يكاد يكون الظلام سائلا أسود نعصره من الليل ويسكب في العيون والقلوب التي تضيء وتشع بالنور .. فتنطفئ .. ويكاد النور أن يكون سائلا ضوئيا كما عصير النار وكما زيت الشمس الذي يسيل منها عندما تعصر بين يدي الفجر كالبرتقالة فينسكب في العيون لتتوهج وتضيء من زيتها القلوب ..

 

 ولكن ماذا يفيدني لو قطّرت كل زيت النجوم في مقلتي وعصرت كل الشموس في أحداقي اذا كنت لاأبصر وكان قلبي يضخ الليل في عروقي ؟؟ .. ولذلك قال المتنبي يوما:

 

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ......... إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ

 

من العجيب أن أكثر مايذكرني بالمتنبي هو مقابلات الاعلام الغربي مع الرئيس الأسد بشأن حلب .. فلن تبصر عين الغرب العمياء .. لأن المقابلات التي يجريها الاعلام الغربي مع الأسد بذريعة أن هذا الاعلام يبحث عن الحقيقة ليقدمها للمتلقي الغربي تشبه الظلام الأسود الذائب الذي يسكب في العيون والقلوب ليطفئها .. فليست هناك غاية من تلك المقابلات الا الترويج للدعاية السوداء الغربية بأن هناك جرائم في حلب .. وهناك متهمون وعلى رأسهم الحكومة السورية لأن تلك المقابلات تدل على أن المقصود بها هو ابقاء المشاهد الغربي في حيرة وظلام دون أن تسمح له بأن يزيح الأربطة والعصائب السميكة التي تغطي عينيه .. وعملية اغراق العقل والعيون تطلق دوما كلما أحست النخب الحاكمة الغربية أن المواطن الاوروبي يتحرك ليزيح العصائب السميكة وهو يشكك فيما يسمع فيحاول التخلص من الظلام .. لكن الاعلام الغربي يلاقيه ويسكب مزيدا من الظلام في عينيه وعقله فينطفئ أي شعاع .. وتستوي عنده الأنوار والظلمات كما يقول المتنبي .. ويصبح كمن يعيش محاصرا بالستائر الحديدية ..

 

والستار الحديدي مصطلح اخترعته مارغريت تاتشر التي أطلق عليها الاعلام البريطاني لقب المرأة الحديدية .. أما الستار الحديدي فانه ماكانت تردده وتتحدث به عن ستار من الغموض والظلام مفروض على الشعوب السوفييتية الحبيسة داخل أسوارالقلعة الشيوعية الرهيبة التي لايستطيع الغرب اقتحامها ومعرفة الأهوال التي يتعرض لها الناس خلف الستائر الحديدية للرفاق الشيوعيين حول معسكر وارسو .. لم تفوّت تاتشر فرصة عندما كانت تعلق على احداث وتقارير عما يحدث داخل الاتحاد السوفييتي الا ونوهت انها لاتستطيع اثبات أي شيء يشاع بسبب الستار الحديدي الشيوعي الذي لايمر منه هواء ولاتعبره اليه الحرية بل ولاحتى الطيور المهاجرة تعرف ماذا يدور هناك .. فيما العالم الليبرالي الحر ينطلق تحت الشمس ولايعرف حدودا للحرية .. وبالطبع ردد العالم كالببغاء وراءها عبارة الستار الحديدي حتى سقط الاتحاد السوفييتي وستائره الحديدية .. ولكن مالم يعرفه العالم ان الستائر الحديدية لم تسقط على الاطلاق ..لأن الحقيقة المذهلة هي ان من يعيش خلف الستائر الحديدية هي الشعوب الغربية نفسها وبالذات الشعب الذي يضع تمثالا حديديا للحرية وهي ترفع شعلة الحرية .. أي الولايات المتحدة الاميريكية .. الفارق بين الستارين على ضفتي أوروبة هو أن الأول شيوعي كان يمنع خروج المعلومات عبر تصفيح الأفواه أما الثاني فانه يمنع دخولها اليه عبر تصفيح الأدمغة ..

 

العقل الغربي مثلا مصفح ليقدس مافعله الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حتى صار قصف هيروشيما مقبولا لأنه وفر سقوط مزيد من الضحايا بانهاء الحرب بسرعة وفق الشرح الذي تقدمه الدعاية الغربية .. واذا اتهمت الطائرات الغربية أو الاسرائيلية بارتكاب مجازر وقصفت مدنا مأهولة في أفغانستان أو العراق أو لبنان وقضى بها مئات المدنيين يثب اليك أحد المفكرين ويقول لك: "ولكن الحلفاء فعلوا ذلك في الحرب العالمية الثانية بالمدن الألمانية لينتصروا على النازية" .. وكأن كل مافعله الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لايجب التشكيك على أنه الحل المثالي المقدس ..

 

وكما تعلمون فان ستائر الشيوعيين الحديدية سقطت في حين ان ستائر الحديد المنسدلة على العقل الغربي في سياق عملية التصفيح مستمرة عبر ماكينات الاعلام الغربي .. والدليل على ذلك هو اللقاء الأخير الذي أجرته أسوشيتد برس مع الرئيس الأسد ثم اللقاء الذي أجرته قناة دانماركية والذي كانت الغاية منه في كلتا الحالتين في الحقيقة هي اعادة تصفيح العقل الغربي بالأفكار المسبقة المصنعة واعادة انتاج وتنميط الرئيس الاسد على أنه الرئيس الذي يحاصر المدنيين والجياع ولايزال يستعمل البراميل المتفجرة وهو ينكر ذلك .. بل والترويج للخوذ البيضاء الملائكية التي ترتديها جبهة النصرة أمام الكاميرات .. وتحاول هذه اللقاءات وضع دروع بشرية ووضع متاريس من الأطفال والنساء والدروع الفولاذية أمام الجيش السوري لتحمي بهم جبهة النصرة ..

 

والغريب ان معظم اللقاءات مع الاعلام الغربي تكرر نفس الأسئلة تقريبا في كل المقابلات تقريبا .. حتى أن الرئيس صار حائرا ويكرر ذات الأجوبة لانها ذات الأسئلة وكأن العالم لايسمع مانقول في كل مرة .. أو أن العالم يصر على توجيه الاتهام وارغامنا على الاعتراف بجرم لم نقم به .. وكأن الدانماركي أو الفرنسي الذي يستمع الى هذه المقابلات لايهمه من كل مايجري في سورية الا معركة شرق حلب وسياسة التجويع والحصار .. ونسي الجميع حصار غزة الأطول في تاريخ البشرية وصار حصار حلب يمثل حصار طروادة التي يدافع عنها هكطور العصر (ابو محمد الجولاني) ضد جيش أغاممنون .. وهو يلتقي مع الاميركي في ذات الهم والقلق عن المحاصرين والمدنيين الأبرياء وعن الكارثة السورية ومدى احساس الرئيس بالكارثة التي ألحقها حكمه بالشعب السوري .. في حين أن الأسئلة التي تسأل عن الحقيقة مغيبة تماما والتي تسأل الرئيس عن عدد الضحايا المدنيين الذين قتلهم الارهاب وعن دير الزور المحاصرة وكفريا والفوعة .. وكيف تتعامل الدولة مع المدن التي تحاصرها القطعان الارهابية وكيف تواجه الحكومة السورية الضغط الهائل من انقطاع النفط والغاز والماء والكهرباء عن ملايين الناس والذي هو دوما بسبب استهداف الثوار "الجياع" لمحطات الطاقة والمياه .. وعما فعله الارهاب الثوري بكل قطاعات الشعب وأي نوع من السلاح الفتاك والحديث الذي استعمل من قبل مجموعات مدربة تواجه بشراسة الجيوش والطائرات وعن مصدر صواريخ التاو وأجهزة التشويش الالكتروني وتقنيات الاتصالات العسكرية العالية ووو ..

 

كل هذه المقابلات لايراد منها الا زيادة تصفيح العقل الغربي عبر اعادة تدوير نفس المصطلحات والاتهامات .. وعدم السماح له بالخروج ليتنفس الهواء الطلق .. ومن يستمع الى المقابلات نجد انها تعيد نفس الأسئلة بصيغ مختلفة بحيث ان من يستمع في كل مرة الى المقابلات يعتقد ان قسوة المعاناة الانسانية هي التي تدعو الى تكرار النداء للأسد بتخفيف قبضته عن المحاصرين .. والأنكى من ذلك ان السؤال دوما مدجج بشهود العيان الذين لانعرفهم أو الذين نعرف انهم شهود عيان صناعيون وممثلون متقنون لأدوارهم لأن تصفيح الرأي العام يحتاج الى صناعة مشاهد متقنة وممثلين محترفين .. ويستشهد أي سؤال بتقارير (الامم المتحدة) ولجان حقوق الانسان التي لايأتيها الباطل من فوقها او تحتها أو من يمينها أو شمالها .. وهذه التقارير الاممية في العقل الغربي مقدسات لاتمس ولاتنكر ومسلّمات لايمكن دحضها ان لها سمعة (الحيادية جدا) أو كما يطلق عليها (معتدلة) على غرار المعارضة السورية المعتدلة !!! .. فالعقل الغربي مصفح ببدهيات شهادات شهود عيان وتم تصفيحه بفكرة أن الأمم المتحدة منظمة دولية محايدة بريئة (وخاصة القبعات البيض) وهي ملك للعالم كله ولايمكن أن تنحاز ضد أحد وكذلك لجان حقوق الانسان وأطباء بلا حدود وصور اليوتيوب ..الخ .. ويصبح رفض هذه التقارير يحتاج الى براهين بلانهاية عن مدى اختراقها بالمؤثرات الاستخبارية والاصابع السياسية الغربية .. بل ان عملية التشكيك بها تشبه عملية التشكيك باالله لمن يؤمن بالله .. لأن المستمع الغربي يبقى في ذهنه ان هناك شهود عيان وهناك تقارير امم متحدة .. وغير ذلك ليس الا انكارا بلا جدوى ..

 

ان القول أن الشعوب الغربية تتعرض الى عملية غسيل دماغ ليس دقيقا لأن الدماغ الغربي لايحتاج الى غسيل دماغ حيث أن المعلومات التي تدخله هي التي تغسل قبل دخولها اليه بماء الظلام الأسود ثم يتم تصفيحها .. فغسيل الدماغ يعني أن الدماغ تعرض للتلوث باشعاعات الاشاعات والملوثات الفكرية ويتلاقح مع الأفكار الاخرى وينتج عقلا هجينا متفاعلا .. والغرب كان أذكى من أن يجري عمليات منع تدفق للمعلومات .. لكن المعلومات المتدفقة تتعرض لعمليات فلترة وتنقية وتحوير ويستحيل أن تصل المعلومة كما هي .. بل تحاط بالمشمع السميك العازل من التشكيك والمزاعم المناقضة واتهامات بضعف الأدلة .. وهذه كلها تساهم في تصفيح الدماغ وتدريعه بحيث أنك ان حاولت غسيل دماغ الغربي لن تتمكن لأنه عقل مصفح بمعلومات كاذبة ومشوهة .. ويشبه مدرعة صغيرة لاتخترقها القواذف العادية .. وهذا يؤدي الى نتيجة أن العقل الغربي حر في أن يناقش أية قضية الا انه عاجز عن الخروج خارج الدرع والعقل المصفح فتبقى اي قضية يناقشها خارج حدود الادراك فهو يراها ولكنه لايحس بها .. فالبريطاني هو عبارة عن محطة بي بي سي صغيرة متنقلة تبث ترددات محطة البي بي سي .. وكذلك الاميريكي هو محطة (سي ان ان) أو (سي بي اس) .. متنقلة .. وعندما تناقش غربيا تجد أن عليك اجراء عملية خرق درع دماغي صلد للوصول الى عقله وأنت تذيب منه ركام البي بي سي والسي ان ان وآلاف الصور والأحاديث .. حتى ترثي لحاله وهو تحت الستائر الحديدية ومنوم مغناطيسيا ..

 

المهم اننا نعرف كيف يفكر هذا العالم وهذا مهم جدا .. ولكن العالم لايعرف كيف صرنا نفكر وكيف صرنا لانبالي بكل نماذج الستائر الحديدية وقياساتها وألوانها .. وكيف تزداد ثقتنا بأنفسنا .. وأننا لن نكترث بجهل هذا العالم وستائره الحديدية .. وكلما سكب الظلام زيته الأسود سكبنا في عينه الضوء كما سكبنا حروفنا في عروق اللغة .. بل ان على العالم ان يدرك اننا في هذه الحرب صرنا نعصر الرصاص لنشرب عصير النصر ونرش عليه البارود لتصبح نكهته أحلى .. وصرنا نعصر النار في حلب كما نعصر العنب .. ونسكب ماء الضوء في كؤوسنا وقلوبنا وعيوننا .. لاتهمنا ستائر الحديد .. ولاتعنينا مزارع الليل الأسود في عيون العالم .. طالما أن عيوننا يفيض منها الضوء ..وأن عروقنا بملؤها اللهب .. ويملؤها عصير الرصاص .. وعصير النار واعاصير النار في حلب .. حلب الحرة .. قريبا .. رغما عن انف العالم كله ..

  • فريق ماسة
  • 2016-10-08
  • 11072
  • من الأرشيف

أعاصير النار في حلب .. وذوبان الستائر الحديدية

يكاد يكون الظلام سائلا أسود نعصره من الليل ويسكب في العيون والقلوب التي تضيء وتشع بالنور .. فتنطفئ .. ويكاد النور أن يكون سائلا ضوئيا كما عصير النار وكما زيت الشمس الذي يسيل منها عندما تعصر بين يدي الفجر كالبرتقالة فينسكب في العيون لتتوهج وتضيء من زيتها القلوب ..    ولكن ماذا يفيدني لو قطّرت كل زيت النجوم في مقلتي وعصرت كل الشموس في أحداقي اذا كنت لاأبصر وكان قلبي يضخ الليل في عروقي ؟؟ .. ولذلك قال المتنبي يوما:   وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ......... إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ   من العجيب أن أكثر مايذكرني بالمتنبي هو مقابلات الاعلام الغربي مع الرئيس الأسد بشأن حلب .. فلن تبصر عين الغرب العمياء .. لأن المقابلات التي يجريها الاعلام الغربي مع الأسد بذريعة أن هذا الاعلام يبحث عن الحقيقة ليقدمها للمتلقي الغربي تشبه الظلام الأسود الذائب الذي يسكب في العيون والقلوب ليطفئها .. فليست هناك غاية من تلك المقابلات الا الترويج للدعاية السوداء الغربية بأن هناك جرائم في حلب .. وهناك متهمون وعلى رأسهم الحكومة السورية لأن تلك المقابلات تدل على أن المقصود بها هو ابقاء المشاهد الغربي في حيرة وظلام دون أن تسمح له بأن يزيح الأربطة والعصائب السميكة التي تغطي عينيه .. وعملية اغراق العقل والعيون تطلق دوما كلما أحست النخب الحاكمة الغربية أن المواطن الاوروبي يتحرك ليزيح العصائب السميكة وهو يشكك فيما يسمع فيحاول التخلص من الظلام .. لكن الاعلام الغربي يلاقيه ويسكب مزيدا من الظلام في عينيه وعقله فينطفئ أي شعاع .. وتستوي عنده الأنوار والظلمات كما يقول المتنبي .. ويصبح كمن يعيش محاصرا بالستائر الحديدية ..   والستار الحديدي مصطلح اخترعته مارغريت تاتشر التي أطلق عليها الاعلام البريطاني لقب المرأة الحديدية .. أما الستار الحديدي فانه ماكانت تردده وتتحدث به عن ستار من الغموض والظلام مفروض على الشعوب السوفييتية الحبيسة داخل أسوارالقلعة الشيوعية الرهيبة التي لايستطيع الغرب اقتحامها ومعرفة الأهوال التي يتعرض لها الناس خلف الستائر الحديدية للرفاق الشيوعيين حول معسكر وارسو .. لم تفوّت تاتشر فرصة عندما كانت تعلق على احداث وتقارير عما يحدث داخل الاتحاد السوفييتي الا ونوهت انها لاتستطيع اثبات أي شيء يشاع بسبب الستار الحديدي الشيوعي الذي لايمر منه هواء ولاتعبره اليه الحرية بل ولاحتى الطيور المهاجرة تعرف ماذا يدور هناك .. فيما العالم الليبرالي الحر ينطلق تحت الشمس ولايعرف حدودا للحرية .. وبالطبع ردد العالم كالببغاء وراءها عبارة الستار الحديدي حتى سقط الاتحاد السوفييتي وستائره الحديدية .. ولكن مالم يعرفه العالم ان الستائر الحديدية لم تسقط على الاطلاق ..لأن الحقيقة المذهلة هي ان من يعيش خلف الستائر الحديدية هي الشعوب الغربية نفسها وبالذات الشعب الذي يضع تمثالا حديديا للحرية وهي ترفع شعلة الحرية .. أي الولايات المتحدة الاميريكية .. الفارق بين الستارين على ضفتي أوروبة هو أن الأول شيوعي كان يمنع خروج المعلومات عبر تصفيح الأفواه أما الثاني فانه يمنع دخولها اليه عبر تصفيح الأدمغة ..   العقل الغربي مثلا مصفح ليقدس مافعله الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حتى صار قصف هيروشيما مقبولا لأنه وفر سقوط مزيد من الضحايا بانهاء الحرب بسرعة وفق الشرح الذي تقدمه الدعاية الغربية .. واذا اتهمت الطائرات الغربية أو الاسرائيلية بارتكاب مجازر وقصفت مدنا مأهولة في أفغانستان أو العراق أو لبنان وقضى بها مئات المدنيين يثب اليك أحد المفكرين ويقول لك: "ولكن الحلفاء فعلوا ذلك في الحرب العالمية الثانية بالمدن الألمانية لينتصروا على النازية" .. وكأن كل مافعله الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لايجب التشكيك على أنه الحل المثالي المقدس ..   وكما تعلمون فان ستائر الشيوعيين الحديدية سقطت في حين ان ستائر الحديد المنسدلة على العقل الغربي في سياق عملية التصفيح مستمرة عبر ماكينات الاعلام الغربي .. والدليل على ذلك هو اللقاء الأخير الذي أجرته أسوشيتد برس مع الرئيس الأسد ثم اللقاء الذي أجرته قناة دانماركية والذي كانت الغاية منه في كلتا الحالتين في الحقيقة هي اعادة تصفيح العقل الغربي بالأفكار المسبقة المصنعة واعادة انتاج وتنميط الرئيس الاسد على أنه الرئيس الذي يحاصر المدنيين والجياع ولايزال يستعمل البراميل المتفجرة وهو ينكر ذلك .. بل والترويج للخوذ البيضاء الملائكية التي ترتديها جبهة النصرة أمام الكاميرات .. وتحاول هذه اللقاءات وضع دروع بشرية ووضع متاريس من الأطفال والنساء والدروع الفولاذية أمام الجيش السوري لتحمي بهم جبهة النصرة ..   والغريب ان معظم اللقاءات مع الاعلام الغربي تكرر نفس الأسئلة تقريبا في كل المقابلات تقريبا .. حتى أن الرئيس صار حائرا ويكرر ذات الأجوبة لانها ذات الأسئلة وكأن العالم لايسمع مانقول في كل مرة .. أو أن العالم يصر على توجيه الاتهام وارغامنا على الاعتراف بجرم لم نقم به .. وكأن الدانماركي أو الفرنسي الذي يستمع الى هذه المقابلات لايهمه من كل مايجري في سورية الا معركة شرق حلب وسياسة التجويع والحصار .. ونسي الجميع حصار غزة الأطول في تاريخ البشرية وصار حصار حلب يمثل حصار طروادة التي يدافع عنها هكطور العصر (ابو محمد الجولاني) ضد جيش أغاممنون .. وهو يلتقي مع الاميركي في ذات الهم والقلق عن المحاصرين والمدنيين الأبرياء وعن الكارثة السورية ومدى احساس الرئيس بالكارثة التي ألحقها حكمه بالشعب السوري .. في حين أن الأسئلة التي تسأل عن الحقيقة مغيبة تماما والتي تسأل الرئيس عن عدد الضحايا المدنيين الذين قتلهم الارهاب وعن دير الزور المحاصرة وكفريا والفوعة .. وكيف تتعامل الدولة مع المدن التي تحاصرها القطعان الارهابية وكيف تواجه الحكومة السورية الضغط الهائل من انقطاع النفط والغاز والماء والكهرباء عن ملايين الناس والذي هو دوما بسبب استهداف الثوار "الجياع" لمحطات الطاقة والمياه .. وعما فعله الارهاب الثوري بكل قطاعات الشعب وأي نوع من السلاح الفتاك والحديث الذي استعمل من قبل مجموعات مدربة تواجه بشراسة الجيوش والطائرات وعن مصدر صواريخ التاو وأجهزة التشويش الالكتروني وتقنيات الاتصالات العسكرية العالية ووو ..   كل هذه المقابلات لايراد منها الا زيادة تصفيح العقل الغربي عبر اعادة تدوير نفس المصطلحات والاتهامات .. وعدم السماح له بالخروج ليتنفس الهواء الطلق .. ومن يستمع الى المقابلات نجد انها تعيد نفس الأسئلة بصيغ مختلفة بحيث ان من يستمع في كل مرة الى المقابلات يعتقد ان قسوة المعاناة الانسانية هي التي تدعو الى تكرار النداء للأسد بتخفيف قبضته عن المحاصرين .. والأنكى من ذلك ان السؤال دوما مدجج بشهود العيان الذين لانعرفهم أو الذين نعرف انهم شهود عيان صناعيون وممثلون متقنون لأدوارهم لأن تصفيح الرأي العام يحتاج الى صناعة مشاهد متقنة وممثلين محترفين .. ويستشهد أي سؤال بتقارير (الامم المتحدة) ولجان حقوق الانسان التي لايأتيها الباطل من فوقها او تحتها أو من يمينها أو شمالها .. وهذه التقارير الاممية في العقل الغربي مقدسات لاتمس ولاتنكر ومسلّمات لايمكن دحضها ان لها سمعة (الحيادية جدا) أو كما يطلق عليها (معتدلة) على غرار المعارضة السورية المعتدلة !!! .. فالعقل الغربي مصفح ببدهيات شهادات شهود عيان وتم تصفيحه بفكرة أن الأمم المتحدة منظمة دولية محايدة بريئة (وخاصة القبعات البيض) وهي ملك للعالم كله ولايمكن أن تنحاز ضد أحد وكذلك لجان حقوق الانسان وأطباء بلا حدود وصور اليوتيوب ..الخ .. ويصبح رفض هذه التقارير يحتاج الى براهين بلانهاية عن مدى اختراقها بالمؤثرات الاستخبارية والاصابع السياسية الغربية .. بل ان عملية التشكيك بها تشبه عملية التشكيك باالله لمن يؤمن بالله .. لأن المستمع الغربي يبقى في ذهنه ان هناك شهود عيان وهناك تقارير امم متحدة .. وغير ذلك ليس الا انكارا بلا جدوى ..   ان القول أن الشعوب الغربية تتعرض الى عملية غسيل دماغ ليس دقيقا لأن الدماغ الغربي لايحتاج الى غسيل دماغ حيث أن المعلومات التي تدخله هي التي تغسل قبل دخولها اليه بماء الظلام الأسود ثم يتم تصفيحها .. فغسيل الدماغ يعني أن الدماغ تعرض للتلوث باشعاعات الاشاعات والملوثات الفكرية ويتلاقح مع الأفكار الاخرى وينتج عقلا هجينا متفاعلا .. والغرب كان أذكى من أن يجري عمليات منع تدفق للمعلومات .. لكن المعلومات المتدفقة تتعرض لعمليات فلترة وتنقية وتحوير ويستحيل أن تصل المعلومة كما هي .. بل تحاط بالمشمع السميك العازل من التشكيك والمزاعم المناقضة واتهامات بضعف الأدلة .. وهذه كلها تساهم في تصفيح الدماغ وتدريعه بحيث أنك ان حاولت غسيل دماغ الغربي لن تتمكن لأنه عقل مصفح بمعلومات كاذبة ومشوهة .. ويشبه مدرعة صغيرة لاتخترقها القواذف العادية .. وهذا يؤدي الى نتيجة أن العقل الغربي حر في أن يناقش أية قضية الا انه عاجز عن الخروج خارج الدرع والعقل المصفح فتبقى اي قضية يناقشها خارج حدود الادراك فهو يراها ولكنه لايحس بها .. فالبريطاني هو عبارة عن محطة بي بي سي صغيرة متنقلة تبث ترددات محطة البي بي سي .. وكذلك الاميريكي هو محطة (سي ان ان) أو (سي بي اس) .. متنقلة .. وعندما تناقش غربيا تجد أن عليك اجراء عملية خرق درع دماغي صلد للوصول الى عقله وأنت تذيب منه ركام البي بي سي والسي ان ان وآلاف الصور والأحاديث .. حتى ترثي لحاله وهو تحت الستائر الحديدية ومنوم مغناطيسيا ..   المهم اننا نعرف كيف يفكر هذا العالم وهذا مهم جدا .. ولكن العالم لايعرف كيف صرنا نفكر وكيف صرنا لانبالي بكل نماذج الستائر الحديدية وقياساتها وألوانها .. وكيف تزداد ثقتنا بأنفسنا .. وأننا لن نكترث بجهل هذا العالم وستائره الحديدية .. وكلما سكب الظلام زيته الأسود سكبنا في عينه الضوء كما سكبنا حروفنا في عروق اللغة .. بل ان على العالم ان يدرك اننا في هذه الحرب صرنا نعصر الرصاص لنشرب عصير النصر ونرش عليه البارود لتصبح نكهته أحلى .. وصرنا نعصر النار في حلب كما نعصر العنب .. ونسكب ماء الضوء في كؤوسنا وقلوبنا وعيوننا .. لاتهمنا ستائر الحديد .. ولاتعنينا مزارع الليل الأسود في عيون العالم .. طالما أن عيوننا يفيض منها الضوء ..وأن عروقنا بملؤها اللهب .. ويملؤها عصير الرصاص .. وعصير النار واعاصير النار في حلب .. حلب الحرة .. قريبا .. رغما عن انف العالم كله ..

المصدر : نارام سرجون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة