أعربت  صحيفة “اللوموند” الفرنسية أن تحرير حلب كان بمثابة نقطة انعطاف هامة أدت لتأرجح النظام الدولي، لكونها العجز الغربي أمام روسيا، كما لم يظهر من قبل من انهيار جدار برلين.

الصحيفة الفرنسية في مقال لها بعنوان “حلب دروس مأساة”، أشارت إلى أن الفيتو الروسي الصيني اﻷخير على المشروع الفرنسي في مجلس اﻷمن أظهر فشل إدارة أوباما، وزعزع نظام الأمم المتحدة الّذي شُلّ، كما في أسوأ لحظات الحرب الباردة، مستشهدة بكلام السفير الفرنسي في اﻷمم المتحدة فرنسوا ديلاتر: “يُخشى أن تصبح حلب قبر الأمم المتحدة”.

الصحيفة تطرقت في مقالها إلى خارطة التحالفات والتكتلات السياسية الدولية من خلال الحديث عن هيمنة روسية صينية على العالم، إذ تبدو هاتان الدولتان، بحسب الصحيفة، “أكثر عزماً على فرض نفسيهما بكل الطرق، من بينها القوّة، أمام غربٍ حائرٍ ومُقسم. فسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في ربيع عام ٢٠١٤ هو دليل على اتّباع تلك السّياسة، إذ إن ضم أرض أوروبيّة بالقوّة يُعدّ حدثاً فريداً لم يحدث منذ عام ١٩٤٥.

ونقلت الصحيفة عن برنارد بادي، الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس: “إنها نهاية عالم ما بعد ١٩٨٩، عالمُ حكمٍ غربي كان يتّخذ قرارته حول كل المسائل وكان يقدّم نفسه كنموذج يُحتذى به”، مُشيراً أن “عقيدة انتظار المسيح المخلّص مزروعة في خيال الغرب لدرجة تجعل كل شخص ينصعق عندما يجد نفسه عاجزاً أمام مآسي شعب”.

وأوضحت صحيفة “لوموند” أن مبدأ التدخل في شؤون الدول اﻷخرى عن طريق القوة لم يعد صالحاً مستشهدة على ذلك بحرب العراق التي أفقدت فعلاً مصداقيّة هذه التدخلات، إضافة إلى الفشل الذريع التي منيت به القوات العسكرية المتواجدة في أفغانستان والعراق وليبيا لما خلفه من فوضى عارمة. وهو مايفسر الحذر الغربي.

وكان كتاب عرب أكدوا أنّ الانتصار الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في حلب لن تكون تداعياته شبيهة بانتصارات أخرى هامة كان قد حققها الجيش، سواء في ريف دمشق، أو في ريف اللاذقية، أو في معركة تدمر.

فجميع تلك الانتصارات على أهميتها لم تترك التداعيات المحتملة على الانتصار الذي تحقق في حلب.

ومدينة حلب كانت تراهن عليها الدول والجهات التي انخرطت في الحرب على سورية لتحقيق واحد من ثلاثة أهداف، الهدف الأول، إسقاط النظام في سورية، وهذا الهدف كان بالنسبة لهذه الدول أمر واقعي ومنطقي في عامي 2011 و2012 بعد السيطرة على الأحياء الشرقية من حلب، وبعد تطويق دمشق بعشرات آلاف المسلحين، بل إنّ المسلحين في عام 2012 سيطروا على أحياء غير قليلة في دمشق ذاتها. لكن سقوط دمشق غير ممكن من دون سقوط حلب، لأسباب كثيرة.

أما الهدف الثاني، تقسيم سورية إذا تعذّر إسقاط الدولة السورية، وجرى تبني هذا الهدف اعتباراً من النصف الثاني من عام 2013 عندما تيقّنت الدول المساهمة في الحرب على سورية بأنّ إسقاط النظام، وبالتالي الدولة السورية، أمر صعب المنال، ودونه على الأقلّ حرب طويلة الأمد، قد تتحوّل إلى حرب استنزاف لكلا الطرفين. لكن تقسيم سورية، وفقدان الدولة السورية لشرعيتها واحتفاظها بمقعدها في الأمم المتحدة أمر صعب المنال من دون السيطرة على مدينة حلب بكاملها، وكانت السيطرة على الأحياء الشرقية بمثابة تمهيد أو استعداد للسيطرة على المدينة لتحقيق هذا الهدف.

الهدف الثالث، استنزاف سورية، وطالما أنّ السيطرة على كلّ مدينة حلب بات غير متيسّر، فإنّ الاحتفاظ بالسيطرة على الأحياء الشرقية، يشكل استنزافاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً للدولة السورية، لذلك لا يجب أن تستعيد الدولة السورية هذه الأحياء وبذل كلّ جهد مستطاع لمنع ذلك لأنّ الاحتفاظ بالأحياء الشرقية شرط لا بدّ منه لاستمرار حرب الاستنزاف. لهذه الأسباب واكبت عملية تحرير حلب حملة دولية غير مسبوقة لتعطيل هذه العملية، بدءاً من التهديدات التي أطلقتها الدول الراعية والداعمة للحرب الإرهابية على سورية، مروراً بعدم الالتزام بالتفاهمات المبرمة بين الولايات المتحدة وروسيا، وصولاً إلى الالتفاف على قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرارين 2253 و2254، واستنفار كلّ مسؤولي ومؤسسات الأمم المتحدة، بما في ذلك المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي اقترح تشريع وجود المسلحين في حلب وتكريس تقسيم المدينة، وهو الاقتراح الذي حمله إلى المسؤولين السوريين عشية بدء معركة تحرير الأحياء الشرقية.

مؤكدين أن جميع هذه الأهداف لم تعد واقعية في ضوء ما تحقق في أحياء حلب الشرقية.

الكاتب روبرت فيسك أكد أنه حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب.

وأضاف .. سيكون على السياسيين والخبراء والصحافيين الغربيين أن يعيدوا كتابة قصصهم في الأيام المقبلة من جديد وقد استعاد الجيش العربي السوري السيطرة على الأحياء الشرقية لمدينة حلب. سنكتشف ما إذا كان المدنيون المئتان وخمسون ألفاً المحاصرون في المدينة كانوا فعلاً بهذا الكم وسنعرف المزيد عن المتمردين الذين نحن في الغرب، الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب حلفائنا قاطعي الرؤوس في الخليج، قمنا بدعمهم.

و قال ... لقد حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب.

قبل أسابيع قليلة فقط قابلت إحدى العائلات المسلمة التي هربت من شرق حلب خلال الهدنة. أخبرني الوالد أنهم أبلغوه بأن المتمردين سيقومون بإعدام شقيقه لأنه اجتاز الخطوط الأمامية مع زوجته وابنه. لقد اتهم المقاتلين بإقفال المدارس وتخزين الأسلحة بالقرب من المستشفيات.

فيسك أكد أنه في الوقت نفسه كان الجنود السوريون يعبّرون لي سراً عن اعتقادهم بأن الأميركيين سيسمحون لداعش بمغادرة الموصل لمهاجمة النظام مجدداً. وقد عبّر ضابط أميركي بالفعل عن مخاوفه من منع الميليشيات العراقية داعش من الهروب عبر الحدود العراقية إلى سوريا.

من المفيد جداً أن ننظر في تقاريرنا حول هذين الحدثين المتوازيين. تقريباً تتحدث كل العناوين اليوم عن سقوط حلب بيد الجيش السوري وليس استعادة المدينة من المسلحين كما كنا سنقول في ظروف أخرى، فيما يتم الحديث عن سقوط تدمر بيد الحكم البشع لداعش بوصفه استعادة للسيطرة على المدينة.

هنا الكلمات لها أهمية. هؤلاء الرجال، أو “رجالنا” في حال واصلنا السرد الجهادي الحالي، هم الذين قاموا بعد احتلالهم لتدمر بذبح عالم الآثار البالغ من العمر 82 عاماً والذي حمى كنوزها، ثم وضعوا له نظاراته على رأسه المقطوع.

باعتراف الروس فإنهم نفذوا 64 طلعة جوية ضد مهاجمي داعش خارج تدمر. ولكن نظراً لأعمدة الغبار المتصاعدة من مواكبهم لماذا لم ينضم الطيران الأميركي إلى قصف العدو الأكبر له؟ لسبب ما لم تكشفهم الأقمار الصناعية الأميركية ولا الطائرات بدون طيار ولا الاستخبارات، خلافاً لما قاموا به حين قاد داعش المواكب الانتحارية نفسها حين سيطرة للمرة الأولى على المدينة في أيار/ مايو 2015.

وتوقع فيسك أن نسمع المزيد من هذا الكلام في الأيام المقبلة. الشهر المقبل سنقرأ أيضاً كتاباً مخيفاً جديداً للصحافية الإيطالية لوريتا ناوبليوني حول تمويل الحرب في سوريا حيث تروي عمليات الخطف من أجل المال من قبل القوات الحكومية والمعارضة في سوريا لكنها أيضاً تستخدم لهجة قاسية إزاء أدائنا الصحفي.

هل الأمر قاس جداً على مهنة الصحافة؟ هل نحن فعلاً إلى جانب المتمردين؟ لا شك أن الزعماء السياسيين لدينا كذلك، وللسبب نفسه الذي يدفع بالمتمردين إلى اختطاف ضحاياهم: أي المال.

وكان اتحاد غرف الصناعة السورية قد رفع دعوى قضائية أمام إحدى المحاكم الأوروبية ضد حكومة رجب طيب اردوغان لرعايتها اللصوص والإرهابيين الذين نهبوا وسرقوا وفككوا المعامل والمنشآت الصناعية بحلب ونقلوها إلى تركيا.

وأشار رئيس الاتحاد فارس الشهابي إلى أن أعمال السرقة والنهب تمت تحت أنظار وبعلم الحكومة التركية مؤكدا أن الدعوى القضائية تم تحريكها أمام إحدى المحاكم الأوروبية الفاعلة والمؤثرة وعن طريق منظمة حقوقية مقرها أوروبا وذلك بالتعاون مع عدد من المحامين السوريين متوقعا تحقيق نتائج جيدة نتيجة حيادية القضاء الأوروبي.

ودعا الشهابي الصناعيين وباقي الغرف والاتحادات والمنظمات الشعبية والمهنية والعمالية وجميع السوريين إلى تزويد اتحاد غرف الصناعة بالمعلومات والانضمام إلى هذه الدعوى القضائية مبينا أن هذه الدعوى "غير مسيسة ولا تستهدف الشعب التركي بل تستهدف حكومة أردوغان الراعية للإرهابيين واللصوص".

وأكد أن الدعوى القضائية تهدف إلى "تعرية الحكومة التركية الحالية راعية الإرهاب واللصوصية والتطرف وفضحها أمام الرأي العام العالمي وإجبارها على دفع التعويضات للتجار وأصحاب المعامل والمنشآت الصناعية والمتضررين على الأضرار التي لحقت بهم جراء أعمال النهب والسرقة التي سهلت لها هذه الحكومة.

يذكر أن الجيش العربي السوري قام في عام 2016 بالعديد من العمليات العسكرية الكبيرة التي ساهمت في تعزيز مواقف الجيش العربي السوري اللاذقية في أواخر 2015 وانتهت في شباط من عام 2016، وكانت أول عملية عسكرية مشتركة بين القوات السورية والقوات الروسية، في أول 10 أيام تمكنت القوات من تحرير أكثر من 200 كيلومتر مربع من سلسلة الجبال، واستطاعت القوات السورية أن تسيطر على الحدود السورية-التركية.

ثم بدأت عملية تحرير تدمر في شهر آذار عام 2016، وكانت تدمر في ذلك الوقت، قد فقدت قيمتها الاستراتيجية، لكنها حافظت على قيمتها الحضارية. وقامت القوات الروسية والسورية بعملية تحرير تدمر ومن ثم عملية إزالة الألغام، من أجل منع تدمير كل الآثار التراثية هناك.

بدأ المركز الروسي لتنسيق المصالحة بالعمل بالتزامن مع العمليات العسكرية في سورية، واقنع حوالي 1077 منطقة سكنية أن تنضم للمصالحة و95 جماعة مسلحين بإلقاء أسلحتهم، فمثلاً في ريف دمشق تقلص عدد المسلحين بشكل كبير.

وأصبحت عملية تحرير حلب من أهم العمليات في هذا العام، تمكن الإرهابيون في أربع سنوات من تحويل الأحياء الشرقية من مدينة حلب لشبكة محصنة، حيث أقاموا دولة شرعية وكان لديهم أكثر من 100 ألف رهينة من المدنيين، وقام الجيش السوري أولاً بتطويق المدينة، وثانياً أوقف هجوم المسلحين ولم يسمح لهم بكسر الحصار، وبعد ذلك نظف المدينة وأنقذ المدنيين في غضون أسبوعين.

للأسف استطاع أكثر من 4 آلاف مسلح، معظمهم من إرهابيي “النصرة” الهروب من المدينة ومعهم أسلحة ورهائن، بسبب سياسة وضغط الغرب، ومع ذلك فإن أكبر مدينة بعد دمشق في سورية قد تحررت، وقد تكبد الإرهابيون خسائر فادحة في الأشخاص والعتاد، أما الجيش السوري فقد أطلق سراح القوات في حلب، لتنفيذ العمليات التالية، ووعد بأن يكون في العام القادم انتصارات أكثر.

  • فريق ماسة
  • 2016-12-22
  • 16159
  • من الأرشيف

الميدان السوري بعد حلب غير ما قبلها

أعربت  صحيفة “اللوموند” الفرنسية أن تحرير حلب كان بمثابة نقطة انعطاف هامة أدت لتأرجح النظام الدولي، لكونها العجز الغربي أمام روسيا، كما لم يظهر من قبل من انهيار جدار برلين. الصحيفة الفرنسية في مقال لها بعنوان “حلب دروس مأساة”، أشارت إلى أن الفيتو الروسي الصيني اﻷخير على المشروع الفرنسي في مجلس اﻷمن أظهر فشل إدارة أوباما، وزعزع نظام الأمم المتحدة الّذي شُلّ، كما في أسوأ لحظات الحرب الباردة، مستشهدة بكلام السفير الفرنسي في اﻷمم المتحدة فرنسوا ديلاتر: “يُخشى أن تصبح حلب قبر الأمم المتحدة”. الصحيفة تطرقت في مقالها إلى خارطة التحالفات والتكتلات السياسية الدولية من خلال الحديث عن هيمنة روسية صينية على العالم، إذ تبدو هاتان الدولتان، بحسب الصحيفة، “أكثر عزماً على فرض نفسيهما بكل الطرق، من بينها القوّة، أمام غربٍ حائرٍ ومُقسم. فسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في ربيع عام ٢٠١٤ هو دليل على اتّباع تلك السّياسة، إذ إن ضم أرض أوروبيّة بالقوّة يُعدّ حدثاً فريداً لم يحدث منذ عام ١٩٤٥. ونقلت الصحيفة عن برنارد بادي، الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس: “إنها نهاية عالم ما بعد ١٩٨٩، عالمُ حكمٍ غربي كان يتّخذ قرارته حول كل المسائل وكان يقدّم نفسه كنموذج يُحتذى به”، مُشيراً أن “عقيدة انتظار المسيح المخلّص مزروعة في خيال الغرب لدرجة تجعل كل شخص ينصعق عندما يجد نفسه عاجزاً أمام مآسي شعب”. وأوضحت صحيفة “لوموند” أن مبدأ التدخل في شؤون الدول اﻷخرى عن طريق القوة لم يعد صالحاً مستشهدة على ذلك بحرب العراق التي أفقدت فعلاً مصداقيّة هذه التدخلات، إضافة إلى الفشل الذريع التي منيت به القوات العسكرية المتواجدة في أفغانستان والعراق وليبيا لما خلفه من فوضى عارمة. وهو مايفسر الحذر الغربي. وكان كتاب عرب أكدوا أنّ الانتصار الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في حلب لن تكون تداعياته شبيهة بانتصارات أخرى هامة كان قد حققها الجيش، سواء في ريف دمشق، أو في ريف اللاذقية، أو في معركة تدمر. فجميع تلك الانتصارات على أهميتها لم تترك التداعيات المحتملة على الانتصار الذي تحقق في حلب. ومدينة حلب كانت تراهن عليها الدول والجهات التي انخرطت في الحرب على سورية لتحقيق واحد من ثلاثة أهداف، الهدف الأول، إسقاط النظام في سورية، وهذا الهدف كان بالنسبة لهذه الدول أمر واقعي ومنطقي في عامي 2011 و2012 بعد السيطرة على الأحياء الشرقية من حلب، وبعد تطويق دمشق بعشرات آلاف المسلحين، بل إنّ المسلحين في عام 2012 سيطروا على أحياء غير قليلة في دمشق ذاتها. لكن سقوط دمشق غير ممكن من دون سقوط حلب، لأسباب كثيرة. أما الهدف الثاني، تقسيم سورية إذا تعذّر إسقاط الدولة السورية، وجرى تبني هذا الهدف اعتباراً من النصف الثاني من عام 2013 عندما تيقّنت الدول المساهمة في الحرب على سورية بأنّ إسقاط النظام، وبالتالي الدولة السورية، أمر صعب المنال، ودونه على الأقلّ حرب طويلة الأمد، قد تتحوّل إلى حرب استنزاف لكلا الطرفين. لكن تقسيم سورية، وفقدان الدولة السورية لشرعيتها واحتفاظها بمقعدها في الأمم المتحدة أمر صعب المنال من دون السيطرة على مدينة حلب بكاملها، وكانت السيطرة على الأحياء الشرقية بمثابة تمهيد أو استعداد للسيطرة على المدينة لتحقيق هذا الهدف. الهدف الثالث، استنزاف سورية، وطالما أنّ السيطرة على كلّ مدينة حلب بات غير متيسّر، فإنّ الاحتفاظ بالسيطرة على الأحياء الشرقية، يشكل استنزافاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً للدولة السورية، لذلك لا يجب أن تستعيد الدولة السورية هذه الأحياء وبذل كلّ جهد مستطاع لمنع ذلك لأنّ الاحتفاظ بالأحياء الشرقية شرط لا بدّ منه لاستمرار حرب الاستنزاف. لهذه الأسباب واكبت عملية تحرير حلب حملة دولية غير مسبوقة لتعطيل هذه العملية، بدءاً من التهديدات التي أطلقتها الدول الراعية والداعمة للحرب الإرهابية على سورية، مروراً بعدم الالتزام بالتفاهمات المبرمة بين الولايات المتحدة وروسيا، وصولاً إلى الالتفاف على قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرارين 2253 و2254، واستنفار كلّ مسؤولي ومؤسسات الأمم المتحدة، بما في ذلك المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي اقترح تشريع وجود المسلحين في حلب وتكريس تقسيم المدينة، وهو الاقتراح الذي حمله إلى المسؤولين السوريين عشية بدء معركة تحرير الأحياء الشرقية. مؤكدين أن جميع هذه الأهداف لم تعد واقعية في ضوء ما تحقق في أحياء حلب الشرقية. الكاتب روبرت فيسك أكد أنه حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب. وأضاف .. سيكون على السياسيين والخبراء والصحافيين الغربيين أن يعيدوا كتابة قصصهم في الأيام المقبلة من جديد وقد استعاد الجيش العربي السوري السيطرة على الأحياء الشرقية لمدينة حلب. سنكتشف ما إذا كان المدنيون المئتان وخمسون ألفاً المحاصرون في المدينة كانوا فعلاً بهذا الكم وسنعرف المزيد عن المتمردين الذين نحن في الغرب، الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب حلفائنا قاطعي الرؤوس في الخليج، قمنا بدعمهم. و قال ... لقد حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب. قبل أسابيع قليلة فقط قابلت إحدى العائلات المسلمة التي هربت من شرق حلب خلال الهدنة. أخبرني الوالد أنهم أبلغوه بأن المتمردين سيقومون بإعدام شقيقه لأنه اجتاز الخطوط الأمامية مع زوجته وابنه. لقد اتهم المقاتلين بإقفال المدارس وتخزين الأسلحة بالقرب من المستشفيات. فيسك أكد أنه في الوقت نفسه كان الجنود السوريون يعبّرون لي سراً عن اعتقادهم بأن الأميركيين سيسمحون لداعش بمغادرة الموصل لمهاجمة النظام مجدداً. وقد عبّر ضابط أميركي بالفعل عن مخاوفه من منع الميليشيات العراقية داعش من الهروب عبر الحدود العراقية إلى سوريا. من المفيد جداً أن ننظر في تقاريرنا حول هذين الحدثين المتوازيين. تقريباً تتحدث كل العناوين اليوم عن سقوط حلب بيد الجيش السوري وليس استعادة المدينة من المسلحين كما كنا سنقول في ظروف أخرى، فيما يتم الحديث عن سقوط تدمر بيد الحكم البشع لداعش بوصفه استعادة للسيطرة على المدينة. هنا الكلمات لها أهمية. هؤلاء الرجال، أو “رجالنا” في حال واصلنا السرد الجهادي الحالي، هم الذين قاموا بعد احتلالهم لتدمر بذبح عالم الآثار البالغ من العمر 82 عاماً والذي حمى كنوزها، ثم وضعوا له نظاراته على رأسه المقطوع. باعتراف الروس فإنهم نفذوا 64 طلعة جوية ضد مهاجمي داعش خارج تدمر. ولكن نظراً لأعمدة الغبار المتصاعدة من مواكبهم لماذا لم ينضم الطيران الأميركي إلى قصف العدو الأكبر له؟ لسبب ما لم تكشفهم الأقمار الصناعية الأميركية ولا الطائرات بدون طيار ولا الاستخبارات، خلافاً لما قاموا به حين قاد داعش المواكب الانتحارية نفسها حين سيطرة للمرة الأولى على المدينة في أيار/ مايو 2015. وتوقع فيسك أن نسمع المزيد من هذا الكلام في الأيام المقبلة. الشهر المقبل سنقرأ أيضاً كتاباً مخيفاً جديداً للصحافية الإيطالية لوريتا ناوبليوني حول تمويل الحرب في سوريا حيث تروي عمليات الخطف من أجل المال من قبل القوات الحكومية والمعارضة في سوريا لكنها أيضاً تستخدم لهجة قاسية إزاء أدائنا الصحفي. هل الأمر قاس جداً على مهنة الصحافة؟ هل نحن فعلاً إلى جانب المتمردين؟ لا شك أن الزعماء السياسيين لدينا كذلك، وللسبب نفسه الذي يدفع بالمتمردين إلى اختطاف ضحاياهم: أي المال. وكان اتحاد غرف الصناعة السورية قد رفع دعوى قضائية أمام إحدى المحاكم الأوروبية ضد حكومة رجب طيب اردوغان لرعايتها اللصوص والإرهابيين الذين نهبوا وسرقوا وفككوا المعامل والمنشآت الصناعية بحلب ونقلوها إلى تركيا. وأشار رئيس الاتحاد فارس الشهابي إلى أن أعمال السرقة والنهب تمت تحت أنظار وبعلم الحكومة التركية مؤكدا أن الدعوى القضائية تم تحريكها أمام إحدى المحاكم الأوروبية الفاعلة والمؤثرة وعن طريق منظمة حقوقية مقرها أوروبا وذلك بالتعاون مع عدد من المحامين السوريين متوقعا تحقيق نتائج جيدة نتيجة حيادية القضاء الأوروبي. ودعا الشهابي الصناعيين وباقي الغرف والاتحادات والمنظمات الشعبية والمهنية والعمالية وجميع السوريين إلى تزويد اتحاد غرف الصناعة بالمعلومات والانضمام إلى هذه الدعوى القضائية مبينا أن هذه الدعوى "غير مسيسة ولا تستهدف الشعب التركي بل تستهدف حكومة أردوغان الراعية للإرهابيين واللصوص". وأكد أن الدعوى القضائية تهدف إلى "تعرية الحكومة التركية الحالية راعية الإرهاب واللصوصية والتطرف وفضحها أمام الرأي العام العالمي وإجبارها على دفع التعويضات للتجار وأصحاب المعامل والمنشآت الصناعية والمتضررين على الأضرار التي لحقت بهم جراء أعمال النهب والسرقة التي سهلت لها هذه الحكومة. يذكر أن الجيش العربي السوري قام في عام 2016 بالعديد من العمليات العسكرية الكبيرة التي ساهمت في تعزيز مواقف الجيش العربي السوري اللاذقية في أواخر 2015 وانتهت في شباط من عام 2016، وكانت أول عملية عسكرية مشتركة بين القوات السورية والقوات الروسية، في أول 10 أيام تمكنت القوات من تحرير أكثر من 200 كيلومتر مربع من سلسلة الجبال، واستطاعت القوات السورية أن تسيطر على الحدود السورية-التركية. ثم بدأت عملية تحرير تدمر في شهر آذار عام 2016، وكانت تدمر في ذلك الوقت، قد فقدت قيمتها الاستراتيجية، لكنها حافظت على قيمتها الحضارية. وقامت القوات الروسية والسورية بعملية تحرير تدمر ومن ثم عملية إزالة الألغام، من أجل منع تدمير كل الآثار التراثية هناك. بدأ المركز الروسي لتنسيق المصالحة بالعمل بالتزامن مع العمليات العسكرية في سورية، واقنع حوالي 1077 منطقة سكنية أن تنضم للمصالحة و95 جماعة مسلحين بإلقاء أسلحتهم، فمثلاً في ريف دمشق تقلص عدد المسلحين بشكل كبير. وأصبحت عملية تحرير حلب من أهم العمليات في هذا العام، تمكن الإرهابيون في أربع سنوات من تحويل الأحياء الشرقية من مدينة حلب لشبكة محصنة، حيث أقاموا دولة شرعية وكان لديهم أكثر من 100 ألف رهينة من المدنيين، وقام الجيش السوري أولاً بتطويق المدينة، وثانياً أوقف هجوم المسلحين ولم يسمح لهم بكسر الحصار، وبعد ذلك نظف المدينة وأنقذ المدنيين في غضون أسبوعين. للأسف استطاع أكثر من 4 آلاف مسلح، معظمهم من إرهابيي “النصرة” الهروب من المدينة ومعهم أسلحة ورهائن، بسبب سياسة وضغط الغرب، ومع ذلك فإن أكبر مدينة بعد دمشق في سورية قد تحررت، وقد تكبد الإرهابيون خسائر فادحة في الأشخاص والعتاد، أما الجيش السوري فقد أطلق سراح القوات في حلب، لتنفيذ العمليات التالية، ووعد بأن يكون في العام القادم انتصارات أكثر.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة