الغوطة الشرقية كما كنا نعرفها قبل مقتل قائد «جيش الإسلام» زهران علوش لن تعود كما كانت. والصور التي انتشرت على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إبان الإعلان عن تأسيس «القيادة الموحدة للغوطة الشرقية»،وكانت تضم الثلاثي زهران علوش وعبد الناصر شمير وأبو محمد الفاتح (ياسر القادري)، وهم يجلسون على المنصة وأمامهم جموع من القيادات والإعلاميين والنشطاء احتفاءً بإنجاز «الوحدة» الذي حققوه، غابت هذه الأيام وراء سيل الدماء الذي جرى في شوارع ومزارع الغوطة، بسبب الاقتتال الحاصل بين الفصائل التي تتبع لهؤلاء القادة.

 

الحال اليوم أن «القيادة الموحدة» انتهت إلى عكس الهدف منها، وانقشعت كذبة «الشراكة» عن انقسام فصائلي وجغرافي شبه نهائي، وباتت الغوطة تحتاج إلى معجزة لوقف شلال الدم الذي استُهلّ بمقتل ما يقارب 350 من عناصر الطرفين. «جيش الإسلام» يقف وحيداً في طرف، بينما في مواجهته جميع الفصائل التي كان يخطط للاستفراد بها، وهي «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و «فيلق الرحمن» و «جبهة النصرة»، ويمكن إضافة «أحرار الشام» بالرغم من أن القيادة العامة لها اتخذت موقفاً حيادياً من الصراع، لكن المعطيات كافة تؤكد أن قادتها المحليين في الغوطة يدعمون الفريق المناهض لـ «جيش الإسلام».

جغرافياً يهيمن «جيش الاسلام» على القسم الشرقي من الغوطة، و «عاصمته» مدينة دوما معقله الأساسي، بالإضافة إلى المناطق الواقعة بين خطي دوما - حوش الفارة ودوما - النشابية، وهي الشيفونية وأوتايا وبيت نايم والبكارية والميدعاني وحوش الضواهرة وحوش نصري. بينما يهيمن «جيش الفسطاط»، الذي تشكل من تحالف الفصائل الأخرى، على القسم الغربي، و «عاصمته» حرستا، ويشمل عربين ومسرابا وزملكا ومديرا وحمورية وكفر بطنا وعين ترما وجسرين، وصولاً إلى القسم الجنوبي الذي يعمل الجيش السوري على محاصرته والمتمثل بزبدين ودير العصافير والركابية.

ولا تقتصر خسارة «جيش الإسلام» على فشل مشروعه في جعل «القيادة الموحدة» منصةً له للهيمنة على كامل الغوطة، واختيار قائده ليكون الملك المتوج عليها وحسب، بل هو وفق التقسيم الحالي، في حال تكرس بشكل نهائي، سيجد نفسه بعيداً عن التأثير على مدينة دمشق، خصوصاً في أبرز بؤرتين في محيطها، وهما حي جوبر الذي لم تهدأ الاشتباكات فيه منذ حوالي أربع سنوات، وحيي القابون وبرزة، اللذين وإن كانا خاضعين لاتفاقات تسوية، إلا أن لهما أهمية لوجستية كبيرة بالنسبة لفصائل الغوطة، بالإضافة إلى قربهما من العاصمة السورية.

وتعكس الحملة التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أنصار «جيش الإسلام»، تحت عنوان «لا لتقسيم الغوطة»، مدى القلق الذي يعتري قيادة «الجيش» بسبب احتمال تكريس خطوط التماس الحالية كخطوط سيطرة نهائية. كما كان لافتاً أن محمد علوش، ممثل «جيش الإسلام» السياسي وكبير المفاوضين في «وفد الرياض» إلى محادثات جنيف، استبق الأحداث، وحمّل الفصائل الأخرى مسؤولية سقوط زبدين بيد الجيش السوري استناداً منه على التقسيم السابق.

كما أن تركيز أنصار «جيش الإسلام» على توصيف الصراع الدائر بأنه مواجهة مع تحالف «الإخوان المسلمين»- «القاعدة»، يشير بدوره إلى الأبعاد الإقليمية لهذا الصراع، لأن فتح معركة ضد فصيل بذريعة «القضاء على الفساد»، كما حصل مع «جيش الأمة»، يختلف اختلافاً جذرياً عن فتح معركة بسبب الانتماءات الإيديولوجية، خصوصاً إذا كانت بعض هذه الانتماءات تحظى بدعم إقليمي وافر، والإشارة هنا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» المدعومة من تركيا وقطر. وليس أمراً عابراً أن يصدر اتهام إلى «الإخوان» بالتحالف مع «القاعدة» من فصيل معروف بتبعيته للسعودية. مع الإشارة إلى أن «جيش الفتح» رفض مرتين انضمام «جيش الإسلام» إليه في الشمال السوري.

ولكن كيف أثّر مقتل زهران علوش على الخلاف بين فصائل الغوطة، حتى وصل إلى نقطة التناحر بينها؟

كان زهران علوش بحنكته ودهائه، ولكن أولاً بعلاقاته الإقليمية والدولية وحجم الدعم الذي يتلقاه، قادراً على احتواء الخلافات مع قادة الفصائل الأخرى، ولا تنقصه الموهبة لإقناع خصومه بالتحالف معه تحت عناوين مشتركة. لذلك كان من الطبيعي أن نشاهد الصور التي تجمعه مع منافسيه، وكأن علاقتهم مع بعضهم على أقوى ما تكون من الثقة والقوة، بينما الحقيقة غير ذلك.

ففي الوقت الذي أعلن فيه عن تأسيس «القيادة الموحّدة» كانت العلاقة بين زهران علوش وقائد «فيلق الرحمن» عبد الناصر شمير في أسوأ أوقاتها، والعارفون بكواليس العلاقة بين الرجلين يدركون أن زهران علوش لم يكن يبذل أي جهد لإخفاء نظرات الغيظ كلما اضطر للاجتماع مع شمير، لكن ذلك لم يمنعه من عقد التحالفات مع الأخير، وإبرازه كشريك في «قيادة الغوطة»، بالرغم من أن الجميع يعرف أن شمير لم يوافق على تأسيس «القيادة الموحدة» إلا لاقتناعه بأنها طريقة مناسبة لاحتواء غضب الشارع الغوطاني واستمرار التحكم به ومنعه من التفلت، ومن ثم التمرد على قادته.

أما الكلام عن مؤسسات وشراكة حقيقية في «قيادة الغوطة» تمهيداً للاندماج بين الفصائل فكان وراء ظهره ولا يعيره أي اهتمام. كذلك الأمر بالنسبة إلى علوش، فهو لم يكن يرى في «القيادة الموحدة» سوى طريقة للهيمنة على كامل الغوطة وابتلاع الفصائل واحداً بعد آخر، ريثما يبقى وحده على العرش الذي طالما حلم به قبل مقتله بغارة من طائرات روسية.

وجاء مقتل زهران علوش في ظرف بالغ الحساسية بالنسبة للغوطة الشرقية، حيث كانت الخلافات مع الفصائل الأخرى، سواء «أحرار الشام» أو «فجر الأمة» أو «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» قد استفحلت، لدرجة أن الأخير علق مشاركته في «القيادة الموحدة». وبدأ الغضب الشعبي، المدفوع من قبل بعض الفصائل، يعبر عن نفسه في الشارع من خلال تظاهرات وتظاهرات مضادة شهدت العديد من مظاهر القمع والعنف، كما تفشت عمليات الاغتيال الغامضة.

وكانت بعض الجهات قد أعدّت حملة إعلامية ضخمة ضد «جيش الإسلام»، تضمنت تسجيلات تثبت ضلوع جهازه الأمني في غالبية الاغتيالات التي استهدفت بعضاً من وجهاء الغوطة، لذلك شكل مقتل زهران علوش وسط هذه الظروف فرصة ذهبية لفصائل الغوطة كي تعيد نسج علاقاتها بعيداً من طغيان الرجل وطموحاته الشخصية. وكان الأمل بالنسبة لهؤلاء معقوداً على القائد الجديد لـ «جيش الإسلام» عصام بويضاني المعروف بنزعته التوافقية.

لكن العارفين بخفايا «جيش الإسلام» وطبيعة تشكيلته، يرون أن اختيار البويضاني بشخصيته الضعيفة (تفسيرهم لنزعته التوافقية) لقيادة «جيش الإسلام» جاء بهدف تغليب تيار على تيار ضمن «الجيش». وكان المسؤول عن التخطيط لهذا الانقلاب عدد من قادة «جيش الإسلام»، أبرزهم «المسؤول الشرعي العام» أبو عبد الرحمن كعكة. ويقول هؤلاء إن «جيش الإسلام» ينقسم إلى تيارين، الأول كان يقوده زهران علوش، وهو تيار براغماتي مرن قادر على التأقلم مع الخلافات والعمل على حلها أو احتوائها، ويجد هذا التيار مرجعيته الدينية بكتابات الشيخ السعودي ابن عثيمين. بينما التيار الثاني، ويقوده كعكة نفسه، فهو تيار أكثر تشدداً وأكثر حدة في التعامل وأكثر استعجالاً لتحقيق الأهداف، ومرجعيته الدينية هي للشيخ السلفي السوري ناصر الدين الألباني. ويبدو أن النزعة التوافقية للبويضاني قد اختفت وراء هيمنة كعكة وتياره، وما زاد في تغييبها أن الطرف الآخر تقوده «جبهة النصرة».

لذلك يبدو أن الغوطة تدفع في الحقيقة ثمن غلبة المتطرفين فيها، وهو ما سيجرها إلى ويلات لم تشف منها مناطق سورية أخرى عايشت الوضع نفسه تقريباً، مثل دير الزور ودرعا. ولكن تبقى علامة الاستفهام الكبيرة حول مواقف بعض الدول من جماعة «الإخوان المسلمين - فرع سوريا» وتحالفاتها المتشابكة مع تنظيم «القاعدة»، سواء في الغوطة كما يتهمها «جيش الإسلام»، أو في الشمال حيث تنضوي متمثلة بفصائل، مثل «فيلق الشام» و «جيش المجاهدين» مع «القاعدة»، تحت راية «جيش الفتح» الذي تهيمن عليه «جبهة النصرة» وتقاتل إلى جانبه فصائل «قاعدية» مثل «الحزب التركستاني» و «جند الأقصى».

  • فريق ماسة
  • 2016-05-16
  • 13020
  • من الأرشيف

الغوطة: قبضة «جيش الإسلام» تتفكك

الغوطة الشرقية كما كنا نعرفها قبل مقتل قائد «جيش الإسلام» زهران علوش لن تعود كما كانت. والصور التي انتشرت على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إبان الإعلان عن تأسيس «القيادة الموحدة للغوطة الشرقية»،وكانت تضم الثلاثي زهران علوش وعبد الناصر شمير وأبو محمد الفاتح (ياسر القادري)، وهم يجلسون على المنصة وأمامهم جموع من القيادات والإعلاميين والنشطاء احتفاءً بإنجاز «الوحدة» الذي حققوه، غابت هذه الأيام وراء سيل الدماء الذي جرى في شوارع ومزارع الغوطة، بسبب الاقتتال الحاصل بين الفصائل التي تتبع لهؤلاء القادة.   الحال اليوم أن «القيادة الموحدة» انتهت إلى عكس الهدف منها، وانقشعت كذبة «الشراكة» عن انقسام فصائلي وجغرافي شبه نهائي، وباتت الغوطة تحتاج إلى معجزة لوقف شلال الدم الذي استُهلّ بمقتل ما يقارب 350 من عناصر الطرفين. «جيش الإسلام» يقف وحيداً في طرف، بينما في مواجهته جميع الفصائل التي كان يخطط للاستفراد بها، وهي «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و «فيلق الرحمن» و «جبهة النصرة»، ويمكن إضافة «أحرار الشام» بالرغم من أن القيادة العامة لها اتخذت موقفاً حيادياً من الصراع، لكن المعطيات كافة تؤكد أن قادتها المحليين في الغوطة يدعمون الفريق المناهض لـ «جيش الإسلام». جغرافياً يهيمن «جيش الاسلام» على القسم الشرقي من الغوطة، و «عاصمته» مدينة دوما معقله الأساسي، بالإضافة إلى المناطق الواقعة بين خطي دوما - حوش الفارة ودوما - النشابية، وهي الشيفونية وأوتايا وبيت نايم والبكارية والميدعاني وحوش الضواهرة وحوش نصري. بينما يهيمن «جيش الفسطاط»، الذي تشكل من تحالف الفصائل الأخرى، على القسم الغربي، و «عاصمته» حرستا، ويشمل عربين ومسرابا وزملكا ومديرا وحمورية وكفر بطنا وعين ترما وجسرين، وصولاً إلى القسم الجنوبي الذي يعمل الجيش السوري على محاصرته والمتمثل بزبدين ودير العصافير والركابية. ولا تقتصر خسارة «جيش الإسلام» على فشل مشروعه في جعل «القيادة الموحدة» منصةً له للهيمنة على كامل الغوطة، واختيار قائده ليكون الملك المتوج عليها وحسب، بل هو وفق التقسيم الحالي، في حال تكرس بشكل نهائي، سيجد نفسه بعيداً عن التأثير على مدينة دمشق، خصوصاً في أبرز بؤرتين في محيطها، وهما حي جوبر الذي لم تهدأ الاشتباكات فيه منذ حوالي أربع سنوات، وحيي القابون وبرزة، اللذين وإن كانا خاضعين لاتفاقات تسوية، إلا أن لهما أهمية لوجستية كبيرة بالنسبة لفصائل الغوطة، بالإضافة إلى قربهما من العاصمة السورية. وتعكس الحملة التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أنصار «جيش الإسلام»، تحت عنوان «لا لتقسيم الغوطة»، مدى القلق الذي يعتري قيادة «الجيش» بسبب احتمال تكريس خطوط التماس الحالية كخطوط سيطرة نهائية. كما كان لافتاً أن محمد علوش، ممثل «جيش الإسلام» السياسي وكبير المفاوضين في «وفد الرياض» إلى محادثات جنيف، استبق الأحداث، وحمّل الفصائل الأخرى مسؤولية سقوط زبدين بيد الجيش السوري استناداً منه على التقسيم السابق. كما أن تركيز أنصار «جيش الإسلام» على توصيف الصراع الدائر بأنه مواجهة مع تحالف «الإخوان المسلمين»- «القاعدة»، يشير بدوره إلى الأبعاد الإقليمية لهذا الصراع، لأن فتح معركة ضد فصيل بذريعة «القضاء على الفساد»، كما حصل مع «جيش الأمة»، يختلف اختلافاً جذرياً عن فتح معركة بسبب الانتماءات الإيديولوجية، خصوصاً إذا كانت بعض هذه الانتماءات تحظى بدعم إقليمي وافر، والإشارة هنا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» المدعومة من تركيا وقطر. وليس أمراً عابراً أن يصدر اتهام إلى «الإخوان» بالتحالف مع «القاعدة» من فصيل معروف بتبعيته للسعودية. مع الإشارة إلى أن «جيش الفتح» رفض مرتين انضمام «جيش الإسلام» إليه في الشمال السوري. ولكن كيف أثّر مقتل زهران علوش على الخلاف بين فصائل الغوطة، حتى وصل إلى نقطة التناحر بينها؟ كان زهران علوش بحنكته ودهائه، ولكن أولاً بعلاقاته الإقليمية والدولية وحجم الدعم الذي يتلقاه، قادراً على احتواء الخلافات مع قادة الفصائل الأخرى، ولا تنقصه الموهبة لإقناع خصومه بالتحالف معه تحت عناوين مشتركة. لذلك كان من الطبيعي أن نشاهد الصور التي تجمعه مع منافسيه، وكأن علاقتهم مع بعضهم على أقوى ما تكون من الثقة والقوة، بينما الحقيقة غير ذلك. ففي الوقت الذي أعلن فيه عن تأسيس «القيادة الموحّدة» كانت العلاقة بين زهران علوش وقائد «فيلق الرحمن» عبد الناصر شمير في أسوأ أوقاتها، والعارفون بكواليس العلاقة بين الرجلين يدركون أن زهران علوش لم يكن يبذل أي جهد لإخفاء نظرات الغيظ كلما اضطر للاجتماع مع شمير، لكن ذلك لم يمنعه من عقد التحالفات مع الأخير، وإبرازه كشريك في «قيادة الغوطة»، بالرغم من أن الجميع يعرف أن شمير لم يوافق على تأسيس «القيادة الموحدة» إلا لاقتناعه بأنها طريقة مناسبة لاحتواء غضب الشارع الغوطاني واستمرار التحكم به ومنعه من التفلت، ومن ثم التمرد على قادته. أما الكلام عن مؤسسات وشراكة حقيقية في «قيادة الغوطة» تمهيداً للاندماج بين الفصائل فكان وراء ظهره ولا يعيره أي اهتمام. كذلك الأمر بالنسبة إلى علوش، فهو لم يكن يرى في «القيادة الموحدة» سوى طريقة للهيمنة على كامل الغوطة وابتلاع الفصائل واحداً بعد آخر، ريثما يبقى وحده على العرش الذي طالما حلم به قبل مقتله بغارة من طائرات روسية. وجاء مقتل زهران علوش في ظرف بالغ الحساسية بالنسبة للغوطة الشرقية، حيث كانت الخلافات مع الفصائل الأخرى، سواء «أحرار الشام» أو «فجر الأمة» أو «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» قد استفحلت، لدرجة أن الأخير علق مشاركته في «القيادة الموحدة». وبدأ الغضب الشعبي، المدفوع من قبل بعض الفصائل، يعبر عن نفسه في الشارع من خلال تظاهرات وتظاهرات مضادة شهدت العديد من مظاهر القمع والعنف، كما تفشت عمليات الاغتيال الغامضة. وكانت بعض الجهات قد أعدّت حملة إعلامية ضخمة ضد «جيش الإسلام»، تضمنت تسجيلات تثبت ضلوع جهازه الأمني في غالبية الاغتيالات التي استهدفت بعضاً من وجهاء الغوطة، لذلك شكل مقتل زهران علوش وسط هذه الظروف فرصة ذهبية لفصائل الغوطة كي تعيد نسج علاقاتها بعيداً من طغيان الرجل وطموحاته الشخصية. وكان الأمل بالنسبة لهؤلاء معقوداً على القائد الجديد لـ «جيش الإسلام» عصام بويضاني المعروف بنزعته التوافقية. لكن العارفين بخفايا «جيش الإسلام» وطبيعة تشكيلته، يرون أن اختيار البويضاني بشخصيته الضعيفة (تفسيرهم لنزعته التوافقية) لقيادة «جيش الإسلام» جاء بهدف تغليب تيار على تيار ضمن «الجيش». وكان المسؤول عن التخطيط لهذا الانقلاب عدد من قادة «جيش الإسلام»، أبرزهم «المسؤول الشرعي العام» أبو عبد الرحمن كعكة. ويقول هؤلاء إن «جيش الإسلام» ينقسم إلى تيارين، الأول كان يقوده زهران علوش، وهو تيار براغماتي مرن قادر على التأقلم مع الخلافات والعمل على حلها أو احتوائها، ويجد هذا التيار مرجعيته الدينية بكتابات الشيخ السعودي ابن عثيمين. بينما التيار الثاني، ويقوده كعكة نفسه، فهو تيار أكثر تشدداً وأكثر حدة في التعامل وأكثر استعجالاً لتحقيق الأهداف، ومرجعيته الدينية هي للشيخ السلفي السوري ناصر الدين الألباني. ويبدو أن النزعة التوافقية للبويضاني قد اختفت وراء هيمنة كعكة وتياره، وما زاد في تغييبها أن الطرف الآخر تقوده «جبهة النصرة». لذلك يبدو أن الغوطة تدفع في الحقيقة ثمن غلبة المتطرفين فيها، وهو ما سيجرها إلى ويلات لم تشف منها مناطق سورية أخرى عايشت الوضع نفسه تقريباً، مثل دير الزور ودرعا. ولكن تبقى علامة الاستفهام الكبيرة حول مواقف بعض الدول من جماعة «الإخوان المسلمين - فرع سوريا» وتحالفاتها المتشابكة مع تنظيم «القاعدة»، سواء في الغوطة كما يتهمها «جيش الإسلام»، أو في الشمال حيث تنضوي متمثلة بفصائل، مثل «فيلق الشام» و «جيش المجاهدين» مع «القاعدة»، تحت راية «جيش الفتح» الذي تهيمن عليه «جبهة النصرة» وتقاتل إلى جانبه فصائل «قاعدية» مثل «الحزب التركستاني» و «جند الأقصى».

المصدر : عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة