- بيروت برس -شكّلت معركة ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية نقطة التحول المفصلية في حسم الحرب ضد الجيش الألماني، حيث تم كسر وهزيمة أعتى الجيوش والألوية الألمانية في هذه المعركة، لتبدأ بعدها عملية الهجوم السوفياتي المضاد الذي وصلت جحافله في نهاية الحرب الى برلين.

 والسؤال، هل كان الرئيس السوري بشّار الأسد يغازل الروس بتشبيهه معركة حلب بمعركة ستالينغراد، أو أنّ المعركة فعلًا تحمل في الشكل والمضمون هذا التشبيه الذي أطلقه الرئيس الأسد؟

 كلا المعركتين تتشابهان في مسرح وسير العمليات وفي التحولات الناتجة عنهما المرتبطة بحسم الحرب، فالجماعات المسلحة في حلب بعد وضع الأحياء الشرقية داخل الطوق تتصرف بشكل مشابه للجيش الألماني خلال معركة ستالينغراد سواء في الإنفعال والتسرع أو في زج اعداد كبيرة من المقاتلين، في محاولة لإستعادة التوازن المفقود. فالمعركة بالنسبة لهذه الجماعات هي معركة حياة او موت، مع ادراك مشغليهم انها المعركة المفصلية التي ستشكل المدخل لحسم الحرب بما تعنيه مدينة حلب من ثقل ديموغراغي واقتصادي وجغرافي، وارتباط المعركة بالحدود التركية التي لا تزال مفتوحة للمسلحين بشكل كامل رغم الأجواء التركية - الروسية الإيجابية في البعد العلني، إلّا أنّ اردوغان الذي سيزور روسيا يرغب بأن يحمل معه أوراقًا للتفاوض تمكنه من ترتيب علاقة متكافئة في الحد الأدنى مع الروس، وهو ما يدركه الروس جيدًا ولن يسمحوا بتمريره. فهم يعرفون المآزق التي أوقع بها اردوغان نفسه، ولن يكفيهم منه بأقل من البدء بإغلاق الحدود مع سوريا ومنع حصول المسلحين على الدعم والإمداد، خصوصًا أنّ تصريحات اردوغان بخصوص السعودية واميركا واوروبا باتت تتسم بالحدة والسلبية، وهو ما يمكن ان يساعد الروس في الضغط عليه لتغيير مواقفه وسلوكه بما يعتبر عندها معركة اردوغان الأخيرة في حلب.

 واذا ما قاربنا زخم العمليات الذي تنفذه الجماعات المسلحة واعداد المسلحين واعداد المدرعات ومنظومة القيادة والسيطرة، لوجدنا أنّ الأمر يحتاج الى غرفة عمليات متطورة لا تمتلكها الجماعات المسلحة، وهذا ما يؤشر باتجاه الجانب التركي وتحديدًا ضباط الإستخبارات الذين اشيع حولهم خبر انسحابهم من الأراضي السورية كعامل خداع هو جزء من السلوك التركي في السياسة وفي الميدان.

 هذه الأيام تدور في حلب معارك شرسة نفذت فيها الجماعات المسلحة خمس موجات من الهجمات غير المسبوقة لفك الطوق عن الأحياء الشرقية من الجهة الجنوبية لمدينة حلب، لم تستطع فيها هذه الجماعات اختراق خطوط دفاع الجيش السوري الأساسية، وكل ما يحصل هو رسم الجيش لبقعة اشتباك من خلال اعادة التموضع لتتمكن وحدات الجيش من استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة وادارة العمليات بحرية اكبر.

 إذًا، نحن امام مشهد ميداني متحرك تلعب فيه الحرب النفسية والإعلامية دورًا كبيرًا من خلال مواكبة الهجمات بحملة من الأكاذيب والإشاعات، لكسر ارادة القتال لدى المدافعين وارادة الصمود لدى الأهالي الذين يتعرضون للقصف بشكل مستمر.

 هذا في الجانب الميداني القابل للتبدل سلبًا او ايجابًا بحسب معطيات المعركة، إلّا أنّ الثابت في معركة حلب هو القرار الواضح لدى سوريا وحلفائها بحسم المعركة حتى لو حصلت فيها مفاجآت وتبدلات آنية. ففي الجانب العسكري، يشكل صمود الجيش عند خطوط المدافعة وكسره لموجات الهجوم العامل الأساسي لاستيعاب الصدمة وإلحاق خسائر كبيرة بالمهاجمين في حسم المعركة، فمن اصل 9000 مهاجم تمّ إخراج اكثر من 2000 منهم قتلى وجرحى من المعركة خلال خمسة أيام، وهنا يبرز السؤال الأهم: هل ستستطيع هذه القوات إكمال هجماتها الى اجل غير محدود؟

 وفي العودة الى اساس الموضوع ولمن لا يعرفون مسار معركة ستالينغراد، فإنّ حجم الصمود والتضحيات في حلب لا يختلف كثيرًا عما حصل في ستالينغراد، حيث كان للدفاع دور كبير في كسر الهجمات الألمانية التي وصلت الى مرحلة الشلل ما ادى الى بدء انسحابها التدريجي امام الهجوم المضاد السوفياتي.

 وفي حلب لا بد من تعريف واضح لطبيعة العمليات التي ينفذها الجيش السوري وحلفاؤه، والتي هي مزيج من العمليات الهجومية المخططة بدقة والخاطفة الى حد ما، إلّا أنّ النمط الاساسي هو تثبيت خطوط المدافعة التي تنطلق منها العمليات الهجومية. فمنذ بداية العام 2014، لا يمكن لأحد ان ينكر حجم الأراضي التي استعادها الجيش السوري والنتائج الأخيرة للعمليات، والتي أدّت الى تطويق مسلحي احياء حلب الشرقية وما سبقها من تحرير لمساحات كبيرة في الارياف الشمالي والجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي.

 هذه المعارك في حلب بالنظر الى التصريحات الأميركية ونتائج زيارة اردوغان الى روسيا قد تكون آخر المعارك الكبرى، التي سيكون ما بعدها غير ما قبلها تمامًا لدرجة يمكن وصفها بانقلاب جذري للمشهد.

  • فريق ماسة
  • 2016-08-05
  • 13707
  • من الأرشيف

حلب.. ستالينغراد سوريا...بقلم عمر معربوني

- بيروت برس -شكّلت معركة ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية نقطة التحول المفصلية في حسم الحرب ضد الجيش الألماني، حيث تم كسر وهزيمة أعتى الجيوش والألوية الألمانية في هذه المعركة، لتبدأ بعدها عملية الهجوم السوفياتي المضاد الذي وصلت جحافله في نهاية الحرب الى برلين.  والسؤال، هل كان الرئيس السوري بشّار الأسد يغازل الروس بتشبيهه معركة حلب بمعركة ستالينغراد، أو أنّ المعركة فعلًا تحمل في الشكل والمضمون هذا التشبيه الذي أطلقه الرئيس الأسد؟  كلا المعركتين تتشابهان في مسرح وسير العمليات وفي التحولات الناتجة عنهما المرتبطة بحسم الحرب، فالجماعات المسلحة في حلب بعد وضع الأحياء الشرقية داخل الطوق تتصرف بشكل مشابه للجيش الألماني خلال معركة ستالينغراد سواء في الإنفعال والتسرع أو في زج اعداد كبيرة من المقاتلين، في محاولة لإستعادة التوازن المفقود. فالمعركة بالنسبة لهذه الجماعات هي معركة حياة او موت، مع ادراك مشغليهم انها المعركة المفصلية التي ستشكل المدخل لحسم الحرب بما تعنيه مدينة حلب من ثقل ديموغراغي واقتصادي وجغرافي، وارتباط المعركة بالحدود التركية التي لا تزال مفتوحة للمسلحين بشكل كامل رغم الأجواء التركية - الروسية الإيجابية في البعد العلني، إلّا أنّ اردوغان الذي سيزور روسيا يرغب بأن يحمل معه أوراقًا للتفاوض تمكنه من ترتيب علاقة متكافئة في الحد الأدنى مع الروس، وهو ما يدركه الروس جيدًا ولن يسمحوا بتمريره. فهم يعرفون المآزق التي أوقع بها اردوغان نفسه، ولن يكفيهم منه بأقل من البدء بإغلاق الحدود مع سوريا ومنع حصول المسلحين على الدعم والإمداد، خصوصًا أنّ تصريحات اردوغان بخصوص السعودية واميركا واوروبا باتت تتسم بالحدة والسلبية، وهو ما يمكن ان يساعد الروس في الضغط عليه لتغيير مواقفه وسلوكه بما يعتبر عندها معركة اردوغان الأخيرة في حلب.  واذا ما قاربنا زخم العمليات الذي تنفذه الجماعات المسلحة واعداد المسلحين واعداد المدرعات ومنظومة القيادة والسيطرة، لوجدنا أنّ الأمر يحتاج الى غرفة عمليات متطورة لا تمتلكها الجماعات المسلحة، وهذا ما يؤشر باتجاه الجانب التركي وتحديدًا ضباط الإستخبارات الذين اشيع حولهم خبر انسحابهم من الأراضي السورية كعامل خداع هو جزء من السلوك التركي في السياسة وفي الميدان.  هذه الأيام تدور في حلب معارك شرسة نفذت فيها الجماعات المسلحة خمس موجات من الهجمات غير المسبوقة لفك الطوق عن الأحياء الشرقية من الجهة الجنوبية لمدينة حلب، لم تستطع فيها هذه الجماعات اختراق خطوط دفاع الجيش السوري الأساسية، وكل ما يحصل هو رسم الجيش لبقعة اشتباك من خلال اعادة التموضع لتتمكن وحدات الجيش من استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة وادارة العمليات بحرية اكبر.  إذًا، نحن امام مشهد ميداني متحرك تلعب فيه الحرب النفسية والإعلامية دورًا كبيرًا من خلال مواكبة الهجمات بحملة من الأكاذيب والإشاعات، لكسر ارادة القتال لدى المدافعين وارادة الصمود لدى الأهالي الذين يتعرضون للقصف بشكل مستمر.  هذا في الجانب الميداني القابل للتبدل سلبًا او ايجابًا بحسب معطيات المعركة، إلّا أنّ الثابت في معركة حلب هو القرار الواضح لدى سوريا وحلفائها بحسم المعركة حتى لو حصلت فيها مفاجآت وتبدلات آنية. ففي الجانب العسكري، يشكل صمود الجيش عند خطوط المدافعة وكسره لموجات الهجوم العامل الأساسي لاستيعاب الصدمة وإلحاق خسائر كبيرة بالمهاجمين في حسم المعركة، فمن اصل 9000 مهاجم تمّ إخراج اكثر من 2000 منهم قتلى وجرحى من المعركة خلال خمسة أيام، وهنا يبرز السؤال الأهم: هل ستستطيع هذه القوات إكمال هجماتها الى اجل غير محدود؟  وفي العودة الى اساس الموضوع ولمن لا يعرفون مسار معركة ستالينغراد، فإنّ حجم الصمود والتضحيات في حلب لا يختلف كثيرًا عما حصل في ستالينغراد، حيث كان للدفاع دور كبير في كسر الهجمات الألمانية التي وصلت الى مرحلة الشلل ما ادى الى بدء انسحابها التدريجي امام الهجوم المضاد السوفياتي.  وفي حلب لا بد من تعريف واضح لطبيعة العمليات التي ينفذها الجيش السوري وحلفاؤه، والتي هي مزيج من العمليات الهجومية المخططة بدقة والخاطفة الى حد ما، إلّا أنّ النمط الاساسي هو تثبيت خطوط المدافعة التي تنطلق منها العمليات الهجومية. فمنذ بداية العام 2014، لا يمكن لأحد ان ينكر حجم الأراضي التي استعادها الجيش السوري والنتائج الأخيرة للعمليات، والتي أدّت الى تطويق مسلحي احياء حلب الشرقية وما سبقها من تحرير لمساحات كبيرة في الارياف الشمالي والجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي.  هذه المعارك في حلب بالنظر الى التصريحات الأميركية ونتائج زيارة اردوغان الى روسيا قد تكون آخر المعارك الكبرى، التي سيكون ما بعدها غير ما قبلها تمامًا لدرجة يمكن وصفها بانقلاب جذري للمشهد.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة