيا وغير مكان , وإنتقل إلى "مراقبة وتسجيل" الأعمال التخريبية التي يقوم بها بعض الإيرانيون اللذين يدعمهم ويعتمد عليهم لزعزعة أمن واستقرار الدولة الإيرانية من داخلها بعدما عجز عن تهديدها ولم يجرؤ على مواجهتها. فيما استمر ترامب بدعم الأنظمة الرجعية في العالم العربي , غير اّبهٍ بالدمار و الدماء اليمنية التي تسفكها أنظمة التكفير والتخلف في السعودية والإمارات وقطر وغيرها .... على إيقاع نقل الإرهاب إلى مصر , وإحتفاظه بكلمة السرّ القادرة على تفجير الوضع في تركيا والسعودية والمنطقة برمتها , يبدو أنه ترجم عمليا ً شعار "أمريكا أولا ً" ب "إسرائيل أولا ً". ومع إنتهاء العام الأول لولايته لم ينجح ترامب في تحسين صورته , ولم يقنع أحداً "بإنتصاراته" ؟ ولا تزال الصحف الأمريكية تنال منه على غرار صحيفة الواشنطن بوست – التي وصفته مؤخرا ً ب"الطائش , غريب الأطوار" , لقد فعل السيد ترامب كل فعل شنيع و مريع , وقد يكون بحاجةٍ لمن يقول له كفى , فعامه الأول لا يبشر الأمريكيين بما يحلمون , فيما يقرأ العالم سلوكه ونهجه خطرا ً على الأمن والسلام الدولي.
المصدر :
ميشيل كلاغاصي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة