انتهى زمن الكمون في موقع دفاعي وشراء الصمت عن الهرب من الميدان الأصلي (فلسطين) بحفنة من الريالات: لقد دقت ساعة الهجوم الشامل الكاسح، وآن أن ترتدي المملكة المذهبة الكاكي وتندفع إلى قتال الخارجين على الطاعة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وحيثما ارتفع صوت بالاعتراض.

 

على امتداد سنوات كان يتم شراء الحكام المفلسين سياسياً والعديد من الأحزاب والتنظيمات التي قاتلت العروبة بالإسلام المذهّب، واسقاط القضية الفلسطينية عمداً، ومجافاة الدول العربية، التي حفظ لها قادتها كرامتها الوطنية، بقصد تركيعها وإدماجها في القطيع...

 

كان سهلاً تطويع حكام الخليج، وجلهم من جيل آخر غير جيل الآباء الذين رأوا في النفط والغاز نعمة أسبغها الله عليهم، من حيث لا يتوقعون، وبالتالي فمن حق إخوانهم الفقراء ان ينالوا شيئاً منها طالما ان الرزق وفير يتدفق على مدار الساعة ذهباً أسود وغازاً بلا لون.. ثم انهم أهلهم، يحمونهم إذا تهددهم خطر، ولا يطلبون اجراً ولا جزاء، إلا ما تفرضه الأخوة ووحدة المصير.

فالجيل الجديد من الأمراء والشيوخ تربى في أحضان المخابرات (بريطانية بالأساس ثم أميركية). وأُفهِموا ان مصدر الخطر الوحيد عليهم هو (العروبة)، إذ سيتدفق عليهم أبناؤها الفقراء طالبين العون، وسيفتحون عيون أبناء البلاد على واقعهم المزري: يسبحون في بحر العوز والجهل والقهر بينما الذهب يتدفق من أرضهم انهاراً، ثم يختفي في الخزائن الملكية ولا يصرف منه بعد القصور والحرس والمخابرات والمطاوعة والعسس إلا الفتات على عامة الناس والدهماء المشكوك في ولائهما دائماً.

أما سائر الحكام (معظم العرب وكثير من الآسيويين والأفارقة) فتكفيهم مساعدات تؤكد ولاءهم وتبعيتهم ليغدو المعسكر الملكي هو الأقوى بمناصريه واتباعه ويتقدم ليتصدر كل التجمعات الإقليمية والإسلامية... ومعظمها فقير. يوفد جنده ليعملوا في خدمة أهل السلطان، ويوفد أبناءه ليعملوا في تنظيف الشوارع أو عمالاً بلا قيود في ورش البناء وخدمة البيوت.

بعد «توحيد» الجزيرة والخليج كان لا بد من تطويع اليمن الذي كان، في الغالب الأعم رهينة المملكة المذهبة.. فرئيسه كان من الدعاة لأصحاب الجلالة والسمو بطول العمر، فلما برزت فيه حركة شعبية عنفية تمكنت من خلع علي عبد الله صالح (الذي كان يتباهى بأنه حكم أكثر من أربعة ملوك من آل سعود ومن كل الرؤساء العرب)، ونجحت في توحيد اليمنيين خلف مشروع لإعادة بناء بلادهم؛ تنبهت مملكة الصمت والذهب إلى خطرها فكانت حرب التدمير والقتل على اليمن باسم «الأمل»!!

قبل اليمن ومعها كان لا بد من الثأر من سوريا التي (أنكرت جميل المملكة وتمردت  علىها) . وهكذا شنت عليه حملة تأديب بكل الأسلحة: التحريض الطائفي وتعزيز اشتات المعارضات، ومدّها بمختلف أنواع السلاح، بما في ذلك صواريخ تاو، ومحاولات شق الجيش بشراء بعض ضباطه باسم الإسلام المذهّب، والتواطؤ مع تركيا ذات الأطماع التاريخية المعلنة... مع تطمين العدو الإسرائيلي بأن هذه «الحرب» تخدمه، وتفتح الأبواب لتعاون مستقبلي يبدأ سرياً ثم تعلن عنه التطورات... وبينها بعض اللقاءات غير الرسمية مع «أمراء خارجين على الطاعة» أو أنهم ليسوا في الخدمة الفعلية.

وقبل اليمن ومعها كان لا بد من «تأديب» العراق بالفتنة: كيف تسعى الأكثرية إلى قيادة الحكم محافظة على الشريك الذي يتداخل معها نسباً وأرض إقامة ومصيراً وطموحاً إلى دولة مركزية قوية في أرض الرافدين.. وعلى هذا لا بأس من أن يجتاح «داعش» العراق وأن يعلن «خليفته» ومن الموصل قيام «الدولة الإسلامية».. هذه مسألة فيها نظر ستأتي بالعراق تائباً طائعاً طالباً النجدة بأي شرط.

بعد اليمن ومعها جاءت الفرصة القدرية لأسر مصر بفقرها وبحاجتها الماسة إلى المساعدة... وللمساعدة شروط لا يمكن رفضها، فكان أن أخضعت السلطة في مصر، وإن بشيء من التردد الذي يسقط بضغط الحاجة.

أما الممالك فتضامنها حتمي، وهكذا انضم الأردن والمغرب إلى المعسكر المذهّب. صارت المملكة المذهبة قيادة للأكثرية الساحقة من دول العرب والمسلمين... ولتحضر إيران إلى ميدان المواجهة! وتدخلت المقادير لتخدم المملكة بتظاهرات طائشة في طهران ومشهد، فكانت الفرصة لشن الحرب وتجنيد المناصرين جميعاً فيها: لا بد اذن من العروبة! وفجأة انتبه الملك ووليا عهده، الأول والثاني، وحكام الخليج، إلى أنهم هم هم العرب الأقحاح (ولينتظر الإسلام قليلاً)..

جاء وقت القرار: «حزب الله» إرهابي... هكذا قررت المملكة والشيوخ المذهَّبون!

وكان لا بدّ من رفع الأمر إلى أعلى: جامعة الدول العربية، التي لم تعد جامعة ولم تعد عربية بالفعل، بعدما صار الموقعون على اتفاقات العار مع العدو الإسرائيلي يُمسكون بالمقر ويبيعون قرارهم للقادر على الدفع! ألم يطردوا سوريا، العضو المؤسس من قبل استيلاد هذه المشيخات وجعلها دولاً تحكم بذهبها؟ اذن بوسعهم إدانة «حزب الله» ووصمه بالإرهاب بدليل قتاله العدو الإسرائيلي عقدين من الزمن، والانتصار على حربه على لبنان قبل عشر سنوات، ثم محاصرته بنيرانه، بحيث تحسب له إسرائيل حساباً يفوق أي حساب للدول العربية جميعاً.

كيف، اذن، لا يكون هذا الحزب إرهابياً؟

طالما ان إسرائيل دولة مسالمة تمد يدها إلى العرب مصالحة فإن «حزب الله» إرهابي بالتأكيد، ولا بد من وضعه على القائمة السوداء!

وهكذا أطلقت السعودية ومعها مَن والاها من حكام الخليج رصاصة الرحمة على جامعة الدول العربية التي كانت سلطات القاهرة قد استبقت هذا القرار بتعيين أبو الغيط منظماً للجنازة والمشرف على التشييع، باسم الملوك والأمراء وأولياء العهود المذهبين...

وليخرج «الإرهابيون» من رحاب العروبة بعدما تم إخراجهم من رحاب الدين الحنيف!

ولتسرح إسرائيل وتمرح في رحاب العروبة والدين الحق!

  • فريق ماسة
  • 2016-03-13
  • 11917
  • من الأرشيف

الهجوم الملكي يقتل العروبة والإسلام معاً!

انتهى زمن الكمون في موقع دفاعي وشراء الصمت عن الهرب من الميدان الأصلي (فلسطين) بحفنة من الريالات: لقد دقت ساعة الهجوم الشامل الكاسح، وآن أن ترتدي المملكة المذهبة الكاكي وتندفع إلى قتال الخارجين على الطاعة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وحيثما ارتفع صوت بالاعتراض.   على امتداد سنوات كان يتم شراء الحكام المفلسين سياسياً والعديد من الأحزاب والتنظيمات التي قاتلت العروبة بالإسلام المذهّب، واسقاط القضية الفلسطينية عمداً، ومجافاة الدول العربية، التي حفظ لها قادتها كرامتها الوطنية، بقصد تركيعها وإدماجها في القطيع...   كان سهلاً تطويع حكام الخليج، وجلهم من جيل آخر غير جيل الآباء الذين رأوا في النفط والغاز نعمة أسبغها الله عليهم، من حيث لا يتوقعون، وبالتالي فمن حق إخوانهم الفقراء ان ينالوا شيئاً منها طالما ان الرزق وفير يتدفق على مدار الساعة ذهباً أسود وغازاً بلا لون.. ثم انهم أهلهم، يحمونهم إذا تهددهم خطر، ولا يطلبون اجراً ولا جزاء، إلا ما تفرضه الأخوة ووحدة المصير. فالجيل الجديد من الأمراء والشيوخ تربى في أحضان المخابرات (بريطانية بالأساس ثم أميركية). وأُفهِموا ان مصدر الخطر الوحيد عليهم هو (العروبة)، إذ سيتدفق عليهم أبناؤها الفقراء طالبين العون، وسيفتحون عيون أبناء البلاد على واقعهم المزري: يسبحون في بحر العوز والجهل والقهر بينما الذهب يتدفق من أرضهم انهاراً، ثم يختفي في الخزائن الملكية ولا يصرف منه بعد القصور والحرس والمخابرات والمطاوعة والعسس إلا الفتات على عامة الناس والدهماء المشكوك في ولائهما دائماً. أما سائر الحكام (معظم العرب وكثير من الآسيويين والأفارقة) فتكفيهم مساعدات تؤكد ولاءهم وتبعيتهم ليغدو المعسكر الملكي هو الأقوى بمناصريه واتباعه ويتقدم ليتصدر كل التجمعات الإقليمية والإسلامية... ومعظمها فقير. يوفد جنده ليعملوا في خدمة أهل السلطان، ويوفد أبناءه ليعملوا في تنظيف الشوارع أو عمالاً بلا قيود في ورش البناء وخدمة البيوت. بعد «توحيد» الجزيرة والخليج كان لا بد من تطويع اليمن الذي كان، في الغالب الأعم رهينة المملكة المذهبة.. فرئيسه كان من الدعاة لأصحاب الجلالة والسمو بطول العمر، فلما برزت فيه حركة شعبية عنفية تمكنت من خلع علي عبد الله صالح (الذي كان يتباهى بأنه حكم أكثر من أربعة ملوك من آل سعود ومن كل الرؤساء العرب)، ونجحت في توحيد اليمنيين خلف مشروع لإعادة بناء بلادهم؛ تنبهت مملكة الصمت والذهب إلى خطرها فكانت حرب التدمير والقتل على اليمن باسم «الأمل»!! قبل اليمن ومعها كان لا بد من الثأر من سوريا التي (أنكرت جميل المملكة وتمردت  علىها) . وهكذا شنت عليه حملة تأديب بكل الأسلحة: التحريض الطائفي وتعزيز اشتات المعارضات، ومدّها بمختلف أنواع السلاح، بما في ذلك صواريخ تاو، ومحاولات شق الجيش بشراء بعض ضباطه باسم الإسلام المذهّب، والتواطؤ مع تركيا ذات الأطماع التاريخية المعلنة... مع تطمين العدو الإسرائيلي بأن هذه «الحرب» تخدمه، وتفتح الأبواب لتعاون مستقبلي يبدأ سرياً ثم تعلن عنه التطورات... وبينها بعض اللقاءات غير الرسمية مع «أمراء خارجين على الطاعة» أو أنهم ليسوا في الخدمة الفعلية. وقبل اليمن ومعها كان لا بد من «تأديب» العراق بالفتنة: كيف تسعى الأكثرية إلى قيادة الحكم محافظة على الشريك الذي يتداخل معها نسباً وأرض إقامة ومصيراً وطموحاً إلى دولة مركزية قوية في أرض الرافدين.. وعلى هذا لا بأس من أن يجتاح «داعش» العراق وأن يعلن «خليفته» ومن الموصل قيام «الدولة الإسلامية».. هذه مسألة فيها نظر ستأتي بالعراق تائباً طائعاً طالباً النجدة بأي شرط. بعد اليمن ومعها جاءت الفرصة القدرية لأسر مصر بفقرها وبحاجتها الماسة إلى المساعدة... وللمساعدة شروط لا يمكن رفضها، فكان أن أخضعت السلطة في مصر، وإن بشيء من التردد الذي يسقط بضغط الحاجة. أما الممالك فتضامنها حتمي، وهكذا انضم الأردن والمغرب إلى المعسكر المذهّب. صارت المملكة المذهبة قيادة للأكثرية الساحقة من دول العرب والمسلمين... ولتحضر إيران إلى ميدان المواجهة! وتدخلت المقادير لتخدم المملكة بتظاهرات طائشة في طهران ومشهد، فكانت الفرصة لشن الحرب وتجنيد المناصرين جميعاً فيها: لا بد اذن من العروبة! وفجأة انتبه الملك ووليا عهده، الأول والثاني، وحكام الخليج، إلى أنهم هم هم العرب الأقحاح (ولينتظر الإسلام قليلاً).. جاء وقت القرار: «حزب الله» إرهابي... هكذا قررت المملكة والشيوخ المذهَّبون! وكان لا بدّ من رفع الأمر إلى أعلى: جامعة الدول العربية، التي لم تعد جامعة ولم تعد عربية بالفعل، بعدما صار الموقعون على اتفاقات العار مع العدو الإسرائيلي يُمسكون بالمقر ويبيعون قرارهم للقادر على الدفع! ألم يطردوا سوريا، العضو المؤسس من قبل استيلاد هذه المشيخات وجعلها دولاً تحكم بذهبها؟ اذن بوسعهم إدانة «حزب الله» ووصمه بالإرهاب بدليل قتاله العدو الإسرائيلي عقدين من الزمن، والانتصار على حربه على لبنان قبل عشر سنوات، ثم محاصرته بنيرانه، بحيث تحسب له إسرائيل حساباً يفوق أي حساب للدول العربية جميعاً. كيف، اذن، لا يكون هذا الحزب إرهابياً؟ طالما ان إسرائيل دولة مسالمة تمد يدها إلى العرب مصالحة فإن «حزب الله» إرهابي بالتأكيد، ولا بد من وضعه على القائمة السوداء! وهكذا أطلقت السعودية ومعها مَن والاها من حكام الخليج رصاصة الرحمة على جامعة الدول العربية التي كانت سلطات القاهرة قد استبقت هذا القرار بتعيين أبو الغيط منظماً للجنازة والمشرف على التشييع، باسم الملوك والأمراء وأولياء العهود المذهبين... وليخرج «الإرهابيون» من رحاب العروبة بعدما تم إخراجهم من رحاب الدين الحنيف! ولتسرح إسرائيل وتمرح في رحاب العروبة والدين الحق!

المصدر : طلال سلمان / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة