ما حملته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل ما يقرب الشهر من اليوم والتي تحدثت عن مفاوضات روسية – أمريكية تتم خلف الكواليس، تتمحور أهدافها حول قبول الأمريكان بالرؤية الروسية لكيفية  أنهاء الحرب على سورية  والشرط بذلك هو رفع غطاء واشنطن السياسي والعسكري عن بعض المجاميع المسلحة بسورية  ،مقابل التزام الروس بالعمل على انتاج واقع جديد بسورية عسكريآ وإلى حد ما سياسيآ يحفظ على الاقل ماء  وجه واشنطن .

حديث هذه الصحيفة كان له وقع خاص في الفترة الأخيرة، وكانت له أبعاد وتأويلات عدة، ولكن لليوم لم نسمع أي رد روسي  أو أمريكي رسمي عما حملته الصحيفة  الامريكية  عن التفاهم الروسي – الأميركي لأنهاء الحرب على سورية، ولكن الواضح للأن إنه مع ثبات موقف بعض القوى السياسية والأمنية بالداخل الروسي وبالتزامن مع استمرار صمود الدولة العربية السورية تجاه الحرب المفروضة عليها،يبدو واضحآ لكل المتابعين اليوم أن الكلمة الفصل والعليا بسورية هي للروس وللسوريين وحلفائهم ،وهم من يفرضون اليوم رؤيتهم على الجميع .

 الروس اليوم اثبتوا للجميع  أنهم اصحاب الكلمة العليا والفصل بالملف السوري ،فهم لم يرضخوا منذ سنوات لمجموعة ضغوط ومساومات من اجل فك تحالفهم مع الدولة العربية السورية ،مع العلم أن للسعوديين والأميركيين تجارب كثيرة في مسار المساومات مع الروس بخصوص التنازل عن حلفهم مع الدولة السورية، وهناك أوراق مساومات طرحها جون كيري وجو بايدن وماكين ومحمد بن سلمان وبندر بن سلطان ومحمد بن نايف والراحل سعود الفيصل للتفاوض مع الروس بمراحل زمنية مختلفة، ولكن صمود الدولة العربية السورية، وثبات موقف بعض القوى والنخب الرسمية والشعبية والسياسية داخل روسيا، هو من أجهض بالكثير من المراحل أوراق المساومات الأميركية- السعودية التي كانت تُقدّم للروس،والتي  كانت تتزامن بالكثير من مراحلها  مع اشتداد موجة الضغوطات الأميركية – السعودية على الروس بخصوص ملفي أوكرانيا – سورية وما صاحب كل هذا من موجة عقوبات اقتصادية على الروس، وخصوصآ مع ظهور طبيعة جديدة لهذه الضغوطات الاقتصادية تمثلت"بحرب النفط – والانخفاض المتلاحق بأسعار النفط" ومع بروز حلف جديد سعودي – أميركي – فرنسي – قطري – تركي، يستهدف ضرب محور روسيا – إيران – سورية.

الروس بدورهم  كانوا يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأميركية – السعودية – الفرنسية – التركية – القطرية، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية "مرحلياً" بخصوص ملفي سورية وأوكرانيا، فالروس يدركون أن النظام الأميركي الرسمي وحلفاءه بالغرب وبالمنطقة يستعمل سلاح النفط ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الروسي، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كل هذه الملفات هو الوضع بسورية، ومن هنا ادرك الروس   مبكرآ أن أميركا وحلفاءها بالغرب يحاولون بكل الوسائل جلب النظام الرسمي الروسي وحلفاءه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الروس وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم.

ولكن ومع كل هذه الضغوط الأميركية – السعودية على الدولة الروسية بخصوص موقفها من الحرب المفروضة على الدولة السورية، لاحظ جميع المتابعين كيف أن موسكو كانت بالفترة الأخيرة هي من تملك زمام المبادرة بالملف السوري ، فقد اصبحت موسكو محجآ ومسرحاً لمجموعة لقاءات، ومنطلقاً لطرح مجموعة رؤى لانهاء الحرب على الدولة  السورية،وهذا ما هو إلا دليل على أن الدولة الروسية تسعى وبشكل ممنهج للحفاظ على وحدة سورية وتعزيز مسار التوافق الداخلي بين مكوناتها، وهذا ما يدحض كل الشائعات التي تتحدث عن فكرة قبول الروس بالطرح الأميركي لتقسيم سورية.

 من جهة أخرى، برز واضحاً في الفترة الأخيرة مدى التقارب بالمواقف السياسية والأمنية، بين النظام الرسمي الروسي والنظام العربي السوري، وذلك ظهر جلياً من خلال الدعم العسكري "الجوي " الروسي للدولة العربية السورية بحربها على الإرهاب ، فهذا الدعم  وتقارب الآراء وثبات الموقف الروسي بخصوص رؤيته لسبل انهاء الحرب على الدولة  السورية، ضحدت جميع الإشاعات التي كانت تطلقها بعض الصحف الصفراء، ووسائل الإعلام، بخصوص تغيير الموقف الرسمي الروسي تجاة الحرب المفروضة على الدولة السورية.

ختاماً، يمكن القول إن جميع أوراق المساومات التي طرحها الأميركيون -والسعوديون، أو التي سيطرحوها مستقبلآ للضغط على الروس ودفعهم إلى التخلي عن حلفهم مع الدولة السورية قد باءت وستبوء بالفشل، فمجموع المؤشرات الدولية والإقليمية تؤكد أنّ الروس هم من يفرضون اليوم رؤيتهم على الجميع "لأنها هي الرؤية الانجع والافضل لانهاء الحرب على سورية " ،وهذا ما يؤكد أن الروس عائدون وبقوة إلى مصاف الدول "العظمى "لصناعة عالم متعدد الاقطاب ،ومن خلال البوابة السورية .

 

  • فريق ماسة
  • 2016-12-03
  • 5748
  • من الأرشيف

ما بين كييف و دمشق ...الروس ومعادلة العودة إلى عالم متعدد الاقطاب

ما حملته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل ما يقرب الشهر من اليوم والتي تحدثت عن مفاوضات روسية – أمريكية تتم خلف الكواليس، تتمحور أهدافها حول قبول الأمريكان بالرؤية الروسية لكيفية  أنهاء الحرب على سورية  والشرط بذلك هو رفع غطاء واشنطن السياسي والعسكري عن بعض المجاميع المسلحة بسورية  ،مقابل التزام الروس بالعمل على انتاج واقع جديد بسورية عسكريآ وإلى حد ما سياسيآ يحفظ على الاقل ماء  وجه واشنطن . حديث هذه الصحيفة كان له وقع خاص في الفترة الأخيرة، وكانت له أبعاد وتأويلات عدة، ولكن لليوم لم نسمع أي رد روسي  أو أمريكي رسمي عما حملته الصحيفة  الامريكية  عن التفاهم الروسي – الأميركي لأنهاء الحرب على سورية، ولكن الواضح للأن إنه مع ثبات موقف بعض القوى السياسية والأمنية بالداخل الروسي وبالتزامن مع استمرار صمود الدولة العربية السورية تجاه الحرب المفروضة عليها،يبدو واضحآ لكل المتابعين اليوم أن الكلمة الفصل والعليا بسورية هي للروس وللسوريين وحلفائهم ،وهم من يفرضون اليوم رؤيتهم على الجميع .  الروس اليوم اثبتوا للجميع  أنهم اصحاب الكلمة العليا والفصل بالملف السوري ،فهم لم يرضخوا منذ سنوات لمجموعة ضغوط ومساومات من اجل فك تحالفهم مع الدولة العربية السورية ،مع العلم أن للسعوديين والأميركيين تجارب كثيرة في مسار المساومات مع الروس بخصوص التنازل عن حلفهم مع الدولة السورية، وهناك أوراق مساومات طرحها جون كيري وجو بايدن وماكين ومحمد بن سلمان وبندر بن سلطان ومحمد بن نايف والراحل سعود الفيصل للتفاوض مع الروس بمراحل زمنية مختلفة، ولكن صمود الدولة العربية السورية، وثبات موقف بعض القوى والنخب الرسمية والشعبية والسياسية داخل روسيا، هو من أجهض بالكثير من المراحل أوراق المساومات الأميركية- السعودية التي كانت تُقدّم للروس،والتي  كانت تتزامن بالكثير من مراحلها  مع اشتداد موجة الضغوطات الأميركية – السعودية على الروس بخصوص ملفي أوكرانيا – سورية وما صاحب كل هذا من موجة عقوبات اقتصادية على الروس، وخصوصآ مع ظهور طبيعة جديدة لهذه الضغوطات الاقتصادية تمثلت"بحرب النفط – والانخفاض المتلاحق بأسعار النفط" ومع بروز حلف جديد سعودي – أميركي – فرنسي – قطري – تركي، يستهدف ضرب محور روسيا – إيران – سورية. الروس بدورهم  كانوا يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأميركية – السعودية – الفرنسية – التركية – القطرية، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية "مرحلياً" بخصوص ملفي سورية وأوكرانيا، فالروس يدركون أن النظام الأميركي الرسمي وحلفاءه بالغرب وبالمنطقة يستعمل سلاح النفط ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الروسي، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كل هذه الملفات هو الوضع بسورية، ومن هنا ادرك الروس   مبكرآ أن أميركا وحلفاءها بالغرب يحاولون بكل الوسائل جلب النظام الرسمي الروسي وحلفاءه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الروس وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم. ولكن ومع كل هذه الضغوط الأميركية – السعودية على الدولة الروسية بخصوص موقفها من الحرب المفروضة على الدولة السورية، لاحظ جميع المتابعين كيف أن موسكو كانت بالفترة الأخيرة هي من تملك زمام المبادرة بالملف السوري ، فقد اصبحت موسكو محجآ ومسرحاً لمجموعة لقاءات، ومنطلقاً لطرح مجموعة رؤى لانهاء الحرب على الدولة  السورية،وهذا ما هو إلا دليل على أن الدولة الروسية تسعى وبشكل ممنهج للحفاظ على وحدة سورية وتعزيز مسار التوافق الداخلي بين مكوناتها، وهذا ما يدحض كل الشائعات التي تتحدث عن فكرة قبول الروس بالطرح الأميركي لتقسيم سورية.  من جهة أخرى، برز واضحاً في الفترة الأخيرة مدى التقارب بالمواقف السياسية والأمنية، بين النظام الرسمي الروسي والنظام العربي السوري، وذلك ظهر جلياً من خلال الدعم العسكري "الجوي " الروسي للدولة العربية السورية بحربها على الإرهاب ، فهذا الدعم  وتقارب الآراء وثبات الموقف الروسي بخصوص رؤيته لسبل انهاء الحرب على الدولة  السورية، ضحدت جميع الإشاعات التي كانت تطلقها بعض الصحف الصفراء، ووسائل الإعلام، بخصوص تغيير الموقف الرسمي الروسي تجاة الحرب المفروضة على الدولة السورية. ختاماً، يمكن القول إن جميع أوراق المساومات التي طرحها الأميركيون -والسعوديون، أو التي سيطرحوها مستقبلآ للضغط على الروس ودفعهم إلى التخلي عن حلفهم مع الدولة السورية قد باءت وستبوء بالفشل، فمجموع المؤشرات الدولية والإقليمية تؤكد أنّ الروس هم من يفرضون اليوم رؤيتهم على الجميع "لأنها هي الرؤية الانجع والافضل لانهاء الحرب على سورية " ،وهذا ما يؤكد أن الروس عائدون وبقوة إلى مصاف الدول "العظمى "لصناعة عالم متعدد الاقطاب ،ومن خلال البوابة السورية .  

المصدر : الماسة السورية//هشام الهبيشان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة