يشعر الرأي العام السوري بقلق بالغ إزاء المعلومات، والتقارير، والسيناريوهات التي يجري تداولها، والحديث عنها بشأن مشروع «الفدرلة» في الشمال السوري،

 

والذي يتزايد الحديث عنه بشكل خاص مع وجود القوات الأميركية في تلك المنطقة، والعمل الجاري على تعزيز مطارات عسكرية في الشمال، والدعم الواضح، والمكشوف لما يسمى «قوات الحماية الكردية» تسليحاً، وتدريباً، ودعماً سياسياً.

 

ويترافق هذا القلق مع صمت من جانب الحكومة السورية التي لم يصدر عنها أي تعليق، أو تفسير، أو شرحٍ لحقيقة ما يجري في تلك المنطقة وهو أمر زاد من قلق الشارع السوري، وقد يكون الغموض البناء مقصوداً من طرف الحكومة السورية حالياً نظراً لتعقيد المشهد، ودقته هناك.

السوريون الأكراد كغيرهم من السوريين منقسمون أيضاً بين تيار مرتبط بأجندة أميركية- غربية، وبمشاريع التقسيم الموضوعة للمنطقة، ويعتقدون أنها بالنسبة لهم فرصة تاريخية لإنجاز حلم الدولة، حتى إن المدربين العسكريين الأميركيين يقولون للمقاتلين الذين يدربونهم: «إنكم مثل الإسرائيليين كانوا قوة صغيرة، وتحولوا إلى دولة، ولديكم المظلومية نفسها، وعليكم أن تستفيدوا من الفرصة السانحة لكم!!!» لكن تياراً كردياً غالباً يرى في زج السوريين الأكراد مسألة خطرة، ويؤمن هؤلاء أن الارتباط الفعلي، والحقيقي هو مع الدولة السورية، وعبر الحفاظ على وحدة سورية مع المطالبة بحقوق ثقافية، ولا مركزية إدارية موسعة.

ويستدل أصحاب الرأي الثاني بالتجارب التاريخية للكرد، إذ إنهم في كل مرة يستخدمون ورقة على مذبح الصراعات الدولية، والإقليمية ويخرجون خاسرين، ويدفعون ثمن التسويات.. ولذلك فإن الاطمئنان الحقيقي هو مع سورية الوطن الواحد، الموحد، وليس بالتحول إلى سكين يقطع في الجسد السوري المنهك.

السوريون الأكراد يشعرون الآن بمخاطر حقيقية نتيجة دخول بعض المتطرفين منهم في لعبة مع الأميركان، والقوى الغربية، ومع الاحتلال التركي لجزء من الأراضي السوري أصبح احتمال وَصلْ الكانتون الكردي صعباً «الجزيرة، وعين العرب مع عفرين»، وهو أمر ترى فيه أنقرة خطراً داهماً لا يمكن السماح به، ما صَعَّبَ كثيراً إمكانية إعلان ما سُمي الفيدرالية، على الرغم من تشكيل ما يُعرف بـ«مجلس سورية الديمراطية» الذي لا يختلف كثيراً عما عُرف بالائتلاف، حيث يسيطر الإخوان مع واجهات ليبرالية علمانية من باب «الزعبرة السياسية»، وأما في مجلس سورية الديمقراطية فإن السيطرة هي لحزب الاتحاد الديمقراطي- مع واجهات عربية- وإثنية أخرى «للزعبرة السياسية أيضاً».

يستقوي حزب الاتحاد الديمقراطي بالولايات المتحدة والغرب، ويطلق زعيمه «صالح مسلم» تصريحات أكبر من حجمه، ووزنه، وإمكاناته ويعمل على اللعب على كل الحبال: إذ تحدث سابقاً مع أنقرة، وزارها عدة مرات لينتهي الأمر به إلى ملاحقته تركياً، وصدور مذكرة توقيف بحقه، ويراهن على الأميركي الآن مع قلق من احتمالات بيع واشنطن للورقة الكردية للأتراك، أو لأطراف أخرى، وفي الوقت نفسه لم يقطع العلاقة مع دمشق، ولا مع موسكو، حيث جرى افتتاح مركز للمصالحة قرب عفرين- مع قاعدة للتدريب العسكري، وفي الوقت نفسه دخل الجيش العربي السوري مناطق في ريف منبج بالتفاهم مع قوات الحماية الكردية، وموسكو، وقيل آنذاك إنه لا تعديل في العلاقة مع الحكومة السورية إنما هو مجرد إدارة للأزمة تجاه أعداء مشتركين «تركيا- وداعش، والنصرة».

مشكلة بعض القوى السياسية السورية- الكردية هو قبولها بأن تكون أداة رخيصة ضد بلدها، وشعبها تحت زعم الفرصة التي لن تتكرر لإقامة كانتون كردي- أي إن الفرصة سانحة في ظل ما تتعرض له سورية من عدوان فاشي- إرهابي، وبالتالي بالإمكان خلق أمر واقع بدعم أميركي- غربي يصبح تغييره أمراً صعباً، إضافة إلى أن الدولة السورية لا تمتلك الآن قدرات لمنع هذا التهور، أو بالأصح الانتهازية السياسية الرخيصة.

في هذا الشأن، فإن كثرة حديث هؤلاء عن الديمقراطية تنقضه ممارسات الواقع التي تكشف أن مدعي الديمقراطية والحرية يقمعون حتى الأكراد المعارضين لمشروعهم، ويفرضون على الناس بالقوة ما يعتقدونه صحيحاً، ويقدمون نموذج عبادة الفرد، ويريدون فرض اللغة الكردية على الجميع، وارتكبوا حماقات ضد مؤسسات الدولة السورية في الحسكة وضد الجيش، الأمر الذي تسبب آنذاك بتوتر شديد في المحافظة.

الآن لو تساءلت ماذا يريد السوريون الأكراد، وما مطالبهم التي تبدأ في نقطة ما، ولا نعرف أين تنتهي!! ولذلك لابد من وضوح كامل أمام السوريين جميعاً، وإذا وُفقت في شرح ذلك، أستطيع أن أشير إلى مسألتين أساسيتين يُطالب بهما السوريون الأكراد:

1- مسألة اللغة، والثقافة، والتراث: وهذه المسألة لا عقدة فيها من أغلبية السوريين، فالحكومة السورية افتتحت قسماً للغة الكردية في جامعة دمشق، وتشجع الثقافة- والتراث الكرديين، كما غيرهم من المواطنين السوريين، باعتبار ذلك جزءاً من التراث الوطني السوري، ولكن شرط أن يتم ذلك ضمن إطار وحدة الدولة، واللغة العربية الرسمية، وأن تكون الكردية لغة ثانية. وهذا أمر منطقي، ويمكن أن يحظى بالدعم من الجميع.

2- مسألة (اللامركزية الإدارية): هذه قضية مطلوبة ليس فقط للسوريين الأكراد، ولكن أيضاً لكل المناطق السورية، وقد صدر بهذا الشأن قانون الإدارة المحلية لعام 2012، وتعديلات لاحقة له إن لم تخطئني الذاكرة، كأساس لتطوير نظام الإدارة المحلية على مستوى سورية، وهذا سيشمل الجميع.

إن تطوير دور البلديات في المرحلة القادمة مهم، وأساسي، وضروري، لا بل استراتيجي، لاعتبارات عديدة، منها:

– تعزيز مشاركة المواطنين في انتخاب قادتهم المحليين، والابتعاد عن مفهوم «التعيين- باسم الانتخابات»، من خلال التنافس بين الأحزاب السياسية جميعها.

– دور البلديات المهم جداً في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية وتنفيذ خطط الدولة الاستراتيجية، ويدلل على ذلك التجارب الناجحة للعديد من دول العالم.

– التنافس الإيجابي الذي سيحدث بين البلديات، ما سيساعد كثيراً في عملية النهضة الوطنية الشاملة.

– ظهور القيادات الواعدة من خلال التجارب البلدية الناجحة، التي ستساعدنا كثيراً في مسألة التخلص من «الحظ واليانصيب» باختيار المسؤولين فالتجارب البلدية تُظهر إمكانات القادة المحليين، وتبرز دورهم في خدمة الناس من جهة، والمصلحة العامة من جهة أخرى «كثير من مسؤولي الدول بدؤوا تجاربهم كرؤساء للبلديات».

– هنا علينا أن نعترف أننا فشلنا في التجربة البلدية على الصعيد الوطني، ليس لسوء القانون الموجود آنذاك، بل لسوء تطبيقه إلى حد كبير، وخاصة أن أغلبية المشكلات التي كان المواطنون يعانونها هي مشكلات بلدية- تنموية- كان بالإمكان حلها- وعدم تفاقمها لو كان هناك بلديات قادرة، ولديها مصادر تمويل.

على أي حال: أعتقد أن أغلبية السوريين الأكراد ينحون بهذا الاتجاه، وهذه المطالب، ومصلحة جميع السوريين بالدولة القوية وليس بالدولة الضعيفة، وتجارب محيطنا القريب تؤكد ذلك، أما أولئك الساعون نحو مشاريع انفصالية، أو كانتونات تضعف من قوة الدولة، بدلاً من أن تكون سنداً ودعماً لها، فإنني أظن أنهم سيواجهون مشكلات جمة منها:

– مشكلات مع الوسط السوري- الكردي نفسه المنتمي لسورية.

– مشكلات مع السوريين عامة الذين يرفضون رفضاً قاطعاً أي نمط من أنماط الفدرلة، أو التقسيم، وخاصة أن المناطق التي يجري الحديث عنها فيها ثروات كبيرة «النفط، الماء، القمح، القطن، الغاز»- وهي ليست من حق جزء من السوريين على حساب كل السوريين لا قانونياً، ولا دستورياً.

– عدم القدرة على ربط الجغرافيا بعضها ببعض لعدم وجود ديمغرافيا مساعدة، وهناك خشية من الاشتباك مع العشائر العربية، وهو أمر لا يريده أحد، وليس من مصلحة أحد، فالمطلوب وحدة السوريين جميعاً عرباً، وكرداً.

إن تجارب التاريخ كلها تفيد أن نهاية العمالة والارتهان للقوى الخارجية معروفة النتيجة والعواقب، ويفترض بذلك الجزء المتطرف أن يستمع لصوت العقل السوري الوطني الانتماء، والذي يقول: إن الأميركي لم يكن يوماً داعماً لحقوق، أو حريات، أو ديمقراطية، وإنما باحث عن مصالحه الذاتية، ومشاريعه المدمرة في هذه المنطقة التي آن لها أن تتوحد فيها إرادة العرب والكرد والفرس والترك لمواجهة المخاطر التي تمس الجميع، وعدم إدراك ذلك سيجعل الجميع يدفع فاتورة باهظة التكاليف.

آن لنا أن نتعلم، ونفهم القاعدة الذهبية لدى قوى الهيمنة وهي «فرق تسد»، وأن نُعطِّل مفاعيلها، وما على الرسول إلى البلاغ.

  • فريق ماسة
  • 2017-04-02
  • 13914
  • من الأرشيف

بصراحة: ماذا يريد السوريون الأكراد؟!

يشعر الرأي العام السوري بقلق بالغ إزاء المعلومات، والتقارير، والسيناريوهات التي يجري تداولها، والحديث عنها بشأن مشروع «الفدرلة» في الشمال السوري،   والذي يتزايد الحديث عنه بشكل خاص مع وجود القوات الأميركية في تلك المنطقة، والعمل الجاري على تعزيز مطارات عسكرية في الشمال، والدعم الواضح، والمكشوف لما يسمى «قوات الحماية الكردية» تسليحاً، وتدريباً، ودعماً سياسياً.   ويترافق هذا القلق مع صمت من جانب الحكومة السورية التي لم يصدر عنها أي تعليق، أو تفسير، أو شرحٍ لحقيقة ما يجري في تلك المنطقة وهو أمر زاد من قلق الشارع السوري، وقد يكون الغموض البناء مقصوداً من طرف الحكومة السورية حالياً نظراً لتعقيد المشهد، ودقته هناك. السوريون الأكراد كغيرهم من السوريين منقسمون أيضاً بين تيار مرتبط بأجندة أميركية- غربية، وبمشاريع التقسيم الموضوعة للمنطقة، ويعتقدون أنها بالنسبة لهم فرصة تاريخية لإنجاز حلم الدولة، حتى إن المدربين العسكريين الأميركيين يقولون للمقاتلين الذين يدربونهم: «إنكم مثل الإسرائيليين كانوا قوة صغيرة، وتحولوا إلى دولة، ولديكم المظلومية نفسها، وعليكم أن تستفيدوا من الفرصة السانحة لكم!!!» لكن تياراً كردياً غالباً يرى في زج السوريين الأكراد مسألة خطرة، ويؤمن هؤلاء أن الارتباط الفعلي، والحقيقي هو مع الدولة السورية، وعبر الحفاظ على وحدة سورية مع المطالبة بحقوق ثقافية، ولا مركزية إدارية موسعة. ويستدل أصحاب الرأي الثاني بالتجارب التاريخية للكرد، إذ إنهم في كل مرة يستخدمون ورقة على مذبح الصراعات الدولية، والإقليمية ويخرجون خاسرين، ويدفعون ثمن التسويات.. ولذلك فإن الاطمئنان الحقيقي هو مع سورية الوطن الواحد، الموحد، وليس بالتحول إلى سكين يقطع في الجسد السوري المنهك. السوريون الأكراد يشعرون الآن بمخاطر حقيقية نتيجة دخول بعض المتطرفين منهم في لعبة مع الأميركان، والقوى الغربية، ومع الاحتلال التركي لجزء من الأراضي السوري أصبح احتمال وَصلْ الكانتون الكردي صعباً «الجزيرة، وعين العرب مع عفرين»، وهو أمر ترى فيه أنقرة خطراً داهماً لا يمكن السماح به، ما صَعَّبَ كثيراً إمكانية إعلان ما سُمي الفيدرالية، على الرغم من تشكيل ما يُعرف بـ«مجلس سورية الديمراطية» الذي لا يختلف كثيراً عما عُرف بالائتلاف، حيث يسيطر الإخوان مع واجهات ليبرالية علمانية من باب «الزعبرة السياسية»، وأما في مجلس سورية الديمقراطية فإن السيطرة هي لحزب الاتحاد الديمقراطي- مع واجهات عربية- وإثنية أخرى «للزعبرة السياسية أيضاً». يستقوي حزب الاتحاد الديمقراطي بالولايات المتحدة والغرب، ويطلق زعيمه «صالح مسلم» تصريحات أكبر من حجمه، ووزنه، وإمكاناته ويعمل على اللعب على كل الحبال: إذ تحدث سابقاً مع أنقرة، وزارها عدة مرات لينتهي الأمر به إلى ملاحقته تركياً، وصدور مذكرة توقيف بحقه، ويراهن على الأميركي الآن مع قلق من احتمالات بيع واشنطن للورقة الكردية للأتراك، أو لأطراف أخرى، وفي الوقت نفسه لم يقطع العلاقة مع دمشق، ولا مع موسكو، حيث جرى افتتاح مركز للمصالحة قرب عفرين- مع قاعدة للتدريب العسكري، وفي الوقت نفسه دخل الجيش العربي السوري مناطق في ريف منبج بالتفاهم مع قوات الحماية الكردية، وموسكو، وقيل آنذاك إنه لا تعديل في العلاقة مع الحكومة السورية إنما هو مجرد إدارة للأزمة تجاه أعداء مشتركين «تركيا- وداعش، والنصرة». مشكلة بعض القوى السياسية السورية- الكردية هو قبولها بأن تكون أداة رخيصة ضد بلدها، وشعبها تحت زعم الفرصة التي لن تتكرر لإقامة كانتون كردي- أي إن الفرصة سانحة في ظل ما تتعرض له سورية من عدوان فاشي- إرهابي، وبالتالي بالإمكان خلق أمر واقع بدعم أميركي- غربي يصبح تغييره أمراً صعباً، إضافة إلى أن الدولة السورية لا تمتلك الآن قدرات لمنع هذا التهور، أو بالأصح الانتهازية السياسية الرخيصة. في هذا الشأن، فإن كثرة حديث هؤلاء عن الديمقراطية تنقضه ممارسات الواقع التي تكشف أن مدعي الديمقراطية والحرية يقمعون حتى الأكراد المعارضين لمشروعهم، ويفرضون على الناس بالقوة ما يعتقدونه صحيحاً، ويقدمون نموذج عبادة الفرد، ويريدون فرض اللغة الكردية على الجميع، وارتكبوا حماقات ضد مؤسسات الدولة السورية في الحسكة وضد الجيش، الأمر الذي تسبب آنذاك بتوتر شديد في المحافظة. الآن لو تساءلت ماذا يريد السوريون الأكراد، وما مطالبهم التي تبدأ في نقطة ما، ولا نعرف أين تنتهي!! ولذلك لابد من وضوح كامل أمام السوريين جميعاً، وإذا وُفقت في شرح ذلك، أستطيع أن أشير إلى مسألتين أساسيتين يُطالب بهما السوريون الأكراد: 1- مسألة اللغة، والثقافة، والتراث: وهذه المسألة لا عقدة فيها من أغلبية السوريين، فالحكومة السورية افتتحت قسماً للغة الكردية في جامعة دمشق، وتشجع الثقافة- والتراث الكرديين، كما غيرهم من المواطنين السوريين، باعتبار ذلك جزءاً من التراث الوطني السوري، ولكن شرط أن يتم ذلك ضمن إطار وحدة الدولة، واللغة العربية الرسمية، وأن تكون الكردية لغة ثانية. وهذا أمر منطقي، ويمكن أن يحظى بالدعم من الجميع. 2- مسألة (اللامركزية الإدارية): هذه قضية مطلوبة ليس فقط للسوريين الأكراد، ولكن أيضاً لكل المناطق السورية، وقد صدر بهذا الشأن قانون الإدارة المحلية لعام 2012، وتعديلات لاحقة له إن لم تخطئني الذاكرة، كأساس لتطوير نظام الإدارة المحلية على مستوى سورية، وهذا سيشمل الجميع. إن تطوير دور البلديات في المرحلة القادمة مهم، وأساسي، وضروري، لا بل استراتيجي، لاعتبارات عديدة، منها: – تعزيز مشاركة المواطنين في انتخاب قادتهم المحليين، والابتعاد عن مفهوم «التعيين- باسم الانتخابات»، من خلال التنافس بين الأحزاب السياسية جميعها. – دور البلديات المهم جداً في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية وتنفيذ خطط الدولة الاستراتيجية، ويدلل على ذلك التجارب الناجحة للعديد من دول العالم. – التنافس الإيجابي الذي سيحدث بين البلديات، ما سيساعد كثيراً في عملية النهضة الوطنية الشاملة. – ظهور القيادات الواعدة من خلال التجارب البلدية الناجحة، التي ستساعدنا كثيراً في مسألة التخلص من «الحظ واليانصيب» باختيار المسؤولين فالتجارب البلدية تُظهر إمكانات القادة المحليين، وتبرز دورهم في خدمة الناس من جهة، والمصلحة العامة من جهة أخرى «كثير من مسؤولي الدول بدؤوا تجاربهم كرؤساء للبلديات». – هنا علينا أن نعترف أننا فشلنا في التجربة البلدية على الصعيد الوطني، ليس لسوء القانون الموجود آنذاك، بل لسوء تطبيقه إلى حد كبير، وخاصة أن أغلبية المشكلات التي كان المواطنون يعانونها هي مشكلات بلدية- تنموية- كان بالإمكان حلها- وعدم تفاقمها لو كان هناك بلديات قادرة، ولديها مصادر تمويل. على أي حال: أعتقد أن أغلبية السوريين الأكراد ينحون بهذا الاتجاه، وهذه المطالب، ومصلحة جميع السوريين بالدولة القوية وليس بالدولة الضعيفة، وتجارب محيطنا القريب تؤكد ذلك، أما أولئك الساعون نحو مشاريع انفصالية، أو كانتونات تضعف من قوة الدولة، بدلاً من أن تكون سنداً ودعماً لها، فإنني أظن أنهم سيواجهون مشكلات جمة منها: – مشكلات مع الوسط السوري- الكردي نفسه المنتمي لسورية. – مشكلات مع السوريين عامة الذين يرفضون رفضاً قاطعاً أي نمط من أنماط الفدرلة، أو التقسيم، وخاصة أن المناطق التي يجري الحديث عنها فيها ثروات كبيرة «النفط، الماء، القمح، القطن، الغاز»- وهي ليست من حق جزء من السوريين على حساب كل السوريين لا قانونياً، ولا دستورياً. – عدم القدرة على ربط الجغرافيا بعضها ببعض لعدم وجود ديمغرافيا مساعدة، وهناك خشية من الاشتباك مع العشائر العربية، وهو أمر لا يريده أحد، وليس من مصلحة أحد، فالمطلوب وحدة السوريين جميعاً عرباً، وكرداً. إن تجارب التاريخ كلها تفيد أن نهاية العمالة والارتهان للقوى الخارجية معروفة النتيجة والعواقب، ويفترض بذلك الجزء المتطرف أن يستمع لصوت العقل السوري الوطني الانتماء، والذي يقول: إن الأميركي لم يكن يوماً داعماً لحقوق، أو حريات، أو ديمقراطية، وإنما باحث عن مصالحه الذاتية، ومشاريعه المدمرة في هذه المنطقة التي آن لها أن تتوحد فيها إرادة العرب والكرد والفرس والترك لمواجهة المخاطر التي تمس الجميع، وعدم إدراك ذلك سيجعل الجميع يدفع فاتورة باهظة التكاليف. آن لنا أن نتعلم، ونفهم القاعدة الذهبية لدى قوى الهيمنة وهي «فرق تسد»، وأن نُعطِّل مفاعيلها، وما على الرسول إلى البلاغ.

المصدر : د. بسام أبو عبد الله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة