دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
رشا ابي حيدر| لم تعد هدنة الساعات التي تتولى روسيا الإعلان عنها معياراً للتهدئة في جبهات حلب المشتعلة أصلاً منذ مدة، والتي بلغت ذروتها أمس، في محور خلصة في الريف الجنوبي للمدينة.
ولم يعد هناك أي كلمة سرّ في الميدان الحلبي، فاللعبة باتت مكشوفة لدى الاطراف كافة المحلية والإقليمية. إنها معركة فاصلة بكل ما للكلمة من معنى، تستخدم فيها الوسائل كافة في الميدان والسياسة والإعلام، وحتى في العالم الإفتراضي الذي بات عنصراً أساسياً في شنّ الحملات والحروب النفسية. وإذا كان السباق قد بدأ على تحرير الرقة بين مختلف الأطراف، فالرهان هنا منذ البداية هو على حماية مدينة حلب وأريافها وإفشال مشروع الجماعات المسلحة والدول الراعية لها.
ويشهد محور خلصة في ريف حلب الجنوبي اشتباكات عنيفة منذ أيام، إثر خرق الجماعات المسلحة، «جيش الفتح» و «جبهة النصرة» و «الحزب الاسلامي التركستاني» و «فيلق الشام» و «حركة نور الدين الزنكي» و «احرار الشام» و «الفرقة 13» التابعة الى «الجيش الحر» والمدعومة أميركياً، للهدنة مجدداً وشنّها هجوماً واسعاً، سرعان ما تمّ إحباطه من قبل الجيش السوري وحلفائه. وراتفعت وتيرة الاشتباكات في بلدة خلصة أمس، في محاولة من المسلحين للسيطرة عليها، وهو أمر يسهّل السيطرة لاحقاً على زيتان وبرنة جنوب العيس.
65 قتيلاً في صفوف المسلحين سقطوا في اشتباكات أمس بحسب قائد ميداني في غرفة عمليات حلب لـ «السفير». ويشير المصدر الى أن «المعطيات الأمنية والاستخبارية كافة تؤكد على إدارة الاشتباكات والهجمات والعمليات الواسعة التي تشنّ من خلال غرفة تركية ـ سعودية»، لافتاً الى وجود «أدلّة بين تسجيلات وصور ومحادثات بينية».
وتدور اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وحلفائه على محاور عدة في الريف الجنوبي لحلب، تستخدم فيها انواع الاسلحة كافة. وفي هذا الصدد، يؤكّد القائد الميداني في غرفة عمليات حلب لـ «السفير» بأن «القوات مستعدة لمواجهة الإرهابيين وردّ الخروقات والاعتداءات المتكررة وحماية المواطنين».
وترافقت الاشتباكات العنيفة أمس، مع استمرار حملات وفبركات اخبارية عن اشتباكات بين الجيش السوري و «حزب الله» في الريف الحلبي، مثل «تصفية قيادات بين الجيش السوري وحزب الله وقوات ايرانية» في محور خلصة «ووقوع عشرات القتلى». ولم تكن هذه المرة الأولى التي تبث فيها الجماعات المسلحة، على رأسها «جيش الفتح»، مثل تلك الاشاعات التي تبنّتها، الى حد التطبيل، وسائل اعلامية عدّة.
ويتلقى القائد الميداني في غرفة عمليات حلب الخبر باستهزاء، مؤكّداً ان «هذه الأخبار تأتي في سياق الحرب النفسية التي اعتدنا عليها، إلا أنها مدروسة ولها مكانتها، من وسائل اعلام وصحف ومواقع الكترونية، تعمل ضمن سقف وتعليمات واحدة».
وتصر الجماعات المسلحة كافة، المنضوية تحت غطاء «جبهة النصرة» وجيش الفتح»، على قطع طريق الراموسة وهو المدخل الجنوبي لمدينة حلب، بهدف شل حركة الإمداد العسكري البري للجيش السوري إلى داخل المدينة من جهة، ومن جهة ثانية لإبعاد الجيش السوري وحلفائه عن بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف ادلب. في المقابل، يعمل الجيش السوري وحلفاؤه كما بات معلوما على قطع طريق الكاستيلو، المدخل الشمالي للمدينة وهو الشريان الرئيسي لامداد المجموعات المسلحة إلى الأحياء التي تسيطر عليها داخل المدينة.
وفي هذا الصدد، عمدت الجماعات المسلحة، التي يمثّل مسؤول «جيش الفتح» السعودي عبد الله المحيسني عرّابها، على شنّ هجمات اعتمدت على عدد كبير من الانتحاريين والاستماتة في أسلوب القتال.
وقد شهدت جبهات حلب، منذ اتفاقية الهدنة في شباط 2016، اربع هجمات كبيرة من قبل الجماعات المسلحة بهدف إحداث تغيير ميداني على الارض، كان أولها في جبهة العيس في الريف الجنوبي، لاستعادة ما فقدته مطلع العام الحالي من هيمنة ونفوذ في حلب وريفها، وخاصة بعد العمليات العسكرية التي افضت الى فك الحصار عّن بلدتي نبل والزهراء وقطع خطوط امداد المسلحين في حلب وريفها الشمالي والجنوبي.
مصادر سياسية مطّلعة تعتبر ان المعركة الحالية الدائرة في حلب وريفها «طبيعية من الناحية العسكرية، لأنها مركز للصراعات والاشتباكات الدولية نظراً لصراع السيناريوهات والقوى على اراضيها، فاللاعبون الدوليون والإقليميون والمحليون كثر والمصالح الإستراتيجية متعارضة، ما يجعل المعركة تكتسب أهمية إستراتجية استثنائية، وسيكون لها تداعيات خطيرة على مجمل الوضع في سوريا والمنطقة، ومن ينتصر يحدد مستقبل المنطقة والنفوذ فيها»، لافتة الى أن سوريا وروسيا و «حزب الله» وايران «لن يقبلوا المساومة في هذا الصدد».
«الأميركيون معروفون بالمعايير المزدوجة التي يطبّقونها، لا يريدون أصلاً للازمة ان تنتهي في سوريا، فالوضعية الاميركية الافضل هي ترك الأمور على ما هي وتفتيت سوريا الى أجزاء مذهبية وعشائرية»، بحسب مصادر سياسية مطّلعة.
من جهته، يقول القائد في غرفة عمليات حلب لـ «السفير» إن «كل هذه الهجمات التي ترعاها الدول لن تجدي نفعاً ومشروعهم في حلب وريفها خاسر». ويشدّد على أن «المعركة هي مدّ وجزر، ولا يعني خسارة بقعة أو قرية معينة نهاية للمعركة»، متّخذاً خان طومان مثالاً على القرية الصغيرة التي صحيح تمّ خسارتها لكن كانت «مقبرة لجيش الفتح، حيث قتل فيها ما لم يقتل في اشهر في أماكن أخرى».
لا أفق للمفاوضات والجهود السياسية المبذولة في حلب على الصعد الاقليمية والدولية، في الوقت الذي يلتزم فيه الجيش السوري وحلفاؤه بالهدنة في محاولة لوقف نزف الدماء في سوريا وإفساحاً للمجال أمام العملية السياسية التي تشكّل الحل للأزمة السورية. وفيما تلعب روسيا دور ضابط الايقاع بين الطرفين المتنازعين، تغضّ أميركا النظر عن الخروقات اليومية للجماعات المسلّحة وتوجّه الانتقادات للدولة السورية وحلفائها فقط.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة