منذ نحو عام ونصف العام استطاع الجيش السوري استعادة أكبر تجمع صناعي في مدينة حلب،

 

الصورة- لافتة كُتب عليها «أردوغان لص حلب» عُلقت على غرفة صناعة حلب في مقرها الجديد بعد تدمير مقرها القديم

 

 لتشكل المدينة الصناعية في منطقة الشيخ نجار نقطة ارتكاز في عمليات إعادة تدوير عجلة الاقتصاد الصناعي السوري، الذي يرتكز بشكل أساسي على مدينة حلب، والتي يطلق عليها اصطلاحاً «عاصمة سوريا الاقتصادية»، إلا أن عجلة الصناعة لم تدر بعد.

معوقات عديدة حالت دون عودة المدينة الصناعية، التي كانت تضم نحو ألف منشأة صناعية تعتبر من أضخم المنشآت في سوريا، وبعضها في الشرق الأوسط، إلى مستوى النشاط المرجو، برغم المساعي الحثيثة التي قالت الحكومة السورية إنها تبذلها لإحياء المدينة، خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي لحق ببنيتها التحتية، وعمليات السرقة التي طالت الكثير من منشآتها.

وتضم مدينة حلب نحو 40 ألف منشأة صناعية في مناطق عديدة، معظمها تعرض للتدمير والسرقة، في حين تُعتبر المدينة الصناعية التجمع الأكبر والأهم في حلب.

وفي هذا السياق، يقول رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي «بعد غزو المسلحين المدينة الصناعية صيف عام 2012، تعرضت جميع المنشآت الصناعية فيها للنهب والسرقة والتدمير»، موضحاً أن «أكثر من خمسة آلاف منشأة صناعية تعرضت للسرقة على يد الفصائل المسلحة، وبوجود خبراء وفنيين أتراك قاموا بنقل هذه المصانع إلى تركيا»، مضيفاً «هذا ما تم توثيقه» في إشارة إلى وجود العديد من الحالات الأخرى التي لم يتم توثيقها.

وفي صيف العام 2012، اقتحمت الفصائل المسلحة التي قامت بغزو مدينة حلب انطلاقاً من الشمال، المدينة الصناعية في الشيخ نجار شمال شرق المدينة، وقامت بطرد العديد من العمال، واستولت على المعامل وحولت بعض المستودعات إلى مراكز قيادة للعمليات القتالية، إضافة إلى تحويل بعض المنشآت إلى مصانع للقذائف والعبوات ومخازن للأسلحة المتدفقة من تركيا. ويقول مصدر عسكري، لـ«السفير»، «اختار المسلحون المدينة الصناعية حينها لمعرفتهم أن الطيران السوري سيكون حريصاً في التعامل مع هذه المنشآت، لذلك احتموا فيها».

 

صورة تظهر عملية سرقة حديد وهي في طريقها إلى معبر باب الهوى المؤدي إلى تركيا قرب إعزاز شمال حلب

 

صورة تظهر أن أسقف المعامل والمستودعات في المدينة الصناعية تعرضت للسرقة

واختلفت ايديولوجيا وتبعية الفصائل التي تناوبت على السيطرة على المدينة الصناعية، قبل أن تتمكن «جبهة النصرة» من السيطرة عليها بشكل كامل في العام 2013، فقامت بعمليات استيلاء على معامل تعود ملكيتها للمسيحيين بحجة أنها «أموال كفار وغنائم حرب». ويروي مصدر صناعي حلبي، لـ «السفير»، أن أحد صناعيي المدينة، وهو مسيحي، اضطر لإشهار إسلامه أمام قياديين من «جبهة النصرة» لحماية منشأته، فتمكن من إخراج بعض موجودات مستودعاته، أو ما نجا منها من السرقة والسطو الذي طال جميع منشآت المدينة.

وتسببت عمليات السرقة والتدمير التي طالت قطاع الصناعة في حلب بخسائر، قدرها الشهابي، بنحو 50 مليار دولار، بينها 20 مليار دولار خسائر المدينة الصناعية في الشيخ نجار.

وفي تموز من العام الماضي استطاعت قوة عسكرية سورية استعادة المدينة الصناعية، بعد عملية استمرت أكثر من شهر، قامت بعدها بتوسيع طوق السيطرة في محيط المدينة لتأمينها، قبل إعلانها منطقة آمنة، لتعلن بعدها الحكومة السورية تقديم الرعاية الكاملة لإعادة إحياء المدينة الصناعية، والتي يعني إحيائها إعادة تدوير العجلة الاقتصادية للمدينة، وتشغيل عدد كبير من العاطلين عن العمل لقطع طريق البطالة على من قد يريد حمل السلاح في ظل انعدام سبل المعيشة، إضافة إلى إنعاش الاقتصاد السوري الذي شهد حالة «تضخم جامحة» جراء الحرب، انخفضت خلالها القوة الشرائية للعملة السورية بشكل كبير، ليقفز سعر صرف الدولار من 45 ليرة سورية إلى نحو 400 ليرة.

وبعد تأمين المدينة الصناعية، شكلت الحكومة السورية، بالتعاون مع غرفة صناعة حلب، لجنة قامت بتوثيق وتحديد الأضرار بهدف تحديد المطلوب لإعادتها إلى الحياة. بعدها بدأت الدعوات للصناعيين للعودة إلى المدينة الصناعية، حيث تم تشغيل نحو 500 منشأة (معظمها صغيرة) ما اعتبره مصدر صناعي «مؤشراً على بدء تعافيها».

وأولت الحكومة السورية اهتماماً كبيراً بالمدينة الصناعية في حلب، فأعلنت تخصيصها بـ105 ملايين ليتر مازوت شهرياً بشكل منفصل عن محافظة حلب، وإعانة مالية قدرها 200 مليون ليرة لتسديد الالتزامات المترتبة لمصلحة الأحكام القضائية وديون المدينة، وإعانة بلغت 200 مليون ليرة لمصلحة خطوط النقل وصيانة المحطات الكهربائية. إلا أنه وبرغم ذلك تعاني المدينة الصناعية من مشكلات عدة تعّوق انطلاقها بالشكل المطلوب، أبرزها انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة حلب، وما يترتب عليه من مبالغ إضافية لتوليد الطاقة، إضافة إلى تعرض بعض المنشآت لسرقات متتالية من قبل «اللجان الشعبية»، وهو ما أثار موجة من ردود الأفعال الغاضبة وصلت إلى حد إعلان الشهابي، عبر حسابه على موقع «فايسبوك»، أنه إذا بقي الوضع على ما هو عليه فإن المدينة في طريقها للإغلاق.

وبرغم ذلك، رفض الشهابي، خلال حديثه إلى «السفير»، تحميل هذا الموضوع حجماً أكبر من حجمه، موضحاً أن «الصناعة في حلب وسوريا عموماً تتعافى، ولكن بشكل تدريجي بطيء». وتابع «نحتاج لسياسة اقتصادية ومالية مختلفة، تعتمد على مبدأ الرعاية بدل الجباية، والاحتضان والتحفيز وإزالة كل العقبات».

وينتقد الشهابي دائماً أداء الحكومة السورية تجاه الصناعة، ويعتبرها لا تُولي هذا القطاع أهمية كبيرة. وكتب، على «فايسبوك»، إن «مدينة صناعية راقية كتلك الموجودة في حلب تحتاج إلى حكومة تقدّرها وتعمل على حمايتها وتشغيلها، ولا نفهم كيف تُهمَل بهذا الشكل».

ويؤكد رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية خلال حديثه أن معظم صناعيي حلب ما زالوا موجودين في المدينة، وهناك نسبة منهم استثمرت في مصر من دون أن تبيع منشآتها في حلب، وهؤلاء ينتظرون استقرار الأوضاع ليعودوا إلى بلادهم، مشدداً على أن «حلب كانت وستبقى العاصمة الصناعية لسوريا والشرق الأوسط، وأن صناعتها ستتعافى بسرعة قياسية لأن حلب تتنفس الصناعة وتتفوق فيها».

وفي حال تعافي المدينة الصناعية في حلب، وعودتها للعمل بالشكل المرجو، فإنها ستؤمن أكثر من 30 ألف فرصة عمل، كما ستساهم بعودة استقرار سعر صرف الليرة وتسريع تعافي الاقتصاد السوري، وفق الشهابي.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-19
  • 13134
  • من الأرشيف

عاصمة سورية الاقتصادية تنتظر تعافي الشيخ نجار

منذ نحو عام ونصف العام استطاع الجيش السوري استعادة أكبر تجمع صناعي في مدينة حلب،   الصورة- لافتة كُتب عليها «أردوغان لص حلب» عُلقت على غرفة صناعة حلب في مقرها الجديد بعد تدمير مقرها القديم    لتشكل المدينة الصناعية في منطقة الشيخ نجار نقطة ارتكاز في عمليات إعادة تدوير عجلة الاقتصاد الصناعي السوري، الذي يرتكز بشكل أساسي على مدينة حلب، والتي يطلق عليها اصطلاحاً «عاصمة سوريا الاقتصادية»، إلا أن عجلة الصناعة لم تدر بعد. معوقات عديدة حالت دون عودة المدينة الصناعية، التي كانت تضم نحو ألف منشأة صناعية تعتبر من أضخم المنشآت في سوريا، وبعضها في الشرق الأوسط، إلى مستوى النشاط المرجو، برغم المساعي الحثيثة التي قالت الحكومة السورية إنها تبذلها لإحياء المدينة، خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي لحق ببنيتها التحتية، وعمليات السرقة التي طالت الكثير من منشآتها. وتضم مدينة حلب نحو 40 ألف منشأة صناعية في مناطق عديدة، معظمها تعرض للتدمير والسرقة، في حين تُعتبر المدينة الصناعية التجمع الأكبر والأهم في حلب. وفي هذا السياق، يقول رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي «بعد غزو المسلحين المدينة الصناعية صيف عام 2012، تعرضت جميع المنشآت الصناعية فيها للنهب والسرقة والتدمير»، موضحاً أن «أكثر من خمسة آلاف منشأة صناعية تعرضت للسرقة على يد الفصائل المسلحة، وبوجود خبراء وفنيين أتراك قاموا بنقل هذه المصانع إلى تركيا»، مضيفاً «هذا ما تم توثيقه» في إشارة إلى وجود العديد من الحالات الأخرى التي لم يتم توثيقها. وفي صيف العام 2012، اقتحمت الفصائل المسلحة التي قامت بغزو مدينة حلب انطلاقاً من الشمال، المدينة الصناعية في الشيخ نجار شمال شرق المدينة، وقامت بطرد العديد من العمال، واستولت على المعامل وحولت بعض المستودعات إلى مراكز قيادة للعمليات القتالية، إضافة إلى تحويل بعض المنشآت إلى مصانع للقذائف والعبوات ومخازن للأسلحة المتدفقة من تركيا. ويقول مصدر عسكري، لـ«السفير»، «اختار المسلحون المدينة الصناعية حينها لمعرفتهم أن الطيران السوري سيكون حريصاً في التعامل مع هذه المنشآت، لذلك احتموا فيها».   صورة تظهر عملية سرقة حديد وهي في طريقها إلى معبر باب الهوى المؤدي إلى تركيا قرب إعزاز شمال حلب   صورة تظهر أن أسقف المعامل والمستودعات في المدينة الصناعية تعرضت للسرقة واختلفت ايديولوجيا وتبعية الفصائل التي تناوبت على السيطرة على المدينة الصناعية، قبل أن تتمكن «جبهة النصرة» من السيطرة عليها بشكل كامل في العام 2013، فقامت بعمليات استيلاء على معامل تعود ملكيتها للمسيحيين بحجة أنها «أموال كفار وغنائم حرب». ويروي مصدر صناعي حلبي، لـ «السفير»، أن أحد صناعيي المدينة، وهو مسيحي، اضطر لإشهار إسلامه أمام قياديين من «جبهة النصرة» لحماية منشأته، فتمكن من إخراج بعض موجودات مستودعاته، أو ما نجا منها من السرقة والسطو الذي طال جميع منشآت المدينة. وتسببت عمليات السرقة والتدمير التي طالت قطاع الصناعة في حلب بخسائر، قدرها الشهابي، بنحو 50 مليار دولار، بينها 20 مليار دولار خسائر المدينة الصناعية في الشيخ نجار. وفي تموز من العام الماضي استطاعت قوة عسكرية سورية استعادة المدينة الصناعية، بعد عملية استمرت أكثر من شهر، قامت بعدها بتوسيع طوق السيطرة في محيط المدينة لتأمينها، قبل إعلانها منطقة آمنة، لتعلن بعدها الحكومة السورية تقديم الرعاية الكاملة لإعادة إحياء المدينة الصناعية، والتي يعني إحيائها إعادة تدوير العجلة الاقتصادية للمدينة، وتشغيل عدد كبير من العاطلين عن العمل لقطع طريق البطالة على من قد يريد حمل السلاح في ظل انعدام سبل المعيشة، إضافة إلى إنعاش الاقتصاد السوري الذي شهد حالة «تضخم جامحة» جراء الحرب، انخفضت خلالها القوة الشرائية للعملة السورية بشكل كبير، ليقفز سعر صرف الدولار من 45 ليرة سورية إلى نحو 400 ليرة. وبعد تأمين المدينة الصناعية، شكلت الحكومة السورية، بالتعاون مع غرفة صناعة حلب، لجنة قامت بتوثيق وتحديد الأضرار بهدف تحديد المطلوب لإعادتها إلى الحياة. بعدها بدأت الدعوات للصناعيين للعودة إلى المدينة الصناعية، حيث تم تشغيل نحو 500 منشأة (معظمها صغيرة) ما اعتبره مصدر صناعي «مؤشراً على بدء تعافيها». وأولت الحكومة السورية اهتماماً كبيراً بالمدينة الصناعية في حلب، فأعلنت تخصيصها بـ105 ملايين ليتر مازوت شهرياً بشكل منفصل عن محافظة حلب، وإعانة مالية قدرها 200 مليون ليرة لتسديد الالتزامات المترتبة لمصلحة الأحكام القضائية وديون المدينة، وإعانة بلغت 200 مليون ليرة لمصلحة خطوط النقل وصيانة المحطات الكهربائية. إلا أنه وبرغم ذلك تعاني المدينة الصناعية من مشكلات عدة تعّوق انطلاقها بالشكل المطلوب، أبرزها انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة حلب، وما يترتب عليه من مبالغ إضافية لتوليد الطاقة، إضافة إلى تعرض بعض المنشآت لسرقات متتالية من قبل «اللجان الشعبية»، وهو ما أثار موجة من ردود الأفعال الغاضبة وصلت إلى حد إعلان الشهابي، عبر حسابه على موقع «فايسبوك»، أنه إذا بقي الوضع على ما هو عليه فإن المدينة في طريقها للإغلاق. وبرغم ذلك، رفض الشهابي، خلال حديثه إلى «السفير»، تحميل هذا الموضوع حجماً أكبر من حجمه، موضحاً أن «الصناعة في حلب وسوريا عموماً تتعافى، ولكن بشكل تدريجي بطيء». وتابع «نحتاج لسياسة اقتصادية ومالية مختلفة، تعتمد على مبدأ الرعاية بدل الجباية، والاحتضان والتحفيز وإزالة كل العقبات». وينتقد الشهابي دائماً أداء الحكومة السورية تجاه الصناعة، ويعتبرها لا تُولي هذا القطاع أهمية كبيرة. وكتب، على «فايسبوك»، إن «مدينة صناعية راقية كتلك الموجودة في حلب تحتاج إلى حكومة تقدّرها وتعمل على حمايتها وتشغيلها، ولا نفهم كيف تُهمَل بهذا الشكل». ويؤكد رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية خلال حديثه أن معظم صناعيي حلب ما زالوا موجودين في المدينة، وهناك نسبة منهم استثمرت في مصر من دون أن تبيع منشآتها في حلب، وهؤلاء ينتظرون استقرار الأوضاع ليعودوا إلى بلادهم، مشدداً على أن «حلب كانت وستبقى العاصمة الصناعية لسوريا والشرق الأوسط، وأن صناعتها ستتعافى بسرعة قياسية لأن حلب تتنفس الصناعة وتتفوق فيها». وفي حال تعافي المدينة الصناعية في حلب، وعودتها للعمل بالشكل المرجو، فإنها ستؤمن أكثر من 30 ألف فرصة عمل، كما ستساهم بعودة استقرار سعر صرف الليرة وتسريع تعافي الاقتصاد السوري، وفق الشهابي.

المصدر : علاء حلبي- السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة