العقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول على دول أخرى تعتبر وجهاً آخر لحروب هدفها محاولة معاقبة الدول التي فرضت عليها العقوبات وإرغامها على تعديل نهجها السياسي من دون استخدام القوة العسكرية…

  والعقوبات الاقتصادية نوع من أسلحة الدمار الشامل الاقتصادي تهدفُ لإفقار الشعوب وتزيدُ من حالة التردي الاجتماعي، في عالم اليوم هناك العديد من الدول التي عانت وتعاني من تبعات قرار فرض العقوبات الاقتصادية عليها، ونتائجها، ومثال على ذلك؛ كوبا، إيران، روسيا، كوريا، وسورية وغيرها، والعقوبات لا تعدو كونها إجراءات ضغط استعمارية استعراضية لفرض إملاءات خارجية مشبوهة.

 العقوبات ليست جديدة على السوريين بل هي مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين… حين أصدرت الإدارة الأميركية أنذاك ما سميَ قانون محاسبة سورية الذي حظرَ الصادرات إليها وجمّد أصول مؤسسات سورية… وفي العام 2004 عززت واشنطن هذه العقوبات بعد رفض سورية للاحتلال الأميركي للعراق ورفض الإملاءات الأميركية والأوروبية ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين…

كما فرض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات منها حظر استيراد النفط السوري وتوريد السلاح، ووقف التعاملات التجارية والمصرفية في عام 2011، ومع بداية الأزمة السورية فرضت الجامعة العربية عقوباتٍ على خمسة قطاعات رئيسية في سورية هي: السفر والتمويل والتحويلات المصرفية وتجميد الأموال، إلى جانب القطاع الاستثماري ومنها وقف التعامل مع البنك المركزي السوري….

هدفت هذه العقوبات الاقتصادية إلى التأثير في المجتمع والمواطن السوري لكونها تمس كل جوانب الحياة ومنها موارد الدولة وقدراتها… وظهرت بعض آثارها على الاقتصاد السوري؛ انخفاض النمو، والتراجع في سعر صرف العملة… العقوبات الاقتصادية التي فرضتها جامعة الدول العربية على سورية أضرت بمصالح دول الجوار كما أضرت بسورية…

خلفت هذه العقوبات آثاراً على الاقتصاد السوري الذي كان يتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي، ولكنها وفرت فرصة للمصنعين المحليين ليقوموا بتحسين ذاتي لعملهم. وتشجيع الإنتاج المحلي… العقوبات تحمل عبئها الشعب السوري، وانعكست آثارها على الأردن ولبنان والعراق.

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، يومها، إن الأردن سيتضرر بشدة بسبب العقوبات العربية على سورية، وطالب باستثناء قطاعي التجارة والطيران من العقوبات.

تأثرت التجارة الأردنية مع لبنان وتركيا باعتبار سورية المنفذ البري الوحيد للأردن، تركيا جار سورية الشمالي وأحد أكبر المؤيدين للعقوبات المفروضة على دمشق… خسرت عندما ألغت سورية اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا… وقد ترك ذلك ارتياحا لدى الصناعيين السوريين… تجارة تركيا مع سورية بلغت مليارين ونصف المليار دولار تقريباً عام 2010. كما أن سورية والعراق منفذها التجاري إلى دول الخليج العربي. وعملت تركيا اردوغان على تسيير الترانزيت إلى دول الخليج عن طريق ميناء حيفا الإسرائيلي وذلك في اطار التطبيع الخليجي مع إسرائيل… أما لبنان والعراق، الشريكان التجاريان الكبيران أيضاً لسورية، فكانا أكثر حذرا إزاء تأثير العقوبات في اقتصاديهما. ولم يصوت البلدان على قرار الجامعة العربية الخاص بفرض عقوبات على سورية، ومصلحة لبنان ألا يشارك في فرض عقوبات على سورية لأنها هي الممر البري الوحيد بالنسبة له إلى دول الخليج العربي وأن أكثر من نصف الصادرات السورية كانت تذهب لثلاث دول عربية فقط، هي العراق ولبنان والسعودية، وهذا يعبر عن توجه عروبي في الاقتصاد السوري، ولذلك عمدت الولايات المتحدة إلى ضرب هذا التوجه… وعاقبت سورية اقتصادياً إلى حدٍ لم يعد لها أي تأثير اقتصادي على سورية… فلا يوجد بينها وبين سورية أي تجارة أو استثمار تقريبا لذا وجهت بتشديد العقوبات الاقتصادية الأوروبية والتركية والخليجية على سورية.

أما الجانب الإيجابي فان خريطة تحالفات سورية السياسية، جعلت العقوبات الاقتصادية غير فعالة على الأقل في حالة العراق ولبنان وروسيا والصين وإيران. وسورية قادرة على أن تجد بدائل لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديرا لذلك من الأهمية بمكان الاتجاه شرقاً… لقد صمدت سورية الدولة والوطن برموزها ومؤسساتها… كيف تمكنت القطاعات الاقتصادية من الصمود والاستمرار مع الحرب والعقوبات على سورية؟ الجواب يكمن في صمود المواطن السوري في أرض وطنه ؛ يمارس عمله في مواقع العمل… يساهم في تقديم الإنتاج السلعي والخدمي… في ظروف صعبة…

– للأزمة متطلباتها؛ الأزمة ظرف غير عادي… يتطلب إجراءات ومعالجات غير عادية…

– الأزمة تحتاج لقرارات شجاعة، وحكيمة؛ وواقعية.

– في الأزمات لا مكان للتجريب، أو التعلم أو التنظير..

– لابد أن تضع الجهات المسؤولة في الحكومة سلماً واقعياً لأولويات العمل بهدف مواجهة تداعيات الأزمة والعقوبات… في مقدمة هذه الأولويات الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين… وإيلاء أهمية خاصة لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي… وتشجيع الصادرات المتاحة..

– هذا يحتاج لمبادرات، وابتكار آليات عمل، تخفف من آثار العقوبات الاقتصادية، وليست سورية بلداً يعيش على استيراد الطعام والثياب من الخارج، بل لديه البنية التحتية لقدر معقول من الاكتفاء الذاتي… وهو ما يتطلب تعزيز روابط السوق الداخلية وتعميقها، إضافة إلى ضرورة إيجاد بدائل إقليمية ودولية… والعقوبات لن تخضِع سورية، بل قد تخرجها بحال أفضل إذا تعاونت مع مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون وأميركا اللاتينية.

– الحصار الاقتصادي له بعض الآثار الايجابية، لأنه يدفع باتجاه تشجيع الاستثمار التلقائي الذاتي الوطني، بحيث يمكن للدول المحاصرَة (بفتح الراء) أن تجذب الاستثمارات الصديقة والوطنية المحلية، والاعتماد أكثر على المنتجات الوطنية بديلاً للمستوردات من الخارج…

– رغم الآثار السلبية للعقوبات يمكن للدولة المُحاصرة أن تعتمد على تحفيز شعور المواطنين، والاعتماد على رؤوس الأموال المحلية والصديقة… للقيام بالأعمال التي كان ينفذها الأجانب (شركات، وأفراد) من الدول التي تفرض الحصار. بحيث يمكن الاعتماد على الذات الوطنية للتخفيف من آثار الحصار، إن الحصار الاقتصادي؛ حافز للإبداع لأن العامل، والمهندس الوطني، والشركة الوطنية، جميعهم يستطيعون في ظروف الحصار أن يقوموا بأعمال إبداعية».

باختصار الحصار الاقتصادي يساهم في الاعتماد على الموارد الوطنية ويقويها.

  • فريق ماسة
  • 2016-05-11
  • 10672
  • من الأرشيف

الحصار الاقتصادي يساهم في الاعتماد على الموارد الوطنية ويقويها....د. قحطان السيوفي

العقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول على دول أخرى تعتبر وجهاً آخر لحروب هدفها محاولة معاقبة الدول التي فرضت عليها العقوبات وإرغامها على تعديل نهجها السياسي من دون استخدام القوة العسكرية…   والعقوبات الاقتصادية نوع من أسلحة الدمار الشامل الاقتصادي تهدفُ لإفقار الشعوب وتزيدُ من حالة التردي الاجتماعي، في عالم اليوم هناك العديد من الدول التي عانت وتعاني من تبعات قرار فرض العقوبات الاقتصادية عليها، ونتائجها، ومثال على ذلك؛ كوبا، إيران، روسيا، كوريا، وسورية وغيرها، والعقوبات لا تعدو كونها إجراءات ضغط استعمارية استعراضية لفرض إملاءات خارجية مشبوهة.  العقوبات ليست جديدة على السوريين بل هي مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين… حين أصدرت الإدارة الأميركية أنذاك ما سميَ قانون محاسبة سورية الذي حظرَ الصادرات إليها وجمّد أصول مؤسسات سورية… وفي العام 2004 عززت واشنطن هذه العقوبات بعد رفض سورية للاحتلال الأميركي للعراق ورفض الإملاءات الأميركية والأوروبية ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين… كما فرض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات منها حظر استيراد النفط السوري وتوريد السلاح، ووقف التعاملات التجارية والمصرفية في عام 2011، ومع بداية الأزمة السورية فرضت الجامعة العربية عقوباتٍ على خمسة قطاعات رئيسية في سورية هي: السفر والتمويل والتحويلات المصرفية وتجميد الأموال، إلى جانب القطاع الاستثماري ومنها وقف التعامل مع البنك المركزي السوري…. هدفت هذه العقوبات الاقتصادية إلى التأثير في المجتمع والمواطن السوري لكونها تمس كل جوانب الحياة ومنها موارد الدولة وقدراتها… وظهرت بعض آثارها على الاقتصاد السوري؛ انخفاض النمو، والتراجع في سعر صرف العملة… العقوبات الاقتصادية التي فرضتها جامعة الدول العربية على سورية أضرت بمصالح دول الجوار كما أضرت بسورية… خلفت هذه العقوبات آثاراً على الاقتصاد السوري الذي كان يتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي، ولكنها وفرت فرصة للمصنعين المحليين ليقوموا بتحسين ذاتي لعملهم. وتشجيع الإنتاج المحلي… العقوبات تحمل عبئها الشعب السوري، وانعكست آثارها على الأردن ولبنان والعراق. قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، يومها، إن الأردن سيتضرر بشدة بسبب العقوبات العربية على سورية، وطالب باستثناء قطاعي التجارة والطيران من العقوبات. تأثرت التجارة الأردنية مع لبنان وتركيا باعتبار سورية المنفذ البري الوحيد للأردن، تركيا جار سورية الشمالي وأحد أكبر المؤيدين للعقوبات المفروضة على دمشق… خسرت عندما ألغت سورية اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا… وقد ترك ذلك ارتياحا لدى الصناعيين السوريين… تجارة تركيا مع سورية بلغت مليارين ونصف المليار دولار تقريباً عام 2010. كما أن سورية والعراق منفذها التجاري إلى دول الخليج العربي. وعملت تركيا اردوغان على تسيير الترانزيت إلى دول الخليج عن طريق ميناء حيفا الإسرائيلي وذلك في اطار التطبيع الخليجي مع إسرائيل… أما لبنان والعراق، الشريكان التجاريان الكبيران أيضاً لسورية، فكانا أكثر حذرا إزاء تأثير العقوبات في اقتصاديهما. ولم يصوت البلدان على قرار الجامعة العربية الخاص بفرض عقوبات على سورية، ومصلحة لبنان ألا يشارك في فرض عقوبات على سورية لأنها هي الممر البري الوحيد بالنسبة له إلى دول الخليج العربي وأن أكثر من نصف الصادرات السورية كانت تذهب لثلاث دول عربية فقط، هي العراق ولبنان والسعودية، وهذا يعبر عن توجه عروبي في الاقتصاد السوري، ولذلك عمدت الولايات المتحدة إلى ضرب هذا التوجه… وعاقبت سورية اقتصادياً إلى حدٍ لم يعد لها أي تأثير اقتصادي على سورية… فلا يوجد بينها وبين سورية أي تجارة أو استثمار تقريبا لذا وجهت بتشديد العقوبات الاقتصادية الأوروبية والتركية والخليجية على سورية. أما الجانب الإيجابي فان خريطة تحالفات سورية السياسية، جعلت العقوبات الاقتصادية غير فعالة على الأقل في حالة العراق ولبنان وروسيا والصين وإيران. وسورية قادرة على أن تجد بدائل لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديرا لذلك من الأهمية بمكان الاتجاه شرقاً… لقد صمدت سورية الدولة والوطن برموزها ومؤسساتها… كيف تمكنت القطاعات الاقتصادية من الصمود والاستمرار مع الحرب والعقوبات على سورية؟ الجواب يكمن في صمود المواطن السوري في أرض وطنه ؛ يمارس عمله في مواقع العمل… يساهم في تقديم الإنتاج السلعي والخدمي… في ظروف صعبة… – للأزمة متطلباتها؛ الأزمة ظرف غير عادي… يتطلب إجراءات ومعالجات غير عادية… – الأزمة تحتاج لقرارات شجاعة، وحكيمة؛ وواقعية. – في الأزمات لا مكان للتجريب، أو التعلم أو التنظير.. – لابد أن تضع الجهات المسؤولة في الحكومة سلماً واقعياً لأولويات العمل بهدف مواجهة تداعيات الأزمة والعقوبات… في مقدمة هذه الأولويات الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين… وإيلاء أهمية خاصة لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي… وتشجيع الصادرات المتاحة.. – هذا يحتاج لمبادرات، وابتكار آليات عمل، تخفف من آثار العقوبات الاقتصادية، وليست سورية بلداً يعيش على استيراد الطعام والثياب من الخارج، بل لديه البنية التحتية لقدر معقول من الاكتفاء الذاتي… وهو ما يتطلب تعزيز روابط السوق الداخلية وتعميقها، إضافة إلى ضرورة إيجاد بدائل إقليمية ودولية… والعقوبات لن تخضِع سورية، بل قد تخرجها بحال أفضل إذا تعاونت مع مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون وأميركا اللاتينية. – الحصار الاقتصادي له بعض الآثار الايجابية، لأنه يدفع باتجاه تشجيع الاستثمار التلقائي الذاتي الوطني، بحيث يمكن للدول المحاصرَة (بفتح الراء) أن تجذب الاستثمارات الصديقة والوطنية المحلية، والاعتماد أكثر على المنتجات الوطنية بديلاً للمستوردات من الخارج… – رغم الآثار السلبية للعقوبات يمكن للدولة المُحاصرة أن تعتمد على تحفيز شعور المواطنين، والاعتماد على رؤوس الأموال المحلية والصديقة… للقيام بالأعمال التي كان ينفذها الأجانب (شركات، وأفراد) من الدول التي تفرض الحصار. بحيث يمكن الاعتماد على الذات الوطنية للتخفيف من آثار الحصار، إن الحصار الاقتصادي؛ حافز للإبداع لأن العامل، والمهندس الوطني، والشركة الوطنية، جميعهم يستطيعون في ظروف الحصار أن يقوموا بأعمال إبداعية». باختصار الحصار الاقتصادي يساهم في الاعتماد على الموارد الوطنية ويقويها.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة