لم يتأخّر رئيسا الجمهورية والحكومة التركيان رجب طيب أردوغان واحمد داود اوغلو عن تجيير نتائج الانتخابات النيابية، وبعد أقل من أسبوع على إجرائها، في سياستهما الخارجية. فرئيس الحكومة تحدث يوم الثلاثاء الماضي قائلاً إن تركيا يمكن أن تكون جزءاً من عملية برّية للحلفاء ضد «داعش» لكن ليس بمفردها، فيما قال اردوغان إن تطورات إيجابية قد حصلت في ما خصّ القيام بعملية برية مشتركة.

 وقال اردوغان إن «نتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني قد ازالت الغموض في المشهد السياسي الداخلي، وأعطت لتركيا إمكانية ان تتخذ خطوات أكثر قوة في القضايا والأهداف الإقليمية»، داعياً، وبسرعة، الى إقامة منطقة عازلة وأمنية خالية من الإرهاب، ومشدداً على ان العملية البرية وإقامة المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي ستبحث في قمة مجموعة العشرين المتوقع انعقادها غداً الأحد وبعد غد الإثنين.

وبدورها لم تجد صحيفة «يني شفق» الموالية لـ «حزب العدالة والتنمية» من عنوان يوم الأربعاء الماضي لها سوى «نحو مارع»، مشيرة الى أن أكثر من 11 ألف جندي تركي يقفون عند الحدود، في انتظار أمر عبور لاحتلال المنطقة من جرابلس، حيث «داعش»، الى أعزاز ومارع لتشكيل منطقة عازلة يتمّ حصر اللاجئين السوريين فيها.

غير أن العملية المرتقبة، وفق «يني شفق»، ستجري في النصف الثاني من كانون الأول المقبل، أي أن الأمر سيتأخر شهراً. وتعترف الصحيفة أن التدخل الروسي في سوريا غيّر موازين القوى، إذ إن الهجوم الروسي جعل «داعش» ينقل كتيبتين من قواته إلى جرابلس وخط الحدود مع تركيا.

وكان «داعش»، بحسب ما نقلته «يني شفق»، قد نقل 3 فرق من عناصره من تل أبيض الى مارع بهدف استهداف التركمان هناك. وهذا ما دفع أنقرة الى التحرك لمنع الاعتداء على التركمان. وقد دخلت انقرة في محادثات ديبلوماسية مع الولايات المتحدة لتقييم الوضع. وذكرت الصحيفة أن تركيا ستقدّم الى قمة العشرين الاقتصادية خطة من 51 صفحة لحل الأزمة السورية على ألا يكون للرئيس السوري بشار الأسد أي دور في مستقبل سوريا، ويمكن حصر دوره خلال ستة أشهر فقط. وتعرض الخطة إقامة منطقة عازلة شمال حلب لاستيعاب خمسة ملايين لاجئ سوري، ويكون فيها ستة معسكرات و11 قاعدة لوجستية و17 مركزاً أمنياً، وتشير إلى أن التحضيرات للمباشرة في تنفيذ ذلك جاهزة.

وفي تفاصيل ما ذكرته «يني شفق»، فإنّ أنقرة تستعدّ للمشاركة في عملية برية كبيرة أسمتها «العملية الكبرى» بقيادة الولايات المتحدة تستهدف الرقة وجنوب غرب الحسكة.

وتقول «يني شفق» إن تركيا حشدت حوالي 11 ألف جندي من القوات الخاصة في محافظة كيليس في سبع نقاط على الحدود مع سوريا. وتضيف أن هذه القوات تنتظر الأوامر للتحرك على أن يتم تقييم الوضع نهائياً في النصف الأول من كانون الأول المقبل، قبل أن تبدأ العملية المشتركة مع الأميركيين وغيرهم في النصف الثاني من كانون الأول، بهدف إنشاء منطقة عازلة للاجئين وحماية 400 ألف تركماني من اعتداءات «داعش».

وبحسب الصحيفة فإنّ تركيا تتحضر أيضاً لحماية أمنها من «داعش» وقوات الحماية الكردية السورية من خلال إقامة 11 منطقة أمنية داخل تركيا تبدأ من منطقة شيرناق ـ سيلوبي في الشرق وصولاً الى شانلي اورفه ـ سوروتش في الغرب.

وفي حال حصول أي تهديد من قوات الحماية الكردية، فإنّ تركيا، لن تستبعد القيام بحملة برية.

وأشارت «يني شفق» أن انقرة طالبت واشنطن بعدم الوقوف صامتة أمام تهديدات «داعش» و«حزب العمال الكردستاني»، وأن الولايات المتحدة ردّت بالقول إنه في حال شكلت قوات الحماية الكردية أي تهديد فستوقف عنها المساعدات العسكرية.

وأضافت الصحيفة أن انقرة ذكّرت واشنطن، بأن العديد من قادة «حزب العمال الكردستاني» قد تركوا جبال قنديل ولجأوا الى سوريا، وبلغ عدد هؤلاء 64 قيادياً من بينهم القياديان البارزان باهوز أردال ومصطفى قره صو.

أهداف التسريبات

التهويل الآن تحديداً بعملية كبيرة ستحدث بعد شهر يعكس أهدافاً تكتيكية متعددة:

أولاً، محاولة تركية للضغط على قمة العشرين الاقتصادية التي تبدأ غداً في انطاليا، والتي يُراد منها أن تتبنى الموقف التركي الساعي لإقامة منطقة عازلة للاجئين في سوريا، فتدغدغ حساسية أوروبية بعد غزو اللاجئين لها عبر القوارب التركية. وبذلك تحقق تركيا مطلباً، ولو نفسياً، لإقامة منطقة تطالب بها منذ بدء الحرب السورية.

ثانياً، تريد تركيا من التهويل، ومن دون أن يتورط جيشها مباشرة، أن تمنع أي تقدم منذ الآن لقوات الحماية الكردية في اتجاه جرابلس وبالتالي غربي الفرات، أي أن تركيا تتبع سياسة الردع الاستباقي لتحقيق هدف عدم توسع الشريط الكردي حتى لا تُرغم على التورط في معركة لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور.

ثالثاً، تهوّل تركيا على روسيا بمنع أي تقدم للجيش السوري في شمال حلب وصولاً الى الحدود التركية. ومع أن هذا الهدف السوري على الأبواب فإن تركيا، وبالإضافة الى دعمها المباشر والمفتوح للجماعات المسلحة في سوريا، بدأت تمارس سياسة التهويل بتدخلها المباشر سواء بالتنسيق مع قوات التحالف الغربي او بمفردها في شأن التقدّم السوري المدعوم من روسيا في شمال حلب، وهي المدينة التي تتركز العين التركية عليها منذ بدء الأزمة السورية.

إن تكتيكات تركيا للضغط على الولايات المتحدة لم تتوقف، فقد تقصّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يضع على مكتبه خلال مكالمته الهاتفية قبل أيام مع الرئيس الأميركي باراك اوباما مجسّماً لشعار «إشارة رابعة» أي القبضة التي تفرد أصابع أربع اختلقها اردوغان بعد الثورة على «الإخوان المسلمين» في مصر ليقول لأوباما إن عصر «الإخوان»، وبالتالي النفوذ التركي، في طريقه الى العودة بعد انتصار «حزب العدالة والتنمية» من جديد في الانتخابات النيابية الأخيرة، وأنه لا بدّ من التعاطي بإيجابية من الآن فصاعداً مع المطالب التركية.

الموقف الأميركي حتى الآن غير واضح تماماً، لكن قول الولايات المتحدة إن وصول طائرات «أف- 15 ـ إي» الى قاعدة إينجيرليك هو بطلب من تركيا يعكس عدم حماسة في التجاوب مع خطط تركية للتدخل في سوريا.

ومن الواضح أن تركيا لن تجرؤ على التدخل البري بمفردها في سوريا إلا في حالة مشاركة أميركية وازنة وغير شكلية.

التحشيد التركي الجديد، وإن كان رغبة قديمة ومزمنة لم تترجمها التوازنات حتى الآن على أرض الواقع، هو من إفرازات الانتخابات الأخيرة التي يقرأها مسؤولو «حزب العدالة والتنمية»، ولا سيما أردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود اوغلو على أنها تفويض لتشديد الموقف من سوريا، ومن غير سوريا، في الشرق الأوسط. وهم لا شك يخطئون في مثل هذه القراءة، كما أخطأوا في كل قراءاتهم السابقة للمشهد السوري.

وللتوضيح، فإنّ الانتخابات النيابية التركية لم تفعل شيئاً جديداً، بل أعادت البلاد، بعد فترة عدم وضوح، الى ما كانت عليه قبل انتخابات السابع من حزيران الماضي، حيث كانت السلطة بيد «حزب العدالة والتنمية»، بل كان الحزب حينها أقوى من الآن، ويملك 327 نائباً فيما يملك الآن 317 نائباً، فضلاً عن أن الأكراد لم يكونوا ممَثلين سوى بـ 35 نائباً، كمستقلين، فيما هم الآن موجودون كحزب بـ59 نائباً، مع بقاء «حزب الشعب الجمهوري» على ما هو عليه، ومع تراجع وحيد لحزب «الحركة القومية» الذي كانت سياساته المرتبكة بعد 7 حزيران السبب الأساسي لانتصار «حزب العدالة والتنمية» وتصويت كتلة وازنة من القوميين، تقدَّر بأربع نقاط على الأقل، لمصلحة حزب اردوغان.

لذا، فإن قراءة النتائج على انها تفويض لمزيد من التشدد يمكن أن تترجم تشدداً في الداخل لا في الخارج، حيث إن العوامل المتحكمة بالمعادلات في سوريا تحديداً لا علاقة لها بنتائج الانتخابات في الداخل التركي، بل بالظروف الميدانية المتحركة في سوريا التي دخل عليها العامل الروسي، وهو عامل مؤثر جداً، وبالتقدّم الميداني للجيش السوري في أكثر من جبهة.

تحاول تركيا جرّ حلفائها من العرب ومن الغرب الى الموضع الذي تتموضع هي فيه، ووفق خطوطها الحمر، وهي منع التمدّد الكردي الى غربي الفرات، وإقامة منطقة عازلة لدعم المعارضة المسلحة، وليس لإيواء اللاجئين، تمهيدا لجعل حلب ولاية خاضعة لهيمنتها، وإلحاق الهزيمة بالجيش السوري تمهيداً لإبعاد الأسد نهائياً من أي حل سياسي ولو بعد فترة انتقالية.

تركيا لم تتخلّ عن تصلّبها في الأزمة السورية، وهي لا تزال تراهن على تطورات ميدانية تعيد الروح لرغباتها السورية. لذا يرتفع منسوب التحشيد والتهويل والتوتر التركي الذي يحتاج الى غطاء اميركي محسوب ضمن توازنات القوة في سوريا. أما إذا انخرطت تركيا في مغامرة منفردة لفرض وقائع جديدة على الأرض من دون ضوء أخضر أميركي، فستكون قد دخلت في المنطقة المحظورة التي لا تعلم حتى هي نفسها ما يمكن أن تحدثه من تداعيات في الداخل قبل الخارج.

  • فريق ماسة
  • 2015-11-13
  • 10787
  • من الأرشيف

«العملية الكبرى»: احتلال شمال حلب!....بقلم محمد نور الدين

لم يتأخّر رئيسا الجمهورية والحكومة التركيان رجب طيب أردوغان واحمد داود اوغلو عن تجيير نتائج الانتخابات النيابية، وبعد أقل من أسبوع على إجرائها، في سياستهما الخارجية. فرئيس الحكومة تحدث يوم الثلاثاء الماضي قائلاً إن تركيا يمكن أن تكون جزءاً من عملية برّية للحلفاء ضد «داعش» لكن ليس بمفردها، فيما قال اردوغان إن تطورات إيجابية قد حصلت في ما خصّ القيام بعملية برية مشتركة.  وقال اردوغان إن «نتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني قد ازالت الغموض في المشهد السياسي الداخلي، وأعطت لتركيا إمكانية ان تتخذ خطوات أكثر قوة في القضايا والأهداف الإقليمية»، داعياً، وبسرعة، الى إقامة منطقة عازلة وأمنية خالية من الإرهاب، ومشدداً على ان العملية البرية وإقامة المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي ستبحث في قمة مجموعة العشرين المتوقع انعقادها غداً الأحد وبعد غد الإثنين. وبدورها لم تجد صحيفة «يني شفق» الموالية لـ «حزب العدالة والتنمية» من عنوان يوم الأربعاء الماضي لها سوى «نحو مارع»، مشيرة الى أن أكثر من 11 ألف جندي تركي يقفون عند الحدود، في انتظار أمر عبور لاحتلال المنطقة من جرابلس، حيث «داعش»، الى أعزاز ومارع لتشكيل منطقة عازلة يتمّ حصر اللاجئين السوريين فيها. غير أن العملية المرتقبة، وفق «يني شفق»، ستجري في النصف الثاني من كانون الأول المقبل، أي أن الأمر سيتأخر شهراً. وتعترف الصحيفة أن التدخل الروسي في سوريا غيّر موازين القوى، إذ إن الهجوم الروسي جعل «داعش» ينقل كتيبتين من قواته إلى جرابلس وخط الحدود مع تركيا. وكان «داعش»، بحسب ما نقلته «يني شفق»، قد نقل 3 فرق من عناصره من تل أبيض الى مارع بهدف استهداف التركمان هناك. وهذا ما دفع أنقرة الى التحرك لمنع الاعتداء على التركمان. وقد دخلت انقرة في محادثات ديبلوماسية مع الولايات المتحدة لتقييم الوضع. وذكرت الصحيفة أن تركيا ستقدّم الى قمة العشرين الاقتصادية خطة من 51 صفحة لحل الأزمة السورية على ألا يكون للرئيس السوري بشار الأسد أي دور في مستقبل سوريا، ويمكن حصر دوره خلال ستة أشهر فقط. وتعرض الخطة إقامة منطقة عازلة شمال حلب لاستيعاب خمسة ملايين لاجئ سوري، ويكون فيها ستة معسكرات و11 قاعدة لوجستية و17 مركزاً أمنياً، وتشير إلى أن التحضيرات للمباشرة في تنفيذ ذلك جاهزة. وفي تفاصيل ما ذكرته «يني شفق»، فإنّ أنقرة تستعدّ للمشاركة في عملية برية كبيرة أسمتها «العملية الكبرى» بقيادة الولايات المتحدة تستهدف الرقة وجنوب غرب الحسكة. وتقول «يني شفق» إن تركيا حشدت حوالي 11 ألف جندي من القوات الخاصة في محافظة كيليس في سبع نقاط على الحدود مع سوريا. وتضيف أن هذه القوات تنتظر الأوامر للتحرك على أن يتم تقييم الوضع نهائياً في النصف الأول من كانون الأول المقبل، قبل أن تبدأ العملية المشتركة مع الأميركيين وغيرهم في النصف الثاني من كانون الأول، بهدف إنشاء منطقة عازلة للاجئين وحماية 400 ألف تركماني من اعتداءات «داعش». وبحسب الصحيفة فإنّ تركيا تتحضر أيضاً لحماية أمنها من «داعش» وقوات الحماية الكردية السورية من خلال إقامة 11 منطقة أمنية داخل تركيا تبدأ من منطقة شيرناق ـ سيلوبي في الشرق وصولاً الى شانلي اورفه ـ سوروتش في الغرب. وفي حال حصول أي تهديد من قوات الحماية الكردية، فإنّ تركيا، لن تستبعد القيام بحملة برية. وأشارت «يني شفق» أن انقرة طالبت واشنطن بعدم الوقوف صامتة أمام تهديدات «داعش» و«حزب العمال الكردستاني»، وأن الولايات المتحدة ردّت بالقول إنه في حال شكلت قوات الحماية الكردية أي تهديد فستوقف عنها المساعدات العسكرية. وأضافت الصحيفة أن انقرة ذكّرت واشنطن، بأن العديد من قادة «حزب العمال الكردستاني» قد تركوا جبال قنديل ولجأوا الى سوريا، وبلغ عدد هؤلاء 64 قيادياً من بينهم القياديان البارزان باهوز أردال ومصطفى قره صو. أهداف التسريبات التهويل الآن تحديداً بعملية كبيرة ستحدث بعد شهر يعكس أهدافاً تكتيكية متعددة: أولاً، محاولة تركية للضغط على قمة العشرين الاقتصادية التي تبدأ غداً في انطاليا، والتي يُراد منها أن تتبنى الموقف التركي الساعي لإقامة منطقة عازلة للاجئين في سوريا، فتدغدغ حساسية أوروبية بعد غزو اللاجئين لها عبر القوارب التركية. وبذلك تحقق تركيا مطلباً، ولو نفسياً، لإقامة منطقة تطالب بها منذ بدء الحرب السورية. ثانياً، تريد تركيا من التهويل، ومن دون أن يتورط جيشها مباشرة، أن تمنع أي تقدم منذ الآن لقوات الحماية الكردية في اتجاه جرابلس وبالتالي غربي الفرات، أي أن تركيا تتبع سياسة الردع الاستباقي لتحقيق هدف عدم توسع الشريط الكردي حتى لا تُرغم على التورط في معركة لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور. ثالثاً، تهوّل تركيا على روسيا بمنع أي تقدم للجيش السوري في شمال حلب وصولاً الى الحدود التركية. ومع أن هذا الهدف السوري على الأبواب فإن تركيا، وبالإضافة الى دعمها المباشر والمفتوح للجماعات المسلحة في سوريا، بدأت تمارس سياسة التهويل بتدخلها المباشر سواء بالتنسيق مع قوات التحالف الغربي او بمفردها في شأن التقدّم السوري المدعوم من روسيا في شمال حلب، وهي المدينة التي تتركز العين التركية عليها منذ بدء الأزمة السورية. إن تكتيكات تركيا للضغط على الولايات المتحدة لم تتوقف، فقد تقصّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يضع على مكتبه خلال مكالمته الهاتفية قبل أيام مع الرئيس الأميركي باراك اوباما مجسّماً لشعار «إشارة رابعة» أي القبضة التي تفرد أصابع أربع اختلقها اردوغان بعد الثورة على «الإخوان المسلمين» في مصر ليقول لأوباما إن عصر «الإخوان»، وبالتالي النفوذ التركي، في طريقه الى العودة بعد انتصار «حزب العدالة والتنمية» من جديد في الانتخابات النيابية الأخيرة، وأنه لا بدّ من التعاطي بإيجابية من الآن فصاعداً مع المطالب التركية. الموقف الأميركي حتى الآن غير واضح تماماً، لكن قول الولايات المتحدة إن وصول طائرات «أف- 15 ـ إي» الى قاعدة إينجيرليك هو بطلب من تركيا يعكس عدم حماسة في التجاوب مع خطط تركية للتدخل في سوريا. ومن الواضح أن تركيا لن تجرؤ على التدخل البري بمفردها في سوريا إلا في حالة مشاركة أميركية وازنة وغير شكلية. التحشيد التركي الجديد، وإن كان رغبة قديمة ومزمنة لم تترجمها التوازنات حتى الآن على أرض الواقع، هو من إفرازات الانتخابات الأخيرة التي يقرأها مسؤولو «حزب العدالة والتنمية»، ولا سيما أردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود اوغلو على أنها تفويض لتشديد الموقف من سوريا، ومن غير سوريا، في الشرق الأوسط. وهم لا شك يخطئون في مثل هذه القراءة، كما أخطأوا في كل قراءاتهم السابقة للمشهد السوري. وللتوضيح، فإنّ الانتخابات النيابية التركية لم تفعل شيئاً جديداً، بل أعادت البلاد، بعد فترة عدم وضوح، الى ما كانت عليه قبل انتخابات السابع من حزيران الماضي، حيث كانت السلطة بيد «حزب العدالة والتنمية»، بل كان الحزب حينها أقوى من الآن، ويملك 327 نائباً فيما يملك الآن 317 نائباً، فضلاً عن أن الأكراد لم يكونوا ممَثلين سوى بـ 35 نائباً، كمستقلين، فيما هم الآن موجودون كحزب بـ59 نائباً، مع بقاء «حزب الشعب الجمهوري» على ما هو عليه، ومع تراجع وحيد لحزب «الحركة القومية» الذي كانت سياساته المرتبكة بعد 7 حزيران السبب الأساسي لانتصار «حزب العدالة والتنمية» وتصويت كتلة وازنة من القوميين، تقدَّر بأربع نقاط على الأقل، لمصلحة حزب اردوغان. لذا، فإن قراءة النتائج على انها تفويض لمزيد من التشدد يمكن أن تترجم تشدداً في الداخل لا في الخارج، حيث إن العوامل المتحكمة بالمعادلات في سوريا تحديداً لا علاقة لها بنتائج الانتخابات في الداخل التركي، بل بالظروف الميدانية المتحركة في سوريا التي دخل عليها العامل الروسي، وهو عامل مؤثر جداً، وبالتقدّم الميداني للجيش السوري في أكثر من جبهة. تحاول تركيا جرّ حلفائها من العرب ومن الغرب الى الموضع الذي تتموضع هي فيه، ووفق خطوطها الحمر، وهي منع التمدّد الكردي الى غربي الفرات، وإقامة منطقة عازلة لدعم المعارضة المسلحة، وليس لإيواء اللاجئين، تمهيدا لجعل حلب ولاية خاضعة لهيمنتها، وإلحاق الهزيمة بالجيش السوري تمهيداً لإبعاد الأسد نهائياً من أي حل سياسي ولو بعد فترة انتقالية. تركيا لم تتخلّ عن تصلّبها في الأزمة السورية، وهي لا تزال تراهن على تطورات ميدانية تعيد الروح لرغباتها السورية. لذا يرتفع منسوب التحشيد والتهويل والتوتر التركي الذي يحتاج الى غطاء اميركي محسوب ضمن توازنات القوة في سوريا. أما إذا انخرطت تركيا في مغامرة منفردة لفرض وقائع جديدة على الأرض من دون ضوء أخضر أميركي، فستكون قد دخلت في المنطقة المحظورة التي لا تعلم حتى هي نفسها ما يمكن أن تحدثه من تداعيات في الداخل قبل الخارج.

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة