نجاح الجيش السوري في استعادة مدينة تدمر الاثرية من تنظيم "داعش"، بغطاء جوي روسي، يشكل إنجازا كبيرا عسكريا وسياسيا، علاوة على كونه دعما معنويا كانت القيادة السورية في حاجة اليه.

فمن الواضح ان هذه الخطوة جاءت رسالة لجهات عديدة، تؤكد ان التحالف الروسي السوري في الميادين العسكرية ما زال في ذروته، مثلما تؤكد جاهزية الجيش السوري لخوض معارك لاستعادة مدن اخرى على رأسها مدينة الرقة، عاصمة "داعش"، وانه لم يفقد زخمة وقوته رغم ست سنوات من المعارك.

بمعنى آخر يأتي توقيت استعادة مدينة الموصل ليحسم الجدل الدائر حاليا حول الجهة التي ستخوض الحرب ضد "داعش" في الرقة، هل هي قوات سورية الديمقراطية الكردية المدعومة أمريكيا، اما قوات "درع الفرات" المدعومة تركيا، والجواب ربما يكون لا هذه ولا تلك، وانما قوات الجيش السوري، او هكذا نعتقد، فهذه مدينة سورية في جميع الأحوال.

لا نعتقد ان استعادة الجيش السوري للمدينة كان يشكل صعوبة كبيرة بالنسبة اليه، فالمدينة التي خسرها لتنظيم داعش، ثم عاد وسيطر عليها ليخسرها ثانية، وها هو يستعيدها مجددا، لا تشكل قيمة استراتيجية حقيقية، كونها مجرد واحة اثرية في قلب الصحراء تضم آثارا رومانية تعود الى الفي عام، وابرز معالمها قصر امير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي بناه واثثه في ذروة صداقته للرئيس السوري بشار الأسد، وقبلها والده.

لغط كثير اثير حول المدينة وسقوطها واستعادتها اكثر من مرة، ومن بين الروايات التي روجت لها المعارضة السورية، ان الجيش السوري انسحب منها دون قتال وسلمها لمقاتلي "داعش"، مما يؤكد التحالف بين الطرفين، وربما يكون الانسحاب غير مستبعد، لانه، أي الجيش السوري، كان يريد تركيز كل قواته لاستعادة مدينة حلب، وريف دمشق، التي يعطيها الأولوية القصوى على سلم مخططاته العسكرية، وعندما نجح في استعادة حلب، العاصمة الاقتصادية، وأجزاء عديدة من الغوطة الدمشقية، حان وقت الرقة، ولا نستغرب ان تكون المعركة المقبلة باتجاه مدينة ادلب التي باتت نقطة تجمع للفصائل السورية المتشددة مثل "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقا)، و"احرار الشام"، و"جيش الفتح"، وفصائل الجيش السوري الحر المنضوية تحت لوائها، او نحو مدينة الباب التي سيطرت عليها قوات "درع الفرات" التركية، وتعتبر السلطات السورية هذه السيطرة احتلالا، وانتهاكا للسيادة السورية.

ربما لم يكن من قبيل الصدفة اعلان قيادة الجيش السوري لهذا الانتصار في وقت تنعقد فيه مفاوضات "جنيف 4"، بين وفد النظام وثلاثة وفود تمثل المعارضة، ولم تحقق أي تقدم ملموس للتوصل الى حل سياسي للازمة مثل سابقاتها.

الانطباع السائد ان التحالف الروسي السوري الإيراني يتبنى استراتيجية من شقين، الأول تركز على مواصلة تطبيق المخطط العسكري لاستعادة الأراضي السورية تحت عنوان محاربة الإرهاب، لان معظمها تسيطر عليه قوى إسلامية موضوعة على قائمة الإرهاب، والثاني إطالة امد المفاوضات الى أطول فترة ممكنة على امل نفاذ صبر وفد المعارضة المفاوض والانسحاب، مثلما جرت العادة في الجولات السابقة.

 

ما يؤكد هذه الاستراتيجية، والشق الثاني منها على وجه الخصوص، اتهام ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الهيئة العليا للمفاوضات التي تحظى بدعم السعودية، بتخريب محادثات السلام في جنيف، وذلك بعد يوم من اجتماع مسؤولين في الخارجية الروسية مع ممثلين للمعارضة، لتضييق هوة الخلافات حول جدول اعمال المفاوضات.

ووجهت السيدة زاخاروفا رصاصة قاتلة لوفد المعارضة عندما قالت "لسوء الحظ نلاحظ، وبناء على نتائج الأيام القليلة الماضية من المحادثات بات لدينا شكوك بشأن قدرة ممثلي المعارضة على ابرام اتفاق".

نقطة الخلاف ان المعارضة القادمة من الرياض تريد مناقشة المرحلة الانتقالية، ولا يمانع الروس هذا الطلب، ولكنهم يشترطون توحيد المعارضة بمنصاتها الثلاث، الرياض، موسكو، القاهرة، في وفد واحد، وهو ما ترفضه معارضة الرياض، لانها تكره ممثلي منصة القاهرة وموسكو اكثر من كرهها لبشار الجعفري، رئيس وفد دمشق.

الحكومة السورية ستحتفل باستعادة تدمر الاثرية، وتعيد التذكير بأنها الاقدر على هزيمة الإرهاب، حسب تصريحات مسؤوليها اليوم، بينما وفدها في جنيف يتفرج على خلافات المعارضة والانتقادات الموجهة لها من الجانب الروسي، ومن ممثل الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا بعرقلة المفاوضات.

الدب الروسي يمسك بكل خيوط اللعبة، ويوجهها حسب النتائج التي يريد وحلفاؤه، من يقول غير ذلك عليه الشرب من مياه بحيرة جنيف شديدة العذوبة والبرودة معا.

  • فريق ماسة
  • 2017-03-03
  • 13789
  • من الأرشيف

ما هي المدينة التالية للجيش السوري بعد تدمر؟ ومع من ستكون المواجهة القادمة؟

نجاح الجيش السوري في استعادة مدينة تدمر الاثرية من تنظيم "داعش"، بغطاء جوي روسي، يشكل إنجازا كبيرا عسكريا وسياسيا، علاوة على كونه دعما معنويا كانت القيادة السورية في حاجة اليه. فمن الواضح ان هذه الخطوة جاءت رسالة لجهات عديدة، تؤكد ان التحالف الروسي السوري في الميادين العسكرية ما زال في ذروته، مثلما تؤكد جاهزية الجيش السوري لخوض معارك لاستعادة مدن اخرى على رأسها مدينة الرقة، عاصمة "داعش"، وانه لم يفقد زخمة وقوته رغم ست سنوات من المعارك. بمعنى آخر يأتي توقيت استعادة مدينة الموصل ليحسم الجدل الدائر حاليا حول الجهة التي ستخوض الحرب ضد "داعش" في الرقة، هل هي قوات سورية الديمقراطية الكردية المدعومة أمريكيا، اما قوات "درع الفرات" المدعومة تركيا، والجواب ربما يكون لا هذه ولا تلك، وانما قوات الجيش السوري، او هكذا نعتقد، فهذه مدينة سورية في جميع الأحوال. لا نعتقد ان استعادة الجيش السوري للمدينة كان يشكل صعوبة كبيرة بالنسبة اليه، فالمدينة التي خسرها لتنظيم داعش، ثم عاد وسيطر عليها ليخسرها ثانية، وها هو يستعيدها مجددا، لا تشكل قيمة استراتيجية حقيقية، كونها مجرد واحة اثرية في قلب الصحراء تضم آثارا رومانية تعود الى الفي عام، وابرز معالمها قصر امير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي بناه واثثه في ذروة صداقته للرئيس السوري بشار الأسد، وقبلها والده. لغط كثير اثير حول المدينة وسقوطها واستعادتها اكثر من مرة، ومن بين الروايات التي روجت لها المعارضة السورية، ان الجيش السوري انسحب منها دون قتال وسلمها لمقاتلي "داعش"، مما يؤكد التحالف بين الطرفين، وربما يكون الانسحاب غير مستبعد، لانه، أي الجيش السوري، كان يريد تركيز كل قواته لاستعادة مدينة حلب، وريف دمشق، التي يعطيها الأولوية القصوى على سلم مخططاته العسكرية، وعندما نجح في استعادة حلب، العاصمة الاقتصادية، وأجزاء عديدة من الغوطة الدمشقية، حان وقت الرقة، ولا نستغرب ان تكون المعركة المقبلة باتجاه مدينة ادلب التي باتت نقطة تجمع للفصائل السورية المتشددة مثل "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقا)، و"احرار الشام"، و"جيش الفتح"، وفصائل الجيش السوري الحر المنضوية تحت لوائها، او نحو مدينة الباب التي سيطرت عليها قوات "درع الفرات" التركية، وتعتبر السلطات السورية هذه السيطرة احتلالا، وانتهاكا للسيادة السورية. ربما لم يكن من قبيل الصدفة اعلان قيادة الجيش السوري لهذا الانتصار في وقت تنعقد فيه مفاوضات "جنيف 4"، بين وفد النظام وثلاثة وفود تمثل المعارضة، ولم تحقق أي تقدم ملموس للتوصل الى حل سياسي للازمة مثل سابقاتها. الانطباع السائد ان التحالف الروسي السوري الإيراني يتبنى استراتيجية من شقين، الأول تركز على مواصلة تطبيق المخطط العسكري لاستعادة الأراضي السورية تحت عنوان محاربة الإرهاب، لان معظمها تسيطر عليه قوى إسلامية موضوعة على قائمة الإرهاب، والثاني إطالة امد المفاوضات الى أطول فترة ممكنة على امل نفاذ صبر وفد المعارضة المفاوض والانسحاب، مثلما جرت العادة في الجولات السابقة.   ما يؤكد هذه الاستراتيجية، والشق الثاني منها على وجه الخصوص، اتهام ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الهيئة العليا للمفاوضات التي تحظى بدعم السعودية، بتخريب محادثات السلام في جنيف، وذلك بعد يوم من اجتماع مسؤولين في الخارجية الروسية مع ممثلين للمعارضة، لتضييق هوة الخلافات حول جدول اعمال المفاوضات. ووجهت السيدة زاخاروفا رصاصة قاتلة لوفد المعارضة عندما قالت "لسوء الحظ نلاحظ، وبناء على نتائج الأيام القليلة الماضية من المحادثات بات لدينا شكوك بشأن قدرة ممثلي المعارضة على ابرام اتفاق". نقطة الخلاف ان المعارضة القادمة من الرياض تريد مناقشة المرحلة الانتقالية، ولا يمانع الروس هذا الطلب، ولكنهم يشترطون توحيد المعارضة بمنصاتها الثلاث، الرياض، موسكو، القاهرة، في وفد واحد، وهو ما ترفضه معارضة الرياض، لانها تكره ممثلي منصة القاهرة وموسكو اكثر من كرهها لبشار الجعفري، رئيس وفد دمشق. الحكومة السورية ستحتفل باستعادة تدمر الاثرية، وتعيد التذكير بأنها الاقدر على هزيمة الإرهاب، حسب تصريحات مسؤوليها اليوم، بينما وفدها في جنيف يتفرج على خلافات المعارضة والانتقادات الموجهة لها من الجانب الروسي، ومن ممثل الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا بعرقلة المفاوضات. الدب الروسي يمسك بكل خيوط اللعبة، ويوجهها حسب النتائج التي يريد وحلفاؤه، من يقول غير ذلك عليه الشرب من مياه بحيرة جنيف شديدة العذوبة والبرودة معا.

المصدر : عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة