في خطوة غير مسبوقة خلال حملة روسيا ضد الإرهاب وعزمها على محاربته بكل الوسائل الممكنة، فاجأت القوات الروسية العالم بتوجيه أولى ضرباتها للإرهابيين بسوريا من قاعدة همدان الإيرانية.

على الرغم من أن التنسيق الروسي الإيراني في مكافحة الإرهاب يتسم بالتصاعدية لكن الدوافع الأساسية التي أسفرت عن استخدام قواعد إيرانية للطائرات الحربية تحمل بالدرجة الأولى طابعا عسكريا.

في عمليتها الجوية، التي نفذت انطلاقا من قاعدة همدان الإيرانية، الثلاثاء 16 أغسطس/آب، واستهدفت مواقع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيين في محافظات حلب ودير الزور وإدلب السورية، استخدمت القوات الجوية الفضائية الروسية مجموعة من طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز "تو-22 إم3" بالإضافة إلى قاذفات مقاتلة من طراز "سو - 34".

السبب الأول الذي دفع روسيا إلى إشراك قاعدة همدان لتنفيذ العمليات ضد الإرهابيين في سوريا، يكمن في أن استخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يتيح الفرصة لتقليص زمن تحليق الطائرات الحربية الروسية بنسبة 55 – 60%.

وكان سلاح الجو الروسي يستخدم سابقا لتنفيذ ضرباته في سوريا من خلال قاذفات "تو-22 إم3" مطارات تقع في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوب روسيا، لأن قاعدة حميميم السورية ليست مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات التي تعد من الأضخم في العالم.

وتبعد تلك المطارات، مثلا، عن تدمر السورية 2000 كيلومتر تقريبا، وذلك في وقت تبلغ فيه المسافة بين هذه المدينة وقاعدة همدان 900 كيلومتر فقط.

وتجدر الإشارة إلى  أن هذا الأمر يقلص الفترة الممتدة بين لحظة رصد الهدف ولحظة توجيه الضربة إليه، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة احتمال تدميره بشكل كامل، لا سيما في حال دار الحديث عن الأهداف المتحركة مثل قوافل المسلحين والأسلحة أو صهاريج النفط.

بالتزامن مع ذلك، يمكن تقليص زمن تحليق الطائرات الحربية من تقليل حجم الوقود المستخدم، الأمر الذي يتيح فرصة لزيادة عدد القنابل والصواريخ التي تحملها القاذفات.  

من جهة أخرى، يشير الخبراء العسكريون إلى أن استخدام قاعدة همدان الإيرانية يضمن مزيدا من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم، التي تقع، خلافا لهمدان، قريبا من مسرح الأعمال القتالية ومواقع الإرهابيين.

لجوء القوات الجوية الفضائية الروسية لاستخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يمليها أيضا سير التطورات الميدانية في سوريا. فحلب، الواقعة في شمال البلاد، تشهد معارك عنيفة في ظل تكثيف الإرهابيين المسلحين هجماتهم على مواقع القوات الموالية للحكومة من أجل فك الحصار المفروض على المدينة من قبل الجيش السوري، الأمر الذي يجري بالتزامن مع استمرار عمليات توريد الأسلحة لعناصر تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" عبر الحدود التركية.

إلى ذلك، فتكثيف الإرهابيين مناوراتهم وتغيير مواقعهم يولد ضرورة تقليص الفترة بين تسجيل تنقلاتهم وتوجيه الضربات إليهم.

جدير بالذكر أن موسكو طلبت، عشية توجيه القوات الروسية الجوية الفضائية أولى ضرباتها إلى مواقع الإرهابين في سوريا من قاعدة همدان الإيرانية، من سلطات إيران والعراق السماح بفتح مجالهما الجوي أمام صواريخ "كاليبر" الروسية المجنحة والبعيدة المدى.

واعتبر فلاديمير كوموييدوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي، والقائد السابق لأسطول البحر الأسود، أن الدولتين المذكورتين ستوفران ممرا جويا لتحليق الصواريخ المجنحة الروسية فوق أراضيهما.

وأعرب كوموييدوف عن ثقته في أن تؤثر ضربات روسيا ضد مواقع الإرهابيين في سوريا بواسطة صواريخ "كاليبر" المجنحة تأثيرا إيجابيا على مجرى العمليات العسكرية في البلاد، قائلا: "يعد كاليبر سلاحا دقيقا، هذه الصواريخ تختار أهدافها.. إنها قادرة على إصابة ما هو أكثر خطورة وأكثر تمويها، حيث لا بد من توجيه ضربة نوعية".

وفي وقت سابق من اليوم ذاته، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انطلاق مناورات تكتيكية واسعة النطاق للقوات البحرية للبلاد في كل من بحري قزوين والمتوسط  للتدريب على مواجهة الأزمات الطارئة، بما في ذلك المتعلقة بالإرهاب، وتشمل هذه المناورات بشكل عام 4 سفن حربية مزودة بصواريخ "كاليبر" (السفينتين "غراد سفياجسك" و"فيليكي أوستيوغ" في بحر قزوين، والسفينتين "سيربوخوف" و"زيليوني دون" في البحر المتوسط).

وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن قوات البحرية الروسية وجهت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، من مياه بحر قزوين وبواسطة صواريخ "كاليبر"، التي حلقت عبر المجال الجوي لإيران والعراق، ضربة فتاكة إلى مواقع مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي بسوريا، مدمرة 11 هدفا تابعة لهم، وذلك في عملية نفذت، حسب هيئة الأركان العامة الروسية، بالتنسيق مع كل من طهران وبغداد.

جميع هذه العوامل، تدفع إلى استنتاج مفاده أن العالم سيشهد في وقت قريب مرحلة جديدة للحملة الروسية ضد الإرهاب في سوريا ستشمل أيضا توجيه ضربات بصواريخ "كاليبر" المجنحة إلى مواقع الإرهابيين على أساس دائم.

  • فريق ماسة
  • 2016-08-15
  • 11372
  • من الأرشيف

تقليص الفترة الممتدة بين لحظة رصد الهدف ولحظة توجيه الضربة إليه وغيرها من الأسباب التي دفعت روسيا لاستخدام قاعدة همدان الإيرانية

في خطوة غير مسبوقة خلال حملة روسيا ضد الإرهاب وعزمها على محاربته بكل الوسائل الممكنة، فاجأت القوات الروسية العالم بتوجيه أولى ضرباتها للإرهابيين بسوريا من قاعدة همدان الإيرانية. على الرغم من أن التنسيق الروسي الإيراني في مكافحة الإرهاب يتسم بالتصاعدية لكن الدوافع الأساسية التي أسفرت عن استخدام قواعد إيرانية للطائرات الحربية تحمل بالدرجة الأولى طابعا عسكريا. في عمليتها الجوية، التي نفذت انطلاقا من قاعدة همدان الإيرانية، الثلاثاء 16 أغسطس/آب، واستهدفت مواقع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيين في محافظات حلب ودير الزور وإدلب السورية، استخدمت القوات الجوية الفضائية الروسية مجموعة من طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز "تو-22 إم3" بالإضافة إلى قاذفات مقاتلة من طراز "سو - 34". السبب الأول الذي دفع روسيا إلى إشراك قاعدة همدان لتنفيذ العمليات ضد الإرهابيين في سوريا، يكمن في أن استخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يتيح الفرصة لتقليص زمن تحليق الطائرات الحربية الروسية بنسبة 55 – 60%. وكان سلاح الجو الروسي يستخدم سابقا لتنفيذ ضرباته في سوريا من خلال قاذفات "تو-22 إم3" مطارات تقع في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوب روسيا، لأن قاعدة حميميم السورية ليست مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات التي تعد من الأضخم في العالم. وتبعد تلك المطارات، مثلا، عن تدمر السورية 2000 كيلومتر تقريبا، وذلك في وقت تبلغ فيه المسافة بين هذه المدينة وقاعدة همدان 900 كيلومتر فقط. وتجدر الإشارة إلى  أن هذا الأمر يقلص الفترة الممتدة بين لحظة رصد الهدف ولحظة توجيه الضربة إليه، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة احتمال تدميره بشكل كامل، لا سيما في حال دار الحديث عن الأهداف المتحركة مثل قوافل المسلحين والأسلحة أو صهاريج النفط. بالتزامن مع ذلك، يمكن تقليص زمن تحليق الطائرات الحربية من تقليل حجم الوقود المستخدم، الأمر الذي يتيح فرصة لزيادة عدد القنابل والصواريخ التي تحملها القاذفات.   من جهة أخرى، يشير الخبراء العسكريون إلى أن استخدام قاعدة همدان الإيرانية يضمن مزيدا من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم، التي تقع، خلافا لهمدان، قريبا من مسرح الأعمال القتالية ومواقع الإرهابيين. لجوء القوات الجوية الفضائية الروسية لاستخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يمليها أيضا سير التطورات الميدانية في سوريا. فحلب، الواقعة في شمال البلاد، تشهد معارك عنيفة في ظل تكثيف الإرهابيين المسلحين هجماتهم على مواقع القوات الموالية للحكومة من أجل فك الحصار المفروض على المدينة من قبل الجيش السوري، الأمر الذي يجري بالتزامن مع استمرار عمليات توريد الأسلحة لعناصر تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" عبر الحدود التركية. إلى ذلك، فتكثيف الإرهابيين مناوراتهم وتغيير مواقعهم يولد ضرورة تقليص الفترة بين تسجيل تنقلاتهم وتوجيه الضربات إليهم. جدير بالذكر أن موسكو طلبت، عشية توجيه القوات الروسية الجوية الفضائية أولى ضرباتها إلى مواقع الإرهابين في سوريا من قاعدة همدان الإيرانية، من سلطات إيران والعراق السماح بفتح مجالهما الجوي أمام صواريخ "كاليبر" الروسية المجنحة والبعيدة المدى. واعتبر فلاديمير كوموييدوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي، والقائد السابق لأسطول البحر الأسود، أن الدولتين المذكورتين ستوفران ممرا جويا لتحليق الصواريخ المجنحة الروسية فوق أراضيهما. وأعرب كوموييدوف عن ثقته في أن تؤثر ضربات روسيا ضد مواقع الإرهابيين في سوريا بواسطة صواريخ "كاليبر" المجنحة تأثيرا إيجابيا على مجرى العمليات العسكرية في البلاد، قائلا: "يعد كاليبر سلاحا دقيقا، هذه الصواريخ تختار أهدافها.. إنها قادرة على إصابة ما هو أكثر خطورة وأكثر تمويها، حيث لا بد من توجيه ضربة نوعية". وفي وقت سابق من اليوم ذاته، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انطلاق مناورات تكتيكية واسعة النطاق للقوات البحرية للبلاد في كل من بحري قزوين والمتوسط  للتدريب على مواجهة الأزمات الطارئة، بما في ذلك المتعلقة بالإرهاب، وتشمل هذه المناورات بشكل عام 4 سفن حربية مزودة بصواريخ "كاليبر" (السفينتين "غراد سفياجسك" و"فيليكي أوستيوغ" في بحر قزوين، والسفينتين "سيربوخوف" و"زيليوني دون" في البحر المتوسط). وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن قوات البحرية الروسية وجهت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، من مياه بحر قزوين وبواسطة صواريخ "كاليبر"، التي حلقت عبر المجال الجوي لإيران والعراق، ضربة فتاكة إلى مواقع مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي بسوريا، مدمرة 11 هدفا تابعة لهم، وذلك في عملية نفذت، حسب هيئة الأركان العامة الروسية، بالتنسيق مع كل من طهران وبغداد. جميع هذه العوامل، تدفع إلى استنتاج مفاده أن العالم سيشهد في وقت قريب مرحلة جديدة للحملة الروسية ضد الإرهاب في سوريا ستشمل أيضا توجيه ضربات بصواريخ "كاليبر" المجنحة إلى مواقع الإرهابيين على أساس دائم.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة