دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من يتابع تصريحات المسؤولين الأتراك في حكومة بن علي يلدريم الجديدة- يقرأ تغيراً واضحاً في تناول ما يجري عبر المنطقة التي مُلئت بالحرائق بأيدي مغامري حزب العدالة والتنمية، والحالمين بعثمانية جديدة تبين أنها مجرد أضغاث أحلام سقطت بالضربة القاضية على أبواب دمشق.
أحمد داوود أوغلو الذي قال عنه الصحفي التركي (بارتشين ييناتش) في حرييت ديلي نيوز أنه سيترك الكارثة السورية خلفه، وأنه توقع في بداية أحداث سورية أن الرئيس بشار الأسد سوف يرحل خلال أشهر- ها هو بنفسه يغادر موقعه، والأسد باقٍ، فماذا بقي من كتابه (العمق الإستراتيجي) الذي شبهه البعض بـ(الثقب الإستراتيجي) فحصيلة سياسة هذا الأكاديمي العبقري!!! التي عنونها بـ(صفر مشاكل) مع الجيران كانت (صفر تركيا)- و(صفر أخلاق) و(صفر إستراتيجيا)، وكان الأنسب له لو سمى كتابه (الطرق الجهنمية في تدمير القدرات الوطنية.
وعلى الرغم من أن كثيرين من مؤيدي أردوغان يحاولون وضع اللوم على أكتاف داوود أوغلو، وتحميله كامل المسؤولية عن الفشل الذريع، والكارثي لسياسته الخارجية، فإن ما لاشك فيه أن أردوغان كان الصانع- والشريك في هذا الخراب الذي حَلّ بالمنطقة، وشعوبها، والدماء التي سالت أنهاراً، وخاصة فشله في سورية، والذي بالتأكيد يعود لمقاومة شعبها وجيشها، ولرئيسها الفضل الأساس في هزيمة هذا المشروع المريض..
الآن ماذا نقرأ من رسائل جديدة
1- حكومة تركية جديدة برئاسة بن علي يلدريم- الذي أشار الكثير من المراقبين إلى أنه الشخصية التي لم تهاجم الرئيس الأسد، ولا سورية طوال خمس سنوات، وأنه مقرب جداً من أردوغان بحكم صداقتهما التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي حيث كانا معاً في بلدية استانبول، ويقال أيضاً إن (بن علي يلدريم) كان المسؤول عن ترتيب زيارات الرئيس بشار الأسد ومرافقته أثناء تلك الزيارات في تركيا.
بن علي يلدريم قال في أول كلام له أمام البرلمان التركي من أجل نيل الثقة لتشكيلة حكومته الجديدة (إنه يعي حقيقة الوضع المضطرب الذي يحيط بتركيا، وإن حكومته ستعمل على زيادة عدد الأصدقاء، وتقليص الأعداء)، وأشار لأول مرة إلى (أن هناك سوريين يقتلون منذ خمس سنوات في حرب عبثية)، وهو أول إقرار تركي بأن السياسات التركية السابقة تجاه سورية كانت خاطئة، وأن قضية إسقاط النظام السياسي فيها، وإقامة المناطق العازلة، والحظر الجوي قد دُفنت.
2- نعمان قورطولموش نائب رئيس الحكومة التركية، والناطق باسمها قال بعد اجتماع للحكومة: (إن على تركيا أن تأخذ خطوات جديدة لتواكب التغيرات الحاصلة في العالم، مشيراً إلى العلاقات مع روسيا، وسورية، وإيران والاتحاد الأوروبي- وإسرائيل) وتابع: (هناك بيئة متغيرة للسياسة الخارجية، ومن المهم أن نذهب باتجاه مراجعة لبعض الممارسات التي فرضناها لبعض الوقت، والعالم دخل مرحلة كبيرة من الصراع) وأشار بوضوح إلى (أنه ولو أردنا ذلك فليس لدينا القوة، والإمكانية لحل كل مشكلة. ما يجب أن نفعله هو تقليل عدد النزاعات المحيطة بنا).
كلام قورطولموش أكد أن مواقف داوود أوغلو العنترية التي كان يقول فيها إن (لدى تركيا القوة لإعادة تنظيم الإقليم، حيث لا يمكن لورقة شجر أن تتحرك من دون إذن تركيا) قد ماتت، لأنه يقول الآن: (ليس لدينا القوة، أو الإمكانية لحل كل مشكلة) ليتساءل الصحفي التركي (سميح إيديز) ماذا لو جرى مثل هذا الاعتراف من حزب العدالة والتنمية منذ خمس سنوات، أما كنا تلافينا كل المشاكل، والمصاعب التي تواجهنا اليوم!!!
وفي الوقت الذي نقرأ فيه هذه التصريحات، والتعليقات وكذلك هذا التمهيد الإعلامي- السياسي لإحداث التغييرات المتوقعة في هذه السياسة الخارجية فإن بعض الأقلام في الصحافة التركية تعتقد أن (إعادة ضبط السياسة الخارجية التركية سوف يكون أصعب، وأطول مما يتوقع كثيرون) كما كتب (سيركان ديميرطاش) الذي يرى أن جملة بن علي يلدريم الوحيدة حول (زيارة الأصدقاء، وتقليص الأعداء) ليست كافية لتقديم الشروحات المقنعة للأسئلة العالقة، والكثيرة جداً حول الأسس التي سوف يستند إليها هذا التغيير، ومنها مثلاً:
– هل ستُخضع تركيا سياستها الخارجية لتغيير شامل في مجالين: الدوافع الإيديولوجية أي (الإخوانية!!!)، والحاجات البراغماتية لهذه السياسة؟ أم إنها ستكون مقتصرة فقط على إعادة ضبط أساسية للسمات العامة للسياسة الخارجية التركية التي طبقتها حكومات حزب العدالة والتنمية.
– ثم ما المؤسسات التي ستكون مسؤولة عن قيادة هذا التغيير في السياسة الخارجية؟ الرئاسة (أي أردوغان) أم وزارة الخارجية؟
– يرى ديميرطاش أن السياسة الخارجية التركية تحولت إلى سياسة طائفية، ومذهبية وتدخلية خلال السنوات الماضية، وخاصة في سورية، وأن هذه السياسة وتطبيقاتها في اليمن، وسورية، وليبيا، ومع إيران، وروسيا قد أدت إلى تقليل وزن، ودور تركيا في المنطقة، وإلى ضرب سمعتها بشكل كامل.
وبرأي الكثيرين من المحللين الأتراك، ووسائل الإعلام التركية المختلفة أن على تركيا أن تعتاد على العيش مع قيادة الرئيس السوري بشار الأسد لسورية، والذي تمكن من البقاء قوياً في وجه كل التحديات، كما أن عليها أن ترمم علاقاتها مع موسكو، وطهران، والقاهرة.. والكثير من عواصم المنطقة لأن حجم الخراب، والدمار كبير للغاية.
وإذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يعرف ما الخطوة الأولى الواجب اتباعها لفتح أبواب موسكو أمامه، والتي اتهمته بأنه خانها، وطعنها في الظهر، فإن المشكلة الأخرى هي كيف سيطرق أبواب دمشق التي أراد منذ سنوات أن يُصلي في جامعها الأموي، وإذ بهذه الأبواب تفتح لكل المحبين، والأصدقاء ليصلوا في جامعها الأموي، وليزوروا كنائسها ويسمعوا كلام شعبها الجريح- المطعون في الظهر، وتحت القلب، ويصافحوا أيادي مقاوميها، ولتبقى مغلقة في وجه أعدائها، والواهمين بإسقاطها..
أردوغان الذي أجابته موسكو بوضوح كبير يعرف ما المطلوب منه، أي اعتذار رسمي وعلني عن إسقاط الطائرة الروسية، ودفع التعويضات اللازمة، وأما دمشق فإنها قالت بوضوح شديد إن حلب ستكون مقبرة أحلام أردوغان، وإذا أراد تغيير سياساته فما عليه سوى الأفعال وليس الأقوال أي وقف تمويل الإرهاب، وتسليح مجموعات التطرف والتكفير، وإرسال الإرهابيين المستمر حتى الساعة، وما لم يدرك طريقه الصحيح، والمستقيم فإنه يجر تركيا إلى كارثة حقيقية.
أصدقاء سورية في تركيا يعتقدون أن تغيرات جذرية سوف تحدث في سياسات تركيا تجاه سورية، وفي وقت قريب، وليس بعيد، وذلك لأن القناعة تزداد لدى جميع المؤسسات التركية بما فيها المؤسسة العسكرية بأن أي مشروع تقسيم لسورية سوف ينعكس أوتوماتيكياً على تركيا التي سوف يصيبها التفتيت، والتقسيم، وأنه لا مخرج للجميع إلا بفتح أقنية التعاون لمواجهة هذه الأخطار المشتركة، ويصرون على أن أردوغان سيرُغم على تغيير سياساته لأنها وصلت إلى نهاياتها البائسة، والكارثية.. كما يؤكدون أن التبدلات ستأتي تباعاً على الرغم من وجود اتجاهات متطرفة لا تريد هذا التغيير، إلا أن الاتجاه العام هو نحو تعديل جذري لسياسات تركيا الخارجية، وطرد داوود أوغلو، إضافة إلى التغييرات الواسعة التي ستحدث في جهاز الاستخبارات التركي، والخارجية التركية، هي مؤشر قوي جداً على توجه أردوغان نحو تحميلهم تبعات المرحلة الماضية للبدء بمرحلة جديدة.
تبقى المشكلة الأساسية التي دُمرت هي الثقة، وهي تحتاج إلى جهود جبارة من الوطنيين الأتراك، والى إعادة الاتصال السياسي، والتنسيق المشترك لموجهة الأخطار والحرائق المشتعلة في محيط البلدين وفي المنطقة سريعاً، ثم التفكير لاحقاً في أي خطوات مستقبلية لأن «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» لكن الهدف العاجل هو وقف نزف دماء السوريين، وحماية سورية، وشعبها، ووحدتها وسيادتها.
المصدر :
بسام أبو عبد الله
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة