حدثان طالما حكما مشهد «الشرق الأوسط» سياسياً وعسكرياً سايكس- بيكو، ويالطا ، فالأول قسّم الأرض العربية إلى دول ورسم لها حدوداً افتراضية لم تراع التنوّع الثقافي والاثني لتلك المنطقة لتكون بذاتها سبباً دائماً لإشعال فتيل الأزمات الوطنية، والثاني هو مؤتمر يالطا الذي أرسى قواعد توازن القوى الدولية قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي أفرز لاحقاً عالماً ثنائي القطبية حُكمت الدول بمقتضيات الصراع بين قطبيه وحلفيه وارسو والناتو، وبانهيار الاتحاد السوفياتي دفع «الشرق الأوسط» فاتورة التحوّل إلى أحادية قطبية فجّة عبر حربي الخليج الثانية والثالثة ومشاريع «الشرق الأوسط الجديد»، ولكن يشاء التاريخ مرةً أخرى أن يعيد المشهد ذاته في مئوية «سايكس بيكو» وبذات يوم انعقاد مؤتمر يالطا، أيّ 11 شباط، ليس لشيء بل لأخذ العبر من التاريخ فقط.

 

فمؤتمر ميونيخ لمجموعة الدعم الدولية حول سوريا المنعقد في 11 شباط 2016 ليس حدثاً عادياً كسابِقيه مؤتمر فيينا الأول والثاني في الأزمة السورية، إنه يوم مفصليّ ليس في تاريخ الأزمة السورية فحسب بل في مستقبل العلاقات الدولية، والسبب هو تغيّر الهدف الذي اجتمع عليه الفريق الدولي لإنجازه، فإذا كان إعلاناً فيينا الأول والثاني أتيا كاستجابة أطلسية خليجية لضرورة احتواء الدخول الروسي جوياً إلى سوريا، وإذا كان القراران 2245، 2253 صدراً كنتيجة لاتفاق كيري بوتين حول سورية وأوكرانيا بتاريخ 15/12/2016 لاحتواء ردّ فعل روسيا على العدوان التركي على إحدى طائراتها وتطبيق إعلانيْ فيينا، ليأتي اجتماع ميونيخ خارج سياق تطبيق القرار 2254 والذي من المفترض به – أيّ الاجتماع – معالجة الخلل البنيوي في نص القرار وتذليل عقباته وتفكيك ألغامه لإنجاح أهدافه في تسوية سياسية للأزمة، ولكن على العكس من ذلك أتى البيان مُعزّزاً الاتجاه والرؤية التي تقول إنّ الولايات المتحدة هي من أجهضت مؤتمر «جنيف 3»، وإنّ تصريح جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في تركيا ليس «زلة لسان» بل استراتيجية أميركية لتقويض الحلّ السوري، وإعادة إنتاج تسوية أميركية روسية من ذات البوابة السورية مع تغيير في معالم الحلّ السوري، وهو ما بدا جلياً في نص الاجتماع الختامي لمؤتمر ميونيخ.

 

وقبل الدخول في التغيير الحاصل في معالم الحلّ للأزمة السورية وفق إعلاني فيينا الأول الثاني سنقف عند أبرز التغييرات الجيو استراتيجية التي دفعت الإدارة الأميركية إلى الخروج الصريح عن تفاهماتها مع روسيا حول سوريا، بل والانقلاب عليها جملة وتفصيلاً ورفع السقف إلى مستوى الإنذار بتدخل بري في سوريا بما يمكن أن يدخل العالم في نفق مظلم مجهولة نتائجه، وما التحشيد الأطلسي والتركي والسعودي إلّا أحد أدواته، والسبب الأول هو النجاعة العسكرية الروسية – السورية في الحرب على الإرهاب، وحجم التفاهم الكبير بين سلاحي الجو والأرض في الحرب على الإرهاب، هذا الأمر أرعب الولايات المتحدة من ناحيتين الأولى هي أنّ الميدان السوري سبق مسار فيينا السياسيّ، وعلى حدّ تعبير كيري ثلاثة أشهر كفيلة بإخراج المعارضة من الوجود ، والناحية الثانية تتمثل باتجاه بعض الدول التي تعاني من الإرهاب خصوصاً العراق أن تطلب مساعدة عسكرية روسية في هذا المجال، مستفيدة من البنية التاريخية للجيش العراقي التي تتقن استخدام السلاح الروسي، وحدثٌ كهذا يقلب معادلات النظام الدولي الحالي، ويخلّ بالتوازنات القائمة بين روسيا والناتو…

 

والسبب الثاني أتى جلياً بلسان ينس ستولتنبرغ رئيس منظمة حلف شمال الأطلسي عندما أعلن صراحة رفض دول الحلف التواجد الروسي شرق المتوسط لأنها تغيّر معالم التوازن بين روسيا والناتو، وشكلت رؤية الأطلسي تلك عاملاً ضاغطاً على إدارة اوباما التي كانت تتجه إلى تسوية الأمر مع روسيا، أما السبب الثالث وهو الأهمّ التغيّر السريع في الواقع الجيبوليتكي الدولي في غير صالح الولايات المتحدة، فإعلان الصين تصعيداً جيوبوليتيكياً في بحر الصين الجنوبي وقيام حليفتها كوريا الشمالية بتصعيد متكرّر بقنبلتها الهيدروجينية تارة وصاروخها الباليستي وإطلاق قمرها الصناعي تارة أخرى، الأمر الذي يتطلب تريثاً أميركياً في الشرق الأوسط، ولا ننسى أمراً مهما أيضاً أنه من غير المتوقع أن تقوم الإدارة الأميركية بتسوية الأزمة السورية مع روسيا دون تسوية القضية الفلسطينية لصالح حليفتها «إسرائيل»، وهو ما كاد أن يتعذّر بانتصار الدولة السورية على الإرهاب…

 

جملة تلك الأمور دفعت الإدارة الحالية إلى إعادة تقييم الوضع في الشرق الأوسط سريعاً، وعلى ما يبدو أنها قرّرت تثبيت مواقعها العسكرية هناك، والعمل سريعاً على إخراج روسيا من شرق المتوسط أو فرض مساومة تاريخية على روسيا بسكوتها على غزو أميركي لليبيا على شاكلة غزو العراق… يعيد التوازن إلى حلف الأطلسي في جنوب القارة العجوز، أمام روسيا المندفعة إلى البحر المتوسط، وإذا كان إجهاض مسار فيينا للحلّ برمّته يعني فتح أبواب الصراع مشرّعة على كلّ الاحتمالات، كان القرار الأميركي تعديل مسار فيينا للحلّ لكبح جماح الجيش السوري في انتصاراته على أدواتها الإرهابية وإعادة شكل من أشكال التوازن للمشهد السوري، وتحويل روسيا إلى طرف أساس في المشكلة السورية وما يستتبعه من مقتضيات الحلّ بخروج روسيا من الشرق الأوسط، أو قبولها المساومة مع الولايات المتحدة على ليبيا، فالبيان تحدّث لأول مرة عن وجوب تطبيق وقف شامل للأعمال العدائية، بما ينطبق على أيّ طرف ينخرط حالياً في أعمال عدائية عسكرية أو شبه عسكرية ضدّ أية أطراف أخرى ، هذا الأمر يعني حكماً تحويل روسيا إلى طرف في الأزمة السورية وأيّ وقف لإطلاق النار يلزمه أيضاً على الأقلّ على الجماعات المحسوبة على الرياض وتركيا، وتحت قرقعة السلاح الأطلسي والخليجي وهدير الطائرات السعودية وعدم رغبة روسيا بتدهور الأوضاع عسكرياً مع الولايات المتحدة، وخصوصا أنها شعرت بجدية الولايات المتحدة تشكيل قوة برية قوامها تركيّ سعوديّ لغزو سوريا برياً حال فشل التفاهمات الجديدة معها، لذلك أتى بيان ميونيخ صارخاً في استدارته على تفاهمات فيينا والقرار 2254 في بعض فقراته، ويعكس تسوية جديدة سياسية وعسكرية قوامها «ستاتيكو ميداني» بين الأطراف المتحاربة وجوب تطبيق وقف شامل للأعمال العدائية بانتظار توافق أميركي روسي على قائمة المنظمات الإرهابية، وتغيرٌ سياسيٌّ في بند الدفع قدماً بالانتقال السياسي حيث ورد في نص بيان ميونيخ قضيتين تشكلان خروجاً عن روح إعلاني فيينا، القضية الأولى ضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية ويملكها السوريون استناداً إلى بيان جنيف بكلّيته والثانية أنّ الانتخابات التي ستقام بعد 18 شهراً يجيب أن تجري بما يرضي الحكم الجديد.

 

إذاً وقف إطلاق النار الروسي على أدوات العدوان التركي السعودي تحت بند شمولية وقف الأعمال العدائية وتطبيق كامل لجنيف1 بكليته ورضا الحكم الجديد عن الانتخابات العادلة تعكس التغيّر الحاصل في إعلاني فيينا.

 

بالنتيجة شكل إعلان ميونيخ الجديد مرحلة مهمة في إعادة رسم مشهد التوازنات الدولية بين روسيا والناتو انطلاقاً من الأرض السورية ومن الميدان السوري، وهنا مفصلية بيان ميونيخ وأهميته، وعلى شاكلة مؤتمر يالطا 11/شباط 1945 الذي أرسى نظام توازن المصالح والقوى بين السوفيات وأوروبا الغربية، أتى مؤتمر ميونيخ 11/شباط 2016، ليدشن مرحلة جديدة بين روسيا والغرب عموماً عنوانها الندية وتوازن المصالح من مخرجات الميدان السوري، أمّا سوريا فالتغيّر الذي طرأ على شكل التسوية في ميونيخ لم تكترث له حكومة دمشق حتى الآن وتكّفل الرئيس الأسد بوضع النقاط على الحروف حين أكد في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية على حتمية مواجهة العدوان التركي السعودي إنْ حصل في كلام بالغ الأهمية والحساسية والدلالة، ومستمرّ أيضاً بحربه على الإرهاب، والذي ترجم فعلياً على الأرض باستكمال إطباق الخناق على كلّ البؤر الإرهابية بما فيها أرياف حمص المحسوبة على المحور التركي السعودي…

 

إذاً حسابات دمشق تختلف عن حسابات تضارب القوى الدولية على الأرض السورية، لأنّ الأولوية هي لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي يعني رسالة سورية واضحة إلى المؤتمرين والمتآمرين في ميونيخ بضرورة السرعة في إنجاز ملف تصنيف الجماعات المسلحة باعتباره المدخل الحقيقي إلى تسوية الأزمة السورية وعدم سقوط تسوية ميونيخ بين الأطراف الدولية على مصالحها الجيبوليتيكية… وما يعقب ذلك من نتائج كارثية.

  • فريق ماسة
  • 2016-02-18
  • 12881
  • من الأرشيف

ستاتيكو ميونيخ" .. تموضع جديد للأزمة السورية وليس حلاً!

حدثان طالما حكما مشهد «الشرق الأوسط» سياسياً وعسكرياً سايكس- بيكو، ويالطا ، فالأول قسّم الأرض العربية إلى دول ورسم لها حدوداً افتراضية لم تراع التنوّع الثقافي والاثني لتلك المنطقة لتكون بذاتها سبباً دائماً لإشعال فتيل الأزمات الوطنية، والثاني هو مؤتمر يالطا الذي أرسى قواعد توازن القوى الدولية قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي أفرز لاحقاً عالماً ثنائي القطبية حُكمت الدول بمقتضيات الصراع بين قطبيه وحلفيه وارسو والناتو، وبانهيار الاتحاد السوفياتي دفع «الشرق الأوسط» فاتورة التحوّل إلى أحادية قطبية فجّة عبر حربي الخليج الثانية والثالثة ومشاريع «الشرق الأوسط الجديد»، ولكن يشاء التاريخ مرةً أخرى أن يعيد المشهد ذاته في مئوية «سايكس بيكو» وبذات يوم انعقاد مؤتمر يالطا، أيّ 11 شباط، ليس لشيء بل لأخذ العبر من التاريخ فقط.   فمؤتمر ميونيخ لمجموعة الدعم الدولية حول سوريا المنعقد في 11 شباط 2016 ليس حدثاً عادياً كسابِقيه مؤتمر فيينا الأول والثاني في الأزمة السورية، إنه يوم مفصليّ ليس في تاريخ الأزمة السورية فحسب بل في مستقبل العلاقات الدولية، والسبب هو تغيّر الهدف الذي اجتمع عليه الفريق الدولي لإنجازه، فإذا كان إعلاناً فيينا الأول والثاني أتيا كاستجابة أطلسية خليجية لضرورة احتواء الدخول الروسي جوياً إلى سوريا، وإذا كان القراران 2245، 2253 صدراً كنتيجة لاتفاق كيري بوتين حول سورية وأوكرانيا بتاريخ 15/12/2016 لاحتواء ردّ فعل روسيا على العدوان التركي على إحدى طائراتها وتطبيق إعلانيْ فيينا، ليأتي اجتماع ميونيخ خارج سياق تطبيق القرار 2254 والذي من المفترض به – أيّ الاجتماع – معالجة الخلل البنيوي في نص القرار وتذليل عقباته وتفكيك ألغامه لإنجاح أهدافه في تسوية سياسية للأزمة، ولكن على العكس من ذلك أتى البيان مُعزّزاً الاتجاه والرؤية التي تقول إنّ الولايات المتحدة هي من أجهضت مؤتمر «جنيف 3»، وإنّ تصريح جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في تركيا ليس «زلة لسان» بل استراتيجية أميركية لتقويض الحلّ السوري، وإعادة إنتاج تسوية أميركية روسية من ذات البوابة السورية مع تغيير في معالم الحلّ السوري، وهو ما بدا جلياً في نص الاجتماع الختامي لمؤتمر ميونيخ.   وقبل الدخول في التغيير الحاصل في معالم الحلّ للأزمة السورية وفق إعلاني فيينا الأول الثاني سنقف عند أبرز التغييرات الجيو استراتيجية التي دفعت الإدارة الأميركية إلى الخروج الصريح عن تفاهماتها مع روسيا حول سوريا، بل والانقلاب عليها جملة وتفصيلاً ورفع السقف إلى مستوى الإنذار بتدخل بري في سوريا بما يمكن أن يدخل العالم في نفق مظلم مجهولة نتائجه، وما التحشيد الأطلسي والتركي والسعودي إلّا أحد أدواته، والسبب الأول هو النجاعة العسكرية الروسية – السورية في الحرب على الإرهاب، وحجم التفاهم الكبير بين سلاحي الجو والأرض في الحرب على الإرهاب، هذا الأمر أرعب الولايات المتحدة من ناحيتين الأولى هي أنّ الميدان السوري سبق مسار فيينا السياسيّ، وعلى حدّ تعبير كيري ثلاثة أشهر كفيلة بإخراج المعارضة من الوجود ، والناحية الثانية تتمثل باتجاه بعض الدول التي تعاني من الإرهاب خصوصاً العراق أن تطلب مساعدة عسكرية روسية في هذا المجال، مستفيدة من البنية التاريخية للجيش العراقي التي تتقن استخدام السلاح الروسي، وحدثٌ كهذا يقلب معادلات النظام الدولي الحالي، ويخلّ بالتوازنات القائمة بين روسيا والناتو…   والسبب الثاني أتى جلياً بلسان ينس ستولتنبرغ رئيس منظمة حلف شمال الأطلسي عندما أعلن صراحة رفض دول الحلف التواجد الروسي شرق المتوسط لأنها تغيّر معالم التوازن بين روسيا والناتو، وشكلت رؤية الأطلسي تلك عاملاً ضاغطاً على إدارة اوباما التي كانت تتجه إلى تسوية الأمر مع روسيا، أما السبب الثالث وهو الأهمّ التغيّر السريع في الواقع الجيبوليتكي الدولي في غير صالح الولايات المتحدة، فإعلان الصين تصعيداً جيوبوليتيكياً في بحر الصين الجنوبي وقيام حليفتها كوريا الشمالية بتصعيد متكرّر بقنبلتها الهيدروجينية تارة وصاروخها الباليستي وإطلاق قمرها الصناعي تارة أخرى، الأمر الذي يتطلب تريثاً أميركياً في الشرق الأوسط، ولا ننسى أمراً مهما أيضاً أنه من غير المتوقع أن تقوم الإدارة الأميركية بتسوية الأزمة السورية مع روسيا دون تسوية القضية الفلسطينية لصالح حليفتها «إسرائيل»، وهو ما كاد أن يتعذّر بانتصار الدولة السورية على الإرهاب…   جملة تلك الأمور دفعت الإدارة الحالية إلى إعادة تقييم الوضع في الشرق الأوسط سريعاً، وعلى ما يبدو أنها قرّرت تثبيت مواقعها العسكرية هناك، والعمل سريعاً على إخراج روسيا من شرق المتوسط أو فرض مساومة تاريخية على روسيا بسكوتها على غزو أميركي لليبيا على شاكلة غزو العراق… يعيد التوازن إلى حلف الأطلسي في جنوب القارة العجوز، أمام روسيا المندفعة إلى البحر المتوسط، وإذا كان إجهاض مسار فيينا للحلّ برمّته يعني فتح أبواب الصراع مشرّعة على كلّ الاحتمالات، كان القرار الأميركي تعديل مسار فيينا للحلّ لكبح جماح الجيش السوري في انتصاراته على أدواتها الإرهابية وإعادة شكل من أشكال التوازن للمشهد السوري، وتحويل روسيا إلى طرف أساس في المشكلة السورية وما يستتبعه من مقتضيات الحلّ بخروج روسيا من الشرق الأوسط، أو قبولها المساومة مع الولايات المتحدة على ليبيا، فالبيان تحدّث لأول مرة عن وجوب تطبيق وقف شامل للأعمال العدائية، بما ينطبق على أيّ طرف ينخرط حالياً في أعمال عدائية عسكرية أو شبه عسكرية ضدّ أية أطراف أخرى ، هذا الأمر يعني حكماً تحويل روسيا إلى طرف في الأزمة السورية وأيّ وقف لإطلاق النار يلزمه أيضاً على الأقلّ على الجماعات المحسوبة على الرياض وتركيا، وتحت قرقعة السلاح الأطلسي والخليجي وهدير الطائرات السعودية وعدم رغبة روسيا بتدهور الأوضاع عسكرياً مع الولايات المتحدة، وخصوصا أنها شعرت بجدية الولايات المتحدة تشكيل قوة برية قوامها تركيّ سعوديّ لغزو سوريا برياً حال فشل التفاهمات الجديدة معها، لذلك أتى بيان ميونيخ صارخاً في استدارته على تفاهمات فيينا والقرار 2254 في بعض فقراته، ويعكس تسوية جديدة سياسية وعسكرية قوامها «ستاتيكو ميداني» بين الأطراف المتحاربة وجوب تطبيق وقف شامل للأعمال العدائية بانتظار توافق أميركي روسي على قائمة المنظمات الإرهابية، وتغيرٌ سياسيٌّ في بند الدفع قدماً بالانتقال السياسي حيث ورد في نص بيان ميونيخ قضيتين تشكلان خروجاً عن روح إعلاني فيينا، القضية الأولى ضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية ويملكها السوريون استناداً إلى بيان جنيف بكلّيته والثانية أنّ الانتخابات التي ستقام بعد 18 شهراً يجيب أن تجري بما يرضي الحكم الجديد.   إذاً وقف إطلاق النار الروسي على أدوات العدوان التركي السعودي تحت بند شمولية وقف الأعمال العدائية وتطبيق كامل لجنيف1 بكليته ورضا الحكم الجديد عن الانتخابات العادلة تعكس التغيّر الحاصل في إعلاني فيينا.   بالنتيجة شكل إعلان ميونيخ الجديد مرحلة مهمة في إعادة رسم مشهد التوازنات الدولية بين روسيا والناتو انطلاقاً من الأرض السورية ومن الميدان السوري، وهنا مفصلية بيان ميونيخ وأهميته، وعلى شاكلة مؤتمر يالطا 11/شباط 1945 الذي أرسى نظام توازن المصالح والقوى بين السوفيات وأوروبا الغربية، أتى مؤتمر ميونيخ 11/شباط 2016، ليدشن مرحلة جديدة بين روسيا والغرب عموماً عنوانها الندية وتوازن المصالح من مخرجات الميدان السوري، أمّا سوريا فالتغيّر الذي طرأ على شكل التسوية في ميونيخ لم تكترث له حكومة دمشق حتى الآن وتكّفل الرئيس الأسد بوضع النقاط على الحروف حين أكد في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية على حتمية مواجهة العدوان التركي السعودي إنْ حصل في كلام بالغ الأهمية والحساسية والدلالة، ومستمرّ أيضاً بحربه على الإرهاب، والذي ترجم فعلياً على الأرض باستكمال إطباق الخناق على كلّ البؤر الإرهابية بما فيها أرياف حمص المحسوبة على المحور التركي السعودي…   إذاً حسابات دمشق تختلف عن حسابات تضارب القوى الدولية على الأرض السورية، لأنّ الأولوية هي لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي يعني رسالة سورية واضحة إلى المؤتمرين والمتآمرين في ميونيخ بضرورة السرعة في إنجاز ملف تصنيف الجماعات المسلحة باعتباره المدخل الحقيقي إلى تسوية الأزمة السورية وعدم سقوط تسوية ميونيخ بين الأطراف الدولية على مصالحها الجيبوليتيكية… وما يعقب ذلك من نتائج كارثية.

المصدر : البناء - سومر صالح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة