لم يأخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكثير من الوقت ليقلب مواقفه من روسيا مئة وثمانين درجة،

 وتصبح موسكو "الشقيق الاكبر" لانقرة وتعود اللحمة بينهما والعلاقات الى افضل مما كانت عليه في ظل ترقب اللقاء المنتظر بين اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في التاسع من الشهر الحالي.

 لا شك ان الكثير ينظر الى هذه العلاقة بريبة وقلق، خصوصا الولايات المتحدة الاميركية ودول اوروبا، لان اردوغان يعتبر ان المسألة باتت شخصية، وهي طالته بالتحديد ولا يمكنه التغاضي عنها، ولعل حملة الاعتقالات العشوائية التي يقوم بها وطالت كل القطاعات الحياتية في تركيا حتى تلك الابعد ما يكون عن النشاطات العسكرية، خير دليل على ذلك.

 يأخذ اردوغان على الغرب "انتظاره" قبل اطلاق موقفه من محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا، فيما هبّت روسيا لتأييده حتى قبل اتّضاح الصورة وعلى الرغم من العلاقة المتذبذبة التي كانت تربط البلدين. ولم يجد الرئيس التركي حرجاً في رد الجميل لبوتين، وهو في طريقه الى تحقيق ذلك عمد بصورة غير مباشرة الى توجيه رسالة قويّة مفادها ان العلاقة مع اوروبا والغرب قد لا تدوم وقد تمتد الجسور بدلاً عنها الى موسكو، وهو أمر سيؤثر بالطبع على حلف شمال الاطلسي التي تعتبر تركيا عضواً فاعلاً فيه.

 انما السؤال الأهم يبقى في معرفة مدى جدية هذا الاستنتاج وما اذا كانت تركيا بالفعل ستتخلى عن الناتو وتدخل في شراكة مع بوتين. لا احد يمكنه ان يجزم بما سيحصل وفق القراءات السياسية للتطورات، فإن المصالح المشتركة بين تركيا وروسيا كبيرة جداً، وهي تبدأ في سوريا ولا تنتهي في منطقة الشرق الاوسط. انقرة ترهب الغرب بروسيا، فالجامع بينهما اليوم هو الكراهية التي تكنّها واشنطن واوروبا الغربية لكل من اردوغان وبوتين، وتقاربهما بذاته يشكل اذية لمصالح الغرب في المنطقة. وكما انتقد الغرب روسيا بسبب ما حصل في القرم، ها هو ينتقد تركيا بسبب عدم احترام حقوق الانسان.

مصلحة روسيا تكمن كذلك في تخفيف الدعم التركي لقوى المعارضة السورية، اقله في حلب، كي يحكم الجيش السوري وحزب الله ومن يساندهما السيطرة على هذه المدينة التي، كما بات معلوماً، تعتبر استراتيجية بالنسبة الى تطور الامور في سوريا. واذا نجحت القمة بين الرئيسين بعد ايام في الوصول الى اتفاق حول هذا الامر، فسيكون ذلك انجازاً مهماً للدبلوماسية الروسية ودفعاً اساسياً لتعزيز شروط الرئيس السوري وروسيا وايران على طاولة المفاوضات.

 ومن مصلحة روسيا كذلك التهويل بورقة تركيا امام "الناتو" الذي بات على اعتاب الحدود الروسية. وعلى الرغم من ان المسؤولين الروس يدركون جيداً ان الاتراك لن "يضحوا" بمركزهم في "الناتو" كرمى لعيون اصدقائهم الجدد- القدامى، فإن كسبهم للود التركي كفيل بإقلاق الغرب وجعله يعيد التفكير بخططه وتهديداته لروسيا.

 واذا حصل الروس على موطىء قدم في تركيا، فإن تمددهم في الشرق الاوسط سيكون اكثر من جيد، بعد التمركز في سوريا، بحيث يصبح الاتراك نقطة تجاذب اساسية بين الغرب وروسيا في معركة النفوذ وانتشاره في المنطقة.

 لن تفرط تركيا بالناتو، ولن يكون من مصلحة الناتو التخلي عن انقرة، ولكن في السياسة، ستصبح روسيا بلا شك بعد توطيد العلاقات مع اردوغان، اقوى من قبل وستشكل عنصر ضغط اساسي على الغرب في المواجهة بينهما التي يتوقع ان تبقى طويلة ومديدة طالما بقي بوتين متحكماً بالسياسية الروسية. من هنا، يكتسب اللقاء بين الرئيسين التركي والروسي اهميته، ويعوّل الكثيرون على انه في حال حقق كل ما يصبو اليه الرجلان، سيكون مؤشراً لبداية تطور جديد في المنطقة يفرض نفسه على الساحة السياسية اولاً والميدانية ثانياً.

  • فريق ماسة
  • 2016-08-06
  • 11701
  • من الأرشيف

تركيا تحذر الغرب: روسيا بدلا من (الناتو)؟

لم يأخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكثير من الوقت ليقلب مواقفه من روسيا مئة وثمانين درجة،  وتصبح موسكو "الشقيق الاكبر" لانقرة وتعود اللحمة بينهما والعلاقات الى افضل مما كانت عليه في ظل ترقب اللقاء المنتظر بين اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في التاسع من الشهر الحالي.  لا شك ان الكثير ينظر الى هذه العلاقة بريبة وقلق، خصوصا الولايات المتحدة الاميركية ودول اوروبا، لان اردوغان يعتبر ان المسألة باتت شخصية، وهي طالته بالتحديد ولا يمكنه التغاضي عنها، ولعل حملة الاعتقالات العشوائية التي يقوم بها وطالت كل القطاعات الحياتية في تركيا حتى تلك الابعد ما يكون عن النشاطات العسكرية، خير دليل على ذلك.  يأخذ اردوغان على الغرب "انتظاره" قبل اطلاق موقفه من محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا، فيما هبّت روسيا لتأييده حتى قبل اتّضاح الصورة وعلى الرغم من العلاقة المتذبذبة التي كانت تربط البلدين. ولم يجد الرئيس التركي حرجاً في رد الجميل لبوتين، وهو في طريقه الى تحقيق ذلك عمد بصورة غير مباشرة الى توجيه رسالة قويّة مفادها ان العلاقة مع اوروبا والغرب قد لا تدوم وقد تمتد الجسور بدلاً عنها الى موسكو، وهو أمر سيؤثر بالطبع على حلف شمال الاطلسي التي تعتبر تركيا عضواً فاعلاً فيه.  انما السؤال الأهم يبقى في معرفة مدى جدية هذا الاستنتاج وما اذا كانت تركيا بالفعل ستتخلى عن الناتو وتدخل في شراكة مع بوتين. لا احد يمكنه ان يجزم بما سيحصل وفق القراءات السياسية للتطورات، فإن المصالح المشتركة بين تركيا وروسيا كبيرة جداً، وهي تبدأ في سوريا ولا تنتهي في منطقة الشرق الاوسط. انقرة ترهب الغرب بروسيا، فالجامع بينهما اليوم هو الكراهية التي تكنّها واشنطن واوروبا الغربية لكل من اردوغان وبوتين، وتقاربهما بذاته يشكل اذية لمصالح الغرب في المنطقة. وكما انتقد الغرب روسيا بسبب ما حصل في القرم، ها هو ينتقد تركيا بسبب عدم احترام حقوق الانسان. مصلحة روسيا تكمن كذلك في تخفيف الدعم التركي لقوى المعارضة السورية، اقله في حلب، كي يحكم الجيش السوري وحزب الله ومن يساندهما السيطرة على هذه المدينة التي، كما بات معلوماً، تعتبر استراتيجية بالنسبة الى تطور الامور في سوريا. واذا نجحت القمة بين الرئيسين بعد ايام في الوصول الى اتفاق حول هذا الامر، فسيكون ذلك انجازاً مهماً للدبلوماسية الروسية ودفعاً اساسياً لتعزيز شروط الرئيس السوري وروسيا وايران على طاولة المفاوضات.  ومن مصلحة روسيا كذلك التهويل بورقة تركيا امام "الناتو" الذي بات على اعتاب الحدود الروسية. وعلى الرغم من ان المسؤولين الروس يدركون جيداً ان الاتراك لن "يضحوا" بمركزهم في "الناتو" كرمى لعيون اصدقائهم الجدد- القدامى، فإن كسبهم للود التركي كفيل بإقلاق الغرب وجعله يعيد التفكير بخططه وتهديداته لروسيا.  واذا حصل الروس على موطىء قدم في تركيا، فإن تمددهم في الشرق الاوسط سيكون اكثر من جيد، بعد التمركز في سوريا، بحيث يصبح الاتراك نقطة تجاذب اساسية بين الغرب وروسيا في معركة النفوذ وانتشاره في المنطقة.  لن تفرط تركيا بالناتو، ولن يكون من مصلحة الناتو التخلي عن انقرة، ولكن في السياسة، ستصبح روسيا بلا شك بعد توطيد العلاقات مع اردوغان، اقوى من قبل وستشكل عنصر ضغط اساسي على الغرب في المواجهة بينهما التي يتوقع ان تبقى طويلة ومديدة طالما بقي بوتين متحكماً بالسياسية الروسية. من هنا، يكتسب اللقاء بين الرئيسين التركي والروسي اهميته، ويعوّل الكثيرون على انه في حال حقق كل ما يصبو اليه الرجلان، سيكون مؤشراً لبداية تطور جديد في المنطقة يفرض نفسه على الساحة السياسية اولاً والميدانية ثانياً.

المصدر : النشرة/ طوني خوري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة