تكثف الصراع الدولي – الإقليمي على سوريا في بلدة صغيرة. بعدما كان يتجول في مجمل الجغرافيا ويقترب من العاصمة السياسية لسورية، اتجهت بوصلة الصراع قبل أسابيع الى حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد. أما، الآن، فإن اتجاهات رياح الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، ستهب من بلدة اعزاز التي تشكل نقطة التقاء طرفي المناطق الكردية وخط إمداد للمعارضة. ويبدو من استنفار اللاعبين الدوليين والإقليميين، أن مصير اعزاز يشكل محطة رئيسية في مصير حلب ومن ثم رسم مستقبل الشرق الأوسط. ومن يفوز بهذه البلدة الصغيرة، سيعزز موقعه في رسم النظام الإقليمي الجديد. الخريطة التي رسمها البريطانيون والفرنسيون في اتفاق سايكس – بيكو، يختبر الأميركيون والروس بعد مئة سنة جدواها وحدود دولها.

 

في حلب وجوارها، تدور “حرب عالمية مصغرة” وفق صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية. اللافت، ان الحرب تصاعدت بعد إعلان “المجموعة الدولية لدعم سوريا” في ميونيخ الخميس الماضي، اتفاقها على “وقف العمليات العدائية” خلال أسبوع تمهيداً لـ “وقف النار”. مذّاك، القاذفات الروسية تقصف من السماء وسيتعزز تأثيرها بقدوم قطع بحرية إضافية. مجموعات مسلحة ايرانية باتت لها اليد الطولى الى جانب قوات الجيش السوري في القتال على الأرض.

 

فصائل في “الجيش الحر” مدعومة من “غرفة العمليات العسكرية” التي تضم ممثلين لأجهزة استخبارات عربية وغربية بقيادة اميركا، تخوض حرب بقاء في ريف حلب الشمالي وتسلم صواريخ أرض – أرض جديدة. قاعدة انجرليك جنوب تركيا، تستضيف طائرات من دول اقليمية حليفة لتركيا والمعارضة السورية. وأبدت انقرة استعدادها لـ “قوات برية” ضد “داعش” بتنسيق مع الحلفاء بقيادة أميركا. المدفعية التركية تقصف مناطق سيطرة الأكراد في ريف حلب. “داعش” الذي يضم رؤوساً متعددة، يهيمن على الريف الشرقي للمدينة وصولاً الى الرقة معقله قرب العراق. فصائل المعارضة في ريف حلب، باتت محصورة بين ثلاث جبهات: “داعش” شرقاً، قوات الجيش وحلفاؤها جنوباً، “قوات سوريا الديموقراطية” التي تضم مقاتلين عرباً وأكراداً غرباً. السماء، ملك للطيران السوري والروسي.

 

أما مدينة حلب، فإنها منقسمة منذ العام 2012 الى قسم شرقي تحت سيطرة فصائل معارضة بما فيها “جبهة النصرة” التي تسيطر على محطتي المياه والكهرباء. وهناك اتفاق أجري برعاية “الهلال الأحمر السوري” لتبادل الخدمات مع مناطق تسيطر عليها القوات السورية غرب مدينة حلب. ومنذ بداية الشهر الجاري، جددت القوات السورية وحلفاؤها بدعم روسي، بعد فشل محاولة سابقة قبل أكثر من سنة، الهجوم واستعادت قرى وبلدات عدة من الفصائل الاسلامية والمقاتلة في الريف الشمالي وفي الريف الجنوبي للمدينة، وقطعت طريق إمداد رئيسياً يربط مدينة حلب بريفها الشمالي باتجاه تركيا وبالتالي ضيقت الخناق على مقاتلي المعارضة في المدينة.

 

مقاتلو “وحدات حماية الشعب الكردي” التابعون لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” بزعامة صالح مسلم، الذي تعتبره انقرة حليفاً لـ”العمال الكردستاني” شكلوا حلفاً مع “جيش الثوار” من “الجيش الحر” في تشرين الاول في “قوات سوريا الديموقراطية”. وورثت هذه القوات الموازنة التي وضعها الكونغرس الاميركي لـ”برنامج تدريب وتسليح” المعارضة السورية في الحرب ضد “داعش”، بعدما أوقف البيت الأبيض هذا البرنامج في خريف العام الماضي. وباتت هي الشريك الرئيسي لمقاتلات التحالف الدولي بقيادة أميركا في الحرب ضد “داعش” شرق نهر الفرات، بل ان المبعوث الأميركي للتحالف بريت ماغورك زار المناطق الكردية.

 

أما غرب نهر الفرات، فإن “قوات سوريا” تتحالف مع روسيا ووفرت قاذفاتها غطاء لتقدمها وزادت طموحاتها مع زيادة الدعم الروسي – الأميركي. وبعد تقدم قوات الجيش السوري في ريف حلب، عززت موقفها لقطع خطوط الإمداد مع تركيا و”خنق” حلب، أخذت “قوات سوريا” المبادرة وتقدمت في مناطق كانت حكراً على المعارضة وسيطرت على مطار منغ العسكري الذي كان في قبضة المعارضة منذ آب 2012، وقرى أخرى إضافة الى السيطرة على كامل مدينة تل رفعت التي كانت تحت سيطرة المعارضة منذ 2012 وتبعد 20 كيلومتراً عن تركيا. كما سيطرت أمس على قرية الشيخ عيسى الواقعة غرب مدينة مارع معقل “الجبهة الشامية” وريثة “لواء التوحيد” واقتربت من المواجهة مع “داعش”، حيث جرت مفاوضات لـ”تسليم” المدينة من دون قتال، بعد وصول “قوات سوريا” الى أبواب اعزاز تحت غطاء الطيران الروسي وسط اتهامات موسكو انقرة بأنها “تدعم الارهابيين من بوابة اعزاز”.

 

وتأتي أهمية اعزاز من أمرين: أولاً، انها خط الإمداد الرئيسي من تركيا الى فصائل المعارضة ومناطقها في ريف حلب والمدينة، بما في ذلك من معبر باب السلامة الذي تسيطر عليه “حركة أحرار الشام الاسلامية” والسيطرة عليها تعني المرحلة الأخيرة في حصار حلب. ثانياً، ان اعزاز نقطة التقاطع بين ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية، بل الأهم ان نقطة الجمع بين اقليمي الإدارة الذاتية الكردية في الجزيرة وعين العرب (كوباني) شرقاً وإقليم عفرين في ريف حلب غرباً.

 

السيطرة الكردية على اعزاز (لتي اطلق عليها نشطاء اكراد امس اسم “ارفاد”)، تضع حجر الأساس الرئيسي في قيام كردستان سورية التي تمتد على طول الحدود التركية. عدم السيطرة عليها، يترك المشروع الكردي في إطار كونه إدارات ذاتية ضمن “سوريا الجديدة” القائمة على اللامركزية والإدارات المحلية.

 

الحكومة التركية، التي سبق ان أعلنت سقوط حمص أو حمص “خطاً أحمر”، وضعت سيطرة المقاتلين الأكراد على اعزاز في سياق “الأمن القومي” واعتبرته “خطاً أحمر”، لن تسمح بعبوره. السبب، ان حكومة “حزب العدالة والتنمية” تعتقد بأن سقوط هذه البلدة يعني قيام “كردستان سورية” الى جانب “كردستان العراق”، ما يفتح الباب أمام قيام “كردستان تركيا” جنوب البلاد وإلهام طموحات “حزب العمال الكردستاني” الذي تعتبره “تنظيماً إرهابياً”.

  • فريق ماسة
  • 2016-02-18
  • 11681
  • من الأرشيف

بوادر “حرب عالمية مصغرة” في حلب

تكثف الصراع الدولي – الإقليمي على سوريا في بلدة صغيرة. بعدما كان يتجول في مجمل الجغرافيا ويقترب من العاصمة السياسية لسورية، اتجهت بوصلة الصراع قبل أسابيع الى حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد. أما، الآن، فإن اتجاهات رياح الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، ستهب من بلدة اعزاز التي تشكل نقطة التقاء طرفي المناطق الكردية وخط إمداد للمعارضة. ويبدو من استنفار اللاعبين الدوليين والإقليميين، أن مصير اعزاز يشكل محطة رئيسية في مصير حلب ومن ثم رسم مستقبل الشرق الأوسط. ومن يفوز بهذه البلدة الصغيرة، سيعزز موقعه في رسم النظام الإقليمي الجديد. الخريطة التي رسمها البريطانيون والفرنسيون في اتفاق سايكس – بيكو، يختبر الأميركيون والروس بعد مئة سنة جدواها وحدود دولها.   في حلب وجوارها، تدور “حرب عالمية مصغرة” وفق صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية. اللافت، ان الحرب تصاعدت بعد إعلان “المجموعة الدولية لدعم سوريا” في ميونيخ الخميس الماضي، اتفاقها على “وقف العمليات العدائية” خلال أسبوع تمهيداً لـ “وقف النار”. مذّاك، القاذفات الروسية تقصف من السماء وسيتعزز تأثيرها بقدوم قطع بحرية إضافية. مجموعات مسلحة ايرانية باتت لها اليد الطولى الى جانب قوات الجيش السوري في القتال على الأرض.   فصائل في “الجيش الحر” مدعومة من “غرفة العمليات العسكرية” التي تضم ممثلين لأجهزة استخبارات عربية وغربية بقيادة اميركا، تخوض حرب بقاء في ريف حلب الشمالي وتسلم صواريخ أرض – أرض جديدة. قاعدة انجرليك جنوب تركيا، تستضيف طائرات من دول اقليمية حليفة لتركيا والمعارضة السورية. وأبدت انقرة استعدادها لـ “قوات برية” ضد “داعش” بتنسيق مع الحلفاء بقيادة أميركا. المدفعية التركية تقصف مناطق سيطرة الأكراد في ريف حلب. “داعش” الذي يضم رؤوساً متعددة، يهيمن على الريف الشرقي للمدينة وصولاً الى الرقة معقله قرب العراق. فصائل المعارضة في ريف حلب، باتت محصورة بين ثلاث جبهات: “داعش” شرقاً، قوات الجيش وحلفاؤها جنوباً، “قوات سوريا الديموقراطية” التي تضم مقاتلين عرباً وأكراداً غرباً. السماء، ملك للطيران السوري والروسي.   أما مدينة حلب، فإنها منقسمة منذ العام 2012 الى قسم شرقي تحت سيطرة فصائل معارضة بما فيها “جبهة النصرة” التي تسيطر على محطتي المياه والكهرباء. وهناك اتفاق أجري برعاية “الهلال الأحمر السوري” لتبادل الخدمات مع مناطق تسيطر عليها القوات السورية غرب مدينة حلب. ومنذ بداية الشهر الجاري، جددت القوات السورية وحلفاؤها بدعم روسي، بعد فشل محاولة سابقة قبل أكثر من سنة، الهجوم واستعادت قرى وبلدات عدة من الفصائل الاسلامية والمقاتلة في الريف الشمالي وفي الريف الجنوبي للمدينة، وقطعت طريق إمداد رئيسياً يربط مدينة حلب بريفها الشمالي باتجاه تركيا وبالتالي ضيقت الخناق على مقاتلي المعارضة في المدينة.   مقاتلو “وحدات حماية الشعب الكردي” التابعون لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” بزعامة صالح مسلم، الذي تعتبره انقرة حليفاً لـ”العمال الكردستاني” شكلوا حلفاً مع “جيش الثوار” من “الجيش الحر” في تشرين الاول في “قوات سوريا الديموقراطية”. وورثت هذه القوات الموازنة التي وضعها الكونغرس الاميركي لـ”برنامج تدريب وتسليح” المعارضة السورية في الحرب ضد “داعش”، بعدما أوقف البيت الأبيض هذا البرنامج في خريف العام الماضي. وباتت هي الشريك الرئيسي لمقاتلات التحالف الدولي بقيادة أميركا في الحرب ضد “داعش” شرق نهر الفرات، بل ان المبعوث الأميركي للتحالف بريت ماغورك زار المناطق الكردية.   أما غرب نهر الفرات، فإن “قوات سوريا” تتحالف مع روسيا ووفرت قاذفاتها غطاء لتقدمها وزادت طموحاتها مع زيادة الدعم الروسي – الأميركي. وبعد تقدم قوات الجيش السوري في ريف حلب، عززت موقفها لقطع خطوط الإمداد مع تركيا و”خنق” حلب، أخذت “قوات سوريا” المبادرة وتقدمت في مناطق كانت حكراً على المعارضة وسيطرت على مطار منغ العسكري الذي كان في قبضة المعارضة منذ آب 2012، وقرى أخرى إضافة الى السيطرة على كامل مدينة تل رفعت التي كانت تحت سيطرة المعارضة منذ 2012 وتبعد 20 كيلومتراً عن تركيا. كما سيطرت أمس على قرية الشيخ عيسى الواقعة غرب مدينة مارع معقل “الجبهة الشامية” وريثة “لواء التوحيد” واقتربت من المواجهة مع “داعش”، حيث جرت مفاوضات لـ”تسليم” المدينة من دون قتال، بعد وصول “قوات سوريا” الى أبواب اعزاز تحت غطاء الطيران الروسي وسط اتهامات موسكو انقرة بأنها “تدعم الارهابيين من بوابة اعزاز”.   وتأتي أهمية اعزاز من أمرين: أولاً، انها خط الإمداد الرئيسي من تركيا الى فصائل المعارضة ومناطقها في ريف حلب والمدينة، بما في ذلك من معبر باب السلامة الذي تسيطر عليه “حركة أحرار الشام الاسلامية” والسيطرة عليها تعني المرحلة الأخيرة في حصار حلب. ثانياً، ان اعزاز نقطة التقاطع بين ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية، بل الأهم ان نقطة الجمع بين اقليمي الإدارة الذاتية الكردية في الجزيرة وعين العرب (كوباني) شرقاً وإقليم عفرين في ريف حلب غرباً.   السيطرة الكردية على اعزاز (لتي اطلق عليها نشطاء اكراد امس اسم “ارفاد”)، تضع حجر الأساس الرئيسي في قيام كردستان سورية التي تمتد على طول الحدود التركية. عدم السيطرة عليها، يترك المشروع الكردي في إطار كونه إدارات ذاتية ضمن “سوريا الجديدة” القائمة على اللامركزية والإدارات المحلية.   الحكومة التركية، التي سبق ان أعلنت سقوط حمص أو حمص “خطاً أحمر”، وضعت سيطرة المقاتلين الأكراد على اعزاز في سياق “الأمن القومي” واعتبرته “خطاً أحمر”، لن تسمح بعبوره. السبب، ان حكومة “حزب العدالة والتنمية” تعتقد بأن سقوط هذه البلدة يعني قيام “كردستان سورية” الى جانب “كردستان العراق”، ما يفتح الباب أمام قيام “كردستان تركيا” جنوب البلاد وإلهام طموحات “حزب العمال الكردستاني” الذي تعتبره “تنظيماً إرهابياً”.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة