دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كان تفكك «الجبهة الجنوبية» بعد فشل عاصفتها خمس مرات متتالية، وبعد غضب «غرفة عمليات ألموك» على الفصائل وقطع التمويل عنها، أمراً متوقعاً بشدة. وكانت «السفير» قد أشارت إليه بالتفصيل في تقرير موسع سابق.
كما كان من المتوقع أيضاً أن تستغل «الفصائل الإسلامية» المتشددة حالة التفكك والضعف في فصائل «الجيش الحر» لتحاول استقطابها وإقناعها بمبايعتها. ولكن ما تجاوز كل التوقعات أن يكون «داعش» هو الفائز بالمرتبة الأولى في عملية الاستقطاب، وأن تصحو محافظة درعا فجأة على صدمة تغلغل التنظيم في غالبية الفصائل، التي كانت حتى وقت قريب تعد من الفصائل الثورية ذات النهج المعتدل. مع أن درعا هي المدينة الوحيدة التي لم يستطع التنظيم اختراقها من قبل.
قبل عام، اتّهم «لواء شهداء اليرموك» بمبايعة «داعش» سراً، وبالرغم من كل المعارك التي شنت ضده، إلا أنه بقي صامداً في مناطق تمركزه في ريف درعا الغربي، ولم تستطع «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» تغيير خريطة السيطرة قيد أنملة.
ثم تبين، بحسب اتهامات الفصائل، أن قيادات كبيرة من «حركة المثنى الإسلامية» قدّمت بدورها فروض الطاعة والولاء لأبي بكر البغدادي. وعلى خلفية هذه الاتهامات وقعت اشتباكات بين بعض الفصائل وبين الحركة، انتهت بانسحاب الأخيرة من بعض الحواجز في محيط مدينة درعا، لكنها بقيت مسيطرة على مناطقها التقليدية في الريف، وأهمها الشيخ سعد وجلين وبعض القرى الأخرى.
لكن أحداث الأسبوع الماضي كشفت أن غالبية قيادات وعناصر «حركة المثنى» بايعت التنظيم، وأن الهجوم على تسيل وعدوان كان بهدف الربط الجغرافي بين مناطق «شهداء اليرموك» ومناطق «حركة المثنى» بعد دحر «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» من سحم وحيط، ما يعني أن المثلث بين الحدود السورية ـ الأردنية ـ أراضي الجولان المحتل، يمكن اتخاذها قاعدة لإعلان ولاية جديدة، أو على الأقل معقل خاص لا تواجد فيه لأي فصيل آخر.
وعندما استفاقت فصائل «الجيش الحر» على هول الكارثة، أعلنت أنها وضعت خطة لتطهير درعا مما أسمته «رجس الخوارج». وبالفعل بدأت بعض هذه الفصائل عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على المناطق التي وقعت بأيدي التنظيمين المبايعين «المثنى» و «اليرموك».
وهنا كانت الصدمة بالنسبة لبعض الفصائل، لأنها سرعان ما اكتشفت أن وجود «داعش» لا يقتصر على هذين التنظيمين بل هو أوسع مما تخيلت للوهلة الأولى، وربما لدرجة لا يمكنها استيعابها واحتواؤها. فخلايا التنظيم، بحسب بعض التقييمات الأولية، تدبّ تحت جلد الفصائل، ويكاد لا يخلو فصيل من خلية مبايعة له، لذلك كان الخيار الوحيد هو أن تعلن الفصائل الحرب على نفسها لتشهد بعض أرياف درعا معارك تحدث بين الفصيل وبين مجموعة فيه متهمة بمبايعة «داعش»، بما يشبه حرب أهلية صغيرة على مستوى كل فصيل.
وفي أنخل شنت بعض الفصائل الحرب على جماعة «أنصار الأقصى» بعد حادثة اغتيال بشار الدوخي على أحد الحواجز. وكانت التهمة هي مبايعة «داعش» سراً. وقد أدت المعركة إلى مقتل «أمير» الجماعة أبو فيصل مالك الفروان وأكثر من 20 عنصراً.
وفي مدينة طفس هوجمت معاقل كتيبة علاء الأكفت (أبو نقطة) بتهمة الدعشنة أيضاً، وذلك بعد أن أقدم الأكفت على إعدام عدد من المعتقلين في سجونه. واللافت أن كتيبة الأكفت هي إحدى الكتائب التابعة إلى «الفيلق الأول» بقيادة زياد الحريري، وهو من الفصائل الممثلة في «هيئة التفاوض العليا».
ولم يتوقف الأمر هنا، بل إن «جيش المعتز بالله»، بقيادة خالد النابلسي، وجد نفسه، قبل المساهمة في معركة الشيخ سعد إلى جانب الفصائل الأخرى، مضطراً إلى خوض معركة داخلية لتصفية صفوفه هو من بعض الخلايا المبايعة لتنظيم «داعش».
كما أن بعض الخلايا ظهرت في منطقة اللجاة وخاضت «ألوية العمري» معركة شاقة ضدها.
بعد ذلك نشرت صفحات الفصائل أنباء حول تطهير المزيريب واليادودة وتل شهاب وخراب شحم ونوى وجاسم، من خلايا «الخوارج».
ولم ينتبه إعلاميو هذه الفصائل إلى أنهم يتحدثون عن غالبية المساحة الجغرافية الواقعة تحت سيطرتهم، ما يعني أن خلايا «داعش» كانت منتشرة في كل مكان.
لذلك حاول البعض الترقيع على هذه الحقيقة، والقول إن بعض المجموعات لوحقت بسبب تجارة المخدرات أو السرقة، وليس بسبب مبايعة «داعش»، في محاولة للتخفيف من وقع الفضيحة على ما يبدو.
يضاف إلى ذلك، أن العديد من الفصائل ما زالت ترفض الانخراط في القتال ضد المجموعات «الداعشية»، وأبرزها «جبهة ثوار سوريا» التي حضر ممثلها أبو أسامة الجولاني مؤتمر الرياض وظهر يمشي جنباً إلى جنب مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. بينما بعض الفصائل التي أعلنت موافقتها على قتال هذه المجموعات، لا تبذل إمكاناتها الحقيقية ضدها.
وعلى الرغم من أن أي فصيل لم يعلن صراحة مبايعته لتنظيم «داعش»، إلا أن المعطيات كافة تؤكد صحة الاتهامات الموجهة لبعض الفصائل والخلايا والمجموعات بإعطاء بيعة سرية. ويفسر بعض النشطاء هذا الإقبال الكثيف على مبايعة التنظيم في درعا بأنه عائد إلى الأوضاع المالية التي تردت بعد توقف دعم «ألموك»، وهي نفس الذريعة التي استندت إليها فصائل القصير من قبل لتبرر مبايعتها للتنظيم في القلمون الشرقي والغربي.
فهل ستتجه الأوضاع في درعا لتشابه ما حصل في القلمون، أم أنها ستنحو أكثر باتجاه سيناريو المنطقة الشرقية (دير الزور) حيث كان لبيعة «جبهة النصرة في البوكمال» أثر حاسم في سقوط المدينة بين يدي التنظيم؟
المصدر :
السفير/ عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة