تراجع الجيش السوري على محور أثريا ـ الطبقة، جعل تنظيم «داعش» يحتفظ بخطوط الإمداد بين الرقة ومسكنة، وبالتالي بإمكانية تعزيز قواته التي تتكفل بمهمة صد هجوم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) على مدينة منبج، ومن ثم السعي لفك الحصار المفروض على المدينة من جهاتها الأربع.

 

هذه الحقائق حول ترابط جبهات القتال المختلفة وتأثيرها على بعضها سلباً أو إيجاباً، تلقي الضوء على أحد أهم المآزق التي تعاني منها عمليات محاربة التنظيم، وهو غياب التنسيق بين الجهات التي تحارب «داعش»، وإصرار بعضها على فصل الجبهات المفتوحة ضده، لأسباب سياسية لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب، كالرفض الأميركي لأي تنسيق ميداني وعملياتي مع الجيش الروسي، رغم الطلب الروسي المتكرر لذلك.

 

وكان بالإمكان تصور النتيجة المغايرة لو أن عمليات الجيش السوري على محور الطبقة انتهت بقطع طرق إمداد التنظيم بين الرقة وريف حلب الشرقي، والتي لم تكن بحاجة إلا لتجاوز عدة كيلومترات فقط. إلا أن غياب التنسيق، أدى إلى تفويت هذه الفرصة التي كان من شأنها أن تخفف الكثير من الضغوط على قوات «قسد» التي أصبحت حالياً في موقف لا تحسد عليه، بعدما تباطأت عملياتها العسكرية في محيط منبج واستعاد التنظيم المبادرة لشن هجمات معاكسة.

وبالفعل، فقد أرسل تنظيم «داعش» خلال الأيام الماضية المئات من مقاتليه من الرقة إلى مسكنة لتعزيز قدراته على شن الهجمات المعاكسة التي أربكت قوات «قسد» وألحقت بها خسائر كبيرة، خصوصاً في ظل كثافة العمليات الانتحارية التي يلجأ إليها التنظيم. فبدا المشهد وكأن هناك تبادل أدوار، فالمهاجم أصبح في موقع الدفاع والمدافع هو الذي يقوم بشن الهجمات.

وإذا كان إرسال التعزيزات يشير بجلاء إلى نية التنظيم خوض معركة منبج حتى النهاية وبلا هوادة، فإن المعلومات التي حصلت عليها «السفير» من مصدر خاص، حول وصول قيادات عسكرية كبيرة من التنظيم من الرقة إلى مسكنة لقيادة الحملة المضادة، تثبت بدورها أن التنظيم يراهن بجدية تامة على إمكان تحويل معركة منبج إلى حرب استنزاف طويلة الأمد بحق القوات الكردية، ومن يقف وراءها من قوات أميركية وغربية مختلفة. وفي هذا السياق علمت «السفير» أن القائد العسكري أبو طلحة الألماني (غير مغني الراب التائب) من بين القيادات التي وصلت إلى مسكنة للإشراف على عمليات التنظيم هناك. ويعد الألماني قائداً عسكرياً لا يقل أهمية عن عمر الشيشاني، وقد لعب دوراً بارزاً في عمليات التنظيم في العراق بين عامي 2014 و2015.

ومن المتوقع بعدما زال تهديد الجيش السوري لمطار الطبقة العسكري، حيث اضطر للانسحاب من مثلث الرصافة، أن يكون بمقدور «داعش» إرسال المزيد من التعزيزات لتقوية جبهات القتال في محيط منبج، وهو ما سيشكل ضغطاً جديداً على «قوات سوريا الديموقراطية». ولم يعد سرّاً أن الهجمات السابقة التي قام بها التنظيم على ضخامتها، وتخللها تنفيذ عدة عمليات انتحارية، نفذ اثنين منها انتحاريان طاجيكيان، ليست سوى محاولة لجس نبض القوات التي تحاصر المدينة، واكتشاف نقاط الضعف فيها.

أما الهجوم المضاد الرئيسي فما زال قيد التخطيط لدى قيادات «داعش» التي وفدت حديثاً إلى المنطقة. وقد لا يتأخر أكثر من عدة أيام قبل أن يوضع موضع التنفيذ، كما قال لـ «السفير» ناشط إعلامي مقرب من تنظيم «داعش».

ويبدو الأمر وكأن ثمة سباقاً بين «داعش» و «قسد» على من يتخذ الخطوة المقبلة ويباغت خصمه قبل الآخر. إذ إن «قوات سوريا الديموقراطية» استقدمت بدورها المزيد من التعزيزات إلى محاور الهجوم على مدينة منبج، وهي تعد العدة لاستكمال عمليتها باقتحام المدينة المحاصرة، مستندة إلى دعم العشرات من خبراء الجيش الأميركي، إلا أن الخسائر التي لحقت بها خلال الأيام الماضية لعبت دوراً في تأخير الاقتحام، بالإضافة إلى ما يقوله المتحدثون الرسميون باسمها بخصوص الخشية على مصير المدنيين.

وكانت خطة «قسد» تقضي، بعد تطويق المدينة، أن يجري العمل على تقسيمها إلى مناطق منفصلة بعضها عن بعض، ومن ثم اختيار المحور الأفضل لفتح طريق آمن للمدنيين لإخلاء المدينة قدر الإمكان من سكانها قبل الانقضاض عليها، غير أن مشاغلة «داعش» لهذه القوات على أهم محورين مقتَرَحين لتنفيذ الخطة، وهما الشرقي والغربي، أدى إلى عرقلة تنفيذ الخطة. وفي هذا السياق تشير المعلومات التي حصلت عليها «السفير» إلى أن الهجوم المضاد الذي يخطط تنظيم «داعش» للقيام به خلال الأيام المقبلة سيركز على المحور الغربي والجنوبي الغربي، وذلك لسببين: الأول لإجهاض خطة إخلاء المدنيين من هذا المحور، والثاني لأن مصلحة «داعش» تقضي بفك الحصار من جهة الغرب لتأمين التواصل مع قواته في ريفي حلب الشرقي والشمالي حيث يخوض معارك مع فصائل مسلحة أخرى.

وتشير التوقعات إلى أن معركة منبج المرتقبة ستكون نسخة معدلة عن معركة عين العرب (كوباني)، حيث سيلجأ كلا الطرفين إلى الاستفادة من تجربة «كوباني» لتحسين أدائه في معركة منبج واستثمار ما لاحظه من نقاط قوة أو ضعف في خصمه.

وما يعزز ذلك أنه في خطبة الجمعة الماضية ركّز خطباء التنظيم في مساجد المدينة على أنه لا انسحاب إطلاقاً من منبج، مشيرين إلى أن قيادة «داعش» راغبة في خوض المعركة ومستعدة لها. وقد يكون كلام الخطباء محاولة لرفع معنويات أهالي المدينة واجتذابهم للقتال في صفوف التنظيم، خاصةً أن غالبية مقاتليه في المدينة الذين يتراوح عددهم بين 600 و800 مقاتل فقط هم من السوريين. كما حاول الخطباء الادعاء بأن مسار المعركة حتى الآن يسير وفق الخطة الدفاعية التي وضعها التنظيم، والتي تقضي بالانسحاب من قرى الريف وإفساح المجال للقوات الكردية للانتشار فيها أطول مسافة ممكنة قبل شن حرب عصابات ضدها لتكبيدها أكبر قدر ممكن من الخسائر.

وبغض النظر عن دقة ذلك من عدمه، فإن مجريات المعركة خلال الأسبوع الأخير تشير إلى أن أصعب مراحلها لم يأت بعد. وهذا يعني ببساطة أن مدينة منبج التي كانت تعد نموذجاً يحتذى لجهة محافظة الأهالي على المؤسسات العامة والبنية التحتية طوال السنوات الماضية، أصبحت تنتظر مصيراً مشابهاً لمصير «كوباني» التي دُمرت تدميراً شبه كامل بعد أربعة أشهر من القتال العنيف بين الطرفين، وما قصف طائرات التحالف لصوامع الحبوب الضخمة التي تعتبر الأكبر من نوعها على مستوى سوريا سوى غيض من فيض ما ينتظر منبج في مقبل الأيام.

وأعلن المتحدث باسم التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، مريس غارفر أنه يتم تضييق الخناق على المسلحين في منبج، لكنهم يتوقعون منهم القتال حتى النهاية دفاعا عن معقلهم. وقال غارفر، من بغداد، «نحن نطوق المدينة وسندخل إليها، وقطعنا خطوط الاتصال بها والخناق بدأ يضيق من حولها. نحن نتوقع أن هذا سيكون قتالا عنيفا ما إن نصل هناك».

  • فريق ماسة
  • 2016-06-22
  • 12247
  • من الأرشيف

منبج المدفوعة إلى دمارها الشامل: غياب تنسيق الجبهات.. وتعزيزات لـ«داعش»

تراجع الجيش السوري على محور أثريا ـ الطبقة، جعل تنظيم «داعش» يحتفظ بخطوط الإمداد بين الرقة ومسكنة، وبالتالي بإمكانية تعزيز قواته التي تتكفل بمهمة صد هجوم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) على مدينة منبج، ومن ثم السعي لفك الحصار المفروض على المدينة من جهاتها الأربع.   هذه الحقائق حول ترابط جبهات القتال المختلفة وتأثيرها على بعضها سلباً أو إيجاباً، تلقي الضوء على أحد أهم المآزق التي تعاني منها عمليات محاربة التنظيم، وهو غياب التنسيق بين الجهات التي تحارب «داعش»، وإصرار بعضها على فصل الجبهات المفتوحة ضده، لأسباب سياسية لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب، كالرفض الأميركي لأي تنسيق ميداني وعملياتي مع الجيش الروسي، رغم الطلب الروسي المتكرر لذلك.   وكان بالإمكان تصور النتيجة المغايرة لو أن عمليات الجيش السوري على محور الطبقة انتهت بقطع طرق إمداد التنظيم بين الرقة وريف حلب الشرقي، والتي لم تكن بحاجة إلا لتجاوز عدة كيلومترات فقط. إلا أن غياب التنسيق، أدى إلى تفويت هذه الفرصة التي كان من شأنها أن تخفف الكثير من الضغوط على قوات «قسد» التي أصبحت حالياً في موقف لا تحسد عليه، بعدما تباطأت عملياتها العسكرية في محيط منبج واستعاد التنظيم المبادرة لشن هجمات معاكسة. وبالفعل، فقد أرسل تنظيم «داعش» خلال الأيام الماضية المئات من مقاتليه من الرقة إلى مسكنة لتعزيز قدراته على شن الهجمات المعاكسة التي أربكت قوات «قسد» وألحقت بها خسائر كبيرة، خصوصاً في ظل كثافة العمليات الانتحارية التي يلجأ إليها التنظيم. فبدا المشهد وكأن هناك تبادل أدوار، فالمهاجم أصبح في موقع الدفاع والمدافع هو الذي يقوم بشن الهجمات. وإذا كان إرسال التعزيزات يشير بجلاء إلى نية التنظيم خوض معركة منبج حتى النهاية وبلا هوادة، فإن المعلومات التي حصلت عليها «السفير» من مصدر خاص، حول وصول قيادات عسكرية كبيرة من التنظيم من الرقة إلى مسكنة لقيادة الحملة المضادة، تثبت بدورها أن التنظيم يراهن بجدية تامة على إمكان تحويل معركة منبج إلى حرب استنزاف طويلة الأمد بحق القوات الكردية، ومن يقف وراءها من قوات أميركية وغربية مختلفة. وفي هذا السياق علمت «السفير» أن القائد العسكري أبو طلحة الألماني (غير مغني الراب التائب) من بين القيادات التي وصلت إلى مسكنة للإشراف على عمليات التنظيم هناك. ويعد الألماني قائداً عسكرياً لا يقل أهمية عن عمر الشيشاني، وقد لعب دوراً بارزاً في عمليات التنظيم في العراق بين عامي 2014 و2015. ومن المتوقع بعدما زال تهديد الجيش السوري لمطار الطبقة العسكري، حيث اضطر للانسحاب من مثلث الرصافة، أن يكون بمقدور «داعش» إرسال المزيد من التعزيزات لتقوية جبهات القتال في محيط منبج، وهو ما سيشكل ضغطاً جديداً على «قوات سوريا الديموقراطية». ولم يعد سرّاً أن الهجمات السابقة التي قام بها التنظيم على ضخامتها، وتخللها تنفيذ عدة عمليات انتحارية، نفذ اثنين منها انتحاريان طاجيكيان، ليست سوى محاولة لجس نبض القوات التي تحاصر المدينة، واكتشاف نقاط الضعف فيها. أما الهجوم المضاد الرئيسي فما زال قيد التخطيط لدى قيادات «داعش» التي وفدت حديثاً إلى المنطقة. وقد لا يتأخر أكثر من عدة أيام قبل أن يوضع موضع التنفيذ، كما قال لـ «السفير» ناشط إعلامي مقرب من تنظيم «داعش». ويبدو الأمر وكأن ثمة سباقاً بين «داعش» و «قسد» على من يتخذ الخطوة المقبلة ويباغت خصمه قبل الآخر. إذ إن «قوات سوريا الديموقراطية» استقدمت بدورها المزيد من التعزيزات إلى محاور الهجوم على مدينة منبج، وهي تعد العدة لاستكمال عمليتها باقتحام المدينة المحاصرة، مستندة إلى دعم العشرات من خبراء الجيش الأميركي، إلا أن الخسائر التي لحقت بها خلال الأيام الماضية لعبت دوراً في تأخير الاقتحام، بالإضافة إلى ما يقوله المتحدثون الرسميون باسمها بخصوص الخشية على مصير المدنيين. وكانت خطة «قسد» تقضي، بعد تطويق المدينة، أن يجري العمل على تقسيمها إلى مناطق منفصلة بعضها عن بعض، ومن ثم اختيار المحور الأفضل لفتح طريق آمن للمدنيين لإخلاء المدينة قدر الإمكان من سكانها قبل الانقضاض عليها، غير أن مشاغلة «داعش» لهذه القوات على أهم محورين مقتَرَحين لتنفيذ الخطة، وهما الشرقي والغربي، أدى إلى عرقلة تنفيذ الخطة. وفي هذا السياق تشير المعلومات التي حصلت عليها «السفير» إلى أن الهجوم المضاد الذي يخطط تنظيم «داعش» للقيام به خلال الأيام المقبلة سيركز على المحور الغربي والجنوبي الغربي، وذلك لسببين: الأول لإجهاض خطة إخلاء المدنيين من هذا المحور، والثاني لأن مصلحة «داعش» تقضي بفك الحصار من جهة الغرب لتأمين التواصل مع قواته في ريفي حلب الشرقي والشمالي حيث يخوض معارك مع فصائل مسلحة أخرى. وتشير التوقعات إلى أن معركة منبج المرتقبة ستكون نسخة معدلة عن معركة عين العرب (كوباني)، حيث سيلجأ كلا الطرفين إلى الاستفادة من تجربة «كوباني» لتحسين أدائه في معركة منبج واستثمار ما لاحظه من نقاط قوة أو ضعف في خصمه. وما يعزز ذلك أنه في خطبة الجمعة الماضية ركّز خطباء التنظيم في مساجد المدينة على أنه لا انسحاب إطلاقاً من منبج، مشيرين إلى أن قيادة «داعش» راغبة في خوض المعركة ومستعدة لها. وقد يكون كلام الخطباء محاولة لرفع معنويات أهالي المدينة واجتذابهم للقتال في صفوف التنظيم، خاصةً أن غالبية مقاتليه في المدينة الذين يتراوح عددهم بين 600 و800 مقاتل فقط هم من السوريين. كما حاول الخطباء الادعاء بأن مسار المعركة حتى الآن يسير وفق الخطة الدفاعية التي وضعها التنظيم، والتي تقضي بالانسحاب من قرى الريف وإفساح المجال للقوات الكردية للانتشار فيها أطول مسافة ممكنة قبل شن حرب عصابات ضدها لتكبيدها أكبر قدر ممكن من الخسائر. وبغض النظر عن دقة ذلك من عدمه، فإن مجريات المعركة خلال الأسبوع الأخير تشير إلى أن أصعب مراحلها لم يأت بعد. وهذا يعني ببساطة أن مدينة منبج التي كانت تعد نموذجاً يحتذى لجهة محافظة الأهالي على المؤسسات العامة والبنية التحتية طوال السنوات الماضية، أصبحت تنتظر مصيراً مشابهاً لمصير «كوباني» التي دُمرت تدميراً شبه كامل بعد أربعة أشهر من القتال العنيف بين الطرفين، وما قصف طائرات التحالف لصوامع الحبوب الضخمة التي تعتبر الأكبر من نوعها على مستوى سوريا سوى غيض من فيض ما ينتظر منبج في مقبل الأيام. وأعلن المتحدث باسم التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، مريس غارفر أنه يتم تضييق الخناق على المسلحين في منبج، لكنهم يتوقعون منهم القتال حتى النهاية دفاعا عن معقلهم. وقال غارفر، من بغداد، «نحن نطوق المدينة وسندخل إليها، وقطعنا خطوط الاتصال بها والخناق بدأ يضيق من حولها. نحن نتوقع أن هذا سيكون قتالا عنيفا ما إن نصل هناك».

المصدر : عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة