تقدم أكثر من 50 موظفا في الخارجية الأمريكية إلى الرئيس باراك أوباما بعريضة يطالبون فيها بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة لدمشق من أجل التخلص من القيادة الشرعية السورية.

 الخبر الوارد بهذا الشأن يتزامن مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن نفاد صبر واشنطن في ما يتعلق بالأزمة السورية. وإذا وضعنا الخبر إلى جوار التصريح وأرفقنا بهما إقرار مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان بأن جهود بلاده في حربها ضد داعش لم تحد من قدراته، ولكن العمليات العسكرية تحقق تقدما، سنكتشف مشهدا مغايرا تماما لما يحاول البعض تصويره بأن التسوية السياسية للأزمة السورية تسير على قدم وساق.

 وحذر برينان من أن الدولة السورية في وضع أقوى مما كانت عليه العام الماضي نتيجة الدعم الروسي لها، وأن داعش لديه نية لشن هجمات في الغرب، وان عناصره يتسللون بين اللاجئين. هذا إضافة إلى تحذيرات أخرى بشأن الأمن العالمي، والأوضاع في ليبيا.

 هذا "الكتلة" من التصريحات والعرائض تثير الكثير من التساؤلات من حيث التوقيت والظروف، وخاصة بعد فشل مؤتمر جنيف الذي يرى البعض أنه لم يفشل، ولكنه لم يحقق المطلوب بعد، وأن الهدنة لا تزال قائمة، ولكن الوضع على الأرض يختلف قليلا، وكأن لا هدنة أصلا. غير أن المهم هنا أنه منذ متى والولايات المتحدة حريصة على إعلان عرائض الخارجية التي تقدم إلى باراك أوباما؟ ومنذ متى والولايات المتحدة حريصة على إعلان فشلها، والتأكيد على نجاح الخصم؟ ومنذ متى والولايات المتحدة حريصة بقوة على الإعلان عن قوة داعش وانتشاره وتغلغله وتهديده أمريكا وأوروبا والعالم كله؟

 هذه التساؤلات تثير الكثير من الشكوك من جهة، وتعطي انطباعا بأن واشنطن ترغب ببقاء موسكو وقتا أطول في سوريا من جهة أخرى. وبالتالي، فالتصريحات المتناقضة والعرائض "الدبلوماسية – العسكرية" هي مجرد حجة قانونية تهدف إلى إيجاد ذرائع لنشر المزيد من قوات الولايات المتحدة وحلفائها ليس فقط في سوريا والعراق، بل وفي ليبيا وفي أي دولة أخرى تدخل ضمن السيناريوهات الكبرى. وهنا لا يمكننا أن نتجاهل أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن بحاجة إلى المزيد من الوقت من أجل تدشين وضع ميداني محدد على الأرض، وبعد ذلك يمكن استئناف أي مباحثات أو مفاوضات في أي مكان.

 ومع كل ذلك، فمن الصعب أن نصور الغرب شيطانا رجيما، ونحملة مسؤولية كل الموبقات لنظهر هذا الطرف أو ذاك، أو نبرئ ساحة هذه الدولة أو تلك. وإنما مسؤولية ما يحدث تقع على عاتق جميع الأطراف. إذ ساهم كل طرف بدرجة أو بأخرى. وبالتالي، فالأفكار والمبادرات التي تطرح بشأن توحيد الجهود من أجل مكافحة الإرهاب الدولي، هي صحيحة في ظاهرها، ولكن فهمها وتأويلها يختلف من طرف إلى آخر، ويحاول أحد الأطراف الاستفادة منها للخروج من مآزقة وآثامه، بينما يتمسك فيها طرف آخر لتصفية حسابات أو تمرير ملفات مع أطراف أخرى. وفي نهاية المطاف تبقى المشكلة الأساسية وتتفاقم تداعياتها.

 من الواضح أن أطرافا عديدة، ورغم كل التصريحات المعسولة عن توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب، لا ترغب في إنهاء مسألة الإرهاب، أو بالأحرى، البدء بجدية في مكافحة الإرهاب. بينما يدور الحديث تارة عن المهاجرين واللاجئين، وتارة أخرى عن القتلى والمصابين، وتارة ثالثة عن تنقل العناصر الإرهابية، سواء كانت منفردة أو في مجموعات صغيرة، وتارة رابعة عن تجارة النفط بين داعش وبين دول أو مجموعات ما. وتارة خامسة عن المساعدات الإنسانية وطرق نقلها وإيصالها.

 إن الحديث في وسائل الإعلام، وعبر التصريحات والبيانات، يدور عن نتائج وتداعيات ولا يقترب من جوهر الإرهاب الذي يمثل في حقيقة الأمر مكمن الاختلاف بين غالبية الأطراف المتصارعة. وفي نهاية المطاف يمكن أن تنعطف كل الجهود في اتجاهات فرعية لتسفر عن كوارث إضافية.

 إن تصريحات المسؤولين الأمريكيين بحاجة إلى قراءة عميقة ومن أكثر من زاوية. كما أن ما تعلنه الولايات المتحدة أو الناتو بحاجة إلى نظرة أعمق نسبيا لكي تتسنى قراءته بشكل أفضل، تفاديا لخداع النفس وخداع الآخرين. والحديث يدور الآن، ومن جديد، عن فرض "المنطقة العازلة" أو "منطقة الحظر الجوي"، وهو الأمر الذي كان قد تم نفيه طوال الأشهر الماضية، وانتهى الحديث عنه بدخول الطيران الروسي إلى سوريا في 30 سبتمبر 2015.

 إن المنطقة العازلة أو منطقة الحظر الجوي قد تكون بقرار دولي، أو بقرار من تحالف ما التفافا على القانون الدولي. ولكن الأهم من ذلك أن المناطق العازلة يجري تشكيلها الآن على الأرض، وبالتالي، ستحتاج إلى غطاءات جوية إن عاجلا أو آجلا. وهذا بالضبط ما يجري في الفترة الحالية، وما تحاول التصريحات الأمريكية والعرائض أن تغطي عليه.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-17
  • 11908
  • من الأرشيف

ماحقيقة الدعوات الرسمية الامريكية لضرب دمشق؟

تقدم أكثر من 50 موظفا في الخارجية الأمريكية إلى الرئيس باراك أوباما بعريضة يطالبون فيها بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة لدمشق من أجل التخلص من القيادة الشرعية السورية.  الخبر الوارد بهذا الشأن يتزامن مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن نفاد صبر واشنطن في ما يتعلق بالأزمة السورية. وإذا وضعنا الخبر إلى جوار التصريح وأرفقنا بهما إقرار مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان بأن جهود بلاده في حربها ضد داعش لم تحد من قدراته، ولكن العمليات العسكرية تحقق تقدما، سنكتشف مشهدا مغايرا تماما لما يحاول البعض تصويره بأن التسوية السياسية للأزمة السورية تسير على قدم وساق.  وحذر برينان من أن الدولة السورية في وضع أقوى مما كانت عليه العام الماضي نتيجة الدعم الروسي لها، وأن داعش لديه نية لشن هجمات في الغرب، وان عناصره يتسللون بين اللاجئين. هذا إضافة إلى تحذيرات أخرى بشأن الأمن العالمي، والأوضاع في ليبيا.  هذا "الكتلة" من التصريحات والعرائض تثير الكثير من التساؤلات من حيث التوقيت والظروف، وخاصة بعد فشل مؤتمر جنيف الذي يرى البعض أنه لم يفشل، ولكنه لم يحقق المطلوب بعد، وأن الهدنة لا تزال قائمة، ولكن الوضع على الأرض يختلف قليلا، وكأن لا هدنة أصلا. غير أن المهم هنا أنه منذ متى والولايات المتحدة حريصة على إعلان عرائض الخارجية التي تقدم إلى باراك أوباما؟ ومنذ متى والولايات المتحدة حريصة على إعلان فشلها، والتأكيد على نجاح الخصم؟ ومنذ متى والولايات المتحدة حريصة بقوة على الإعلان عن قوة داعش وانتشاره وتغلغله وتهديده أمريكا وأوروبا والعالم كله؟  هذه التساؤلات تثير الكثير من الشكوك من جهة، وتعطي انطباعا بأن واشنطن ترغب ببقاء موسكو وقتا أطول في سوريا من جهة أخرى. وبالتالي، فالتصريحات المتناقضة والعرائض "الدبلوماسية – العسكرية" هي مجرد حجة قانونية تهدف إلى إيجاد ذرائع لنشر المزيد من قوات الولايات المتحدة وحلفائها ليس فقط في سوريا والعراق، بل وفي ليبيا وفي أي دولة أخرى تدخل ضمن السيناريوهات الكبرى. وهنا لا يمكننا أن نتجاهل أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن بحاجة إلى المزيد من الوقت من أجل تدشين وضع ميداني محدد على الأرض، وبعد ذلك يمكن استئناف أي مباحثات أو مفاوضات في أي مكان.  ومع كل ذلك، فمن الصعب أن نصور الغرب شيطانا رجيما، ونحملة مسؤولية كل الموبقات لنظهر هذا الطرف أو ذاك، أو نبرئ ساحة هذه الدولة أو تلك. وإنما مسؤولية ما يحدث تقع على عاتق جميع الأطراف. إذ ساهم كل طرف بدرجة أو بأخرى. وبالتالي، فالأفكار والمبادرات التي تطرح بشأن توحيد الجهود من أجل مكافحة الإرهاب الدولي، هي صحيحة في ظاهرها، ولكن فهمها وتأويلها يختلف من طرف إلى آخر، ويحاول أحد الأطراف الاستفادة منها للخروج من مآزقة وآثامه، بينما يتمسك فيها طرف آخر لتصفية حسابات أو تمرير ملفات مع أطراف أخرى. وفي نهاية المطاف تبقى المشكلة الأساسية وتتفاقم تداعياتها.  من الواضح أن أطرافا عديدة، ورغم كل التصريحات المعسولة عن توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب، لا ترغب في إنهاء مسألة الإرهاب، أو بالأحرى، البدء بجدية في مكافحة الإرهاب. بينما يدور الحديث تارة عن المهاجرين واللاجئين، وتارة أخرى عن القتلى والمصابين، وتارة ثالثة عن تنقل العناصر الإرهابية، سواء كانت منفردة أو في مجموعات صغيرة، وتارة رابعة عن تجارة النفط بين داعش وبين دول أو مجموعات ما. وتارة خامسة عن المساعدات الإنسانية وطرق نقلها وإيصالها.  إن الحديث في وسائل الإعلام، وعبر التصريحات والبيانات، يدور عن نتائج وتداعيات ولا يقترب من جوهر الإرهاب الذي يمثل في حقيقة الأمر مكمن الاختلاف بين غالبية الأطراف المتصارعة. وفي نهاية المطاف يمكن أن تنعطف كل الجهود في اتجاهات فرعية لتسفر عن كوارث إضافية.  إن تصريحات المسؤولين الأمريكيين بحاجة إلى قراءة عميقة ومن أكثر من زاوية. كما أن ما تعلنه الولايات المتحدة أو الناتو بحاجة إلى نظرة أعمق نسبيا لكي تتسنى قراءته بشكل أفضل، تفاديا لخداع النفس وخداع الآخرين. والحديث يدور الآن، ومن جديد، عن فرض "المنطقة العازلة" أو "منطقة الحظر الجوي"، وهو الأمر الذي كان قد تم نفيه طوال الأشهر الماضية، وانتهى الحديث عنه بدخول الطيران الروسي إلى سوريا في 30 سبتمبر 2015.  إن المنطقة العازلة أو منطقة الحظر الجوي قد تكون بقرار دولي، أو بقرار من تحالف ما التفافا على القانون الدولي. ولكن الأهم من ذلك أن المناطق العازلة يجري تشكيلها الآن على الأرض، وبالتالي، ستحتاج إلى غطاءات جوية إن عاجلا أو آجلا. وهذا بالضبط ما يجري في الفترة الحالية، وما تحاول التصريحات الأمريكية والعرائض أن تغطي عليه.

المصدر : روسيا اليوم/ اشرف الصباغ


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة