نشرت صحيفة الحياة السعودية مقال لكاتب يسمى حسان حيدر مقال بعنوان «خيانة» أميركية للثورة السورية ذكر فيه أن الاتفاق الأميركي - الروسي حول سورية شهد تراجع تدريجي أجبرت عليه ما يسمى الثورة السورية بعدما اضطرت لاختيار الولايات المتحدة الأمريكية سنداً لها على اعتبار أنها القوة الدولية الوحيدة القادرة على ما سماه لجم دمشق  ولأن العرب عجزوا عن تقديم دعم فاعل فيما حشدت حليفتا بشار الأسد بحسب قوله إيران وروسيا كل ما في قدرتهما لمساعدته في مواجهة شعبه.

وجاء في المقال: كانت مواقف الأميركيين منذ البداية تعكس ارتباكهم وانقسامهم بين الرغبة المبدئية في مساعدة السوريين على التغيير وبين أولوية قرارهم بالانسحاب من بؤر التوتر الإقليمية، وفي مقدمها الشرق الأوسط. وكي يتفادوا الإحراج المتعلق بدورهم كقوة عظمى وحيدة، صاروا يقولون غير ما يفعلون، ثم ركزوا على بناء شراكات متعددة في المنطقة تعفيهم من تحمل المسؤولية كاملةً عن كل نزاع مهما كبر حجمه أو صغر، واختاروا الروس في سورية.

أطلق الأميركيون في البدايات شعارات مغرية وفضفاضة عن ضرورة رحيل بشار الأسد، وثمة في المعارضة من يعتقد بأنهم كانوا في وقت ما يعنون ما يقولون، لكنهم أخضعوا ذلك للضرورات التكتيكية في علاقتهم مع القوى الأخرى في المنطقة، ثم للاستراتيجيات التي تخدم رؤيتهم إلى تقليص دورهم في أقاليم غير مجدية، والتركيز بدلاً من ذلك على استشراف التهديد الآتي من الصين المتعاظمة الدور والطموح.

ومنذ انعقاد مؤتمر جنيف الأول والفشل الذريع في فرض آلية لتطبيقه، بدا واضحاً أن واشنطن في طريقها إلى التخلي تدريجاً عن أهدافها وجر المعارضة معها إلى هذا التراجع. وجاء جنيف الثاني ليسجل رسمياً هذا التراجع عن مسار التغيير في سورية، وسط دعوات إلى «العقلانية» واقتناص «الممكن». ولم تُجد المقاومة التي أبدتها المعارضة، وسط ازدياد انقساماتها بفعل التذبذب في الخيارات والوسائل. وما لبثت الأهداف السياسية التي رعتها أميركا أن تقلصت وتراجعت من تسوية شاملة للوضع السوري إلى التركيز على التفاصيل في كل جبهة مواجهة على حدة، وطفت على السطح نغمة التفاهمات الموضعية التي أغرقت فيها المعارضة رغماً عنها، بسبب تراجع قدرتها على الصمود وحرصها على إنقاذ ما أمكن من مقاتليها أو من المدنيين، وأيضاً بسبب ربط القوى الداعمة استمرار دعمها بخضوع المعارضة لرغباتها السياسية.

وسرعان ما طغت التفاهمات التفصيلية على المفاوضات بين الأميركيين والروس، بحيث هبطت إلى مرحلة أقل أهمية الدعواتُ إلى تغيير النظام وصارت مجرد لازمة عند كل تراجع جديد.

وجاء الاتفاق الأخير تتويجاً لسلسلة التراجعات الأميركية التي أعادت انتفاضة السوريين إلى نقطة الصفر تقريباً، وصوّرتها كأنها صراع بين قبضايات الأحياء الذين يمكن للوسطاء إقناعهم بتقاسم النفوذ، وليست ثورةً تهدف إلى إنصاف شعب. وصار الأميركيون يحذرون من أن عدم قبول ما يوافقون عليه يعني تقسيم سورية، في ابتزاز مفضوح للمعارضين.

شكلياً، ألغى الطرفان المتفاوضان دور حلفائهما، لكن مثلما هو بيّن عملياً، فإن الروس يلتزمون في شكل حاسم دعم نظام الأسد، أكثر مما يلتزم الأميركيون دعم المعارضة، ولذا سارع النظام وحلفاؤه الإيرانيون إلى قبول ما يعرض عليهم، بينما يتردد المعارضون. وتأكد أن واشنطن الغارقة في أولوياتها تعطي الروس دوراً أكبر مما يفترض، وربما أكثر مما يستطيعون، لأنها ترغب في حل سريع يريحها ويسمح لها بمتابعة هدف «القضاء على الإرهاب» الذي يشكل أساس تفاهمها مع موسكو.

نجح الروس مع الوقت في دفع الأميركيين إلى الاختيار بين القضم المتدرج للمدن والمناطق الحرة، وبين القبول بالفصل بين «المعتدلين» و «المتطرفين»، أي نقل المشكلة إلى داخل معسكر معارضي النظام، وأدخلوهم في تفاصيل معقدة أنستهم الهدف الفعلي للمفاوضات التي تحولت إلى مساومة على تقاسم النفوذ. وسواء صمدت الهدنة الجديدة أم لم تصمد، فإن الثمن الذي ستدفعه المعارضة في المراحل اللاحقة سيكون مرتفعاً جداً. فإذا قبلت «خيانة» الأميركيين مساراً، لن تستطيع الإفلات من التنازلات التدريجية المطلوبة التي تعني عملياً طي صفحة الثورة، وإذا رفضت ستواجه منفردةً كل عنف النظام وحلفائه.

  • فريق ماسة
  • 2016-09-14
  • 12387
  • من الأرشيف

صحيفة الحياة السعودية: «خيانة» أميركية للثورة السورية

نشرت صحيفة الحياة السعودية مقال لكاتب يسمى حسان حيدر مقال بعنوان «خيانة» أميركية للثورة السورية ذكر فيه أن الاتفاق الأميركي - الروسي حول سورية شهد تراجع تدريجي أجبرت عليه ما يسمى الثورة السورية بعدما اضطرت لاختيار الولايات المتحدة الأمريكية سنداً لها على اعتبار أنها القوة الدولية الوحيدة القادرة على ما سماه لجم دمشق  ولأن العرب عجزوا عن تقديم دعم فاعل فيما حشدت حليفتا بشار الأسد بحسب قوله إيران وروسيا كل ما في قدرتهما لمساعدته في مواجهة شعبه. وجاء في المقال: كانت مواقف الأميركيين منذ البداية تعكس ارتباكهم وانقسامهم بين الرغبة المبدئية في مساعدة السوريين على التغيير وبين أولوية قرارهم بالانسحاب من بؤر التوتر الإقليمية، وفي مقدمها الشرق الأوسط. وكي يتفادوا الإحراج المتعلق بدورهم كقوة عظمى وحيدة، صاروا يقولون غير ما يفعلون، ثم ركزوا على بناء شراكات متعددة في المنطقة تعفيهم من تحمل المسؤولية كاملةً عن كل نزاع مهما كبر حجمه أو صغر، واختاروا الروس في سورية. أطلق الأميركيون في البدايات شعارات مغرية وفضفاضة عن ضرورة رحيل بشار الأسد، وثمة في المعارضة من يعتقد بأنهم كانوا في وقت ما يعنون ما يقولون، لكنهم أخضعوا ذلك للضرورات التكتيكية في علاقتهم مع القوى الأخرى في المنطقة، ثم للاستراتيجيات التي تخدم رؤيتهم إلى تقليص دورهم في أقاليم غير مجدية، والتركيز بدلاً من ذلك على استشراف التهديد الآتي من الصين المتعاظمة الدور والطموح. ومنذ انعقاد مؤتمر جنيف الأول والفشل الذريع في فرض آلية لتطبيقه، بدا واضحاً أن واشنطن في طريقها إلى التخلي تدريجاً عن أهدافها وجر المعارضة معها إلى هذا التراجع. وجاء جنيف الثاني ليسجل رسمياً هذا التراجع عن مسار التغيير في سورية، وسط دعوات إلى «العقلانية» واقتناص «الممكن». ولم تُجد المقاومة التي أبدتها المعارضة، وسط ازدياد انقساماتها بفعل التذبذب في الخيارات والوسائل. وما لبثت الأهداف السياسية التي رعتها أميركا أن تقلصت وتراجعت من تسوية شاملة للوضع السوري إلى التركيز على التفاصيل في كل جبهة مواجهة على حدة، وطفت على السطح نغمة التفاهمات الموضعية التي أغرقت فيها المعارضة رغماً عنها، بسبب تراجع قدرتها على الصمود وحرصها على إنقاذ ما أمكن من مقاتليها أو من المدنيين، وأيضاً بسبب ربط القوى الداعمة استمرار دعمها بخضوع المعارضة لرغباتها السياسية. وسرعان ما طغت التفاهمات التفصيلية على المفاوضات بين الأميركيين والروس، بحيث هبطت إلى مرحلة أقل أهمية الدعواتُ إلى تغيير النظام وصارت مجرد لازمة عند كل تراجع جديد. وجاء الاتفاق الأخير تتويجاً لسلسلة التراجعات الأميركية التي أعادت انتفاضة السوريين إلى نقطة الصفر تقريباً، وصوّرتها كأنها صراع بين قبضايات الأحياء الذين يمكن للوسطاء إقناعهم بتقاسم النفوذ، وليست ثورةً تهدف إلى إنصاف شعب. وصار الأميركيون يحذرون من أن عدم قبول ما يوافقون عليه يعني تقسيم سورية، في ابتزاز مفضوح للمعارضين. شكلياً، ألغى الطرفان المتفاوضان دور حلفائهما، لكن مثلما هو بيّن عملياً، فإن الروس يلتزمون في شكل حاسم دعم نظام الأسد، أكثر مما يلتزم الأميركيون دعم المعارضة، ولذا سارع النظام وحلفاؤه الإيرانيون إلى قبول ما يعرض عليهم، بينما يتردد المعارضون. وتأكد أن واشنطن الغارقة في أولوياتها تعطي الروس دوراً أكبر مما يفترض، وربما أكثر مما يستطيعون، لأنها ترغب في حل سريع يريحها ويسمح لها بمتابعة هدف «القضاء على الإرهاب» الذي يشكل أساس تفاهمها مع موسكو. نجح الروس مع الوقت في دفع الأميركيين إلى الاختيار بين القضم المتدرج للمدن والمناطق الحرة، وبين القبول بالفصل بين «المعتدلين» و «المتطرفين»، أي نقل المشكلة إلى داخل معسكر معارضي النظام، وأدخلوهم في تفاصيل معقدة أنستهم الهدف الفعلي للمفاوضات التي تحولت إلى مساومة على تقاسم النفوذ. وسواء صمدت الهدنة الجديدة أم لم تصمد، فإن الثمن الذي ستدفعه المعارضة في المراحل اللاحقة سيكون مرتفعاً جداً. فإذا قبلت «خيانة» الأميركيين مساراً، لن تستطيع الإفلات من التنازلات التدريجية المطلوبة التي تعني عملياً طي صفحة الثورة، وإذا رفضت ستواجه منفردةً كل عنف النظام وحلفائه.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة