دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
واصل الجيش السوري وحلفاؤه إحكام الطوق الذي فرض أخيراً على مسلحي الأحياء الشرقية في حلب، فيما اندفع المسلحون في معارك «مجنونة» من دون طائل.
معركة «الطوق» كانت قد استبقت بمفاوضات طويلة بين مركز حميميم الروسي ومندوبي عدد من المجموعات المسلحة. العرض الروسي الذي رفضته المجموعات سابقاً، قد يلقى قبولاً في خلال الأيام القادمة بـ«قوّة النار»
معركة «طوق حلب» التي فتحها الجيش السوري وحلفاؤه أخيراً لم تكن مُفاجئة للمجموعات المسلحة، أو داعميها. لا يعني هذا أنّ المعركة كانت «مُتوقّعة» بالمعنى التقليدي للمفردة، بل إنّها كانت «خياراً» ذهبت إليه المجموعات بإرادتها بعد أن مُنحت «حق الاختيار» بين التّخلي عن «جبهة النصرة» أو «الإيذان بمعركة غير مسبوقة».
ولم يأت «التخيير» مُبطّناً، أو عبر وُسطاء. تصدى الروس للمهمّة مُباشرةً وبـ«نَفَسٍ طويل». فصول الحكاية تعود إلى شهورٍ خلَت، حيث حطّ وفدٌ روسيّ رحالَه في حلب آتياً من مركز حيميم. ووفقاً لمعلومات حصلت عليها «الأخبار»، فقد التقى الوفد الروسي «عشرات المندوبين عن مجموعاتٍ مسلّحة عدّة، كانوا يصلون إلى مقر روسي في أحياء حلب الغربية (الخاضعة لسيطرة الدولة السورية) آتين من الأحياء الشرقيّة عبر معبر بستان القصر، وبضمانات روسيّة». عمل الوفد الروسي على توثيق تلك اللقاءات بالصوت والصورة، وقام مندوبو المجموعات المسلّحة بتعبئة استماراتٍ مخصّصة، وأجروا محادثاتهم، ثمّ عادوا إلى مناطق سيطرتهم بسلام. كان العرض الروسي واضحاً و«سخيّاً». حمل المندوبون إلى مجموعاتهم رسالةً واضحة: «تعاونوا معنا وانفصلوا عن متطرفي جبهة النصرة وأشباهها وخذوا تسوياتٍ مُنصفة». مضامين اللقاءات كانت متشابهة في بعض التفاصيل، حيث طلب معظم المندوبين «الوقت لدراسة العرض، ومناقشته مع مجموعاتهم». لكنّ اللافت أن مندوبي بعض المجموعات طلبوا «الحصول على أموال وأسلحة بشكل مسبق، في مقابل الموافقة على العرض الروسي». وذهب هؤلاء المندوبون أبعد من المطلب الروسي بالتخلي عن «النصرة» واعدين بـ«شنّ معارك ضدّ النصرة في حال رفضها الفصل بين مواقع السيطرة، بشرط تقديم ضمانة روسيّة كاملة بعدم تعرّض جيش النظام (الجيش السوري) لهم مستقبلاً». الردّ الروسي بدوره كان واضحاً «هذا أمر ممكن ووارد (تقديم أموال وأسلحة). قدّموا لنا إجراءً فعليّاً على الأرض قبل ذلك، وخذوا ما تشاؤون». سمع الوفد الروسي مطالب مفاجئة و«مضحكة»، أحد المندوبين طلب الحصول على «لابتوب (جهاز كومبيوتر محمول)». لكنّ معظم المندوبين «كانوا يذهبون للتشاور، ولا يعودون». غادر وفد حميميم حلب، بعد أن استنفد فرص الوصول إلى اتفاقات. وقبل نحو ثلاثة أسابيع وصل وفد جديد. كانت اللهجة الروسيّة مختلفة هذه المرّة. الرسائل التي حُمّلت للمندوبين جاءت مُقتضبة وحاسمة: «انضمّوا أو موتوا». أخيراً، فُتحت معركة «الطّوق». تقدّم الجيش وحلفاؤه بسرعة على الأرض، مدعومين بغطاء جويّ روسي مكثّف. استُخدمت في المعارك تكتيكات جديدة كانت مُعدّة منذ أكثر من شهر (قبل أن تضغط موسكو لإرجاء المعركة وترسل وفد حميميم الثاني). في مواجهة التقدّم المتسارع للجيش وحلفائه، سارعت «جبهة النصرة» إلى عقد «اجتماعات طوارئ مكثّفة». تلقّت «النصرة» وعوداً من معظم المجموعات بـ«خوض المعركة حتى النهاية، ومنع محاصرة الأحياء الشرقيّة مهما كان الثمن». راجت سريعاً في أوساط المجموعات فكرة مفادُها «ما دمنا نواجه خطر الحصار، فعلينا شنّ هجمات مستميتة على كل الجبهات، وبكثافة نارية غير مسبوقة». كانت المجموعات تأمل خرق الحصار عبر خطوط التماس داخل المدينة، أو على بوابتها الجنوبيّة (الراموسة) نظراً إلى تعذّر ذلك على محور الملّاح – الكاستيلّو. فُتحت معارك متزامنة على المحورين، وباء جميعُها بالفشل. استهداف الأحياء الغربيّة المكتظّة بالمدنيين كان «الخيار الأسهل».
أوعزت غرف عمليّات «النصرة» وشركائها بـ«السعي إلى حرق الأحياء الغربية بمن فيها». اللافت أن بعض المجموعات «الوازنة» لم تُسجّل مشاركةً فعليّة في المعارك، وعلى رأسها «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». وتفتح هذه الحقيقة الباب أمام تساؤلات عن أسباب «أحرار الشّام» في هذا الامتناع، وأمام احتمال جرّ المجموعات المنتشرة في الأحياء الشرقيّة إلى «فخّ مُحكم». فالكثافة الناريّة «المجنونة» التي اعتمدتها تلك المجموعات في شن هجماتها على معظم خطوط التماس داخل مدينة حلب كفيلةٌ بوضع المجموعات أمام «خطر استنزاف الذخائر»، خاصّة في ظل إحكام الجيش وحلفائه سيطرتهم على محور الكاستيلّو، وخنق مسلّحي الأحياء الشرقيّة. ووفقاً لمعلومات «الأخبار» فخلال الساعات الأخيرة عاودت الرسائل الروسية الورود إلى عدد من «الألوية والكتائب» متضمّنة العرض ذاته. وتقول مصادر ميدانيّة سوريّة لـ«الأخبار» إنّ «تكرار سيناريو حصار مسلّحي حمص القديمة ليس مُرجّحاً، لجهة مدّة الحصار». ووفقاً للمصادر فإن «حصار أحياء حلب الشرقيّة مرشّح للانتهاء بشكل أسرع بكثير من نظيره». ويبدو أن العرض الروسي «السخيّ» المتجدّد مرشّحٌ ليلقى «قبولاً» عند عدد من المجموعات المحليّة «بقوّة النار والحصار». ومن التفاصيل اللافتة للانتباه أنّ الحصار المفروض على الأحياء الشرقيّة لم يُطبّق بالكامل على مسلّحي «الفرقة 16» المتمركزين في حي بني زيد الشهير. وتُفيد المعطيات الميدانيّة التي اطلعت عليها «الأخبار» عن «ترك منفذٍ مفتوح أمام المسلّحين في اتّجاه مدينة حريتان (ريف حلب الشمالي)».
ميدانيّاً، أفشل الجيش السوري وحلفاؤه أمس هجماتٍ متزامنة شنّها المسلّحون على معظم محاور المدينة. ودارت «حرب شوارع» عنيفة على خطوط التماس في المدينة القديمة، ومحيط سوق الهال، وسيف الدولة. وتكرّر السيناريو ذاته على أطراف المدينة، حيث أفشل الجيش هجوماً عنيفاً شنّته «جبهة النصرة» وحلفاؤها على محور الكاستيلّو، ومحيط السّكن الشبابي (بني زيد). وعزّز الجيش «الطوق» عبر الضغط على مناطق سيطرة المسلّحين على محور بلليرمون (ريف حلب الشمالي الغربي) ونجح في السيطرة على عدد من الكتل في منطقة المعامل. وواصلت المجموعات المسلّحة استهداف الأحياء السكنيّة الغربيّة من مدينة حلب بالقذائف والصواريخ، ما أوقع شهداء وجرحى، خاصّة في أحياء الحمدانية، والمحافظة والسريان الجديدة. فيما استهدف الطيران الحربي عدداً من المناطق والأحياء الخاضعة لسيطرة المسلّحين في حلب وريفها. وأكّد ناشطون معارضون «استشهاد عدد من المدنيين في حيّ الصالحين (أحد الأحياء الشرقية في حلب)، وقرية كفر حمرة (الريف الغربي)».
المصدر :
الاخبار/ صهيب عنجريني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة