دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في البداية لابد لنا من القول إن الأرقام الواردة في هذه الدراسة هي أرقام حقيقية لا تستند لأي إحصائية حكومية أو إحصائية خارجية فهي محايدة ليس لها أي توجه سياسي سواء لاستغلال أزمة المهاجرين مع أو ضد أي جهة كانت.
الدراسة قدمها الباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف واحتوت على العديد من المؤشرات المهمة حول هذه الظاهرة الخطرة.
وقدم الباحث أولا بالقول: بدء مفهوم الهجرة في سورية قديم وكان حلم الشاب السوري منذ القدم التوجه إلى إحدى الدول الغربية لكسب العيش والحياة هناك لما كان يسمعه ممن هاجر قبله عن الحياة هناك وهي خلاف السفر إلى دول الخليج حيث لم يكن هنالك السفر بقصد العمل فهو في النهاية راغب بالعودة.
ولكن وبفعل الحرب على سورية وما جرى في السنوات الخمس الأخيرة تحولت الهجرة إلى ما يجوز تسميته طريقة حياة فقد بدأت خجولة في بداية الأزمة وكانت الأغلبية على قلتها تسافر عن طريق ليبيا إلى الشواطئ الايطالية لتقوم بطلب اللجوء هناك أما في السنتين الماضيتين فقد تغيرت وجهات الهجرة وتغير طريق الهجرة فتحول أغلبية المهاجرين السوريين إلى السفر عن طريق لبنان إلى تركيا ومنها عن طريق البحر إلى اليونان مستمراً ومخترقاً أوروبا للوصول إلى الدول الأكثر رقياً في أوروبا وهي ألمانيا وهولندا والدول الاسكندينافية والسويد بشكل خاص في السنة قبل الماضية وفي هذه السنة والسنة الماضية فأغلبية المهاجرين السوريين يستقرون في ألمانيا أو النمسا لما وجدوه في هاتين الدولتين من أريحية في الاستقرار وتأمين سبل العيش.
ولنبدأ منذ البداية عندما يفكر المواطن السوري في الهجرة ينقسم المواطنون السوريون الراغبون بالهجرة إلى مجموعتين أغنياء يستطيعون تحمل تكاليف الرحلة الآمنة إلى أوروبا وهؤلاء لا تزيد نسبتهم على 10% في مجموع المهاجرين وأغلبية من متوسطي الدخل أو الفقراء إن جاز التعبير يسافرون ضمن الظروف الأقسى للرحلة فتبلغ بداية تكلفة الرحلة للأغنياء ما يزيد على 12000 اثني عشر ألف دولار أميركي تشمل الحصول على الفيزا وأجرة الطائرة والإقامة في الفنادق وهنالك الفقراء حيث تصل تكاليف الرحلة بشكل وسطي إلى 5000 خمسة آلاف دولار للشخص الكبير وأقل من 2500 دولار بالنسبة للطفل الذي يصطحبه والده والطريق الأساسي الحالي هو التوجه إلى لبنان ثم تركيا ومنها إلى أوروبا هذا بالنسبة للخروج النظامي من الحدود السورية أما بالنسبة للمجموعات من المواطنين التي تخرج بشكل غير نظامي وخاصة في الشمال والجنوب السوريين وتنخفض تكاليف الرحلة وخاصة في الشمال حيث الوصول إلى تركيا مباشرة وبتكاليف بسيطة لا تتجاوز الرحلة 2500 ألفين وخمسمئة دولار من الحدود إلى الوصول إلى البحر مع إقامة لعدة أيام وأجار المركب الذي يقطع المهاجر به البحر إلى اليونان وكل ذلك حالياً ونتيجة التسهيلات التي تقدم إلى المهاجرين وخاصة السوريين منهم ضمن أوروبا أما في الماضي أو قبل سنة ونصف كان يكلف الوصول إلى بلد اللجوء ألمانيا على سبيل المثال ما يزيد على 7000 سبعة آلاف يورو.
من يهاجر من سورية؟
في لحظة من اللحظات أصبح حلم الهجرة كوباء يداعب أحلام أغلبية السوريين لأسباب كثيرة
أولها:عدم وجود الأمان خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون بمختلف أسمائهم وتشكيلاتهم الأمر الذي أدى بالمواطنين إلى النزوح إلى المناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة الدولة.
ثانيهما: بعد النزوح إلى تلك المناطق….. المواطنون وجدوا أنفسهم من دون مأوى أو عمل بعد أن خسروا أغلبية أملاكهم ومدخراتهم فأصبح السفر هاجساً بالنسبة لهم.
ثالثاً: ما يحلم به المواطن السوري في الوصول إلى البلاد الأوروبية مع ما يسوق أنه الاستقبال في تلك الدول للمواطنين السوريين متميز بطريقة تجعله يحقق كل ما يحلم به من الراحة والأمان والدخل الجيد.
أعداد المهاجرين ونوعيتهم ودرجة تعليمهم
تبلغ أعداد المهاجرين المسجلين وهم في تزايد يومي ما يزيد على مليون مهاجر يبلغ نسبة الأطفال فيهم 20% ونسبة النساء 20% ونسبة الرجال 60% أما بالنسبة للدراسة العمرية للمهاجرين فتتراوح أعمار المهاجرين وسطياً بين 18 إلى 40 سنة وهم الأغلبية العظمى إن أخرجنا الأطفال من المعادلة وهم بحدود 20% أما كبار السن فلا تتجاوز نسبتهم 3% من مجموع المهاجرين وتبلغ الفئة العمرية من 18 إلى 40 سنة 77% من مجموع المهاجرين.
المستوى العلمي للمهاجرين
يتراوح المستوى العلمي للمهاجرين بين من لا يعرف القراءة والكتابة أي الأمي وبين حملة الإجازات العليا العلمية ومن الملاحظ أن هنالك ما نسبته 7% من المهاجرين هم حاملون إجازات جامعية منهم ما لا يقل عن (4000) أربعة آلاف شخص يحملون الماجستير والدكتوراه في اختصاصات متنوعة. أما الباقون فيصل حملة الشهادة الثانوية إلى 27% والإعدادية إلى 33% والابتدائية وغير المتعلمين والأطفال ما تبقى.
المستوى الاقتصادي
من الملاحظ لدى المهاجرين أن أعداداً كبيرة منهم هم من الطبقة الغنية في المجتمع حيث تصل نسبتهم إلى 10% من مجموع المهاجرين ويصل أفراد الطبقة المتوسطة إلى ما نسبته 60% من مجموعهم والدليل على ذلك الكلفة العالية للسفر والهجرة حيث تصل المبالغ اللازمة للهجرة إلى ما يزيد على 9 آلاف يورو للشخص الواحد وخاصة قبل وجود التسهيلات التي تقدمها حالياً الدول الأوروبية الأمر الذي أدى لخفض تلك التكاليف بشكل كبير.
أما الفقراء أو الطبقة الفقيرة فتصل نسبتهم إلى 30% وهؤلاء كانوا موجودين في تركيا قاموا بالعمل وادخار ما يقيم أودهم للوصول إلى أوروبا بأقل التكاليف الممكنة وضمن ظروف غاية في الفقر والبؤس.
خسائر سورية نتيجة الهجرة
على المستوى الاقتصادي: لابد لنا بداية من تحديد العدد الحقيقي للمهاجرين السوريين إلى أوروبا وفقاً لإحصائيات ميدانية استقصائية، سيصل عدد المهاجرين السوريين الموجودين في أوروبا بنهاية العام الحالي إلى ما يزيد على مليون ومئة ألف سوري منهم من وصل فعلياً لأوروبا ومنهم من يتجهز للانطلاق من تركيا أو من لبنان فلا بد من اعتماد هذا الرقم بشكل إحصائي وخاصة أن ألمانيا ستكون الوجهة الأكبر لهذا العدد حيث من المتوقع أن يصل عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى ما يزيد على 750 ألف لاجئ سوري في أغلبيتهم.
تبدأ الخسائر السورية الاقتصادية منذ اللحظة الأولى لتفكير المواطن السوري بالهجرة:
1- خسارة المواطن: يقوم المواطن ببيع ما لديه من أملاك وذلك بشكل سريع وبأسعار رخيصة ليقوم بجمع المال الكافي لرحلة الهجرة فيخسر ما نسبته 30% من أملاكه بسبب الاضطرار للبيع.
2- خسارة الدولة من العملة: يأتي في المرحلة الثانية السعي لشراء العملة الصعبة لدفع تكاليف الرحلة ومن المعلوم أن هذا الأمر يشكل استنزافاً للاحتياطي النقدي السوري من العملات الصعبة ويؤثر سلباً في انخفاض قيمة العملة السورية تجاه العملات الأخرى نتيجة زيادة الطلب على العملات الصعبة وبقدر المبالغ التي خرجت من سورية بالعملة الصعبة بما يقارب سبعة مليارات وسبعمئة مليون دولار خلال السنتين الماضيتين بحساب أن كل مواطن سوري خرج من هذه الفترة حمل معه مالا يقل عن سبعة آلاف دولار أميركي أنفق معظمها في تركيا وجزءاً منها في لبنان كأجور معيشة ومواصلات الأمر الذي جعلها تدخل في حساب تلك الدول.
3- خسارة الطاقات التعليمية: من المعلوم أن سورية ومنذ أربعة عقود وأكثر وحتى الآن تدعم قطاعات كثيرة في الدولة ولعل أهم تلك القطاعات هو القطاع التعليمي فالطالب السوري ومنذ بداية تعليمه وحتى تخرجه لا يدفع ما يزيد على خمسة دولارات في حين عملياً يكلف الدولة ما يزيد على خمسين ألف دولار لحين تخرجه في المرحلة الجامعية إضافة إلى مجموعة كبيرة من المدارس الصناعية تخرج المهنيين والصناعيين فعند خروج هذه الفئة المتعلمة من البلاد وأغلبهم لا يفكرون بالعودة فهو من أكبر الخسائر على الدخل القومي السوري وتبلغ خسائر الدولة السورية لهذه الناحية ما يزيد على ستة مليارات دولار عبارة عن نزيف طاقات فكرية وعلمية وعملية سورية.
4- خسارة الصناعيين والمهنيين والتجار: مجموعة رجال الأعمال والصناعيين والمهنيين الذين هاجروا كان لهم منعكس اقتصادي لا يقل أهمية عن الخسائر في الاتجاهات السابقة منهم الطبقة المعول عليها في إعادة الإعمار في الأزمة حيث تم إفراغ سورية من أغلبية طاقاتها وخاصة الشباب منهم والمتعلمين والمهنيين ورجال الأعمال والصناعيين. ما حول سورية إلى بلد من الصعوبة فيه بمكان إعادة الإعمار دون الاعتماد على الطاقات الخارجية لعدم وجود فئة الشباب ويقدر المنعكس الاقتصادي لهذه الناحية بالذات إلى ما يزيد على عشرين مليار دولار لإيجاد وتأهيل مثل هؤلاء الأشخاص ويقدر مجموع ما قام به التجار والصناعيون بإخراجه من البلاد من العملات الصعبة للبدء بالمشاريع في أوروبا ودول أخرى وخاصة تركيا إلى ما يزيد على 200 مليار دولار منذ بداية الأزمة وحتى هذا التاريخ وهو منعكس اقتصادي متواز مع الخسائر الاقتصادية للهجرة ولكن لا يدخل ضمن حسابات خسائر الهجرة.
5-المنعكس الاقتصادي على أسعار جميع المواد: حيث حدث ارتفاع غير مسبوق في الأسعار أحد أسبابه الرئيسية هجرة أغلبية الصناعيين والمهنيين والكفاءات الاقتصادية القادرة على الإنتاج ما خلق هوة كبيرة بين المطلوب والكمية الفعلية في الإنتاج والتي انخفضت نتيجة الهجرة إلى حد غير مسبوق لقلة الكوادر في أحيان كثيرة والقائمة تطول.
6- كسر دورة الاكتفاء الذاتي التي تنتج عن الأزمة الاقتصادية في مثل هذه الظروف من خلال تدمير الحلقة الأهم فيها وهي الموارد البشرية (المهاجرون الشباب).
المنعكس الاجتماعي للهجرة
لا يقل المنعكس الاجتماعي للهجرة في سورية تأثيراً عن المنعكس الاقتصادي، وخاصة أن سورية بلد يمتاز بالحالة الاجتماعية المترابطة بين أفراد المجتمع سواء العائلة أو القرية أو المدينة وبشكل عام أي تجمع بشري.
بداية: كان هنالك تدمير للروابط الأسرية نتيجة الهجرة وكان هنالك الكثير من المشاكل الاجتماعية أولها ضغط الشباب الراغب بالهجرة على الأهل بطريقة قد تجعلهم يخسرون مدخرات حياتهم لتأمين المبلغ اللازم لسفر الشباب وهجرته ما قد يجعلهم يدخلون في مرحلة الفاقة والفقر إضافة إلى فقدان الوالدين للمعيل المستقبلي للأسرة من خلال سفره وقد وصلت الحالات المشابهة والقريبة من هذه الحالة إلى ما يزيد على أربعين ألف حالة ترك فيها الشاب منزله بعد أن استولى على المدخرات طوعاً أو غصباً.
الحالة الثانية الملاحظة ضمن المجتمع السوري
حالات الطلاق التي وصلت إلى حد غير مسبوق فبلغت ما يقارب 20000 عشرين ألف حالة كان أغلبها بسبب سفر الزوج أو الزوجة وهنا لابد من الإشارة إلى حالة خطرة جداً قدمت الأسرة السورية فعندما تصل الزوجة إلى الدول الأوروبية يكون أمامها الخيار بترك الزوج والاحتفاظ بالأولاد فالكثيرات ممن كن مضطهدات من الزوج في سورية وتمنحهن العادات الاجتماعية الطلاق وترك الزوج يقمن بهذا الأمر فور وصولهن إلى بلد اللجوء حيث وصلت مثل هذه الحالات إلى ما يقارب 6000 حالة سواء في سورية أو في بلد اللجوء.
المنعكس القانوني
لا بد أن عملية الهجرة تركت الكثير من الآثار القانونية أول تلك الآثار كانت:
1- ظهر الكثير من عمليات الاحتيال وخاصة ما يتعلق ببيع العقارات العائدة للأشخاص الذين هاجروا من سورية وخاصة إذا كانت العائلة بكامل أفرادها حيث تبقي أملاكها في سورية من دون أي رقابة أو متابعة ما يجعل بعض المحتالين يستغلون هذه الفرصة من خلال اقتحام بعض البيوت وادعاء ملكيتها وبيعها لأشخاص حسني النية ما يؤدي إلى ضياع الحقوق حيث وصل عدد هذه الحالات إلى ما يقارب 4000 حالة منها ما تم اكتشافه ومنها ما لم يتم اكتشافه بعد.
2- حالات الوكالات العامة التي يجربها الشخص المهاجر في الأغلب لزوجته أو أحد أقربائه حيث يقوم هذا الشخص ببيع كل أملاك المهاجر ويستولي عليها دون أي قدرة من المهاجر على استيفاء حقه نتيجة وجوده خارج سورية إضافة لأن التصرف الذي قام به الوكيل يعتبر ساري المفعول تجاه المهاجر.
3- زيادة غير مسبوقة في حالات الدعارة والدعاوى المتعلقة بها نتيجة حتمية للوضع الاجتماعي والاقتصادي في ظل غياب رب الأسرة.
المصدر :
الماسة السورية/الوطن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة