دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في مقابلة مكونة من جزئين أجراها مع قناة الجزيرة في شهر مايو الماضي، كشف الارهابي أبو محمد الجولاني أمير "جبهة النصرة "أن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة قد أصدرت تعليمات بعدم استخدام سوريا كقاعدة لشن هجمات ضد الغرب.
وعلى الرغم من أن الحملة الجوية لمكافحة تنظيم داعش كثيرا ما قصفت خلايا جبهة النصرة في شمال سوريا، إلا أن الجولاني قال إنه لازال ملتزما بتلك الأوامر المشددة.
وبعد عام تقريبا من إجراء المقابلة، تغير الكثير في سوريا والمنطقة المحيطة بها بشكل عام. حيث تواصل قيادة التنظيم تلقي الضربات من قبل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة، والتي استهدفت العناصر الأكثر تأهيلا للتخطيط ولشن الهجمات ضد الغرب، والتي يطلق عليه الأمريكيون اسم “خلية خراسان”.
وبحسب حسن أبو هنية، خبير الجماعات الإسلامية من الأردن، تم استهداف قادة الخلية في سوريا جميعا بعد سلسلة من أعمال القتل رفيعة المستوى، مما تسبب في غضب عارم بين مؤيدي جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، الذين بدأوا يشككون في استراتيجية ‘قبول التعايش مع الآخر‘ في سوريا. وفق تقرير موقع “ذا ناشيونال”.
وقد دفعت الهجمات المستمرة ضد كل من تنظيم داعش وتنظيم القاعدة والجماعات التابعة لهما في جميع أنحاء المنطقة ببعض المتعاطفين إلى التساؤل: لماذا لا تتعاون الجماعتان الجهاديتان سويا. وبالإضافة إلى تشجيع الأنصار العاديين لهذا الأمر، عرض بعض المنظرين الجهاديين البارزين المساعدة في تضييق مساحة الخلافات بين الجماعتين.
فعلى سبيل المثال، دعا أبو قتادة الفلسطيني من الأردن إلى “إدارة الخلافات” بين الجماعات الإسلامية والجهادية المتحاربة، في حين كتب أبو محمد المقدسي، وهو أيضا من الأردن، مؤخرا على تويتر أنه مستعد لمراجعة موقفه تجاه تنظيم داعش والانضمام إليها “نكاية في العالم كله” اذا توقفت عن وصم الجهاديين الآخرين بالردة.
وفي هذا السياق، استنتج اثنان من كبار المحللين الأمنيين الأمريكيين بشكل منفصل في الشهر الماضي أن الاندماج بين الجماعتين أمر ممكن على الرغم من الخلافات المستمرة. وتوقع بروس هوفمان، الذي يترأس مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، حدوث ذلك بحلول العام 2021. وقال بريان جنكينز، أحد كبار مستشاري مؤسسة راند، إن الجماعتين لديهم ما يكفي من الأمور المشتركة لتكوين جبهة جهادية موحدة واقعية ومخيفة.
واستشهد السيد هوفمان بقول محلل الاستخبارات الأمريكية أن مثل هذا الاندماج سوف يكون “كارثة غير محدودة وغير مسبوقة” بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة وحلفائها.
وقد طرحت سؤال ما إذا كان ذلك الأمر ممكنا على أحد أفراد تنظيم القاعدة المنتمين للتنظيم منذ فترة طويلة، وهو أيضا أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، وكانت إجابته واضحة تماما: “لا، هذا الأمر لن يحدث أبدا”.
وقد أثبت كل من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة أنهما تنظيمات أكثر براجماتية على مر السنين، ويبدو معقولا أن يتعاون التنظيمان ضد أي عدو مشترك يواجههما في نفس الوقت. ولكن هناك العديد من الأسباب للاعتقاد بأن عضو تنظيم القاعدة مصيب في رأيه، وأن قطبي (الجهاد )العالمي لن يلتقيا.
ولكن بافتراض أن الجماعتين يمكنهما التغلب على الخلافات الأيديولوجية والتشغيلية في كل من سوريا واليمن وليبيا، فإن كلاهما يعتقد بقوة أن استراتيجية الآخر محدودة ذاتيا. حتى عندما غزا تنظيم داعش أجزاء كبيرة من العراق وسوريا قبل عامين، حافظ تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له على نظرته إلى تلك الاستراتيجية باعتبارها غير مستدامة.
وأصروا على أن اغتراب تنظيم داعش عن القوى المحلية والإقليمية والدولية لن يجلب سوى المزيد من الدمار إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وأخذ تنظيم القاعدة يؤكد مؤخرا على وجهة نظره بعد أن بدأ تنظيم داعش في فقد سيطرته على الأراضي التي يسيطر عليها، بما في ذلك المناطق التي تم “تحريرها” سابقا من قبضة النظام السوري بواسطة جبهة النصرة أو جماعات أخرى.
وبالمثل، يعتقد تنظيم داعش أن إصرار تنظيم القاعدة على بناء قاعدة دعم تدريجيا عن طريق كسب القلوب والعقول ما هو إلا مضيعة للوقت. ويزدري المنتمون إلى تنظيم داعش ،من القيادة العليا حتى المستويات المنخفضة بالتنظيم، نهج تنظيم القاعدة باعتباره نهجا ساذجا وغير عملي. وينبني جهاد تنظيم القاعدة على فكرة وجود طليعة من المقاتلين الملتزمين الذين سوف يلهمون في نهاية المطاف المجتمع الإسلامي ككل للنهوض وتوحيد الجهود. ويتشارك تنظيم داعش معه فكرة مماثلة للجهاد التدريجي، ولكنها فكرة تنطوي على حرب دائمة من الإنهاك والاستنزاف.
ويمتلك كل منهما رؤية بعيدة المدى تتجاوز المكاسب أو الخسائر الفورية.
الهوة بين المجموعتين متسعة للغاية. وفي الواقع، إذا كانت الجماعتين يشعران بأنهما مضطرين إلى تقديم تنازلات، فإنهما لايزالان يتحركان بعيدا عن بعضهما البعض. ومنذ اندلاع الانتفاضات العربية في العام 2011، قدم تنظيم القاعدة نفسه باعتباره “حلا وسطا” بين الجهاديين “القوميين” الذين يفضلون التركيز على الكفاح المسلح محليا، مثل حركة أحرار الشام في سوريا، والجهاديين المتطرفين مثل تنظيم داعش . وسواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا، يواصل تنظيم القاعدة الابتعاد عن تكتيكات تنظيم داعش ، وهو ما سوف يجعله أقرب إلى المجتمعات المحلية والجماعات الإسلامية التي يمكنه العمل معها. ومن غير المرجح أن يقترب تنظيم داعش من أية جماعة من الجماعات المسلحة التي تعمل في الساحة، أو أن يخفف من غلواء تكتيكاته إلى حد كبير.
وأخيرا، من غير المرجح أن يتعاون تنظيم داعش مع تنظيم القاعدة في الأمر الوحيد الذي يمكنهما الاتفاق عليه وهو: الهجمات الإرهابية في الخارج. وينفذ تنظيم داعش العمليات الخارجية على نمط عمليات تنظيم القاعدة، وربما يكون استفاد من خلايا تنظيم القاعدة السابقة. ومن خلال تنفيذ مثل هذه الهجمات، يهدف تنظيم داعش في المقام الأول إلى تصدير نفسه باعتباره منظمة جهادية عالمية. إنه يصيغ الأسلوب الخاص به كمنافس لتنظيم القاعدة، وأي تعاون مع تنظيم القاعدة يفسد هذا الغرض.
قد يبدو أن التشابه الأيديولوجي الواضح بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش يمكن أن يكون سببا لتوحيد صفوف الجماعتين ضد أعدائهما. ولكن على كل حال، يسير كل تنظيم بعيدا عن الآخر. وهناك مساحة لكلا التنظيمين للتوسع فيها سواء في المنطقة أو العالم دون الحاجة إلى أن يتشاركا.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة