كنت اتمنى ان اكتب مقاربات مفرحة تُدخلنا الى عالم السلام الذي نتوخاه جميعًا، إلّا ان الموضوعية تقتضي مقاربات واقعية لسير الصراع القائم في المنطقة وسوريا، فنحن للأسف لا زلنا بعيدين عن تحقيق السلام الذي لن يتحقق الا بهزيمة كاملة للإرهاب والذي لن ينسينا بالطبع اكمال المواجهة لتحقيق الهزيمة في العدو الأكبر الصهيونية.

 

بالرغم من اننا نعيش اجواء وقف اطلاق النار في سوريا، وهو قرار يحتاج الى الكثير من الجهد والنوايا الطيبة لتحقيقه، فإنّ ما تحقق حتى اللحظة هو نتاج حوارات تحصل على حافة الهاوية بين "اصدقاء" كانوا الى أمد قريب ألدّ الأعداء ووصلت الأمور بينهما حد الدخول في مواجهة غير محدودة، وانا هنا اقصد روسيا وتركيا التي تسير الأمور بينهما نحو الأفضل ولكنها لم تصل الى خاتمة سعيدة بعد نظرًا لوجود الكثير من التباين في وجهات النظر حول الحرب في سوريا بكل تداخلاتها وتعقيداتها.

 

اتفاق وقف اطلاق النار الأخير الذي دخل يومه الثاني يشبه في بداياته وقف اطلاق النار الذي تم الإتفاق عليه بين روسيا واميركا في شهر شباط الماضي، والذي كان مجرد خديعة اميركية – تركية هدفت الى اعادة رص صفوف الجماعات الإرهابية، وهو امر اتاح لهذه الجماعات القيام بسلسلة هجمات بدءًا من استعادة السيطرة على تل العيس وخان طومان وصولًا الى هجمات الكليات العسكرية وغرب حلب.

 

في الجانب السياسي، نحن امام مشهد غير مكتمل لجهة عدم وجود اطراف معنية بالحرب على سوريا لم تشارك في صياغة النتائج التي افضت الى صدور قرار وقف اطلاق النار الأخير، منها اميركا التي تعيش مرحلة انتقالية في ادارتها، والسعودية وقطر الجهتان الأكثر تأثيرًا بما يخص جبهة النصرة التي اعلنت بوضوح ان الحل السياسي سيثبت اركان الدولة السورية، بالإضافة الى جماعات اخرى كأحرار الشام التي تحفظت ولم توقع على اتفاق وقف اطلاق النار كما اعلن بعض قادتها، وهو ما ظهر ميدانيًا من خلال رفض جماعات وادي بردى عبر بيان لمسؤول جبهة النصرة ابو عمر الجفال بالأصالة عن الجبهة وبالنيابة عن حركة احرار الشام.

 

المسألة الأهم والأخطر تتمثل في الجانب التركي الضامن بالشراكة مع الجانب الروسي للإتفاق، حيث لم يكن بوسع احد من المراقبين ان يتلمس الوضوح في المواقف التركية المتناقضة والمتباينة والتي لا تزال حتى اللحظة تتأرجح بين الإيجابية والسلبية واعادة طرح مسألة الرئيس بشار الأسد في وقت تبدو فيه الدولة السورية منتصرة، في حين ان اردوغان وجاويش اوغلو وغيرهما كانوا تخلوا عن طرح المسألة حتى قبل تحرير حلب.

 

هذه التناقضات وغيرها من الطروحات التي لا تعبر عن حقيقة موازين القوى تنطلق من كون تركيا تريد المزيد من روسيا وايران وتحديدًا في البعدين الإقتصادي والأمني، مع احتفاظ تركيا بشعرة مع اميركا رغم الإتهامات الموجهة اليها.

وعليه، فإنّ وجود الكثير من الغموض في حيثيات ظهور الإتفاق تجعلنا غير قادرين على اجراء تقييم موضوعي في الجانب السياسي تحديدًا يأخذنا الى الكثير من الحذر، خصوصًا ان الجماعات التي وقعت على الإتفاق لا تمثل اكثر من 30% من الحجم العام للجماعات الإرهابية في سوريا، وهذا بحد ذاته يطرح اشكالية كبيرة حول امكانية قدرة الجماعات الموقعة على الإتفاق على فرضه لفترة طويلة، وهذا ما بدأ يلوح في الأفق وسينتج عنه برأيي صدام مسلح بين مختلف الجماعات وخصوصًا في ادلب واريافها التي تسيطرعليها جبهة النصرة بنسبة كبيرة، وهو عامل ان حصل سيساهم في اضعاف الجماعات ويهيئ الأجواء لمعركة حاسمة فيما بعد سيستكملها الجيش السوري بالتأكيد.

 

في الجانب التقني، وان كانت روسيا تستطيع من خلال مركز حميميم ووسائل المراقبة المتعددة ان تقوم بمتابعة الخروقات، فكيف ستقوم تركيا بالمراقبة؟ وهو سؤال لم تتم الإجابة عليه من الطرفين الضامنين روسيا وتركيا لجهة الإعلان عن آليات متابعة تنفيذ الإتفاق.

الإشكالية الكبرى برأيي هي استحالة القيام بحل توفيقي مع جماعات قد تكون راغبة في المشاركة بالوصول الى حل جدي لكنها لا تمثل على ارض الواقع الا فئة قليلة، وهذا يطال الجماعات الموقعة على الإتفاق وبعض القوى السياسية سواء كانت أفرادًا او جماعات التي تحتمي بالخارج وهي في الحقيقة لا تكاد تمثل إلّا نفسها، بالإضافة الى الجماعات التي تمسك بالجغرافيا وهي جماعات القاعدة ومشتقاتها والتي ترفض اي شكل من اشكال المشاركة السياسية، وستمضي برأيي في مسارها العسكري الذي قد تضطر الى استبداله بمسار امني اذا ما تم استئناف العمليات وسحق هذه الجماعات عسكريًا، وهو امر سيحصل عاجلًا او آجلًا.

 

هذا الرأي ينطبق من وجهة نظري على اي شكل من اشكال المفاوضات سواء حصل في الآستانة او في جنيف او في اي مكان آخر، نظرًا لعدم وجود الأرضية الملائمة للبدء في مسار الحل السلمي قبل الإنتهاء من سحق الجماعات الإرهابية، وهو ما أعتقد ان الروس والإيرانيين يخططون له مع الدولة السورية وربما تنضم لهم تركيا بشكل جاد في المستقبل، خصوصًا ان مسارات العلاقة بين روسيا والإدارة الأميركية الجديدة توحي بتفاهمات كبيرة حول الشرق الأوسط تختلف عن المسارات السابقة خلال ادارة اوباما.

وعلى سبيل المثال، فإنّ التسويات التي حصلت حتى الآن بين الدولة السورية وخصوصًا منها تسويات الغوطة الغربية التي نتج عنها خروج اعداد قليلة من المسلحين وعائلاتهم قياسًا على من اختاروا البقاء في بلداتهم، وهم يشكلون اكثر من 85% من عدد السكان، تؤشر الى نمط اعتقد انه سيكون النمط الأشمل والذي تعود فيه الناس الى حياتها الطبيعية والتي من خلالها يمكن انتاج وقائع سياسية تعتمد على اراء الناس ورغباتهم وميولهم ما سيعزز حالة الإعتراض السياسي الديموقراطي تحت سقف الدولة، رغم أنّ أمرًا كهذا سيأخذ بعض الوقت لكنه الحل الحقيقي الذي تؤكد عليه قرارات الأمم المتحدة، وهو ترك الحرية للسوريين باختيار نظامهم السياسي عبر دستور يتم الإستفتاء عليه وكذلك شكل المؤسسات وحرية اختيار السورين لممثليهم من اعلى الهرم السياسي الى ادناه.

 

اذًا، الحل ليس بتقاسم السلطة والسيطرة كما يفكر البعض وانما ينطلق اولًا واخيرًا من حتمية توافق السوريين على مواجهة الإرهاب وهزيمته، والإنتقال معًا الى خيار الجلوس على طاولة حوار وطني تحت سقف الدستور يؤسسون من خلالها لسوريا المستقبل كما يرغبون وانطلاقًا من التجربة المرة التي تعيشها سوريا والمنطقة ترسي ثوابت وطن للجميع وبخيار الجميع أراه في الشكل والمضمون في نهاياته دمشق 1 وليس اية تسمية اخرى.

  • فريق ماسة
  • 2017-01-01
  • 7693
  • من الأرشيف

وهم الحل السياسي في سورية

كنت اتمنى ان اكتب مقاربات مفرحة تُدخلنا الى عالم السلام الذي نتوخاه جميعًا، إلّا ان الموضوعية تقتضي مقاربات واقعية لسير الصراع القائم في المنطقة وسوريا، فنحن للأسف لا زلنا بعيدين عن تحقيق السلام الذي لن يتحقق الا بهزيمة كاملة للإرهاب والذي لن ينسينا بالطبع اكمال المواجهة لتحقيق الهزيمة في العدو الأكبر الصهيونية.   بالرغم من اننا نعيش اجواء وقف اطلاق النار في سوريا، وهو قرار يحتاج الى الكثير من الجهد والنوايا الطيبة لتحقيقه، فإنّ ما تحقق حتى اللحظة هو نتاج حوارات تحصل على حافة الهاوية بين "اصدقاء" كانوا الى أمد قريب ألدّ الأعداء ووصلت الأمور بينهما حد الدخول في مواجهة غير محدودة، وانا هنا اقصد روسيا وتركيا التي تسير الأمور بينهما نحو الأفضل ولكنها لم تصل الى خاتمة سعيدة بعد نظرًا لوجود الكثير من التباين في وجهات النظر حول الحرب في سوريا بكل تداخلاتها وتعقيداتها.   اتفاق وقف اطلاق النار الأخير الذي دخل يومه الثاني يشبه في بداياته وقف اطلاق النار الذي تم الإتفاق عليه بين روسيا واميركا في شهر شباط الماضي، والذي كان مجرد خديعة اميركية – تركية هدفت الى اعادة رص صفوف الجماعات الإرهابية، وهو امر اتاح لهذه الجماعات القيام بسلسلة هجمات بدءًا من استعادة السيطرة على تل العيس وخان طومان وصولًا الى هجمات الكليات العسكرية وغرب حلب.   في الجانب السياسي، نحن امام مشهد غير مكتمل لجهة عدم وجود اطراف معنية بالحرب على سوريا لم تشارك في صياغة النتائج التي افضت الى صدور قرار وقف اطلاق النار الأخير، منها اميركا التي تعيش مرحلة انتقالية في ادارتها، والسعودية وقطر الجهتان الأكثر تأثيرًا بما يخص جبهة النصرة التي اعلنت بوضوح ان الحل السياسي سيثبت اركان الدولة السورية، بالإضافة الى جماعات اخرى كأحرار الشام التي تحفظت ولم توقع على اتفاق وقف اطلاق النار كما اعلن بعض قادتها، وهو ما ظهر ميدانيًا من خلال رفض جماعات وادي بردى عبر بيان لمسؤول جبهة النصرة ابو عمر الجفال بالأصالة عن الجبهة وبالنيابة عن حركة احرار الشام.   المسألة الأهم والأخطر تتمثل في الجانب التركي الضامن بالشراكة مع الجانب الروسي للإتفاق، حيث لم يكن بوسع احد من المراقبين ان يتلمس الوضوح في المواقف التركية المتناقضة والمتباينة والتي لا تزال حتى اللحظة تتأرجح بين الإيجابية والسلبية واعادة طرح مسألة الرئيس بشار الأسد في وقت تبدو فيه الدولة السورية منتصرة، في حين ان اردوغان وجاويش اوغلو وغيرهما كانوا تخلوا عن طرح المسألة حتى قبل تحرير حلب.   هذه التناقضات وغيرها من الطروحات التي لا تعبر عن حقيقة موازين القوى تنطلق من كون تركيا تريد المزيد من روسيا وايران وتحديدًا في البعدين الإقتصادي والأمني، مع احتفاظ تركيا بشعرة مع اميركا رغم الإتهامات الموجهة اليها. وعليه، فإنّ وجود الكثير من الغموض في حيثيات ظهور الإتفاق تجعلنا غير قادرين على اجراء تقييم موضوعي في الجانب السياسي تحديدًا يأخذنا الى الكثير من الحذر، خصوصًا ان الجماعات التي وقعت على الإتفاق لا تمثل اكثر من 30% من الحجم العام للجماعات الإرهابية في سوريا، وهذا بحد ذاته يطرح اشكالية كبيرة حول امكانية قدرة الجماعات الموقعة على الإتفاق على فرضه لفترة طويلة، وهذا ما بدأ يلوح في الأفق وسينتج عنه برأيي صدام مسلح بين مختلف الجماعات وخصوصًا في ادلب واريافها التي تسيطرعليها جبهة النصرة بنسبة كبيرة، وهو عامل ان حصل سيساهم في اضعاف الجماعات ويهيئ الأجواء لمعركة حاسمة فيما بعد سيستكملها الجيش السوري بالتأكيد.   في الجانب التقني، وان كانت روسيا تستطيع من خلال مركز حميميم ووسائل المراقبة المتعددة ان تقوم بمتابعة الخروقات، فكيف ستقوم تركيا بالمراقبة؟ وهو سؤال لم تتم الإجابة عليه من الطرفين الضامنين روسيا وتركيا لجهة الإعلان عن آليات متابعة تنفيذ الإتفاق. الإشكالية الكبرى برأيي هي استحالة القيام بحل توفيقي مع جماعات قد تكون راغبة في المشاركة بالوصول الى حل جدي لكنها لا تمثل على ارض الواقع الا فئة قليلة، وهذا يطال الجماعات الموقعة على الإتفاق وبعض القوى السياسية سواء كانت أفرادًا او جماعات التي تحتمي بالخارج وهي في الحقيقة لا تكاد تمثل إلّا نفسها، بالإضافة الى الجماعات التي تمسك بالجغرافيا وهي جماعات القاعدة ومشتقاتها والتي ترفض اي شكل من اشكال المشاركة السياسية، وستمضي برأيي في مسارها العسكري الذي قد تضطر الى استبداله بمسار امني اذا ما تم استئناف العمليات وسحق هذه الجماعات عسكريًا، وهو امر سيحصل عاجلًا او آجلًا.   هذا الرأي ينطبق من وجهة نظري على اي شكل من اشكال المفاوضات سواء حصل في الآستانة او في جنيف او في اي مكان آخر، نظرًا لعدم وجود الأرضية الملائمة للبدء في مسار الحل السلمي قبل الإنتهاء من سحق الجماعات الإرهابية، وهو ما أعتقد ان الروس والإيرانيين يخططون له مع الدولة السورية وربما تنضم لهم تركيا بشكل جاد في المستقبل، خصوصًا ان مسارات العلاقة بين روسيا والإدارة الأميركية الجديدة توحي بتفاهمات كبيرة حول الشرق الأوسط تختلف عن المسارات السابقة خلال ادارة اوباما. وعلى سبيل المثال، فإنّ التسويات التي حصلت حتى الآن بين الدولة السورية وخصوصًا منها تسويات الغوطة الغربية التي نتج عنها خروج اعداد قليلة من المسلحين وعائلاتهم قياسًا على من اختاروا البقاء في بلداتهم، وهم يشكلون اكثر من 85% من عدد السكان، تؤشر الى نمط اعتقد انه سيكون النمط الأشمل والذي تعود فيه الناس الى حياتها الطبيعية والتي من خلالها يمكن انتاج وقائع سياسية تعتمد على اراء الناس ورغباتهم وميولهم ما سيعزز حالة الإعتراض السياسي الديموقراطي تحت سقف الدولة، رغم أنّ أمرًا كهذا سيأخذ بعض الوقت لكنه الحل الحقيقي الذي تؤكد عليه قرارات الأمم المتحدة، وهو ترك الحرية للسوريين باختيار نظامهم السياسي عبر دستور يتم الإستفتاء عليه وكذلك شكل المؤسسات وحرية اختيار السورين لممثليهم من اعلى الهرم السياسي الى ادناه.   اذًا، الحل ليس بتقاسم السلطة والسيطرة كما يفكر البعض وانما ينطلق اولًا واخيرًا من حتمية توافق السوريين على مواجهة الإرهاب وهزيمته، والإنتقال معًا الى خيار الجلوس على طاولة حوار وطني تحت سقف الدستور يؤسسون من خلالها لسوريا المستقبل كما يرغبون وانطلاقًا من التجربة المرة التي تعيشها سوريا والمنطقة ترسي ثوابت وطن للجميع وبخيار الجميع أراه في الشكل والمضمون في نهاياته دمشق 1 وليس اية تسمية اخرى.

المصدر : عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة