استكملت "الجزيرة" في وثائقي "أحرار الشام.. فلسفة النشأة وتعديل المسار" الذي عرضته الخميس، الترويج للحركة "كفصيل معتدل"، يتخذ "الإسلام الوسطي" منهجاً له، ويهدف إلى تحقيق "الحرية والعدالة"، في ظل "الثورة السورية"، وفق تعبير القناة.

جاء الوثائقي (49:35) متقن الصنع من جوانبه الفنية، متناسباً مع تاريخ "الجزيرة" الطويل في صناعة الوثائقيات، إلا أنه من حيث الهدف والمضمون سار باتجاه واحد، فجاء منقوصاً، متخبطاً في بعض الأحيان، تحت شعار التسويق لـ"أحرار الشام كحركة إسلاميّة معتدلة".

مايز الوثائقي خلال سرده لحكاية الجماعة بين المفهوم "الإسلامي" والمفهوم "الجهادي"، وتحدّث عن البيئة التي ولد فيها حسان عبود مؤسس الحركة، والتنوّع الطائفي في منطقة سهل الغاب لينتقل الحديث عن الطائفة العلوية، طائفة الرئيس السوري بشار الأسد، أحد أسباب "الثورة السنية". وتناول العمل بشكل سريع الأحداث المواجهات بين الجيش والسوري وجماعة "الإخوان المسلمين" خلال ثمانينيات القرن الماضي.

استعان العمل بوثائق وشهادات، بجانب لقاءات مسجّلة أجرتها "الجزيرة "مع قادة الحركة قبل التفجير الذي أودى بحياة معظمهم في أيلول العام 2014. وكما يشير عنوان الوثائقي "أحرار الشام.. فلسفة النشأة وتعديل المسار"، جاء مضمونه ليدعم ذات الفكرة "النشأة الجهاديّة والتعديل نحو المفهوم المعتدل الوسطي".

يحاول الوثائقي إيجاد مبرّر لعمل الحركة المسلّح الذي بدأ مبكراً مع الشهور الأولى للأزمة في سوريا، فيقع في سلسلة تناقضات. مثلاً، يقول برهان غليون إنّ النظام أطلق سراح معتقلي صيدنايا الذي شكلوا قادرة للفضائل المسلحة، بهدف القضاء على الثورة، وإيجاد مبرّر للضرب بيد من حديد (د. 13)، ثمّ يمتدح "حركة أحرار الشام"، لما فيها من "تضحية ونكران للذات بهدف القضاء على النظام وتحقيق آمال الشعب" (د. 39).

بشكل غير مباشر، ربط الوثائقي بين "حركة أحرار الشام" وجماعة "الإخوان المسلمين"، من خلال الحديث عن نشأة عدد من قادة "الحركة" في عائلات تنتمي إلى "الجماعة"، واعتمادهم على مؤلفات سيد قطب "في ظلال القرآن" و"معالم الطريق" (د 7). لكنّه عاد وأشار إلى تخلّي "الحركة" عن فكرة "الطليعة التي تقود الأمة" إلى فكرة "الجهاد الجماعي" إثر اندماج عدة فصائل أخرى معها، ما اعتبره الوثائقي "تطوراً للنهج والفكر". وينقل العمل عن قادة "الحركة" عدة تصريحات حول فشل النظريات الفكرية بعد تطبيقها بشكل عملي، ما اقتضى تنميتها.

ركز الوثائقي في جزء كبير منه على علاقة "الحركة" بـ"داعش"، وتطور تلك العلاقة انطلاقاً من "تجنب التنظيم" وانتهاء بـ"بفتوى وجوب قتاله وإخراجه من حلب وإدلب". إلا أنه لم يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى علاقتها بـ"جبهة النصرة"، فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، على الرغم من اندماج "الحركة" و"النصرة" في محافظة إدلب تحت راية "جيش الفتح"، ليكتفي بالحديث عن بعض المعارك التي خاضتها "الحركة" في ريف إدلب وريف حلب، ما يمكن أن يشكل دليلا إضافيا على توجه الوثائقي التسويقي والترويجي لـ"الحركة". كذلك أغفل الوثائقي بشكل متعمد الحديث عن علاقة "الحركة" بأبي خالد السوري، أحد المقربين من أسامة بن لادن وأحد مؤسسي "أحرار الشام"، والذي ظهرت صوره في الوثائقي من دون الإشارة إليه وهو يقوم بمسح رأس حسان عبود، قبل أن يقتل إثر هجوم انتحاري خلال تواجده في أحد مقرات "الحركة" في حلب.

مقابل إغفال هذه المعلومات بشكل متعمد، غاص الوثائقي في تفاصيل أخرى تتعلق باتخاذ "أحرار الشام" طابعا وسطياً ذو عقلية سياسية، وقيادية. تقول "الجزيرة": "أصبحت الحركة تنتهج النهج المؤسساتي بشكل جيد جداً، خصوصا بعد إنشائها "مكتبا سياسياً" وخوضها في مضمار السياسة".

لم يتطرق الوثائقي لارتباطات "أحرار الشام" السياسيّة والتمويليّة ببعض الدول، بل أكّد على "استقلاليتها كممثل للشعب الثائر". وخلصت خاتمة الوثائقي إلى القول: "بين الغرابة والتغريب مضت حركة أحرار الشام تسير بين ضفتي التاريخ السوري الراهن، تارة تميل إلى التيارات الجهادية التي نشأت منها، وتارة تميل إلى الثورة السورية التي قاتلت فيها قبل أن تتبنى في النهاية شعار "ثورة شعب".

من يتابع الوثائقي لايمكن إلا أن يسأل نفسه "إذا كانت حركة أحرار الشام بهذا الاعتدال والانفتاح، فلماذا ما زالت ترتبط بجبهة النصرة، ولماذا يقاتل مسلحوها إلى جانب التركستان والشيشان في ريف حلب وريف إدلب؟ ولماذا تفرض على المدنيين في مناطق سيطرتها ذات الإيديولوجية الجهادية التي تتبناها "جبهة النصرة" وحتى تنظيم داعش حتى بعد تعديل المسار وفق رأي الجزيرة؟ علما أن "أحرار الشام" هي من أولى الفصائل "الجهادية" التي تقوم بتطبيق "حد الجلد على متأخر عن صلاة الجمعة" في مدينة حلب مطلع العام 2014، إضافة إلى وجود عشرات التسجيلات المصورة والصور لعمليات نحر وقطع رؤوس وغيرها نفذها مسلحو "الحركة" في سوريا.

  • فريق ماسة
  • 2016-03-05
  • 13398
  • من الأرشيف

"أحرار الشام" على "الجزيرة": إعلان ترويجي طويل

استكملت "الجزيرة" في وثائقي "أحرار الشام.. فلسفة النشأة وتعديل المسار" الذي عرضته الخميس، الترويج للحركة "كفصيل معتدل"، يتخذ "الإسلام الوسطي" منهجاً له، ويهدف إلى تحقيق "الحرية والعدالة"، في ظل "الثورة السورية"، وفق تعبير القناة. جاء الوثائقي (49:35) متقن الصنع من جوانبه الفنية، متناسباً مع تاريخ "الجزيرة" الطويل في صناعة الوثائقيات، إلا أنه من حيث الهدف والمضمون سار باتجاه واحد، فجاء منقوصاً، متخبطاً في بعض الأحيان، تحت شعار التسويق لـ"أحرار الشام كحركة إسلاميّة معتدلة". مايز الوثائقي خلال سرده لحكاية الجماعة بين المفهوم "الإسلامي" والمفهوم "الجهادي"، وتحدّث عن البيئة التي ولد فيها حسان عبود مؤسس الحركة، والتنوّع الطائفي في منطقة سهل الغاب لينتقل الحديث عن الطائفة العلوية، طائفة الرئيس السوري بشار الأسد، أحد أسباب "الثورة السنية". وتناول العمل بشكل سريع الأحداث المواجهات بين الجيش والسوري وجماعة "الإخوان المسلمين" خلال ثمانينيات القرن الماضي. استعان العمل بوثائق وشهادات، بجانب لقاءات مسجّلة أجرتها "الجزيرة "مع قادة الحركة قبل التفجير الذي أودى بحياة معظمهم في أيلول العام 2014. وكما يشير عنوان الوثائقي "أحرار الشام.. فلسفة النشأة وتعديل المسار"، جاء مضمونه ليدعم ذات الفكرة "النشأة الجهاديّة والتعديل نحو المفهوم المعتدل الوسطي". يحاول الوثائقي إيجاد مبرّر لعمل الحركة المسلّح الذي بدأ مبكراً مع الشهور الأولى للأزمة في سوريا، فيقع في سلسلة تناقضات. مثلاً، يقول برهان غليون إنّ النظام أطلق سراح معتقلي صيدنايا الذي شكلوا قادرة للفضائل المسلحة، بهدف القضاء على الثورة، وإيجاد مبرّر للضرب بيد من حديد (د. 13)، ثمّ يمتدح "حركة أحرار الشام"، لما فيها من "تضحية ونكران للذات بهدف القضاء على النظام وتحقيق آمال الشعب" (د. 39). بشكل غير مباشر، ربط الوثائقي بين "حركة أحرار الشام" وجماعة "الإخوان المسلمين"، من خلال الحديث عن نشأة عدد من قادة "الحركة" في عائلات تنتمي إلى "الجماعة"، واعتمادهم على مؤلفات سيد قطب "في ظلال القرآن" و"معالم الطريق" (د 7). لكنّه عاد وأشار إلى تخلّي "الحركة" عن فكرة "الطليعة التي تقود الأمة" إلى فكرة "الجهاد الجماعي" إثر اندماج عدة فصائل أخرى معها، ما اعتبره الوثائقي "تطوراً للنهج والفكر". وينقل العمل عن قادة "الحركة" عدة تصريحات حول فشل النظريات الفكرية بعد تطبيقها بشكل عملي، ما اقتضى تنميتها. ركز الوثائقي في جزء كبير منه على علاقة "الحركة" بـ"داعش"، وتطور تلك العلاقة انطلاقاً من "تجنب التنظيم" وانتهاء بـ"بفتوى وجوب قتاله وإخراجه من حلب وإدلب". إلا أنه لم يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى علاقتها بـ"جبهة النصرة"، فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، على الرغم من اندماج "الحركة" و"النصرة" في محافظة إدلب تحت راية "جيش الفتح"، ليكتفي بالحديث عن بعض المعارك التي خاضتها "الحركة" في ريف إدلب وريف حلب، ما يمكن أن يشكل دليلا إضافيا على توجه الوثائقي التسويقي والترويجي لـ"الحركة". كذلك أغفل الوثائقي بشكل متعمد الحديث عن علاقة "الحركة" بأبي خالد السوري، أحد المقربين من أسامة بن لادن وأحد مؤسسي "أحرار الشام"، والذي ظهرت صوره في الوثائقي من دون الإشارة إليه وهو يقوم بمسح رأس حسان عبود، قبل أن يقتل إثر هجوم انتحاري خلال تواجده في أحد مقرات "الحركة" في حلب. مقابل إغفال هذه المعلومات بشكل متعمد، غاص الوثائقي في تفاصيل أخرى تتعلق باتخاذ "أحرار الشام" طابعا وسطياً ذو عقلية سياسية، وقيادية. تقول "الجزيرة": "أصبحت الحركة تنتهج النهج المؤسساتي بشكل جيد جداً، خصوصا بعد إنشائها "مكتبا سياسياً" وخوضها في مضمار السياسة". لم يتطرق الوثائقي لارتباطات "أحرار الشام" السياسيّة والتمويليّة ببعض الدول، بل أكّد على "استقلاليتها كممثل للشعب الثائر". وخلصت خاتمة الوثائقي إلى القول: "بين الغرابة والتغريب مضت حركة أحرار الشام تسير بين ضفتي التاريخ السوري الراهن، تارة تميل إلى التيارات الجهادية التي نشأت منها، وتارة تميل إلى الثورة السورية التي قاتلت فيها قبل أن تتبنى في النهاية شعار "ثورة شعب". من يتابع الوثائقي لايمكن إلا أن يسأل نفسه "إذا كانت حركة أحرار الشام بهذا الاعتدال والانفتاح، فلماذا ما زالت ترتبط بجبهة النصرة، ولماذا يقاتل مسلحوها إلى جانب التركستان والشيشان في ريف حلب وريف إدلب؟ ولماذا تفرض على المدنيين في مناطق سيطرتها ذات الإيديولوجية الجهادية التي تتبناها "جبهة النصرة" وحتى تنظيم داعش حتى بعد تعديل المسار وفق رأي الجزيرة؟ علما أن "أحرار الشام" هي من أولى الفصائل "الجهادية" التي تقوم بتطبيق "حد الجلد على متأخر عن صلاة الجمعة" في مدينة حلب مطلع العام 2014، إضافة إلى وجود عشرات التسجيلات المصورة والصور لعمليات نحر وقطع رؤوس وغيرها نفذها مسلحو "الحركة" في سوريا.

المصدر : علاء حلبي / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة