دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انشغلت "إسرائيل"، وما زالت في الأشهر الأخيرة، بالتحذير من إمكان تعزيز حضور أعدائها في الساحة السورية، وتنامي تهديدهم لها.
صدرت هذه التحذيرات، وتكاثرت، على خلفية الانتصارات الميدانية للجيش السوري واتجاهات التسوية في سوريا التي باتت مرتبطة بهذه الانتصارات والبناء عليها، من دون القدرة على عزلها. رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي ، بنيامين نتنياهو، وغيره من المسؤولين، كان واضحاً جداً في تحذيراته: ضرورة ضمان انسحاب إيران، كجزء أو من دون، أي حل سياسي مستقبلي في سوريا.
في حديثه مع المراسلين، بعد زيارته الأخيرة لموسكو التي خصصت للتحذير من الوجود الإيراني في سوريا وإمكان تناميه لاحقاً، قال نتنياهو (شباط الماضي) إنه أكد أمام (الرئيس فلاديمير) بوتين أن إسرائيل" لا تعارض الاتفاق السياسي في سوريا لإنهاء الحرب ، بل تعارض أن تبقى إيران ضمن هذا الاتفاق بشكل دائم»، لافتاً إلى أن «ترسيخ وجود إيران في سوريا، ينطوي على أبعاد خطيرة" على أمن إسرائيل». التحذير نفسه، أعاد تأكيده خلال زيارته للبيت الأبيض، ولقائه اللاحق بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
من حينه، نشط وزير الشؤون الاستخبارية في الحكومة الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، على خط التحذير من «الوجود الإيراني في سوريا وتناميه»، مشيراً خلال زيارات مكوكية لواشنطن ولقائه عدداً من مسؤولي إدارة ترامب والكونغرس ومسؤولي الاستخبارات الأميركية، إلى أن إيران في سوريا هي «الموضوع الرئيسي». وحذّر بصورة متكررة عبر تصريحات ومواقف ولقاءات في الكونغرس ومقالات نشرها في الإعلام العبري والأميركي، من التهديد الإيراني، ومما كرر قوله: «عبر الوجود بشكل دائم في سوريا، مع دعم من حزب الله، فإن إيران تريد إنشاء محور إقليمي يربط أراضيها بلبنان ويمر بالعراق وسوريا، الأمر الذي لا يمكن إلا أن يهدد أمن إسرائيل».
إلا أن اللافت جداً، الصمت الإسرائيلي الرسمي، بعد أن كاد التهديد، المحذر منه إسرائيلياً وإلى حد الإفراط، يتحقق بالفعل. وصول الجيش السوري وحلفائه إلى الحدود العراقية، بعد محاولات منع أميركية بالقوة العسكرية، بانتظار ملاقاته بقوات «الحشد الشعبي» في الجانب الآخر من الحدود، جرّ حتى الآن في أعقابه صمتاً رسمياً إسرائيلياً، رغم حجم التحذيرات السابقة وشكلها ومحتواها، بشكل نمطي ومتكرر. إلا أن الصمت قد يكون أبلغ في دلالاته، من المواقف العلنية المباشرة.
مع ذلك، نشط الخبراء والتقارير الإعلامية العبرية بموازاة الصمت الرسمي. صحيفة «معاريف» وصفت أمس تطورات «الممر البري» من العراق إلى سوريا، ونجاح الجيش السوري وحلفائه في الوصول إلى الحدود، بالتطور السيئ جداً من ناحية "إسرائيل". ولفتت إلى أن الجمهورية الإسلامية (إيران) تسعى منذ سنوات إلى إنشاء تواصل بري يبدأ من إيران ويمر في العراق وسوريا، ومن هناك إلى لبنان والبحر المتوسط، و«عندما ينجحون في ذلك، يمكن القول إن الهلال الشيعي البري قد تحقق». وتضيف: «بهذا، ستؤكد (إيران) سيطرتها العليا على هذا الجزء من الشرق الأوسط، وهو السيناريو الذي يقض مضاجع إسرائيل».
وفضلاً عن عمليات «تهريب» السلاح إلى لبنان، التي ستكون أسهل بكثير على الإيرانيين جراء الممر البري من العراق، تسلط الصحيفة الضوء على أحد أهم التهديدات الاستراتيجية الطارئة على الواقع المستجد، قائلةً: «هذا الأمر يعني إحياء الجبهة الشمالية الشرقية، التي كفّت عن كونها تهديداً منذ انهيار نظام صدام حسين في العراق والحرب الأهلية في سوريا. الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى الاستعداد بالشكل المناسب للتهديد الجديد في الشمال الشرقي، واستعداد الجيش الإسرائيلي مكلف جداً».
توضح الصحيفة إمكان مواجهة الخطر المتشكل، عبر عدة وسائل، وليس بالضرورة بأيدٍ إسرائيلية مباشرة، مع التشديد على أن «إسرائيل ليست وحدها القلقة من الوضع الناشئ في سوريا، ذلك أن الأردن والولايات المتحدة، أيضاً عبّرا عن القلق». وتلفت إلى معلومات استخبارية غربية، قالت إن أياً من المصادر الإسرائيلية لم يؤكدها، تتحدث عن نية لدى الجيش الأردني لإقامة مناطق عازلة داخل سوريا، و«أساس الخطوة حماية حدود المملكة من تسلل الجهات الإرهابية. رغم أن ذلك سيمكّن أيضاً، من وضع مجموعات مثل الجيش الحر، ومغاوير الثورة، في المناطق العازلة حيث تستطيع هذه القوى بعد الدعم والتدريب من الأردن والأميركيين، إقامة مواقع متقدمة للعمل في عمق سوريا».
وإذا نفّذ الأردن هذه الخطوة، تضيف الصحيفة، سيكون لذلك مغزى استراتيجي كبير ومفيد "لإسرائيل". تنقل «معاريف» عن المصادر الغربية الاستخبارية، قولها إنّ «بإمكان الأردن تسليح الميليشيات الدرزية، خدمة لهذا الهدف، مع الإدراك المسبق أن الدروز مقربون من النظام السوري، لكنهم ينتهجون بين الحين والآخر خطاً مستقلاً وينشئون علاقات مع جهات خارج سوريا».
لكن هل هذا هو الحل للخطر الاستراتيجي الكامن في تعزيز مكانة أعداء "إسرائيل" وتناميهم عبر تحقيق الممر البري من العراق؟ هل يمنع ذلك الدولة السورية وحلفاءها من الانتقال من مرحلة الانتصار ومنع الأعداء من تحقيق مخططاتهم، إلى مرحلة تثمير هذا الانتصار عبر التواصل مع العراق؟ الواقع، أن تحقق السيناريو الأردني، باعتباره أحد ردود "إسرائيل" بالوكالة عنها وبالأصالة أيضاً عن الأردن، وهو سيناريو بطبيعة الحال أميركي بامتياز، لن يحقق إلى مستوى تخفيف مفاعيل الممر البري المحذر منه، ولن ينهي التهديد، لأن تداعياته أوسع بكثير من مسألة عزل جغرافي للحدود الجنوبية، بأدوات فصائل مسلحة معادية للدولة السورية.
وإذا كان هذا السيناريو، مجرد عامل تخفيف جانب من التهديدات المباشرة جداً، دون إنهاء التهديد الفعلي، فسيكون على طاولة القرار في تل أبيب طرح لخيارات بديلة، لا يبعد أن يكون من بينها التدخل العسكري المباشر، بغض النظر إن كانت هذه الخيارات ستفعّل أو لا. من ناحية، تعقيدات الساحة السورية أكبر وأوسع بكثير من قدرة "إسرائيل" على احتوائها أو حرف اتجاهاتها، لكن في المقدمة أيضاً وابتداءً، لا يوجد لدى إسرائيل خيارات، مهما كانت متطرفة، تزيد على القدرة الأميركية، التي إن حالت دونها تعقيدات وتداعيات منعت أميركا سلوكها، رغم محاولاتها المتكررة، ستكون في الأولى مانعة للخيارات الإسرائيلية.
تعقيدات الخيارات الإسرائيلية المتطرفة، تدفعها إلى الاكتفاء بخيارات التضييق على «الممر البري». بحسب «معاريف»، إذا عمل الأردن عسكرياً داخل سوريا «وأنشأ علاقة مع الموحدون الدروز، فهذا سيساعد على زيادة الرقابة على أجزاء مهمة من الحدود بين العراق وسوريا، الأمر الذي سيصعب على إيران تحقيق طموحها في إقامة الممر البري، حتى لو لم يمنع ذلك كلياً». والرهان على ذلك، كما ورد في الصحيفة، يؤكد محدودية القدرة العملية للحؤول دون الممر، وشبه تسليم بإمكان تحققه، إسرائيلياً. ما يشير أيضاً، من جديد، إلى أن كل الخطوط الحمراء الموضوعة للساحة السورية، إسرائيلياً وأميركياً، خطوط قابلة للانزياح في أقل تقدير، في حال الإصرار على خرقها... وهذا نجاح، متكرر، للدولة السورية وحلفائها.
المصدر :
يحيى دبوق / الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة