دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
رجب طيب أردوغان ونظامه اللذان يعدّان جزءاً من المشكلة في العراق وسوريا، ظهرا كأكبر الخاسرين في المفاصل الأخيرة من الصراع الإقليمي،
في الوقت الذي تلامس فيه الحرائق قصر زعيم «العدالة والتنمية»، في مشهد يجعل الزعيم التركي مرغماً على المبادرة وفتح ذراعيه لخصوم الأمس. لكن «تركيا ــ أردوغان» التي يُقال إنّها تكرّس راهناً استدارتها السياسية، تتصرف عملياً استناداً إلى منطلقات قومية يتشارك فيها «المحافظون الإسلاميون والقوميون» للحفاظ على نفوذ البلاد في خضم تغيرات الشرق الأوسط المتتالية، ولحماية «الجمهورية» التي لطالما رأى زعماؤها التاريخيون أنها محاصرة دوماً من الجميع
منذ نهاية شهر تموز الماضي، تاريخ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، انشغل المتابعون بالمواقف التركية، في ظل بحثهم المتواصل عن استدارة سياسية قيل إنّ أنقرة تعمل عليها. وقد ارتفع منسوب الحديث عن تلك «الاستدارة»، عقب اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، اندريه كارلوف، وإثر توصّل روسيا وتركيا وإيران إلى اتفاقات سياسية في خضم معارك حلب، قادت نحو عمليات وقف إطلاق النار.
ولعلّ الاتفاقات السورية الأخيرة لأنقرة، مع موسكو تحديداً، والتي شاركت فيها طهران، تؤكد أنّ الدبلوماسية التركية لم تُعِد حساباتها بناءً على أهدافها وتكيّفها مع المتغيّرات الإقليمية؛ فعملياً، ما زال الرئيس رجب طيب أردوغان يحمل الرؤية ذاتها في ما يخصّ علاقاته بالإقليم، وخصوصاً في ما يتعلّق بالحرب السورية: لم يقتنع «السلطان» ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة في دمشق ولا بمشاركته الكاملة في «الحل السياسي»، في وقت لم يغب عن باله تكريس توسّعه ضمن منطقة في الشمال السوري باتت تحت سلطة جيشه والمتعاونين معه من المسلحين.
وفي ظل انعزال تركيا مجدداً عن حلفائها التقليديين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يجمع عدد من المراقبين على أنّ تصريح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الذي قال فيه، أمس، «لن نكون في أمان إن لم يكن هنالك سلطات قوية في العراق وسوريا»، يندرج ضمن سياسة أنقرة لصياغة خطّ اشتباك جديد، تسعى من خلاله تركيا إلى أن تكون شريكة في صياغة مستقبل سوريا والعراق «ما بعد الحرب». وهي اليوم بحاجة إلى موسكو وطهران في ظلّ دور أميركي رمادي عالق في مرحلة انتظار تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض، إضافة إلى خلافات متراكمة مع واشنطن بسبب علاقتها مع «الوحدات» الكردية وبسبب استضافتها الداعية فتح الله غولن. وفي هذا السياق، قال يلدريم إنّ «تطلعاتنا من الإدارة (الأميركية) الجديدة وضع حدٍّ لهذه المهزلة»، مؤكداً أن أسلوب «إدارة أوباما في مكافحة الإرهاب عبر تنظيم إرهابي يعتبر بمثابة القضاء على مافيا بالاستعانة بمافيا أخرى».
وفيما قد تكون كافية قراءة التصريحات الخارجة من طهران أمس، على لسان رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر ولايتي، الذي لمّح إلى تركيا بقوله إن «على الآخرين الذين لديهم دور تخريبي في سوريا، إدراك أن دورهم بالنسبة للشعب والحكومة في سوريا دور سياسي فقط... وأي بلد يريد التدخل لإقامة السلام في سوريا خارج إرادة الحكومة والشعب السوري لن يتوصل إلى نتيجة»، كافية للوقوف على الخلاف الإيراني ــ التركي المستمر بخصوص سوريا، فمن المهم أيضاً التذكير بأنّ مراجعة السياسات التركية حيال روسيا لم تشكّل انعطافة تظهّرت في العام الماضي (عقب أزمة إسقاط المقاتلة الروسية) بقدر ما هي تؤشر على فشل أنقرة في تحقيق خططها.
وبخصوص العراق، حيث تتراكم مؤشرات عدة تفيد بأنّ أنقرة تسير بمشروع «التسوية السياسية» الذي يقوده رئيس «التحالف الوطني»، عمار الحكيم، وهو الأمر الذي خفّف عملياً من حدة التوتر مع بغداد وسيقود نحو توجه رئيس الوزراء التركي إلى العراق يومي الخميس والجمعة المقبلين، فإنّه لا شيء محسوماً بعد، خاصة أنّ المتابعين لكواليس «التسوية» يشيرون إلى المبلغ السياسي الكبير الذي تطالب به أنقرة «والذي لا بد أن يؤدي إلى وراثتها للدور السعودي في العراق».
مشهد الدبلوماسية التركية القلقة يظهر ما هو أخطر منه في الداخل حيث يمثّل أردوغان، وفق الباحث التركي أحمد اينسيل، الاستقرار على المدى القصير، فقط. ويرى اينسيل أنه لا يوجد حالياً بديل من أردوغان، في الوقت الذي يلعب فيه بورقة «أنا أو الفوضى»، وفي الوقت الذي تشكّل فيه سياسة الاستقطاب التي تغذيها «الأردوغانية» في المجتمع عامل عدم استقرار على المدى البعيد، في بلاد تشهد عملياً منذ صيف 2015 حرباً حقيقية في جنوب شرقها حيث معقل القوى الكردية المعارضة لسياسات القوى الحاكمة.
ومن جهة أخرى، لا بد من أن تكبر تداعيات «سلطة أردوغان السياسية الهشة» في تركيا، والتي بات العديد من الباحثين يشيرون إليها، حين يربط الرئيس التركي ما يجري في بلاده بـ«المؤامرات» (علّق على الحدث الإرهابي الذي وقع ليلة رأس السنة في إسطنبول قائلاً: «لن نسمح إطلاقاً بإنجاح المؤامرات القذرة التي تحاك ضدنا»). وفي مشهد غير مفاجئ، انضم رئيس حزب الحركة القومية التركية، دولت بهتشلي، إلى جوقات حزب «العدالة والتنمية» المتوجسة من «المؤامرات»، بقوله إن الاعتداء المسلح الذي نُفّذ في مدينة إسطنبول مرتبط بتضييق الخناق على تنظيم «داعش» في مدينة الباب السورية، واتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا وإيران. ورأى بهتشلي أنّ القوى الموجودة في مدينة الرقة (داعش) وفي جبال قنديل (حزب العمال الكردستاني) وفي مدينة عين العرب ــ كوباني (الوحدات الكردية) وفي ولاية بنسلفانيا (فتح الله غولن)، عقدت منذ فترة طويلة تعاوناً إرهابياً وثيقاً، وأن ذلك التعاون بات واضحاً للعيان بحيث لا يخفى على أحد.
المصدر :
الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة