ذكر بيل كلينتون في مذكراته (حياتي) المباحثات السورية الإسرائيلية غير المباشرة وبإشراف أمريكي عام 1994، قائلًا: لقد كان السفير السوري في واشنطن وليد المعلم يبتز الجميع ببرودة أعصابه،

 

 حتى وصلنا الى تسمية المباحثات معه بـ"محادثات الثلاجة"، فحين كنا نعرض عليه أيّ اقتراح كان يبدأ بكلمة "جدير بالاهتمام"، ولا ينتهي الموضوع إلّا بعد أن يأخذنا في متاهات التاريخ والجعرافيا والأمثلة المتضاربة في السياسات، حتى يصل بعد استهلاك زمنٍ طويلٍ يضغط به على أعصاب الجميع الى جملة "خذوا هذا الرد فهو يمثل وجهة نظرنا حتى هذه اللحظة" (انتهى الاقتباس).

 

الدبلوماسية السورية خاضت مواجهاتٍ مع أكبر الاختصاصيين، من ايتامار رافينوفيتش الذي جهزته "إسرائيل" على مدى 25 عامًا كخبير في الشؤون السورية وسقط بالضربة القاضية بعد ثالث جولة من المباحثات، مما جعل السياسة الاسرائيلية بكامل طواقمها تتدخل بشكلٍ مباشر، مضاف الى ذلك تدخل طواقم الاختصاصيين من الـ"سي آي ايه" في كل تفاصيل المحادثات، ولم تفلح حتى بوضع طريقٍ واضح لمسيرة المطبخ الدبلوماسي السوري، حتى انهم وصلوا الى زرع عملاء لهم ضمن الكادر الدبلوماسي سرعان ما انهار وجودهم امام عناوين اصحاب طاقم الثلاجة.

 

وللعلم فقط، فإنّ الدبلوماسية السورية حين كانت تخوض المعارك المصيرية كان الاتحاد السوفييتي في مرحلة الانهيار، وكانت ايران تواجه زلازل الحروب ضدها ولم يكن يقف معها إلّا سوريا. الآن لا شيء تغير، فالصراع لازال قائمًا ووصل الى الشوارع السورية، وحمل من الدمار ما يعادل نتائج ثلاث قنابل ذرية، فكان رد الثلاجة الدبلوماسية امام كل الحلف الدولي الذي يواجهها "لا أحد في الكون يستطيع ان يفرض على السوريين ما لا يريدونه".

 

لهذا، وإن استخدموا المؤتمرات والأدوات السورية فهي لن تكون بخبرة لا رافينوفيتش.. ولا اختصاصيي الـ"سي آي ايه".. فمن أراد فعلًا أن يكون مفاوضًا حقيقيًا عليه أن يضع اوراقه على الطاولة، لأن لا شيء خافيًا على من كان بها خبيرًا. فهو لازال يفاوض على نفس الملفات منذ عام 1990 حتى الآن، مع ما احتوت هذه المرحلة الطويلة من أحداثٍ أقلّها مذكرة كولن باول.

 

عمومًا، سننتظر ما هو مكتوب في وريقات من سيجلسون على الطاولة، وسنرى إن كانت سورية الطابع، رغم أنّ من يأتي باقتراح دولي لا يمكن أن يكون إلّا جزءًا من ملف، ونحن من يجيد التعامل مع كل الملفات منذ زمنٍ بعيد، فكيف مع أدواتها.

 

إنها سوريا التي أجادت لعبة الشرق الوسط وراهنت على الجنرال زمن ودماء أبنائها فوصلت الى عنوان "لا أحد في الكون يستطيع تجاوز دمشق".. لا أحد..

  • فريق ماسة
  • 2016-01-27
  • 14264
  • من الأرشيف

«الثلاجة» الديبلوماسية السورية!

 ذكر بيل كلينتون في مذكراته (حياتي) المباحثات السورية الإسرائيلية غير المباشرة وبإشراف أمريكي عام 1994، قائلًا: لقد كان السفير السوري في واشنطن وليد المعلم يبتز الجميع ببرودة أعصابه،    حتى وصلنا الى تسمية المباحثات معه بـ"محادثات الثلاجة"، فحين كنا نعرض عليه أيّ اقتراح كان يبدأ بكلمة "جدير بالاهتمام"، ولا ينتهي الموضوع إلّا بعد أن يأخذنا في متاهات التاريخ والجعرافيا والأمثلة المتضاربة في السياسات، حتى يصل بعد استهلاك زمنٍ طويلٍ يضغط به على أعصاب الجميع الى جملة "خذوا هذا الرد فهو يمثل وجهة نظرنا حتى هذه اللحظة" (انتهى الاقتباس).   الدبلوماسية السورية خاضت مواجهاتٍ مع أكبر الاختصاصيين، من ايتامار رافينوفيتش الذي جهزته "إسرائيل" على مدى 25 عامًا كخبير في الشؤون السورية وسقط بالضربة القاضية بعد ثالث جولة من المباحثات، مما جعل السياسة الاسرائيلية بكامل طواقمها تتدخل بشكلٍ مباشر، مضاف الى ذلك تدخل طواقم الاختصاصيين من الـ"سي آي ايه" في كل تفاصيل المحادثات، ولم تفلح حتى بوضع طريقٍ واضح لمسيرة المطبخ الدبلوماسي السوري، حتى انهم وصلوا الى زرع عملاء لهم ضمن الكادر الدبلوماسي سرعان ما انهار وجودهم امام عناوين اصحاب طاقم الثلاجة.   وللعلم فقط، فإنّ الدبلوماسية السورية حين كانت تخوض المعارك المصيرية كان الاتحاد السوفييتي في مرحلة الانهيار، وكانت ايران تواجه زلازل الحروب ضدها ولم يكن يقف معها إلّا سوريا. الآن لا شيء تغير، فالصراع لازال قائمًا ووصل الى الشوارع السورية، وحمل من الدمار ما يعادل نتائج ثلاث قنابل ذرية، فكان رد الثلاجة الدبلوماسية امام كل الحلف الدولي الذي يواجهها "لا أحد في الكون يستطيع ان يفرض على السوريين ما لا يريدونه".   لهذا، وإن استخدموا المؤتمرات والأدوات السورية فهي لن تكون بخبرة لا رافينوفيتش.. ولا اختصاصيي الـ"سي آي ايه".. فمن أراد فعلًا أن يكون مفاوضًا حقيقيًا عليه أن يضع اوراقه على الطاولة، لأن لا شيء خافيًا على من كان بها خبيرًا. فهو لازال يفاوض على نفس الملفات منذ عام 1990 حتى الآن، مع ما احتوت هذه المرحلة الطويلة من أحداثٍ أقلّها مذكرة كولن باول.   عمومًا، سننتظر ما هو مكتوب في وريقات من سيجلسون على الطاولة، وسنرى إن كانت سورية الطابع، رغم أنّ من يأتي باقتراح دولي لا يمكن أن يكون إلّا جزءًا من ملف، ونحن من يجيد التعامل مع كل الملفات منذ زمنٍ بعيد، فكيف مع أدواتها.   إنها سوريا التي أجادت لعبة الشرق الوسط وراهنت على الجنرال زمن ودماء أبنائها فوصلت الى عنوان "لا أحد في الكون يستطيع تجاوز دمشق".. لا أحد..

المصدر : عماد جبور


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة