دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ظل كثير من المتابعين، والمحللين للشأن السياسي، والدولي وحتى المسؤولون المعنيون بالشأن العام في منطقتنا يتعاطون مع الثورة الإسلامية في إيران من منطلق منهج التحليل الغربي،
والأميركي الذي وضع إيران منذ انطلاق ثورتها عام 1979 في خانة الأعداء له لسبب بسيط للغاية هو أن قادتها أغلقوا سفارة الكيان الصهيوني، وأنزلوا علم الكيان ورفعوا عوضاً عنه علم فلسطين، لتصبح قضية فلسطين، والقدس، هي محركاً أساسياً من محركات السياسة الخارجية الإيرانية وقضية عقائدية.. إضافة إلى ذلك اعتبرت إيران الثورة موضوع دعم الشعوب المستضعفة أحد أسس توجهاتها الإقليمية، والدولية، متناغماً ذلك مع سياسة استقلالية واضحة المعالم تقوم على القرار الوطني المستقل، وإرادة الشعب الإيراني الحرة في الكرامة، والنماء، والازدهار.
دعمت إيران الثورة حركات المقاومة في المنطقة لمواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يشكل حسب الرؤية الإيرانية غدة سرطانية في جسد المنطقة، هدفه تدمير العالمين العربي والإسلامي، وتفتيت دوله، ومجتمعاته إلى إتنيات، وطوائف متحاربة تكره بعضها بعضاً، وتقتل بعضها بعضاً لمئة سنة قادمة حسبما يبشرنا به منظرو الحروب المتنقلة، ومتعهدوها.
كان الرد بإنشاء محور المقاومة، وتعزيز ثقافة المقاومة، وقيمها بالتعاون مع سورية التي أدركت بشكل مبكر خطورة الحرب التي شنها صدام حسين ضد إيران، وأهداف واشنطن، وأدواتها في المنطقة في تحقيق (الاحتواء المزدوج) أي ضرب قوتين ثم الاستفراد بالأكثر ضعفاً لتدميرها، واحتلالها، وهو ما حدث مع صدام حسين الذي انتهى بسبب سوء فهمه وتورطه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.. وليدمر بلداً عربياً كبيراً، وإسلامياً مهماً من دون أي رؤية إستراتيجية للتمييز بين الأعداء، والأصدقاء، والانجرار وراء لغة غريزية ثبت عقمها، ونتائجها الكارثية.
سبعة وثلاثون عاماً عبرتها الثورة الإيرانية في خضم بحر متلاطم الأمواج، وحروب، وصراعات حاصرها الغرب فيها لثلاثين عاماً بعقوبات قاسية جداً، ومع ذلك صمد الإيرانيون، وتجاوزوها عبر الدبلوماسية والحوار، والمقاومة، والصبر، والإيمان ليثبتوا للعالم أن إيران دولة إقليمية كبرى، وأن تجاوزها أمر صعب للغاية، واستمرار حصارها لن يثنيها عن مواصلة التحدي لإثبات حقها بموجب القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.
أعجب البعض ذلك أم لم يعجبه فالعبرة دائماً في النتائج، وليس في الخطابات والكلام، وبث لغة الكراهية، والحقد للقفز على الواقع ومرارته، فعندما نقرأ معطيات إيران، وإنجازاتها العلمية يظهر لدينا مدى جدارة الشعب الإيراني الصديق، وقدرته على تجاوز التحديات، ونفهم لماذا تشعر إسرائيل بالخطر، والخوف الوجودي، حيث يقر وزير شؤون الاستخبارات بأن إيران قوة هائلة، ولا يمكن الاستخفاف بقدراتها، ومواردها، وقواتها.
– إيران هذه التي وضعها «العربان» في خانة المخاطر على مضاربهم اعتبرتها مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية في آذار 2013 أنها في المرتبة الأولى من حيث كمية إنتاج المقالات العلمية، والهندسية المكتوبة، والمنشورة من علمائها، وتحتل المرتبة السابعة عالمياً، والأولى إقليمياً في علوم «النانو تكنولوجي»، وتحتل المركز 15 عالمياً على مستوى نشر البحوث العلمية، والمرتبة 11 في إنتاج علوم الطاقات الجديدة، والمرتبة الثانية في امتلاك تقنية الخلايا الجذعية، وعلاج السرطانات على المستوى الإقليمي، كما حققت تقدماً كبيراً في مجال زراعة الأعضاء، وطب العيون، وصنفتها اليونيسيف في مجال العناية الطبية بالمرتبة الممتازة، وتقع جامعاتها بين أفضل 500 جامعة في العالم، وتبلغ نسبة المتعلمين ما بين 15- 24سنة 89%، وتعتبر إيران من أهم عشر دول ترسل أقماراً صناعية للفضاء، والثامنة عالمياً في المجال النووي، والثانية عالمياً في صناعة الطائرات من دون طيار، والسادسة عالمياً في صناعة الغواصات، وتنتج 85% من حاجتها للقمح، وهي الثانية إقليمياً في مجال الإنتاج الزراعي، والرابعة على صعيد التنمية البشرية، وبالطبع فإن كل ذلك جاء على خلفية نظام سياسي يؤمن بالانتخابات، ولديه مؤسساته الدستورية، والديمقراطية، والرقابية، وصحافته، ووسائل إعلامه، وقدراته العسكرية، والدبلوماسية، والثقافية، والأهم الروافع الأخلاقية التي تشكل جانباً مهماً من أجل رفعة الأمم والشعوب، وتقدمها، وتطورها.
مقابل كل هذه الحقائق، والمعطيات التي لم نُضف إليها أرقام إنتاج النفط، والغاز، والثروات الطبيعية الأخرى، ورفع العقوبات عنها وعودة الأموال المجمدة، وخطط إيران المستقبلية الاقتصادية، والعلمية، والثقافية، فإن كثيرين يناقشون إيران من منطلق مذهبي عفن، وليس إسلامياً رحباً، وواسعاً، وهذه المقاربة ليست فقط مشبوهة، إنما تأتي لتغطي الكساح- والعجز الذي يرغب هؤلاء في تغطيته تحت الشعارات المذهبية، والمثال الأوضح لذلك هو المقاربة السعودية، ورهط كُتاب البترودولار الذين يكررون اسطوانات مشروخة لا أساس علمياً لها، يقوم على (إيران فوبيا) التي تخلص منها صانعوها الغربيون مؤقتاً، بينما ازداد رُعبُ بني قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة من دون فهم حقيقي للأسباب سوى سبب واحد، هو العجز والعقم.
السعودية التي يقول ملكها إنه سيتدخل للدفاع عن بلاد المسلمين ولا يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه الداخلية، لم يسأل نفسه سؤالاً واحداً: من فوضك بالتدخل في شؤون الآخرين؟ وهل المال، والنفط يكفيان لإدعاء زعامة فارغة في عالم تتنافس فيه الدول بالعلم، والتكنولوجيا، وارتياد الفضاء، وتطبيقات العلوم النووية، وغيرها!! ثم هل تمتلك الأهلية لتزعم شبه الجزيرة العربية- قبل أن تتنطح للدفاع عن بلاد المسلمين، وإذا كان سلمان، أو ابنه المدلل، يعتقدان بذلك- فإن طريق فلسطين مفتوح، والقدس عروس عروبتكم، فلماذا لا تبدأ بها، بدلاً من تدمير اليمن، وسورية، ولبنان، والعراق، وليبيا..!
– السؤال الآخر، والمهم أين هو حصادكم السياسي لتقدموه للمسلمين، أي أين انتخاباتكم التي تنادون بها، وأين برلمانكم، وأين تحولاتكم الديمقراطية، ودور المرأة، والحريات، والانفتاح، وإنتاجكم العلمي، واستقلالكم، وقراركم الوطني.. وعندما تنجزون كل ذلك يمكن لكم أن تتزعموا عالماً إسلامياً كثير من دوله تسبقكم مكانة، وإنجازات وقيماً إسلامية..
ولأن السعودية تعيش الآن أسوأ أيامها، فهي تشعر بالعجز، واليأس، والسقوط، وإذا رأيت خصمك يطلق عنترياته البائسة، وأرقامه العلمية محبطة، ولا تصل إلى مستوى العنتريات، فاعلم إنه يحفر قبره بيده، فالقاعدة تقول: إنه إذا وقعت في حفرة- عليك كخطوة أولى أن تتوقف عن الحفر، ولكن من الواضح أن آل سعود يستمرون في الحفر معتقدين أنهم بذلك يجدون حبل النجاة لكنهم يسيرون لمصيرهم المحتوم.
– بكل موضوعية نهنئ إيران، وشعبها بذكرى الثورة، التي ما تزال تجتهد لتطور شعبها، وتساعد أصدقاءها، وتتجاوز التحديات وتستمع للانتقادات بعقل منفتح، وما على الخائفين من إيران من العربان سوى أن يقدموا لنا منجزاتهم ونتائج سياساتهم الكارثية على شعوبهم وشعوب المنطقة، والمسلمين عامة، فالعبرة في النتائج دائماً، أما إذا أرادوا التخلص من «عقدة إيران» فلدينا خريطة طريق لذلك سنقدمها لهم عندما يقتنعون أن عقدتهم ليست في خطر إيران، إنما في عجزهم، وضعفهم وهزالتهم السياسية، والعلمية، والاجتماعية، إذ إن المثل يقول: «واثق الخطوة يمشي ملكاً».
المصدر :
د. بسام أبو عبد الله
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة