عبر لوحة للفنان طلال أسود وضعها في صدر بيته المطلّ على جبل قاسيون وأشجار المتحف الوطني، يُدخلنا الفنان مصطفى الخاني (حماة ـ 1979) إلى ذكرياته عن والدته ليلى الزعيم المرأة التي ما زال غيابها منذ 31 حزيران 2004 يعتبر تاريخاً فاصلاً في حياة النجم السوري، لوحة حملت عنوانها من اسم الأم واستغرق رسمها أكثر من عشر سنوات.

 

يتذكّر الممثل السوري حياته في حي الأميرية بحماة، وقتذاك لم يكن الطفل الصغير قد راودته فكرة العمل في الفن، فحياته الهادئة عموماً في كنف الأب (عبد الحسيب الخاني) التاجر الحموي المعروف، جعلته مطمئناً تقريباً لخيار العائلة التي كانت تخطط له بالسفر إلى ألمانيا لدراسة الطب أو الهندسة. سنوات قضاها في مدرسة (أبي الفداء) المطلة على نهر العاصي ونواعيره الشهيرة، سوف تدفع الشاب الصغير عام 1996 إلى ارتكاب عصيانه الأول على رغبات الأهل، وتقديم أوراقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية.

 

بعد نجاحه في فحص القبول من بين أكثر من ثمانمئة متقدّم، وافق الأهل حينها على رغبة ولدهم، ظناً منهم أنها مرحلة طيش لا بدّ أنها ستمرّ، لكن «أبو ليلى» أنهى عامه الدراسي الأول في المعهد وكان الأول على دفعته. هذه النتيجة جعلته أكثر إصراراً على إكمال الطريق الذي اختاره.

نجاح الخاني في اجتياز سنته الأولى بتفوق على يد أستاذه فؤاد حسن، ترك السجال مفتوحاً بينه وبين عائلته التي كان لها حضورها الاجتماعي في الوسط الحموي، سواء في سمعتها في التجارة أو الزراعة، أو حتى تربية الخيول العربية الأصيلة: «كانوا يعلّموننا ركوب الخيل قبل أن يعلمونا السير على أقدامنا، خلاك عن (المنزول) وهو المضافة التي أقامتها العائلة كمنتدى اجتماعي وسياسي وثقافي ضمن بناء معروف في قرية (الجاجية ـ نبع عين قصارين) باسم (قصر الخاني) والذي يعود بناؤه للقرن السابع عشر وتم توثيقه ضمن آثار مدينة حماة. منزول العائلة كان ولا زال حتى اليوم مكاناً لحضور الأسرة ووجهاء علية القوم، وهذا ما صعّب عليّ إقناع الأب والأعمام بضرورة متابعة دراسة المسرح، لكن أمي وقفت إلى جانبي، فكل نجاح حققته مذ تلك اللحظة أدين به لوالدتي».

تدرّج الخاني بقوة في سنوات الدراسة بالمعهد، واستقى خبرات كثيفة على أيدي أساتذة كبار إلى أن اختاره أستاذه في المعهد حاتم علي لأداء شخصية «جحدر» في مسلسله الأشهر «الزير سالم»، وهو ما يزال طالباً في سنته الرابعة. فاجأ الخاني الجميع في أبرز عمل من أعمال الدراما السورية، واقفاً بثقة واقتدار أمام نخبة من نجوم الدراما. فرصة لم تكُ لتأتي له لولا أن بطل مسلسل «سقف العالم» كان دائم البحث في سلوك الشخصية وتاريخها وهيئتها ومهاراتها في القتال وركوب الخيل، وسواها من النقاشات التي خاضها وقتذاك مع كل من كاتب المسلسل ممدوح عدوان ومخرجه.

لم تكن هذه المرة الأولى لبطل مسرحية «دون كيشوت» (إخراج مانويل جيجي) التي يقف فيها أمام الكاميرا، فقد وقف قبل ذلك أمام كاميرا المخرج محمد ملص في فيلمه الروائي القصير «فوق الرمل تحت الشمس» ليتخرّج عام 2001 من المعهد العالي بعرض «كلاسيك» تحت إشراف جهاد سعد، حيث قدّم «الخاني» في هذا العرض شخصية العرّاف «تريزياس».

العتبة الثانية، كما يخبرنا الخاني كانت في أدائه دور «الملك المجزوم» في مسلسل «صلاح الدين» مع حاتم علي أيضاً، وفيها عزز الممثل الشاب حضوره أكثر فأكثر، مُنتهجاً أسلوباً خاصاً في العمل على الشخصية، ومقاربتها نفسياً وفيزيولوجياً أمام العدسة، إلا أن التلفزيون لم يحدّ من نشاطه المسرحي، فعلى امتداد عشر سنوات بين عامي 2000 و2009 كان الخاني بطلاً لقرابة عشرة عروض كان أبرزها «العميان» لحسن عويتي، و«حكاية الجزيرة المجهولة» لحنان قصاب حسن، و «طريق الحرير» للإيطالية كاترين باسكوفيتش إلى أن اشترك العام 2004 في مسرحية «جلجامش» مع الفرنسية كاترين شوب، الفرصة التي وضعته داخل مؤسسة مسرح الشمس مع إريانا منوشكين في باريس.

هكذا وجد هذا الممثل العنيد نفسه إلى جانب كبار ممثلي المسرح في العالم، ليقدّم العديد من العروض في كل من باريس وليون وتونس واليمن... الخ، مطلعاً أكثر فأكثر على مسرح «الكاتاكالي» الهندي وفن الارتجال، ذاهباً نحو لغة الجسد بحرفة المخرجة الأعرق والأشهر في المسرح المعاصر: «الجميع استغرب ذهابي وقتذاك وعملي مع منوشكين والتخلّي عن فرص تلفزيونية مهمة، والبعض قال لي إنني مجنون، وإن المسرح لا يُطعم خبزاً على حد تعبيرهم، لكنني كنتُ مُصرّاً، وأعتبر نفسي محظوظاً أن أمامي فرصة أن أكون في باريس ضمن فرقة كنا ندرس عنها في الكتب، لأجد نفسي أتعلّم فيها حتى عودتي إلى وطني عام 2006».

بعد جولاته المسرحية عاد الخاني للتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية، بالتوازي مع إنجازه العديد من بطولات المسلسلات، فلقد أدى دور «ميشيل» في مسلسل «الوردة الأخيرة» و«هولانداي» في مسلسل «جبران» لفردوس أتاسي، وهذا بعد طرحه بقوة في أدوار صعبة ومركبة في أعمال من مثل: «ربيع قرطبة» لحاتم علي، و«هولاكو» لباسل الخطيب، و«الظاهر بيبرس» لمحمد عزيزية و«يوم ممطر آخر» لرشا شربتجي و«العراب» لمثنى الصبح و «ما ملكت أيمانكم» لنجدت أنزور.

عام 2008 يعتبره الخاني عتبة مهمة في صعود نجوميته بعد ترشيحه من المخرج بسام الملا لأداء دور «النمس» في الجزء الرابع من «باب الحارة». شخصية يقول عنها: «اشتغلتُ على النقيض في مواجهة الصورة الضخمة للبطل، فمع كل شخصية كنتُ أقوم بأدائها، كنتُ أعمل على ألا أكرّر نفسي، ولهذا ستلاحظ أن شخصية (توفيق) في (ما ملكت أيمانكم) هي على نقيض شخصية راغب في (حائرات) أو (سعيد) في (حرائر) أو حتى (فؤاد) في (حدث بدمشق). يمكن أن يؤدي ممثل آخر هذه الشخصية أو تلك أفضل مني، لكنه لن يقدّمها مثلي، هذا مهم بالنسبة لي، أن أستطيع إيجاد خصوصيتي وبصمتي الفنية، محاولاً أن أعمل دائماً على التنوع، وعلى البحث في أدق التفاصيل المتعلقة بالدور. ربما أغيّر قناعاتي في مرحلة مقبلة، لكن حتى اليوم أرى أن من مهمة الممثل أن يلاحظ ويراقب ويقرأ ويشاهد ليصهر كل ذلك داخله ويراكمه مضيفاً روحه إليه، ليعيد إصداره من خلال ما يقدّمه».

لعب النجم السوري العديد من الشخصيات النمطية كـ«خرطوش» في «حمام شامي» و«رفيق ـ التوأم الملتصق» في «بواب الريح» و «الواوي» في «باب الحارة» إلا أن شخصية «النمس» ظلت هي الأوفر حظاً عند الجمهور العربي.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-12-29
  • 10186
  • من الأرشيف

مصطفى الخاني: قدّمتُ «النمس» كنقيض لصورة البطل الضخمة

عبر لوحة للفنان طلال أسود وضعها في صدر بيته المطلّ على جبل قاسيون وأشجار المتحف الوطني، يُدخلنا الفنان مصطفى الخاني (حماة ـ 1979) إلى ذكرياته عن والدته ليلى الزعيم المرأة التي ما زال غيابها منذ 31 حزيران 2004 يعتبر تاريخاً فاصلاً في حياة النجم السوري، لوحة حملت عنوانها من اسم الأم واستغرق رسمها أكثر من عشر سنوات.   يتذكّر الممثل السوري حياته في حي الأميرية بحماة، وقتذاك لم يكن الطفل الصغير قد راودته فكرة العمل في الفن، فحياته الهادئة عموماً في كنف الأب (عبد الحسيب الخاني) التاجر الحموي المعروف، جعلته مطمئناً تقريباً لخيار العائلة التي كانت تخطط له بالسفر إلى ألمانيا لدراسة الطب أو الهندسة. سنوات قضاها في مدرسة (أبي الفداء) المطلة على نهر العاصي ونواعيره الشهيرة، سوف تدفع الشاب الصغير عام 1996 إلى ارتكاب عصيانه الأول على رغبات الأهل، وتقديم أوراقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية.   بعد نجاحه في فحص القبول من بين أكثر من ثمانمئة متقدّم، وافق الأهل حينها على رغبة ولدهم، ظناً منهم أنها مرحلة طيش لا بدّ أنها ستمرّ، لكن «أبو ليلى» أنهى عامه الدراسي الأول في المعهد وكان الأول على دفعته. هذه النتيجة جعلته أكثر إصراراً على إكمال الطريق الذي اختاره. نجاح الخاني في اجتياز سنته الأولى بتفوق على يد أستاذه فؤاد حسن، ترك السجال مفتوحاً بينه وبين عائلته التي كان لها حضورها الاجتماعي في الوسط الحموي، سواء في سمعتها في التجارة أو الزراعة، أو حتى تربية الخيول العربية الأصيلة: «كانوا يعلّموننا ركوب الخيل قبل أن يعلمونا السير على أقدامنا، خلاك عن (المنزول) وهو المضافة التي أقامتها العائلة كمنتدى اجتماعي وسياسي وثقافي ضمن بناء معروف في قرية (الجاجية ـ نبع عين قصارين) باسم (قصر الخاني) والذي يعود بناؤه للقرن السابع عشر وتم توثيقه ضمن آثار مدينة حماة. منزول العائلة كان ولا زال حتى اليوم مكاناً لحضور الأسرة ووجهاء علية القوم، وهذا ما صعّب عليّ إقناع الأب والأعمام بضرورة متابعة دراسة المسرح، لكن أمي وقفت إلى جانبي، فكل نجاح حققته مذ تلك اللحظة أدين به لوالدتي». تدرّج الخاني بقوة في سنوات الدراسة بالمعهد، واستقى خبرات كثيفة على أيدي أساتذة كبار إلى أن اختاره أستاذه في المعهد حاتم علي لأداء شخصية «جحدر» في مسلسله الأشهر «الزير سالم»، وهو ما يزال طالباً في سنته الرابعة. فاجأ الخاني الجميع في أبرز عمل من أعمال الدراما السورية، واقفاً بثقة واقتدار أمام نخبة من نجوم الدراما. فرصة لم تكُ لتأتي له لولا أن بطل مسلسل «سقف العالم» كان دائم البحث في سلوك الشخصية وتاريخها وهيئتها ومهاراتها في القتال وركوب الخيل، وسواها من النقاشات التي خاضها وقتذاك مع كل من كاتب المسلسل ممدوح عدوان ومخرجه. لم تكن هذه المرة الأولى لبطل مسرحية «دون كيشوت» (إخراج مانويل جيجي) التي يقف فيها أمام الكاميرا، فقد وقف قبل ذلك أمام كاميرا المخرج محمد ملص في فيلمه الروائي القصير «فوق الرمل تحت الشمس» ليتخرّج عام 2001 من المعهد العالي بعرض «كلاسيك» تحت إشراف جهاد سعد، حيث قدّم «الخاني» في هذا العرض شخصية العرّاف «تريزياس». العتبة الثانية، كما يخبرنا الخاني كانت في أدائه دور «الملك المجزوم» في مسلسل «صلاح الدين» مع حاتم علي أيضاً، وفيها عزز الممثل الشاب حضوره أكثر فأكثر، مُنتهجاً أسلوباً خاصاً في العمل على الشخصية، ومقاربتها نفسياً وفيزيولوجياً أمام العدسة، إلا أن التلفزيون لم يحدّ من نشاطه المسرحي، فعلى امتداد عشر سنوات بين عامي 2000 و2009 كان الخاني بطلاً لقرابة عشرة عروض كان أبرزها «العميان» لحسن عويتي، و«حكاية الجزيرة المجهولة» لحنان قصاب حسن، و «طريق الحرير» للإيطالية كاترين باسكوفيتش إلى أن اشترك العام 2004 في مسرحية «جلجامش» مع الفرنسية كاترين شوب، الفرصة التي وضعته داخل مؤسسة مسرح الشمس مع إريانا منوشكين في باريس. هكذا وجد هذا الممثل العنيد نفسه إلى جانب كبار ممثلي المسرح في العالم، ليقدّم العديد من العروض في كل من باريس وليون وتونس واليمن... الخ، مطلعاً أكثر فأكثر على مسرح «الكاتاكالي» الهندي وفن الارتجال، ذاهباً نحو لغة الجسد بحرفة المخرجة الأعرق والأشهر في المسرح المعاصر: «الجميع استغرب ذهابي وقتذاك وعملي مع منوشكين والتخلّي عن فرص تلفزيونية مهمة، والبعض قال لي إنني مجنون، وإن المسرح لا يُطعم خبزاً على حد تعبيرهم، لكنني كنتُ مُصرّاً، وأعتبر نفسي محظوظاً أن أمامي فرصة أن أكون في باريس ضمن فرقة كنا ندرس عنها في الكتب، لأجد نفسي أتعلّم فيها حتى عودتي إلى وطني عام 2006». بعد جولاته المسرحية عاد الخاني للتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية، بالتوازي مع إنجازه العديد من بطولات المسلسلات، فلقد أدى دور «ميشيل» في مسلسل «الوردة الأخيرة» و«هولانداي» في مسلسل «جبران» لفردوس أتاسي، وهذا بعد طرحه بقوة في أدوار صعبة ومركبة في أعمال من مثل: «ربيع قرطبة» لحاتم علي، و«هولاكو» لباسل الخطيب، و«الظاهر بيبرس» لمحمد عزيزية و«يوم ممطر آخر» لرشا شربتجي و«العراب» لمثنى الصبح و «ما ملكت أيمانكم» لنجدت أنزور. عام 2008 يعتبره الخاني عتبة مهمة في صعود نجوميته بعد ترشيحه من المخرج بسام الملا لأداء دور «النمس» في الجزء الرابع من «باب الحارة». شخصية يقول عنها: «اشتغلتُ على النقيض في مواجهة الصورة الضخمة للبطل، فمع كل شخصية كنتُ أقوم بأدائها، كنتُ أعمل على ألا أكرّر نفسي، ولهذا ستلاحظ أن شخصية (توفيق) في (ما ملكت أيمانكم) هي على نقيض شخصية راغب في (حائرات) أو (سعيد) في (حرائر) أو حتى (فؤاد) في (حدث بدمشق). يمكن أن يؤدي ممثل آخر هذه الشخصية أو تلك أفضل مني، لكنه لن يقدّمها مثلي، هذا مهم بالنسبة لي، أن أستطيع إيجاد خصوصيتي وبصمتي الفنية، محاولاً أن أعمل دائماً على التنوع، وعلى البحث في أدق التفاصيل المتعلقة بالدور. ربما أغيّر قناعاتي في مرحلة مقبلة، لكن حتى اليوم أرى أن من مهمة الممثل أن يلاحظ ويراقب ويقرأ ويشاهد ليصهر كل ذلك داخله ويراكمه مضيفاً روحه إليه، ليعيد إصداره من خلال ما يقدّمه». لعب النجم السوري العديد من الشخصيات النمطية كـ«خرطوش» في «حمام شامي» و«رفيق ـ التوأم الملتصق» في «بواب الريح» و «الواوي» في «باب الحارة» إلا أن شخصية «النمس» ظلت هي الأوفر حظاً عند الجمهور العربي.  

المصدر : الماسة السورية/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة