دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ما أصعب البوح بأسرار قلوبنا لمن نحبه بصمت .. ولكن ماهو أصعب منه هو البوح لمن لانحب بما في قلوبنا تجاهه من جليد وصقيع وثلج ورياح قطبية ..
ونحن نعرف أن قلوبهم براكين تشتعل نارا بالعواطف وبالحب لنا .. كيف نقول لمن لانحب أننا لانحبهم بكل بساطة دون أن نتأتئ ونتلعثم ونتعرق ودون أن تشيح نظراتنا عنهم أو تطرق رؤوسنا .. نبحث في مخازن التعبير وننتقي الكلام حائرين ونغسله بدموعنا واعتذاراتنا وننزع بأصابعنا الشوك والطعم المر ونلعق بألسنتنا حواف المعاني التي تجرح القلوب كحد الشفرة .
لكن ماذا عن أعدائنا وخصومنا ومن نكره ونحتقر ؟؟ هل هناك حيرة فيما نحب أن نقول لهم؟؟ وهل هناك من داع لأن ننزع عن الكلام المسامير ونغسل السم عنه والدم والخل والملح .. وننقيه من شظايا الزجاج كيلا تنغرز في عيونهم؟؟
سنقول للمعارضين الذين نحتقرهم والذين ينتظرون عند الباب الاذن الاميريكي بالدخول الى البيت السوري أنه لايليق بهم الانتظار عند الأبواب وعلى العتبات حيث تؤرجحهم الرياح الباردة أو قد يلفح وجوههم لهيب الشمس الحارق وقد يجلسون من شدة التعب على الرصيف كما المشردون .. وليس من عادة الرجال الانتظار على الأبواب بل هذا من عادة كلاب الراعي ياسادة .. وأنتم لستم كلابا .. بل بشر .. والبشر لديهم كبرياء وكرامة وعقل يحلل ويفكر وليس غريزة وحاسة شم ..
منذ أن اجتمع كيري مع رياض حجاب ومجموعته البائسة اليائسة وهناك جو من الاحباط والخيبة في صفوف المعارضة والهستيريا لأن مغامرة رياض حجاب ورياض نعسان آغا وكثيرين آخرين في الخروج والقفز من النافذة في الطوابق العليا الى أحضان رجال الانقاذ الخليجيين حيث الحريق تمدد في البيت السوري .. تلك القفزات من شاهق المناصب كانت من أجل أن يعود هؤلاء من الباب كما تعود الحيوانات المدللة لتتمدد على الأرائك قرب المواقد وتسترخي مسبلة العينين وهي تتمتع بتدليك جلدها وشعرها بأيدي أصحابها الجدد .. لكن الانتظار أمام الباب طال .. وطال كثيرا .. وكثر العواء والمواء وتركهم رجال الانقاذ وذهبوا الى جولة سباق الهجن .. وأخيرا خرج كيري من الباب واشرأبت الأعناق واهتزت الذيول ورقصت طربا .. ولكن بدل أن يشير كيري اليهم ويصفر بشفتيه معلنا الاذن بالدخول فانه وضع في عنق كل منها حبلا وسلسلة عليها اسمه .. ثم ربط الحبل الى أحد الأعمدة الخارجية .. ومضى لايلوي على شيء .. كان مجتمع المنتظرين يظن أن كيري قد وصل ليجتمع بهم ليعطيهم البشارة .. ولكن كيري ربطهم أمام الباب بانتظار وزير الخارجية الاميريكي القادم بعد أشهر وقال لهم معتذرا: أنا آسف جدا ياجماعة .. لأن مفاوضات جنيف ليست للسماح لأحد بالدخول الى البيت بل لانتظار الوزير القادم .. بعد انتخابات نوفمبر 2016 ..
ولكن أكثر مايلفت النظر بعد حفلة ربط المعارضة الى أعمدة بيوت الجيران هو تلك الجزرة العملاقة التي رمى بها مايكل راتني المبعوث الخاص للولايات المتحدة الاميريكية الخاص بسورية الى المعارضين .. وعمله راتني هو التخدير العام والموضعي فقط وليس الجراحة .. فبعد جو الغضب والخيبة وضع راتني أمام المنتظرين امام الباب جزرة ضخمة جدا .. لم يتمكن الرجل من حملها لثقلها بل أتى برافعة ضخمة (ونش) لتحملها وتضعها أمام المنتظرين ليتسلوا بقضمها وينسوا طعنة كيري .. وكانت هذه الجزرة العملاقة عبارة عن رسالة مليئة بالوعود والمجاملات وتهدئة الخواطر وتبويس الشوارب .. والمعارضون يتناقلون الرسالة وكأنها رسالة من الله وسورة من القرآن .. وهم يرسمون آياتها الكبيرة باللون الأحمر ويعلقونها على الجدران .. ففي تلك الرسالة "الجزرة" وعد راتني المعارضين بما يريدون أن يسمعوا من أنه لايعترف الا بوثيقة جنيف 2012 والهيئة الانتقالية وأن الولايات المتحدة ستقف مع المعارضة حتى النهاية والنصر .. وبعد أن وعد وعودا كثرة واقسم ايمانا عظيمة أوصى الرجل في نهاية "السورة الأميريكية" التي يجب أن تسمى سورة الجزرة أو سورة راتني في الكتاب المقدس للمعارضة .. أوصى المعارضة ونصحها بالحضور الى مؤتمر جنيف 3 من أجل اثبات حسن النوايا وكشف الاعيب النظام وتنفيذ وقف اطلاق النار والمطالبة باجراءات بناء الثقة وادخال المساعدات الانسانية .. وغير ذلك ..
وطبعا قضمت المعارضة الجزرة الكبيرة ومضغتها وعلى الفور ترجمت هضمها "لسورة الجزرة" من الكتاب المقدس الأميريكي ببيان هو نسخة طبق الأصل عن الجزرة العملاقة التي حملها راتني بـ (الونش) .. فهي قبلت التفاوض وفق بيان جنيف 2012 تحديدا مع اجراءات بناء الثقة .. كما وصفتها الجزرة وأوصتها .. أي بادخال المساعدات الانسانية وفك الحصار عن المدن المحاصرة (طبعا باستثناء كفريا والفوعة) ..
منذ خمس سنوات والمعارضة تأكل الجزر والعصي .. فالغرب يقدم لها الجزر والوعود الضخمة .. والدولة السورية تضربها بالعصي .. فهل يمكن لأحد أن يحصي كم وعدا تلقته المعارضة بأنها الاشهر الأخيرة قبل النصر والدخول الى البيت السوري واستلام الحكم ؟؟ .. لقد اتبعت الادارة الاميريكية سياسة الجزرات الصغيرة .. فكل وعد كان مثل جزرة صغيرة عبارة عن مجرد أسابيع أو ثلاثة أشهر على الأكثر واحيانا بضعة أيام .. وذلك كان متعمدا لأن الوعود طويلة الأجل كان من شأنها أن تحبط همة المعارضين وآمالهم .. الا أن حقنهم بالأمل والانتظار فقط أسابيع أو أياما معدودات كان ناجعا .. وكنت ألتقي ببعضهم وهم في غاية النشوة وهم يرددون أمامي ماسمعوه بآذانهم من كبار المسؤولين الاميركيين والأتراك ومن أشباه الرجال .. وكانت الجزرات لاتتوقف عن الوصول الى قرب أفواههم .. جلسات مجلس الأمن .. تسريبات وثيقة الاطلاع .. تحركات عسكرية للمارينز .. الأسد المتأهب .. مناطق عازلة .. نفذ صبر تركيا .. فرض مناطق انسانية .. الروس باعوا .. الايرانيون باعوا .. توغل الأتراك .. سقطت ادلب .. فتوى الجهاد اثر فتوى الجهاد .. لبيك ياسورية من مصر الاخوانية .. اعادة انتخاب اردوغان .. هبوط اسعار النفط الذي سيجعل روسيا تركع خلال أسابيع .. سقوط أوكرانيا ومقايضتها بسورية .. عاصفة الحزم التي ستمتد من البحر الأحمر الى المتوسط .. بل ان آخر هذه الوعود هو وعد سري من بوتين أنه سيتخلى عن الأسد عام 2017 .. الخ .. الخ .. ولكن لاشيء غير الصدى في المدى .. ولاشيء غير الجزر .. جزرة اثر جرزة .. والعصي على المقاعد والاليتين .. والأكتاف والأرداف ..
المعارضون لايزالون يأكلون الجزر بأنواعه .. والجيش السوري وحلفاؤه اليوم يدحرون العدو التركي الأردوغاني من ريف اللاذقية .. واليوم تقطع يد أردوغان من جذورها في اللاذقية وتسحق أصابعه وهو يصرخ بصمت ويرى أن الوجود التركماني يتلاشى من تلك الجبال .. بل وسيكون من الصعب أن يقدر اردوغان على الاحتفاظ بامارة ادلب أو حلب لفترة طويلة خاصة أن المشاهد التي تصلنا من داخل تركيا تشير الى أن أردوغان ربما سيبدأ بالخروج من شرق تركيا أيضا قبل خروجه من حلب وادلب .. ولكي يحتفظ بائع الجزر التركي بشرق تركيا عليه أن يغادر شمال سورية .. معضلة الغبي أردوغان أنه يحاول البقاء في شرق تركيا باخراج الأكراد من المعارضة السورية .. لأنه صار أمام جسم كردي ضخم ممتد من شريط الشمال السوري الى عمق القلب التركي .. وهو يرى ان اضعاف أكراد سورية وتجاهلهم حاجة ملحة لاضعاف أكراد تركيا وتجاهلهم .. شرق تركيا يشتعل .. واللهيب يصل الى استانبول .. تركيا تتوجع وبدأت بالتقيؤ .. الأتراك حائرون في النقلة التالية .. فهم اما أن يحاربوا دفاعا عن تركيا في سورية أو في تركيا .. ولكن الحرب داخل سورية ليست قرارهم بعد اليوم .. ومع هذا لايزال المعارضون يمضغون الجزر التركي ..
وفي الجنوب يترنح المعارضون ويتوسلون النجدة فيما بعد الشيخ مسكين .. أما الغرب فانه ترك المعارضين السوريين خارج النادي النووي كما يترك رواد المطاعم كلابهم في الخارج (عندما تكتب لافتة: ممنوع دخول الكلاب) ودخلت أوروية وأميريكا مع الايرانيين لتناول العشاء النووي وقرع الأنخاب وتوقيع الاتفاقات .. والمعارضون ينتظرون بفارغ الصبر ويتوقعون خروج الراعي الأميريكي ليقول لهم البشرى التي ينتظرونها: لقد أقنعنا الايرانيين أن يتخلوا عن الرئيس الأسد بين عامي 2020 و 2025 ..
السعودية أعطت المعارضين حقنة ضخمة قي عروقهم من بول البعير وجاءت بهم الى الرياض وطلبت منهم رفع السقوف الى حد بناء ناطحات سحاب من الطلبات والشروط .. ولكن في الحقيقة تريد السعودية من ناطحات السحاب أن تقايض في الملف اليمني الذي أتعبها وأثخنها وجعلها تحدث نفسها وتفقد القدرة على النوم والطعام .. وتفقد الرغبة في الحياة .. وجعل الولد يتمرد على أبيه .. ومع ذلك فقد شرب المعارضون الوعد المقدم في عبوات بول البعير وحسبوها عصير الجزر .. والمعارضة لاتريد أن تعترف بالحقيقة أن هناك مساع للبيع .. سنترك لكم سورية ايها الحلفاء ولكن اتركوا لنا شيئا من اليمن ..
ولن يصل شهر نوفمبر الا ويكون المعارضون قد التهموا كمية كبيرة من الجزر والبرسيم وشربوا ماتيسر من بول البعير .. لأن سير المعارك يشير الى أن عليهم ان يتشاءموا كثيرا .. فالمعادلة السورية مطابقة للمعادلة الروسية والايرانية .. وهي أن هزيمة سورية أو تقسيمها وبال على روسيا وايران .. وهي لن تكون .. وحسب مايتنامى الى مسامعي فالربيع قد يكون فيه ربيعان للشعب السوري .. ويمكن للمعارضة أن تفكر بدخول أي مكان على الأرض .. الا التراب السوري .. فهو محرم عليها وعلى سلالاتها ..
وفي هذا المقال لم يكن لدي بوح لمن أحب بصمت وهو لايدري .. ولم يكن عندي بوح باللاحب لمن لاأحب فيصيبني الحرج .. ولكني قلت كلاما لمن هم أعداء وخصوم أكرههم وأحتقرهم .. ولذلك فانني لم أبذل جهدا لتنقية الكلام وغربلته .. ولم أغسل كلمة واحدة مما تحمله من سم .. ولم أسكب قطرة ماء على حرف لأزيل الدم والملح والخل .. وتركت عذارى المفردات تستلقي عارية على السطور دون أن أزوجها من الكنايات والتوريات وبواطن المعاني وصلف الفلسفة او هيبتها .. تركتها دون أن أسلّط عليها حقد البلاغة على المفردات العذراء المراهقة التي لم تبلغ سن الرشد .. ولم تعرف دم الطمث ولا ولادة السجع والطباق ولم يدخل بها علم النحو والصرف بعد ..
ولكن هل تفهم الكلاب المربوطة بالسلاسل خارج المنازل؟ وهل تفكر الكلاب أم تشم؟؟ وهل تفهم المعارضة التي اعتادت أكل الجزر والبرسيم والكراهية المقيتة والعناد الأجوف؟ وهل ياترى تنظر الى الجزر وتشم فيه رائحة العبث واللاجدوى بعد خمس سنين؟؟..
=================
تنويه: ورد في المقال بعض العبارات القاسية على المعارضة .. وهي عبارات اقتضاها النص اللغوي ولاتعني بالضرورة إهانة وشتائم .. ولكن النص دوما يجب أن يلاقي لغته التي تنسجم مع الحقيقة وألوانها وانعكاساتها وتشابيهها وان كانت قاسية ..
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة