دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في بداية الأحداث التي عصفت بسوريا، قدم مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين نصائح عديدة شخصية لمن تعرف عليهم من المسؤولين السوريين. كان دوماً يقول إن هذه «نصائح شخصية، أو آراء ربما، أو يمكن أخذها بعين الاعتبار».
كانت النصائح في تلك الفترة «مقلقة للبعض، إلى حد ما»، باعتبار أن الجدية الروسية في التعاطي مع الأزمة السورية كانت تحت الاختبار، وتحتاج إلى فحص، ولا سيما أن حلفاء الأمس كتركيا وقطر كانوا يغيرون تدريجياً وبسرعة كبيرة جلدهم، ويتحولون إلى أعداء شرسين لدمشق.
كانت نصائح تشوركين، الذي رفع يده مرات عدة معلناً «الفيتو» التاريخي، سياسية وأخلاقية، وتتمثل في الدعوة «لانفتاح سياسي مبكر» برعاية الدولة السورية، وتفاصيل أخرى، لكنها لم تكن تماماً تتفهم الوضع السوري وتعقيداته الداخلية والخارجية، وربما تأتي تصريحاته الأخيرة في السياق ذاته، وان علناً، إذ يميل المراقبون لعدم اعتبارها «رسائل مبطنة».
وكان تشوركين قد قال أمس، وفقاً لما نقلته عنه صحيفة «كوميرسانت» الروسية، إن «روسيا انخرطت بجدية كبرى في هذه الأزمة، سياسياً وديبلوماسياً، والآن عسكرياً، وبالتالي نريد بالطبع أن يأخذ (الرئيس السوري) بشار الأسد هذا بالاعتبار»، مشيراً إلى أن كلامه يعكس «وجهة نظر شخصية». وأضاف ان موقف الرئيس السوري «لا يتوافق مع الجهود الديبلوماسية التي تبذلها روسيا».
ووفقاً لمن يعرف الرجل، يشبه السفير المخضرم رئيسه في الخارجية الروسية سيرغي لافروف، الذي لا يتردد في قول ما يعنيه وما يفكر به، سواء كان جالساً في حضن أصدقائه أو واقفاً في مواجهة خصومه.
فلافروف سبق أن انتقد دمشق مراراً، مشيراً إلى أخطاء ارتكبت أو نصائح لم يؤخذ بها. وإحدى تلك المرات قبيل الأزمة السورية بسنوات في القصر الرئاسي السوري، فيما كان ينتظر حلول موعد العشاء الرسمي خلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف لدمشق في العام 2010، مشيراً حينها إلى ميل سوريا الشديد لإعطاء تركيا مفاتيح كل الملفات المهمة في الشرق الأوسط، بما فيها ملف عملية السلام مع إسرائيل.
فقبل أيام فقط، وقبل خطاب الرئيس السوري بشار الأسد أمام نقابة المحامين، كان ديبلوماسيون وخبراء سوريون يتحدثون عن احتمال تأجيل الانتخابات التشريعية نهاية الربيع الحالي، من عدمه، باعتباره مؤشرا على الجدية المحتملة في دمشق وجنيف معاً، توازياً أو تقاطعاً.
ولكن الأسد، في خطابه المتشدد، استعاد الموقع الذي كان فيه في العام 2011 بالنسبة لكثرة من المراقبين، وأوحى بوضوح بأن السياسة السورية الراهنة ستبقى تتقدم بالاتجاه ذاته الذي سارت به منذ أربعة أعوام، بغض النظر عما يحصل على مستوى جنيف.
رغم ذلك هل يبقى الرهان ممكناً على مراوغة ما؟ يرى عديدون أن تصريحات تشوركين تحتمل إمكانية توزيع أدوار أيضاً، بين القيادات الروسية والجانب السوري في ظل التطورات الحالية أيضا.
ووفقا للبعض، فإن الروس على علم بقرار القيادة السورية السير بالاستحقاقات الدستورية من دون تأجيل أو تأخير، ما دام ليس من ثمار تقطف بعد على المستويين الديبلوماسي والسياسي.
كما أن أي احتمال لتأجيل الانتخابات لا يرتبط فقط بجنيف بل بمؤتمرات موسكو 1 و2، والتي شدد الأسد، في مقابلة له مع إعلاميين روس الخريف الماضي، على أنه يمثل المخرج السياسي الأنسب في ما يتعلق بالشق الداخلي من الأزمة السورية.
رغم ذلك يعتبر الروس أن أي تقدم لمسار موسكو مستقبلاً يجب أن يقترن بإجراءات داخلية، بينها الإفراج عن معتقلين وبعض التنازلات السياسية، التي يمثل موضوع الانتخابات جزءا منها.
لذا ترجح مصادر في دمشق، لـ «السفير»، أن يخضع هذا الاحتمال لمسار الأمور، على المستويين الميداني والسياسي، لكن احتماله يبقى قائماً، سواء نجح جنيف بالإقلاع إيجابياً أم تحطمت جهود الأمم المتحدة.
إذ تصر موسكو، وفقا للمصادر ذاتها، على عملية سياسية تواكب نشاطها الميداني على الساحة السورية، حيث البديل جاهز لتحريك مسار مؤتمر موسكو الثالث، فيما الذهنية السورية السائدة هي ترك الأمور «تسير على طبيعتها»، حتى تأتي الحاجة الفعلية «للتفاوض أو تقديم تنازلات»، والتي يمكن أن يكون من بينها تعديل تواريخ استحقاقات دستورية، علماً أنه يمكن تمديد ولاية المجلس القائمة لمدة أربع سنوات بقانون «في حال الحرب». وتنتهي ولاية المجلس الحالي في حزيران المقبل، على أن تجري التحضيرات للمجلس الجديد قبل ذلك بستين يوماً.
الى ذلك، أكد الكرملين أنه ينطلق من عدم وجود بديل للتسوية السياسية في سوريا، لكنه شدد، في معرض تعليقه على التصريحات الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد، على ضرورة إلحاق الهزيمة بالإرهاب. وكان الأسد قد قال إنه «ليس أمام دمشق خيار آخر سوى الانتصار في الحرب واستعادة الأراضي».
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «يهتم الجميع، وبينهم روسيا، بالحفاظ على وحدة أراضي كل دول المنطقة ووحدتها السياسية، ومن هذه الدول سوريا. ولقد أكد الجميع، وبينهم الرئيس (الروسي فلاديمير بوتين) أنه لا بديل من التسوية السياسية لحل هذه القضية»، لكنه أضاف ان «بوتين أكد أيضاً أن تسوية الأزمة في سوريا تتطلب إلحاق الهزيمة بالإرهاب».
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن روسيا ينبغي ألا توقف ضرباتها الجوية في سوريا، وأن الأسد وأطرافا أخرى في الصراع يجب أن يستمعوا لنصيحة موسكو.
المصدر :
السفير / زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة