في آخر زيارة لرئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو إلى سورية، وكان حينها وزير خارجية، التقى بالرئيس السوري بشار الأسد في آب 2011، حيث كانت الأزمة السورية في مطلعها، وفور عودته إلى بلاده توقع أنه لم يبقى أمام الأسد إلا «أيام معدودة» حسب قوله، وأعاد التأكيد «أيام وليس أشهر»، غير أن ما حدث هو أنه هو من سقط. من المؤكد أن ذلك المدرس الجامعي، الذي كان يتباهى بتحليلاته الاستراتيجية، وقراءته المرتكزة على الفضاءات الثقافية التاريخية للمنطقة، لا زال عاجزاً عن تفسير ما حدث، كيف خاب توقعه لهذه الدرجة، وكيف سقط هو وبقي الأسد؟ الجواب بسيط: إنه الصمود الأسطوري للجيش السوري مسنوداً بعبقرية نادرة للإدارة السياسية لسورية.

 

الصراع بين داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان برز منذ فترة غير قصيرة، لقد ظهر في قرارات يتخذها داودأوغلو، فيردها أردوغان أو يبطلها؛ وفي مشاريع قوانين يعمل عليها داود أوغلو فيقوم أردوغان بمنعها. ولسبب ما حاول داودأوغلو أن يتخلص من النظرة العامة، التي تقول إنه رئيس وزراء بالوكالة، أو بمعنى آخر هو شبح لإكمال الديكور الديمقراطي في البلاد، لتغطية الهيمنة المطلقة لأردوغان. لقد حاول داودأوغلو أن يقلب هذا الانطباع، وأن يكون صاحب بصمة خاصة في عدة ملفات، وهو ما تسبب بغضب أردوغان، ما دفع داودأوغلو لاسترضائه في فترة سابقة بالقول «ليس هناك تضارب في الصلاحيات، أنا رئيس الوزراء وأمين عام حزب العدالة أما أردوغان فهو الزعيم التاريخي»

 

وكانت مصادر تركية متابعة قد استغربت بالأساس أن يتم تسليم حزب العدالة لداودأوغلو، حيث كان من المتوقع أن يستلمه وزير السياحة بينالي يلدرم، بحيث يكون لأردوغان أداتان تمثلان رغباته وتنفذانها؛ الأول في مقعد رئاسة الوزراء وهو داودأوغلو، والثاني هو يلدرم في مقعد رئاسة الحزب الحاكم. غير أن ما حدث هو أن أردوغان وضع بيضه كله في سلة داود أوغلو، وبدأ التنافس والمؤامرات من وقتها.

 

القشة التي قصمت البعير بالنسبة لأردوغان – بحسب تسريبات صحفية – عمل داودأوغلو على السيطرة على صحيفة «حريت»، ومجموعة «دوغان»، التي تمتلكها، وجعلها تتبع له شخصياً؛ حيث أن أردوغان، وبموجب علاقات تجارية متشابكة يمتلك نفوذاً قوياً على هذه المجموعة الأقوى، والتي تعتبر بحسب باحثين أتراك أهم من هيأ الجو له للوصول إلى السلطة. ولذا فإن تحول المجموعة إلى دعم داودأوغلو سيعني ظهور منافس قوي لا يوحي بالثقة. وكذلك من النقاط الخلافية الأخرى سعي داود أوغلو لترتيب لقاءات مع الأمريكيين، ومع منظمات اللوبي الصهيونية، بشكل منفرد ومستقل عن أردوغان، الذي يعاني بالأساس من أيام سيئة في علاقاته مع واشنطن. وكان قد فشل في إخفاء انزعاجه عندما أكد الاتحاد الأوروبي علناً، وشكل واضح، أنه يعتبر داودأوغلو، لا أردوغان، ممثلاً لتركيا.

 

وكانت مدونة مجهولة المصدر قد ظهرت بشكل مفاجئ الأسبوع الفائت، لتكشف عن بعض أسباب الصراع بين داودأوغلو وأردوغان. وقدم كاتب المدونة نفسه كأحد المقربين من أردوغان، متهماً داودأوغلو بخيانة «الزعيم»، قائلاً إنه رتب مجموعتين إعلاميتين تتبعان له، كما استطاع الحصول على ولاء عدة كتاب لموالاته، والهجوم على أردوغان في اللحظة المناسبة. كما اتهمت المدونة داودأوغلو بمحاولة الاستفادة من فضائح الفساد الشهيرة، ودفعه لمحاكمة الوزراء عسى أن يصبح الجو فارغاً أمامه لاستلام زمام الأمور. وقد اعترف عدد من كبار الصحفيين الموالين لأردوغان بصحة ما جاء في المدونة، وهو ما دعا للاستنتاج بأن المدونة كلا تأتي في سياق انقلاب «الزعيم»على رجله.

 

وتتفق اغلب التكهنات حول الخليفة المحتمل لداودأوغلو، على اسم بينالي يلدرم، غير أن فضيحة ابنه في نوادي القمار في سينغافوره، دفعت لتوقع إمكانية الدفع بمرشح آخر حتى لا تنخفض شعبية «العدالة والتنمية». وبغض النظر عن هوية الشخص الذي سيأتي فإن القراءات المختلفة تتوقع أن يكون كل ذلك تمهيداً لاستلام وزير الطاقة برات البيرق صهر أردوغان، زوج ابنته، رئاسة الوزراء، علماً أن ألبيرق يدير امبراطورية النفط العملاقة، التي يمتلكها أردوغان. كما أن أقلاماً أخرى تشير إلى الصهر الصاعد، سلجوق بايراكتار، خطيب ابنته الأخرى والمفضلة لدى ابيها أسماء، وهو مهندس طيران، أدار مشروع إنتاج أول طائرة تركية دون طيار، في مصانع والده المقرب من أردوغان. ولكن بايراكتار سيحتاج إلى فترة تأهيلية في منصب وزاري ما، سيكون وزارة الصناعة على الأغلب، قبل أن ينتقل لرئاسة الوزراء، علماً أن قرب زوجته المستقبلية من والدها يمنحه أرجحية على برات ألبيرق وحتى على بلال أردوغان.

 

بكل الحالات، يمكن القول إن حرب حلب ستشهد تهدئة نسبية مع التوترات في تركيا، وذلك لأن ملف التنظيمات التركمانية والتركستانية، وجبهة النصرة، يديره أحمد داود أوغلو شخصياً. ولا بد من مرحلة انتقالية إذا ما كان سيكون هناك تسليم للمهام والصلاحيات. قد تكون هذه الفترة فاصلة بالنسبة للجيش السوري لتنفيذ مهامه على الأرض بمعونة حلفائه، وللقيادة السياسية لترتيب الحل السياسي، بمعونة حلفائها كذلك.

  • فريق ماسة
  • 2016-05-05
  • 14089
  • من الأرشيف

لعنة الأسد تصيب داودأوغلو.. من التالي؟

في آخر زيارة لرئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو إلى سورية، وكان حينها وزير خارجية، التقى بالرئيس السوري بشار الأسد في آب 2011، حيث كانت الأزمة السورية في مطلعها، وفور عودته إلى بلاده توقع أنه لم يبقى أمام الأسد إلا «أيام معدودة» حسب قوله، وأعاد التأكيد «أيام وليس أشهر»، غير أن ما حدث هو أنه هو من سقط. من المؤكد أن ذلك المدرس الجامعي، الذي كان يتباهى بتحليلاته الاستراتيجية، وقراءته المرتكزة على الفضاءات الثقافية التاريخية للمنطقة، لا زال عاجزاً عن تفسير ما حدث، كيف خاب توقعه لهذه الدرجة، وكيف سقط هو وبقي الأسد؟ الجواب بسيط: إنه الصمود الأسطوري للجيش السوري مسنوداً بعبقرية نادرة للإدارة السياسية لسورية.   الصراع بين داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان برز منذ فترة غير قصيرة، لقد ظهر في قرارات يتخذها داودأوغلو، فيردها أردوغان أو يبطلها؛ وفي مشاريع قوانين يعمل عليها داود أوغلو فيقوم أردوغان بمنعها. ولسبب ما حاول داودأوغلو أن يتخلص من النظرة العامة، التي تقول إنه رئيس وزراء بالوكالة، أو بمعنى آخر هو شبح لإكمال الديكور الديمقراطي في البلاد، لتغطية الهيمنة المطلقة لأردوغان. لقد حاول داودأوغلو أن يقلب هذا الانطباع، وأن يكون صاحب بصمة خاصة في عدة ملفات، وهو ما تسبب بغضب أردوغان، ما دفع داودأوغلو لاسترضائه في فترة سابقة بالقول «ليس هناك تضارب في الصلاحيات، أنا رئيس الوزراء وأمين عام حزب العدالة أما أردوغان فهو الزعيم التاريخي»   وكانت مصادر تركية متابعة قد استغربت بالأساس أن يتم تسليم حزب العدالة لداودأوغلو، حيث كان من المتوقع أن يستلمه وزير السياحة بينالي يلدرم، بحيث يكون لأردوغان أداتان تمثلان رغباته وتنفذانها؛ الأول في مقعد رئاسة الوزراء وهو داودأوغلو، والثاني هو يلدرم في مقعد رئاسة الحزب الحاكم. غير أن ما حدث هو أن أردوغان وضع بيضه كله في سلة داود أوغلو، وبدأ التنافس والمؤامرات من وقتها.   القشة التي قصمت البعير بالنسبة لأردوغان – بحسب تسريبات صحفية – عمل داودأوغلو على السيطرة على صحيفة «حريت»، ومجموعة «دوغان»، التي تمتلكها، وجعلها تتبع له شخصياً؛ حيث أن أردوغان، وبموجب علاقات تجارية متشابكة يمتلك نفوذاً قوياً على هذه المجموعة الأقوى، والتي تعتبر بحسب باحثين أتراك أهم من هيأ الجو له للوصول إلى السلطة. ولذا فإن تحول المجموعة إلى دعم داودأوغلو سيعني ظهور منافس قوي لا يوحي بالثقة. وكذلك من النقاط الخلافية الأخرى سعي داود أوغلو لترتيب لقاءات مع الأمريكيين، ومع منظمات اللوبي الصهيونية، بشكل منفرد ومستقل عن أردوغان، الذي يعاني بالأساس من أيام سيئة في علاقاته مع واشنطن. وكان قد فشل في إخفاء انزعاجه عندما أكد الاتحاد الأوروبي علناً، وشكل واضح، أنه يعتبر داودأوغلو، لا أردوغان، ممثلاً لتركيا.   وكانت مدونة مجهولة المصدر قد ظهرت بشكل مفاجئ الأسبوع الفائت، لتكشف عن بعض أسباب الصراع بين داودأوغلو وأردوغان. وقدم كاتب المدونة نفسه كأحد المقربين من أردوغان، متهماً داودأوغلو بخيانة «الزعيم»، قائلاً إنه رتب مجموعتين إعلاميتين تتبعان له، كما استطاع الحصول على ولاء عدة كتاب لموالاته، والهجوم على أردوغان في اللحظة المناسبة. كما اتهمت المدونة داودأوغلو بمحاولة الاستفادة من فضائح الفساد الشهيرة، ودفعه لمحاكمة الوزراء عسى أن يصبح الجو فارغاً أمامه لاستلام زمام الأمور. وقد اعترف عدد من كبار الصحفيين الموالين لأردوغان بصحة ما جاء في المدونة، وهو ما دعا للاستنتاج بأن المدونة كلا تأتي في سياق انقلاب «الزعيم»على رجله.   وتتفق اغلب التكهنات حول الخليفة المحتمل لداودأوغلو، على اسم بينالي يلدرم، غير أن فضيحة ابنه في نوادي القمار في سينغافوره، دفعت لتوقع إمكانية الدفع بمرشح آخر حتى لا تنخفض شعبية «العدالة والتنمية». وبغض النظر عن هوية الشخص الذي سيأتي فإن القراءات المختلفة تتوقع أن يكون كل ذلك تمهيداً لاستلام وزير الطاقة برات البيرق صهر أردوغان، زوج ابنته، رئاسة الوزراء، علماً أن ألبيرق يدير امبراطورية النفط العملاقة، التي يمتلكها أردوغان. كما أن أقلاماً أخرى تشير إلى الصهر الصاعد، سلجوق بايراكتار، خطيب ابنته الأخرى والمفضلة لدى ابيها أسماء، وهو مهندس طيران، أدار مشروع إنتاج أول طائرة تركية دون طيار، في مصانع والده المقرب من أردوغان. ولكن بايراكتار سيحتاج إلى فترة تأهيلية في منصب وزاري ما، سيكون وزارة الصناعة على الأغلب، قبل أن ينتقل لرئاسة الوزراء، علماً أن قرب زوجته المستقبلية من والدها يمنحه أرجحية على برات ألبيرق وحتى على بلال أردوغان.   بكل الحالات، يمكن القول إن حرب حلب ستشهد تهدئة نسبية مع التوترات في تركيا، وذلك لأن ملف التنظيمات التركمانية والتركستانية، وجبهة النصرة، يديره أحمد داود أوغلو شخصياً. ولا بد من مرحلة انتقالية إذا ما كان سيكون هناك تسليم للمهام والصلاحيات. قد تكون هذه الفترة فاصلة بالنسبة للجيش السوري لتنفيذ مهامه على الأرض بمعونة حلفائه، وللقيادة السياسية لترتيب الحل السياسي، بمعونة حلفائها كذلك.

المصدر : سومر سلطان - آسيا نيوز


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة