دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي الى سورية اكد في تصريحات ادلى بها امس ان هناك ثلاثة اهداف للمفاوضات بين وفد النظام السوري ووفود المعارضة التي ستبدأ الاثنين: الاول تشكيل حكومة جامعة، والثاني وضع دستور جديد.. والثالث انتخابات رئاسية وتشريعية باشراف الامم المتحدة.
المرحلة الانتقالية التي من المقرر ان تستمر 18 شهرا تبدأ الاثنين، والمطلوب خلالها انجاز الاهداف الثلاثة المذكورة، وانتقال كامل للسلطة الى الرئيس المنتخب والحكومة التي تنبثق عن البرلمان وتحظى بثقته.
الخطة الاممية هذه التي من المفترض انها تحظى بدعم مجلس الامن تبدو على الورق سلسلة وميسورة، لكن عندما توضع امام المتفاوضين لبحثها فان الامر يحتاج الى سنوات، وربما الى عقود، للتوصل الى اتفاق حولها وتطبيقها عمليا على الارض، فالخلافات هي القاسم المشترك، والفجوة بين مواقف المعارضة والنظام واسعة جدا، والارضية الوحيدة المشتركة هي رفض مشروع الفيدرالية قال جون كيري وزير الخارجية الامريكي انه “الخطة ب”، وكل له اسبابه.
الشيء الجديد الذي ورد في زحمة التصريحات التي ادلى بها المتحدثون باسم الوفود التي وصلت الى جنيف تباعا الاحد ولفت نظرنا، هو ما ورد على لسان السيد محمد علوش “كبير” المفاوضين في “وفد الرياض”، عندما قال ان “المرحلة الانتقالية تبدأ برحيل الاسد او قتله”، واضاف “ان هذه المرحلة لا يمكن ان تبدأ بوجود هذا النظام او راسه في السلطة”.
هذا الكلام جديد، وغير مسبوق، فالنغمة التي كان يرددها السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي ليل نهار هي حتمية رحيل الرئيس الاسد، اما بالحل السياسي او العسكري، لكن هذه هي المرة الاولى التي نسمع فيها تعبير “رحيل الاسد او قتله”، على لسان السيد علوش الذي يعكس حتما موقف العاصمة التي اتى منها، اي الرياض وحكومتها، فاذا كان الحل السياسي متعثر والعسكري يتراجع، فهل هناك حل جديد
اسمه الاغتيالات؟
المرحلة الانتقالية من المفترض ان تبدأ، وحسب تصريحات دي ميستورا فور بدء المفاوضات، اي الاثنين، فهل سنقرأ غدا اخبارا عن اغتيال الرئيس الاسد مثلا؟ وهل يملك السيد علوش معلومات مؤكدة في هذا الصدد استقاها من رعاته في السعودية، او المعلم الامريكي الاعلى؟
السيد وليد المعلم شيخ الدبلوماسية السورية قال في مؤتمر صحافي عقده امس السبت ان الرئيس بشار الاسد خط احمر، وهو ملك للشعب السوري، اي انه خارج نطاق اي مفاوضات حول مستقبله، لانه لا توجد اي نصوص او وثائق اممية تتحدث عن انتخابات رئاسية، حسب رأيه، وهو يعني ان السيد بشار الجعفري رئيس الوفد السوري الرسمي المفاوض سيتوجه الى مطار جنيف عائدا الى دمشق في حال اي حديث عن رحيل الاسد سواء من المبعوث الدولي، او وفد الهيئة العليا للمفاوضات القادم من الرياض، وربما يغادر قاعة المفاوضات في مقر الامم المتحدة في جنيف في الوقت نفسه مع وفد المعارضة.
الحديث عن مقتل الاسد او وفاته تطور جديد، يذكرنا بالخطط التي وضعتها المخابرات المركزية الامريكية لاغتيال الرئيس الراحل العراقي صدام حسين بالاتفاق مع المعارضة العراقية في حينها قبيل غزو العراق واحتلاله، حيث جرى الترويج لوجود “بدائل” او “شبهاء” له في اجهزة الاعلام العربية والغربية في حينها، في اطار عمليات التضليل، وجرى بالفعل تنفيذ اكثر من محاولة اغتيال سواء بالقصف الجوي، او من خلال تجنيد بعض العملاء داخل الجيش، وجرى كشف العديد منهم واعدامهم من قبل النظام بلا رحمة.
هل حديث السيد علوش حول “الموت” او “القتل” يصب في اطار التشويش والتضليل والحرب النفسية؟ واذا كان الامر جديا فمن سيشرف على اي محاولة للاغتيال، اذا كانت المخططات موجودة فعلا، المملكة العربية السعودية ام وكالة المخابرات المركزية الامريكية، ثم ما هو موقف
روسيا تجاه مثل هذه المخططات اذا وجدت فعلا؟
لا نستطيع الاجابة على اي من هذه التساؤلات، لكن كل ما نستطيع استنتاجه بالنظر الى حالة الغموض، وانعدام وضوح الرؤية، وتباعد مواقف الاطراف المشاركة في هذه المفاوضات، ان فرص تقدمها تبدو معدومة، ولذلك لا بد من التفكير بالمرحلة التالية اذا ما تأكد فشلها او انهيارها.
موقف الرئيس السوري هذه الايام، ومع دخول الازمة عامها السادس، يبدو اقوى من اي وقت مضى، بعد التقدم الكبير الذي حققته قواته على الارض شمالا وجنوبا شرقا وغربا بغطاء جوي روسي، وضعف وتفكك المعسكر المناويء له، فالتهديدات السعودية بالغزو البري “تبخرت”، وقطر التي لعبت الدور الرئيسي في دعم المعارضة ماليا وعسكريا على مدى السنوات الخمس الماضية “خفت صوتها” وتراجعت الى المقاعد الخلفية في حافلة القيادة لمصلحة السعودية، اما تركيا فبدأت تدفع ثمن سياساتها الخارجية تفجيرات في اسطنبول وانقرة، وتوتر كبير في العلاقات مع موسكو والاتحاد الاوروبي، وشبه قطيعة مع الادارة الامريكية التي اختارت دعم الاكراد اعداء الرئيس اردوغان، ولعل تفجير انقرة مساء اليوم الذي وقع في حي السفارات، واوقع 27 قتيلا و75 جريحا حتى كتابة هذه السطور، يؤكد ضخامة حجم المأزق التركي.
نشك ان تبدأ المفاوضات، وان بدأت فقد لا تستمر طويلا، ولعلها فرصة طيبة للمتفاوضين في كل الوفود، وخاصة ذلك القادم من دمشق، لالتقاط الانفاس، والاستراحة، والتسوق، هذا اذا لم يعد في غضون 24 ساعة مثلما هدد السيد المعلم في مؤتمره الصحافي الاخير.
المصدر :
عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة