دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عرض برنامج «فرونت لاين» الوثائقي فيلمًا جديدًا، يوم الثلاثاء الماضي، حمل عنوان «تاريخ داعش السري». لم يحظ الفيلم باهتمام عالمي كبير برغم احتوائه على كمٍّ كبير من المعلومات ولقاءات مع أكثر من 20 شخصية سياسية بينها وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول، ووزير الدفاع السابق تشاك هاغل، وسفير الولايات المتحدة السابق في سوريا روبرت فورد، وعاملين في «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» وصحافيين وخبراء.
تساءل الإعلان الترويجي للفيلم، على موقع شبكة PBS الأميركية، «هل أضاعت الولايات المتحدة الفرصة لمنع صعود داعش؟». تأتي الإجابة في فيلم (54 دقيقة) تضمّن معلومات جديدة وأعاد ترتيب أخرى، في محاولة لتحليل دور الولايات المتحدة في ظهور التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
يبدأ الفيلم بالتأكيد على فشل الإدارة الأميركيّة في السيطرة على تنظيم «داعش» وامتناعها عن محاربته في بداية ظهوره، ومساهمة صنّاع القرار في العالم في نموّ التنظيم. إلا انه يتضح لاحقًا وبشكل غير مباشر الولايات المتحدة لم تمتنع عن محاربة التنظيم فحسب، بل تحالفت معه.
يلتقي صنّاع الفيلم مع خبراء من وكالة «الاستخبارات الأميركية المركزية»، ويشير هؤلاء إلى أن انتشار التطرف في العراق بدأ قبل دخول القوات الأميركية. يروي الخبراء أنهم أبلغوا «البيت الأبيض» بضرورة استهداف معسكر لـ «الجهاديين». تجاهلت الإدارة الأميركيّة الأمر، واستفادت منه في التسويق لهجومها على العراق، فربطت بين تنظيم «القاعدة» وتلك الجماعة الجهادية، وفق الفيلم.
يركّز القسم الأول من الوثائقي على أبو مصعب الزرقاوي مؤسس «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق». يروي «فرونت لاين» حكاية الرجل الذي كان «بلطجيًا» في مدينته (الزرقاء الأردنية) قبل أن يسجن ويتحول إلى «سلفي جهادي» ويزيل فيما بعد وشومًا كانت على يده. بحسب الوثائقي، اتجه الزرقاوي بعد خروجه من السجن إلى قندهار وقابل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، بحثًا عن منصب قيادي. إلا أن الأخير لم يتجاوب معه فغادر قندهار.
يروي «تاريخ داعش السري» تفاصيل تحريف تقارير استخبارية وتلفيق اتهامات للرئيس العراقي السابق صدام حسين بإيواء «القاعدة». كما يعرض مقتطفات من لقاءات مع قياديين أميركيين بينهم وزير الخارجية الأسبق كولن باول الذي ذكر اسم الزرقاوي 21 مرة وربطه بصدّام حسين في خطابٍ أمام الأمم المتحدة.
بعد احتلال العراق، يختفي الزرقاوي منتظرًا الفرصة المناسبة للعودة. في هذه الفترة تحلّ الولايات المتحدة الجيش العراقي، لتبدأ مرحلة الصراع الطائفي بين الأقلية (السنة) والأكثرية (الشيعة)، وفق الفيلم.
يفنّد «تاريخ داعش السرّي» العناصر المساهمة في نموّ التنظيم. ويذكر أنّ العدد الكبير من عناصر الجيش العراقي «السنة» العاطلين عن العمل، مثّلوا موردًا بشريًا هامًا للزرقاوي. وقد ساعد استهداف القوات الأميركيّة، ونشر عمليات ذبح مصوّرة لجنود أميركيّين، في زيادة شعبيّة التنظيم.
يعرض الفيلم رسالة من بن لادن إلى الزرقاوي يتساءل فيها عن جدوى تحوّل العمليّات نحو تفجير مواقع دينية شيعيّة. فيردّ زعيم «تنظيم الدولة» بتفجير كبير طال مزار القبة الذهبية في سامراء. خلال سرده لهذه الناحية، يحاول الفيلم إبراز أوجه الخلاف بين فكر «القاعدة» وفكر تنظيم «الدولة» الأكثر دموية.
يشكّل اغتيال الزرقاوي، في العام 2006، نقطة تحوّل ينتقل من خلالها الوثائقي إلى «الزعيم الثاني» أبو بكر البغدادي. يستغّل القائد الجديد الأحداث في سوريا العام 2011، فيبدأ مسلحو «تنظيم الدولة» بالانتشار بشكل تدريجي في الأراضي السورية. يتحول اسم التنظيم إلى «تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام»، وينجح البغدادي في زيادة شعبية تنظيمه وتسويقه عالميًا، ليتحول إلى «أبرز قوة إرهابية في العالم».
يحمّل الفيلم مسؤولية تنامي «داعش» إلى سياسة الولايات المتحدة، عن طريق تسويق نظرية «عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب». فالرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية جورج بوش رفض استهداف التنظيم قبل احتلال العراق واعتبره «حليفا» في البداية. أما الرئيس الحالي باراك أوباما «سحب القوات الأميركية من العراق و تردد في تسليح المعارضة المعتدلة في سوريا». إلا أن فيلم «تاريخ داعش السرّي» يوثّق، وإن بغير قصد، السياسة التي اتبعتها أميركا في تقوية شوكة هذه التنظيمات للاستفادة منها بدون التطرق إلى امكان تورّط الولايات المتحدة في دعمها بشكل مباشر.
المصدر :
السفير/علاء حلبي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة