دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كثيرة هي الأقاويل المتداولة هذه الأيام عن المعارك التي تدور رحاها في سوريا والعراق، لكن الثابت والمؤكد أنّ الجيش السوري بإطلاقه معركة المسير الى الرقّة قد كسر كل المتداول عن خطوط حمراء اميركية وعن اتفاقيات وصفقات روسية - اميركية لتقاسم النفوذ على الجغرافيا والثروات.
وفي عنوان اساس ومن خلال المتابعة الدقيقة والمعرفة التفصيلية بالكثير من خبايا الأمور، استطيع الجزم أنّ اقصى ما هو قائم بين الروس والأميركيين هو تفاهم الحد الأدنى للحؤول دون ذهاب الأمور الى ما لا تحمد عقباه، ويمكننا القول أيضًا إنّ ادارة الصراع بين الجانبين تنطلق من معايير فيها الكثير من التباينات لا بل التناقضات التي تشكل في كل لحظة ما يشبه البركان الكامن الذي يمكن ان ينفجر في اية لحظة.
اما ما علاقة الإشارة الى طبيعة العلاقة الأميركية الروسية بمرحلة المفاجآت الكبرى؟ فلأنّ تصاعد الأمور ينبئ بالكثير من المتغيرات التي لا تظهر للمتابعين العاديين، وتحتاج عملية ربط في غاية الدقة للوصول الى توصيف المرحلة الحالية وما سيليها من مراحل.
الناظر الى الميدانيين السوري والعراقي يُدرك ان ثمة ترابط وثيق بين العمليات العسكرية في كلا البلدين، يهدف للوصول الى نتائج محددة تختلف اهدافها بين الأميركي ومن يدعم وبين سوريا والعراق ومن يدعمهما.
وان كان النموذج العراقي معقدًا بعض الشيء بسبب انفتاح الحكومة العراقية على تحالف اميركا واتكالها عليه، إلّا أنّ قوة كبيرة ووازنة على المستويين السياسي والعسكري، وهي الحشد الشعبي، تملك الى حد بعيد قواسم مشتركة في النظرة والأهداف مع الدولة والجيش في سوريا، وسبب هذا التشارك في النظرة هو الحليف الإيراني لكلا الدولتين.
وإن كانت معركة الفلوجة قد استلزمت ولا تزال الكثير من الإتصالات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية لإنجازها، وما يتخللها حتى اللحظة من بعض الفيتو على مشاركة مباشرة للحشد الشعبي فيها، فإنّ معركة المسير الى الطبقة وتاليًا الرقّة لم يسبقها اي تحضيرات سياسية لا بل انطلقت بما يشبه الصاعقة لتشكل المفاجأة الأكبر في جو مشحون من التهويل بالخطوط الحمراء الوهمية والإتفاقات والصفقات الخيالية.
في التفاصيل، إنّ إنجاز تحرير الفلوجة قريبًا والوصول الى الطبقة قريبًا جدًا سيعطي الجيشين السوري والعراقي اضافة هامة للتحكم بمجمل الميدان، فهذه العمليات لم تأتِ من الفراغ فقد سبق معركة الفلوجة عمليات أدّت الى تحرير قضاء الرطبة الذي يشكل عقدة ربط مع الاردن وسوريا، اضافة الى عقدة الربط الثانية في قضاء حديثة العراقي الذي يعتبر مفتاحًا لوصول القوات العراقية الى خط الحدود مع سوريا.
قبل معركة الطبقة لا يجوز ان ننسى العمليات التي حصلت في تدمر والقريتين وعمليات التقدم والتطهير التي حصلت شرقي مدينة إثرية، التي تنطلق منها القوات السورية نحو الطبقة والتي وصلت بحسب المعلومات الى مفترق الرصافة الذي يبعد عن مطار الطبقة حوالي 20 كلم، علمًا بأنّ هذه العمليات ستُستكمل بانطلاق الجيش السوري نحو السخنة والتي اذا ما استعادها الجيش سيتم اغلاق شمال تدمر وحصر "داعش" في جيب مغلق يتعذر عليه بعدها التحرك الحر كما الآن، وسينقطع عنه خط الإمداد الواصل الى الرقة وهذا ما سيعجل في تطهير البادية شمال تدمر ويسمح للقوات المتقدمة الى السخنة بالتحضير لهجوم رئيسي آخر نحو دير الزور على غرار اتجاه الهجوم الرئيسي الحالي باتجاه الطبقة.
وقد يسأل سائل، هل ستتوقف المعارك في حلب واريافها بسبب حشد الجيش السوري لقواته باتجاه الطبقة ودير الزور؟
والجواب هو لا، فطبيعة انتشار القوات الحالية للجيش السوري باتت تسمح له بخوض معارك شاملة على كل الجبهات، والتي قد يكون بعضها دفاعي استنزافي حينًا وهجومي محدود حينًا آخر، وربما يكون شاملًا على غرار ما يجري حاليًا باتجاه الطبقة. والسبب في تقديم اولوية معركة الطبقة والرقة على معركة حلب هو سياسي اكثر منه عسكري حاليًا، لقطع الطريق على اي محاولة جدية لرسم معالم كانتون كردي نهائي حتى لو استطاعت القوات الكردية السيطرة على الجغرافيا فإنها ستكون سيطرة مؤقتة لا امل لها بالتشكل ككيان مستقل لا الآن ولا مستقبلًا، بالإضافة الى عامل مهم غير منظور للكثيرين وهو اعادة الربط بين دمشق وبغداد عبر منطقة الرطبة وبغداد وحلب عبر منطقة حديثة القريبة من البوكمال السورية.
ففي الجبهات السورية والعراقية لم يعد ممكنًا الفصل بين الأهداف ولا النتائج، وهذا ما يعني خروج الخطط الى العلن والبدء بتنفيذها للولوج الى مرحلة مختلفة بات واضحًا انها مرحلة كسر المشروع المعادي وليس مواجهته فقط.
المصدر :
عمر معربوني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة