دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد سنوات من رعاية واحتضان المخابرات الأردنية والإسرائيلية لتنظيم «داعش» في حوض اليرموك جنوبي غربي درعا، تحوّل انتشار التنظيم إلى ذريعة لتدخل عسكري عربي ــ أردني ــ إسرائيلي مباشر في الجنوب السوري،
في ظلّ ضغوط أميركية على دول الخليج للإعلان عن تعاون عسكري علني مع إسرائيل على الساحة السورية. أمّا الأردن، فيعدّ دخوله المباشر إلى حوض اليرموك هروباً إلى الأمام من واقع أمني خطير في المدن الأردنية الشمالية
بعد هدوء «محدود» طبع الجبهة الجنوبيّة منذ فشل عمليات «عاصفة الجنوب» ضد الجيش السوري خلال العام الماضي، يعود الجنوب السوري لتصدّر المشهد العسكري والسياسي، في أحداث معقّدة ومترابطة، تشبه الواقع الجغرافي والديموغرافي لمحافظات درعا والقنيطرة والسويداء، الواقعة ضمن مخمّس استراتيجي: دمشق، لبنان، الجولان المحتلّ، الأردن والبادية السورية ــ العراقية.
ولأنّ تفاصيل وجهة الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترامب، لم تتّضح بشكل كامل بعد تجاه الملفّ السوري تحديداً، تترقّب غالبية القوى المعنية تطوّرات الميدان، لا سيّما في الجنوب السوري، خصوصاً مع المعلومات المؤكّدة عن إرادة أميركية لنشر قوات بأعداد كبيرة تصل إلى حدّ الـ 5 آلاف جندي على الأراضي السورية.
ومع أن ترامب طلب من البنتاغون والإدارات المعنية تقديم خطط له خلال 90 يوماً حول «إنشاء مناطق إنسانية آمنة» في سوريا من ضمن قرار حظر استقبال رعايا سبع دول، الصادر في 30 كانون الثاني الماضي، فإنّ صيغة قرار ترامب الجديد الصادر في 6 آذار الحالي (الذي استثنى العراق من الدول السبع)، لم يلحظ في نصّه أيّ ذكر لفكرة «المناطق الآمنة»، ما يشكّل لغزاً جديداً حيال النوايا الأميركية.
لكنّ هذا لا يلغي الضغوط الحثيثة التي يمارسها الأميركيون بشكل سرّي وعلني على الأنظمة العربية الملحقة بهم، لتشكيل ما يشبه «ناتو» عربي عنوانه العريض «محاربة داعش والضغط على إيران»، وفي اتّجاه أخطر، الضغط على هذه الأنظمة لإعلان تحالف علني مع إسرائيل وإشراك الأخيرة في عمليّات عسكرية منوي القيام بها داخل سوريا.
ترفض القاهرة المشاركة من دون موافقة سوريّة وتشترط وقف دعم الإخوان
وعليه، فإن الجنوب السوري، يبدو الجغرافيا الأبرز لإجراء الاختبار الأوّلي حول إمكانية رفع مستوى التنسيق العسكري العربي ــ الإسرائيلي وعلانيّته، في ظلّ سيطرة ما يسمّى «جيش خالد بن الوليد» التابع لـ«داعش» على منطقة حوض اليرموك في مثلّث الأردن ــ درعا ــ الجولان المحتلّ.
مصادر أمنيّة لبنانية رفيعة المستوى، أكّدت لـ«الأخبار» وجود ضغوطٍ أميركية كبيرة على كلّ من السعودية والإمارات العربية المتّحدة لإعلان تحالف علني مع إسرائيل في الميدان السّوري، يضمّ السعودية والإمارات ومصر والأردن وإسرائيل، يكون مسرحه الجنوب السوري، هدفه «طرد داعش» من منطقة حوض اليرموك (الأخبار عدد 2681). على أن يمتدّ عمل التحالف لاحقاً، إلى كامل الحدود السورية ــ العراقية وصولاً إلى مدينة الرّقة، بغية «القضاء على داعش ومنع إيران من السّيطرة على الممرّات الجغرافية بين بغداد ودمشق». وتضيف المصادر، أن «الأميركيين أبلغوا المصريين رغبتهم في أن يكون الجيش المصري في طليعة القوات المشاركة في تحرير الرّقة، وأنه سيتمّ استبعاد الجيش التركي عن العملية». ووفق المصدر، يبدي السعوديون تخوّفاً كبيراً من «خطوة بهذا الحجم، تظهر فيها السّعودية شريكاً علنياً لإسرائيل»، كذلك يبدي السعوديون قلقاً كبيراً من قيام مجموعات مرتبطة بحزب الله في سوريا والعراق، بعمليات نوعيّة ضدّهم، في حال دخولهم المباشر إلى المستنقع السوري. وذلك في وقت يجري الحديث خلاله عن زيارات سريّة متبادلة بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين رفيعي المستوى، بينها زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى السعودية العام الماضي، تُكمّل اجتماع العقبة «السّري» بين وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، ونتنياهو، والملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي. بينما أكّد المصريون، وفق المصدر اللبناني، أنهم «لا يشاركون في عمل عسكري على الأراضي السورية لا يحظى بموافقة الدولة السورية والرئيس بشار الأسد، مشترطين على الأميركيين وقف تركيا وقطر والسعودية دعم تنظيم الإخوان المسلمين في مصر».
«الدونكيشوتية» الأردنية!
على مدى السنوات الماضية، شكّل الأردن المنصّة الرئيسية لدعم الإرهابيين في الجنوب السوري، تسليحاً وتمويلاً وإدارةً ودعماً استخبارياً ولوجستيّاً. ووصل الأمر بالأردن إلى تغليب مصالح الدول المعادية لسوريا، على مصلحة الكيان نفسه، عبر الخضوع للضغوط وإغلاق معبر نصيب الحدودي مع سوريا والقبول بسيطرة إرهابيي «جبهة النصرة» عليه. ما يعني تكبّد الاقتصاد الأردني، خسائر مالية كبيرة تبلغ شهرياً ما يزيد على خمسين مليون دولار بفعل توقّف حركة «الترانزيت»، وتحوّل الفوضى في الداخل السوري إلى منصّة لعناصر السلفية الجهادية الأردنية على مقربة من الحدود المفتوحة. وبدأ الكيان الأردني منذ فترة بدفع فاتورة تآمره على سوريا، إن من خلال تفشّي خلايا إرهابية في مدن الرمثا والمفرق والأزرق وإربد ومعان، ومؤخّراً في الكرك، وتنفيذها عمليات ضدّ أهداف عسكرية ومدنية، وانتقال حوالى مليون ومئة ألف نازح سوري إلى الداخل الأردني، فضلاً عن التهديد المستقبلي للكيان في ظلّ تراجع «داعش» في الموصل العراقية وفي الشرق السوري نحو البادية والجنوب.
يتحدث الأردن عن امتلاكه جيشاً سوريا محلّيا في الجنوب (أ ف ب)
غير أن الدخول الروسي إلى الميدان السوري في بداية خريف عام 2015، دفع الأردن إلى إيجاد مخارج لإعادة وصل علاقته مع الدولة السورية، من دون تقديم تنازلات كبيرة في الميدان الجنوبي، تخالف التوجّهات الخليجية، ولا تربك الدخول الإسرائيلي المباشر على خطّ دعم الجماعات الإرهابية في درعا والقنيطرة.
خلال زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون الأردن منتصف شهر شباط الماضي، استعرض الملك عبدالله «عضلاته» أمام زوّاره اللبنانيين، مؤكّداً امتلاك الأردن جيشاً من 40 ألف مقاتل سوري محلّي في الجنوب بغية قتال «داعش». وعدا عن إيصال عبد الله رسائل إسرائيلية مباشرة للجانب اللبناني بضرورة «توخّي الحذر» من النوايا الإسرائيلية بشنّ حربٍ مدمّرة على لبنان أو القيام بـ«ضربات قاسية» جرّاء «سوء تفاهم على الحدود»، تولّى مدير الاستخبارات الأردنية الفريق أول فيصل الشوبكي، شرح القدرات الأردنية على الحدود الأردنية ــ السورية ــ العراقية، ونيّة إقامة «منطقة آمنة» على الحدود، تقي الأردن شرّ «داعش»، فضلاً عن المشاركة الفاعلة للأردن في معركة طرد «داعش» من الرّقة.
بالطبع، لم يشرح الملك ولا الشوبكي للضيوف، كيف تمدّد «داعش» في حوض اليرموك تحت أعين ورعاية الاستخبارات الأردنية والإسرائيلية خلال السنوات الثلاث الماضية، وكيف كان يتمّ نقل الدعم إلى التنظيم عبر معبر تل شهاب الحدودي، وكيف يخطّط الآن للقيام بعملية عسكرية مشتركة بين «لواء العشائر» و«فرقة شباب السّنة» وقوات خاصة مشتركة «أردنية ــ عربية ــ إسرائيلية» في حوض اليرموك. وفي خضّم عشرات الهجومات التي تخوضها فصائل محسوبة على الأردن و«جبهة النصرة» ضد «جيش خالد بن الوليد» منذ أكثر من عام، والحصار «الخانق» الذي من المفترض أن يعانيه التنظيم في هذه الزاوية الضّيقة من الجغرافيا (القوات الخاصة الإسرائيلية في الجولان المحتل من الشرق، القوات الأردنية من جنود وادي الرّقاد، النصرة وفصائل الجنوب من الشرق والشمال)، تمكّن «داعش» بعد أيام قليلة من زيارة عون الى الأردن، وخلال 24 ساعة فقط، من السيطرة على بلدات الشيخ سعد تسيل وسحم الجولان وعدوان وجلّين وتل عشترة وتل جموع، وعاد وانسحب من الشيخ سعد في وقت لاحق. ووفق المعلومات، فإن الاستخبارات الأردنية تملك معلومات عن نيّة «داعش» السيطرة على هذه القرى منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إلّا أنها لم تحرّك ساكناً، وتهاوت فصائلها بسرعة قياسية بعد تكبّدها خسائر قاربت 300 قتيل، بينما ساعدت أخرى «داعش» مثل «جيش المعتزّ» و«أحرار نوى». فضلاً عن أن «داعش» يخطّط للسيطرة على معبر تل شهاب الحدودي مع الأردن، مستغلّاً قوّة خلاياه في بلدتي تل شهاب وزيزون. وفي معلومات «الأخبار»، أن الرقم «40 ألفاً» الذي يتبجَّح به الملك عبد الله حتى في واشنطن والكونغرس، هو رقم خيالي. ويعتمد الأردن بشكل رئيس على «جيش العشائر» و«فرقة شباب السّنة» بقيادة أحمد العودة وفصائل متفرّقة أخرى، لا يتجاوز عدد مسلّحيها بأحسن الأحوال 8000 عنصر، لا يُعتمد على أكثر من نصفهم في القيام بعمليات هجومية كبيرة، وثبت فشلهم في عشرات المعارك مع «داعش»، الذي لا يتجاوز عدد مقاتليه 1200، بينهم جرحى ولوجستيون. وإذا كان الملك «متأكّداً» من الرقم الذي يدلي به، فهذا يعني أن الاستخبارات الأردنية تأخذ اللوائح الاسمية التي ترفعها الفصائل من أجل الحصول على الرواتب، على محمل الجدّ!
مصادر أمنية سورية رفيعة المستوى، أكّدت لـ«الأخبار»، أن «الأردن يحاول القول إنه يريد تحسين العلاقات مع الدولة السورية، فيما يتآمر مع السعودية وإسرائيل لانتزاع حصّة في الجنوب السوري، وهو بذلك يهرب إلى الأمام، تاركاً خلفه مدناً لا تستطيع القوات الأمنية الأردنية دخولها مثل معان، وهذا نتيجة التخريب الأردني داخل سوريا». وتقول المصادر إن «الملك عبد الله كان قد وعد الأميركيين في السابق، أن مرتزقته سيصلون إلى الصنمين، وأنه لن يكون هناك جندي سوري واحد بعد الأول من كانون الثاني 2013 في الجنوب السوري، بينما ما يحصل الآن هو أننا نستعيد بالقوّة والصحوة الشعبية كل متر فقدناه في الجنوب، ولسنا بوارد التخلّي عن شبرٍ واحد لا للأردن ولا لغيره، ولن نقدّم شيئاً في المجان، حتى في السياسة». فيما تؤكّد مصادر «عشائرية» في درعا لـ«الأخبار» أن «عشائر وعائلات الجنوب السوري لا يمكن أن تقبل بالعدوّ الإسرائيلي شريكاً لها في الحرب ضدّ داعش»، وأن «الخطط التي توضع الآن بمشاركة إسرائيل سوف تتمّ مواجهتها شعبياً وعسكرياً».
«خروج من دون عودة»
يتزعّم «جيش خالد بن الوليد» المبايع لـ«داعش» في حوض اليرموك «الأمير» أبو عبد الله التونسي، ومن بين أبرز الأسماء الأمنيّة المدعو أبو عدي جباب، ابن جباب في درعا، ويرأس «الحسبة» أبو عبيدة السعدي من بلدة دير العدس ومجموعة من عائلة النعيم من القنيطرة، فيما يرأس «الشرطة الإسلامية» المدعو أبو عمر الديري وهو مساعد منشقّ عن المخابرات السورية من بلدة الشيخ مسكين. ويرأس «مكتب الدعوة» علي جعارة من تل شهاب وقاسم الغبيط من بلدة عابدين، بالإضافة إلى أربعة أمنيين أردنيين من معان، وسعودي واحد في الهيكلية القيادية. ويمارس التنظيم أبشع أنواع الظلم على من تبقّى من أهالي قرى الشجرة وجملة ونافعة والكويا وعين ذكر، فضلاً عن القرى والبلدات التي سيطر عليها مؤخّراً، من قطع الأيدي والأرجل والرؤوس والسجن وفرض الخوّات ومصادرة المواد الغذائية. غير أن المدعو أحمد الصّفوري «أبو نضال» وهو من بلدة نافعة ويسكن في منطقة المعلّقة، يلعب دور الوسيط في عملية إدخال الجرحى إلى مشافي الكيان الإسرائيلي، من «داعش» و«جبهة النصرة» في آن معاً عبر «معبر المعلّقة» قرب بلدة غدير البستان، ويتقاضى مبالغ طائلة جرّاء إدخال الجرحى إلى الجولان المحتلّ، وهو يحمل أرقام هواتف إسرائيلية. علماً بأن أبو نضال كان مقرّباً من شريف الصفوري، الذي خطفته «النصرة» بتهمة التعامل مع إسرائيل واختفى منذ ذلك الحين، فيما قام «داعش» مؤخّراً باعتقال اثنين من قياديّيه بالتهمة ذاتها، هما نضال البريدي وأبو عبيدة القحطاني. وفيما تدفع ممارسات «الدواعش» أهالي الحوض إلى الهرب من القرى، أعلنت فصائل «الجبهة الجنوبية» قبل نحو أسبوع نيّتها فتح معبر بلدة تسيل لخروج الأهالي من الحوض إلى «غير رجعة»، في خطّة ممنهجة لإفراغ حوض اليرموك من أهله، تحت نير الحصار والتجويع.
«آستانة» ومعارك المنشيّة
في وقت كانت «جبهة النصرة» وفصائل «الجبهة الجنوبية» تهاجم مواقع الجيش السوري في حي المنشية في مدينة درعا، كان الأردن يستجدي حجز مقعدٍ على طاولة المفاوضات في الآستانة نظراً إلى «مَوْنَتِه» على الفصائل في الجنوب. وبالتوازي، سجّلت زيارة ضابط أردني رفيع إلى دمشق بوساطة روسية، بغية التنسيق مع الجيش السوري في الجبهة الجنوبية. إلّا أن مصادر سورية معنية تشرح لـ«الأخبار» الدور الأردني الملتبس عشية لقاء آستانة ما قبل الأخير، مؤكّدة أن «الأردن يرغب في فتح معبر نصيب لكنّه يريد من الدولة السورية أن تطلب ذلك رسميّاً، فيما تعتبر الحكومة السورية أنها عاجلاً أم آجلاً ستصل إلى المعبر بالقوّة من دون منّة الأردنيين».
وأكّدت المصادر أن «الهجوم على المنشية يثبت عجز الأردن عن الوفاء بالتزاماته»، علماً بأن من قاد الهجوم هو «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام»، قبل أن يضطّر الأردن إلى زجّ فصائله في المعركة خوفاً من قطف «النصرة» ثمار انتصارات لم تتحقّق. وعمدت السلطات الأردنية إلى طرد عائلات بعض المقاتلين الذين قتلهم الجيش السوري خلال هجومات المنشية، في رسالة «حسن نيّة» تجاه الدولة السورية. علماً بأن الأسلحة التي استخدمتها الفصائل في الهجوم، كان سبق أن تمّ تجميعها في مدينة بصرى الشام نهاية شهر كانون الأول العام الماضي، وجرى نقلها إلى درعا البلد عبر طريق جديد من بلدة العمّان، عبر بصرى ثم صماد ثم سمج ثمّ العمّان، بعد أن كان زخم السلاح الأردني للمسلحين يعتمد على معبر تلّ شهاب. ويردّد مسؤولو الفصائل مؤخّراً، أن دبابات أردنية وسعودية وإماراتية ستشاركهم معاركهم ضد «داعش» في المرحلة المقبلة بناءً على معلومات عرضها أمامهم ضباط من «الموك»، لكنّهم لم يضعوا قادة الفصائل في أجواء المشاركة الإسرائيلية المنتظرة مع القوات العربية «المفترضة».
المصدر :
فراس الشوفي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة