دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تحوّلت معارك منبج إلى مناسبة لاستنزاف «قوّات سوريا الديمقراطية» من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى. وخلافاً للأطروحات التي تعاملت مع انكسار هجوم «قسد» واستعادة «داعش» لتوازنه على أنّه «فشل أميركي»،
يبدو من المرجّح أن الأميركيين قد أخذوا على عاتقهم إدارة معارك الاستنزاف، والتحكم في تقدّم حلفائهم وتقهقرهم أيضاً
على خُطى معارك عين العرب تبدو معارك مدينة منبج (ريف حلب الشمالي الشرقي) سائرةً بثبات. المواجهات العنيفة حول المدينة التي تعتبر أحد معاقل تنظيم «داعش» بين الأخير و«قوّات سوريا الديمقراطيّة» المدعومة أميركيّاً دخلت لعبةَ الكرّ والفرّ، لتتحوّل إلى تربةٍ صالحةٍ لاستنزاف الطرفين.
ويعيدُ هذا السيناريو إلى الأذهان ذلك الذي ضُبطت معارك عين العرب (كوباني) على إيقاعه بين أيلول 2014 وكانون الثاني 2015. ومع الأخذِ في عين الاعتبار تبادلَ المواقعِ بين طرفي المعركة (حيث تحوّل المهاجم في عين العرب إلى مُدافعٍ في منبج) تَحضر قواسمُ مشتركةٌ بين المعركتين، على رأسها التقلُّبات في موازين القوى وتبدّل رجحانِ الكفّتين مرّاتٍ عدّة. وإذا كان حسمُ معركة عين العربِ قد استغرق مئةً وثلاثين يوماً («الأخبار»، العدد 2503) فإنّ معركة منبج المفتوحةَ منذ أكثر من شهرٍ لم تُسفر حتى الآن عن تقدم فعلي ومستقر لأيّ من الطرفين على حساب الآخر، ما يفتح الباب أمام استطالاتٍ زمنيّة لا يُستبعد أن تقارب ما استغرقتهُ «عين العرب» أو تفوقَها. ويبدو مفهوماً أن يستميتَ كلٌّ من الطرفين في سبيل تحقيق أهدافه في منبج؛ فمفاعيل سقوط «داعش» في المدينة (حال حدوثه) ستتجاوزُ حتماً البعد الجغرافيّ (على أهميّته)، وتلحق آثاراً كارثيّة بالتنظيم المتطرّف، سواء بالمعنى العسكري المباشر وما قد يستتبع هذا السقوط من سقطات متتالية، أو بالمعنى «النفسي» الذي لا تقلُّ خسائره خطورة. وعلى المقلب الآخر، يشكل حسم «قسد» معركة منبج لمصلحتها هدفاً بالغ الأهمية للـ«قوّات» الطامحة إلى فرض معادلة جديدة غربَ الفرات، رغماً عن كلّ التحفظات التركية. على أن استماتة كل من الطرفين لا تبدو سبباً وحيداً لاحتدام المعارك، وفشلِ أيّ منهما في انتزاع تفوّق مستقرّ حتى الآن. ولعل أشد ما يلفت النظر في حيثيات المعارك وتفاصيلها هو الجزء المتعلق بطبيعة الدعم والإسناد العسكري الأميركي لـ«قسد» والتأثير المباشر والواضح لتفاوتِه على تطورات المعارك وتبادل مربعات السيطرة بين الطرفين. لكنّ تفسير تحولات المعارك وسيرها في غير مصلحة حلفاء الأميركيين على أنه «فشلٌ» لهؤلاء يبدو ركوناً ساذجاً للأخذ بظاهر الأمور.
مفاعيل سقوط «داعش» في المدينة ستتجاوزُ حتماً البعد الجغرافي
والأرجح أن «طيران التحالف» المضبوط على بوصلة العم سام قد أخذ على عاتقه مهمّة إدارة المعركة وتوجيه دفّتها، بطريقة ترسم مسارات الأرض وتدير بشكل فعلي لا انتصاراتِ «قسد» فحسب، بل هزائمها أيضاً. ويُدار كلّ ذلك وفقَ حسابات لا تُجنى نتائجها في الميدان فحسب. ومن المفيد التذكيرُ بأن مساهمة التحالف في حسم معركة عين العرب بشكل نهائيّ لم تتمّ إلّا بعد تحويل المدينة إلى ركامٍ وأنقاض، وبعد جولات «أخذٍ وردٍّ» سياسيّة طويلة مهّدت لاحقاً لتحولاتٍ ملحوظةٍ في الأداء السياسي لأكراد الـ«YPG» (عماد «قسد» لاحقاً). وإزاء هذه الحقيقة يغدو التساؤل عن الأثمان المطلوبة من الأكراد في مقابل تخليصهم من صيف منبج الطويل مشروعاً، بل واجباً. كذلك، يجدر النظر بعين الاعتبار إلى تباينات الأداء السياسي لأنقرة، وتزامنها مع تغيّر مسار معارك منبج غيرَ مرة. ولا تبدو أنقرة مستثناةً من الضغط بواسطة «معارك الابتزاز» بإدارة الحليف الأميركي. ولا تخرج معركة منبج في جوهرها عن قائمة معارك الابتزاز المفتوحة في حلب والرّقة وريف اللاذقية إلا من حيث التفاصيل . ويبدو جليّاً أنّ القوى الكبرى (بمختلف اصطفافاتها) المنخرطة في الحرب السوريّة قد انعطفت بالحرب إلى مرحلة جديدة. مرحلة أوضح معالمها إدارة الهزائم والانتصارات (مع الأخذ في عين الاعتبار جملة توازنات أساسيّة) واستغلال حتى الهزائم التي تلحق بالحلفاء خدمةً لمشاريع وصفقات تضع مصير المنطقة بأكملها على المحك. ميدانيّاً، تصدت «قوات سوريا الديمقراطية» أمس لهجوم شنّه مسلّحو تنظيم «داعش» على مواقعها في محيط مدينة منبج من محاور مسكنة ــ منبج، جرابلس ــ منبج، والباب ــ منبج، في إطار مساعي التنظيم لفك الحصار المطبق على المدينة، فيما تحدّثت مصادر كرديّة عن «مقتل العديد من مسلحي داعش خلال الاشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية على 3 محاور من قرية الرفيعة في ريف منبج». إلى ذلك، أكّد «المرصد السوريالمعارض» أمس أنّ عدد مسلّحي «قوات سوريا الديمقراطية» الذين قُتلوا خلال المعارك مع تنظيم «داعش» في منبج قد «ارتفع إلى 108»، فيما ارتفع عدد مسلحي التنظيم الذين قُتلوا خلال المعارك ذاتها إلى 589، إضافة إلى مصرع 128 مدنياً إثر غارات طائرات «التحالف الدولي» وانفجار ألغام بهم والقصف المتبادل بين «داعش» و«قسد» منذ نهاية أيّار، وفقاً للمصدر ذاته.
المصدر :
الماسة السورية/الاخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة