مطار كويرس يدخل حراً الأسطورة العسكرية السورية. الجيش السوري لم يخترق الحصار المفروض على الكلية الجوية، وأحد أهم قواعده العسكرية في الشمال السوري فحسب،

 

ولكنه أعاد الثقة بقدرة وحداته على إنجاز عمليات عسكرية معقدة، بعد أربعة أعوام من القتال والاستنزاف، وإلحاق واحدة من أكبر الهزائم بـ «داعش في سوريا»، منذ معركة عين العرب/كوباني في كانون الثاني الماضي.

 

ومن نافل القول ان التشكيلات التي قادها العقيد سهيل الحسن، في خط طولي من السفيرة نحو المطار المحاصر والصامد منذ أكثر من عامين ونصف عام، قد أثبتت قدرة الجيش السوري على هزيمة «داعش» عندما تتوفر الإرادة، ويحسّن التنسيق بين الهجوم البري والغطاء الجوي. اذ استطاعت أرتال المدرعات والقوات الخاصة، فتح ثغرة طولية في خطوط «داعش»، والتقدم وسط هجمات من جنود البغدادي على ميمنتها وميسرتها، من دون أن تتوقف قوات الطليعة عن اختراق الحصار.

واتخذ جنود العقيد الحسن إيقاعاً متمهلاً في التقدم في منطقة مكشوفة، تقل فيها المرتفعات، التي لا يتجاوز أعلاها، في تل نعام المئة متر. وسلك المهاجمون ممراً بطول ثلاثين كيلومتراً في قلب خطوط «داعش» من دون أن تتوقف خلال تقدمهم الهجمات على حامية المطار، لإسقاطه قبل وصول طليعتهم الى أسواره، ظهر امس.

ومنذ العشرين من الشهر الماضي، تحول إيقاع الهجوم الى عملية قضم بطيئة لسبعة كيلومترات أخيرة، كانت تفصل قوات «النمر» عن مئات الضباط والجنود، ممن دافعوا ببسالة عن المطار الذي تحيط به، من الشرق والشمال والغرب، قناة يترواح عرضها ما بين العشرة الى أربعين مترا، ساهمت في إبعاد خطر المفخخات.

ولم تتأثر العمليات بالهجوم الذي شنه «داعش» على طريق اثريا خناصر، ولم تستطع إرباك الهجوم، برغم سيطرتها لمدة عشرة أيام على مقطع من 27 كيلومتراً من طريق حلب حماه الاستراتيجي، وشريان الإمداد الوحيد لمليوني حلبي غرب المدينة، وتشكيلات الجيش السوري و «الدفاع الوطني»، و «كتائب البعث»، و «الحرس الثوري» الايراني، ووحدات «حزب الله».

وكانت الإمدادات قد استمرت عبر جسر جوي الى مطار النيرب، ساعد الروس على نقل الإمدادات للمهاجمين، وتعزيزات من حمص واللاذقية.

وكان الجيش قد استبق عملية الالتحام مع المحاصرين في المطار بتصعيد القصف والغارات الجوية على تدمر والرقة ومواقع «داعش» في ريف حمص الشرقي، لمنعها من تحريك أرتالها، أو توجيه قوات نحو المطار.

ويقول «المرصد السوري» ان رتلا من أربعين آلية، ومئات المقاتلين، يسلك طريقاً تتوجه من الرقة نحو أرياف حلب.

وكان رتل من مئة وأربعين آلية قد سلك الطريق نفسه قبل أسبوعين للاستيلاء على طريق اثريا خناصر، تكبد خسائر كثيرة في المواجهة التي دارت مع وحدات من الجيش السوري وحزب الله، واضطر ما تبقى منه الى التراجع.

ويبدو أن العملية تتجاوز مجرد فك الحصار عن المطار، الى الانتشار في المنطقة، مع دخول الجيش الى بلدة رسم العبود القريبة من كويرس، كما أن الجيش السوري سيقوم بثتبيت قواته في المنطقة، وعدم الاكتفاء بسحب المحاصرين.

واذا ما تأكدت فرضية الانتشار هذه، برغم المخاطر الكبيرة من التفاف «داعش»، واختراقه للممر الذي تنتشر فيه وحدات الجيش السوري، فإن ذلك يعزز الطوق الذي بات يفرضه حول مدينة حلب وأحيائها الشرقية حيث تنتشر المجموعات المسلحة، اذ يتقاطع إحكام السيطرة على شرق حلب وكويرس، مع صمود الجيش السوري في المنطقة الصناعية في الشيخ نجار، وصولا الى باشكوي، وتحصنه غربا في مواجهة آخر مواقع المعارضة في الرشدين، واستعادته أكثر من 55 قرية وبلدة في هجوم ريف حلب الجنوبي الحالي، ووقوفه عند مداخل بلدة الحاضر، ومشارف تل العيس المشرف على طريق حلب دمشق الاستراتيجي.

وجلي أن إسقاط الحصار عن كويرس سيحيي العمليات المؤجلة نحو بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين، ويصعّد من هجمات الجيش السوري نحو معقل «داعش» الأخير في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي الممر الممتد من الباب نحو منبج فجرابلس. والممر الذي يبلغ طوله 60 كيلومتراً، وعرضه تسعين كيلومتراً، على الضفة الغربية للفرات، يتسع للكثير من السيناريوات والرهانات التركية، التي تسعى لتحويله الى منطقة آمنة، والكردية التي تنتظر ضوءًا أخضر أميركياً لدخوله ووصل «كانتون» عين العرب كوباني بالإدارة الذاتية في عفرين، بعد وصلها بالحسكة عبر ضم تل أبيض منذ شهر تقريباً، وتوحيد «الكانتونات» الثلاثة في إدارة ذاتية كردية تؤرق الأتراك.

وحراً، يرفع كويرس من أوراق دمشق على التأثير على العملية السياسية في فيينا السبت المقبل. ومن دون مبالغة، فقد أثبت الجيش السوري قدرته على هزيمة «داعش» في الوقت الذي يعمل فيه اجتماع فيينا على غربلة من يريد من المشاركين مقاتلته، وبأي شروط، وتحديد من هو الإرهابي أو الصديق من بين فصائل المعارضة.

ويأتي ذلك ليتوج شهراً من خيار استراتيجي بفتح كل الجبهات ضد المجموعات المسلحة، وخوض معارك على كل الجبهات، وحيثما استطاع الجيش السوري إرسال قوات.

وجلي أن خيار إرسال الآلاف من الجنود الى عمليات هجومية، بالرغم من أن الجيش يعاني من نقص في تجديد قواته وصعوبة في تثبيت مواقعه بعد انتزاعها من يد المعارضة، لم يثن العسكريين الروس والسوريين عن مواصلة الحرب الشاملة التي تخوضها الوحدات البرية السورية تحت غطاء جوي روسي وسوري.

ومع كويرس الحر، تتضح معالم الخريطة الجديدة لميزان القوى في سوريا، التي لا تزال تحتاج للمزيد من الوقت لتثبيتها.

وباستثناء نكسة ريف حماة الشمالي، حيث تراجع الجيش من قرى كفرنبودة ومعركبة ولطمين ولحايا وتل سكيك وسكيك، بل وخسر مورك، التي تبعد 10 كيلومترات عن مدينة حماة، إلا أن كفة الميزان تميل مع ذلك لمصلحته على بقية الجبهات، اذ أصبح الجيش السوري في وضعية هجومية على الجبهات كافة.

وخلال الشهر الماضي، استطاع الجيش السوري السيطرة على سلسلة تلال الجب الأحمر الاستراتيجية في ريف اللاذقية، ويقترب من فصل جبل الزاوية عن جبل الأكراد، بدخوله جبل غمام. وتؤهله تلك المكتسبات تقرير إرسال مدرعاته في سهل الغاب في وقت قريب، من دون التعرض من التلال لزخات صواريخ «التاو» التي تمنعها من التقدم.

وفي الغوطة الشرقية، فقدت المجموعات المسلحة المبادرة، حيث يقوم الجيش بالتقدم في حرستا، وحول دوما، ويستعيد مواقع في جنوب شرق الغوطة، حول مطار مرج السلطان، كان قد فقدها في العام 2012.

وغني عن القول ان الجبهة الجنوبية خرجت من المعادلة تقريبا، بعد هزيمة خمس أمواج صيفية متصلة لـ «عاصفة الجنوب»، أمام تحصينات الجيش السوري في درعا، وتفاهم روسي - أردني أعفى غرفة عمليات عمّان من وظيفتها حاليا.

ويبدو ريف حلب الجنوبي ميدان انتصارات متواصلة للجيش السوري الذي يقوم بتصفية ما تبقى من كتائب لـ «الجيش الحر» في هذه المنطقة، أمام أمر تركي بعدم تحريك أو إرسال أي مؤازرة لتلك المجموعات، وتركيز الاهتمام على الاحتشاد في ريف حلب الشمالي، حيث تقترب «أم المعارك « بالنسبة للأتراك، اذا ما واصل الجيش السوري تقدمه في المنطقة.

في المشهد السوري، اختار الروس فتح كل الجبهات السياسية والعسكرية دفعة واحدة، تشتيت المعارضة المسلحة، وإرباك القوى الاقليمية، وإحياء المسار السياسي بالتزامن في فيينا ضمن المربع الأساسي، الذي بات يقاتل مباشرة أو بالوكالة على الأرض السورية.

وعكست تلك الاستراتيجية رهانا كبيرا على تحقيق أهداف ميدانية كبيرة تقلب موازين القوى في سوريا، بدأت تظهر مع تحرير مطار كويرس. وكانت تقديرات لا تزال موضع اختبار، تقول باحتمال الوصول اليها في زمن قياسي: شهر أو أكثر بقليل للإمساك بمحاور الطرق الرئيسة في حلب ـ حماة ـ حمص ـ دمشق ـ درعا، وتقطيع خطوط إمداد المعارضة المسلحة... وأربعة أشهر، للوصول الى الحدود التركية السورية في الشمال السوري، ودفع المجموعات المسلحة نحو جيوب معزولة.

وتقدم كويرس ورقة إضافية للروس للمضي في العملية السورية بجلائها الخيارات السياسية والعسكرية الروسية في سوريا التي تقف أمام منعطف ثلاثي: ما بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ، وعدم ضبط إيقاع العملية العسكرية في ريف حماة الشمالي، ومواعيد فيينا السوري في ظل عدم تقاطع الحسابات الميدانية والسياسية.

ومنذ إسقاط طائرة شرم الشيخ الروسية، بدأت مراجعات غير معلنة لكل عناصر السياسة السورية، لا سيما لمبدأ عدم إرسال قوات برية، لم يشملها بأي حال تفويض مجلس الدوما للرئيس فلاديمير بوتين، كأحد الأثمان غير المحسوبة، للمعركة، باعتبار ان قرار عدم الانخراط على الارض كان سيحمي روسيا من ارتداداته داخليا، أو أفغنة الحرب السورية.

وتقول مصادر قريبة من الأجهزة الأمنية الروسية في باريس ان قرار عدم الانخراط على الارض أو إرسال قوات روسية الى سوريا لم يعد مبررا بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ بعبوة ناسفة، بحسب كل الفرضيات، وبعد تباطؤ العمليات في ريف حماه الشمالي، وقد يسقط في منتهى عمليات إعادة تقييم الاوضاع وتحديد الاطراف التي تقف وراء عملية إسقاط الطائرة.

ويقول مسؤول أمني غربي سابق لـ«السفير»، انه لم يعد مستبعدا أن يتجاوز الروس في الاسابيع المقبلة تحريم إرسال برية الى سوريا. ويتضافر ذلك مع ما يقوله مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية الروسية من ان الخيار الذي يدرسه الروس يذهب نحو اختيار إرسال قوات خاصة تعمل خلف خطوط «داعش»، وتقوم بعمليات خاطفة ومحدودة لتصفية القيادات والكوادر الرئيسة لـ «داعش» في سوريا.

ويقول المصدر المسؤول ان الروس قد يصطادون من نفذوا عملية سيناء، أو المجموعة التي خططت لها، ولكن الشبهات تذهب نحو دولة عربية، بإصدار الأمر بتنفيذ تلك العملية، لإرباك الروس، ومنعهم من المضي قدماً في عمليتهم السورية، وتدفيعهم الثمن مقدماً.

 

بطاقة تعريف

يقع مطار كويرس شرق مدينة حلب بمسافة تقدر بحوالي 40 كيلومتراً. وتبلغ مساحته حوالي 400 هكتار وهو ينقسم إلى قسمين أساسيين:

القسم الأول، يضم الكلية الجوية وهي مختصة بتدريب وتخريج الطلاب الضباط من ملاحين وفنيين وطيارين. ويحصل المتدرب على رتبة ملازم عند تخرجه. وبالنسبة للطائرات الموجودة داخله فهي تقتصر على المروحيات وطائرات تدريب معطلة عن العمل منذ فرض الحصار حوله.

اما القسم الثاني، فيضم الفوج 111 وهو مكلف بحماية الكلية الجوية وتوجد بداخله كتائب دفاع جوي عدة.

وتعرض المطار لهجمات عدة من قبل «الجيش الحر» ولاحقاً «جبهة النصرة»، قبل أن يسيطر تنظيم «داعش» على محيطه. وهو محاصر منذ ثلاث سنوات ولا يقلع منه أي نوع من الطائرات منذ حصاره.

ويقدر العدد الموجود فيه حالياً بـ 1000 عنصر بين ضابط وصف ضابط وجندي. وحاول الجيش السوري فك الحصار عنه انطلاقاً من مدينة السفيرة التي تبعد حوالي الـ25 كيلومتراً، حيث سيطر بداية على قرى عدة بدعم من سلاح الجو السوري والروسي.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2015-11-11
  • 17420
  • من الأرشيف

الروس يتجاوزون رسالة شرم الشيخ... معركة كويرس تعدّل خريطة ميزان القوى في سوريا

 مطار كويرس يدخل حراً الأسطورة العسكرية السورية. الجيش السوري لم يخترق الحصار المفروض على الكلية الجوية، وأحد أهم قواعده العسكرية في الشمال السوري فحسب،   ولكنه أعاد الثقة بقدرة وحداته على إنجاز عمليات عسكرية معقدة، بعد أربعة أعوام من القتال والاستنزاف، وإلحاق واحدة من أكبر الهزائم بـ «داعش في سوريا»، منذ معركة عين العرب/كوباني في كانون الثاني الماضي.   ومن نافل القول ان التشكيلات التي قادها العقيد سهيل الحسن، في خط طولي من السفيرة نحو المطار المحاصر والصامد منذ أكثر من عامين ونصف عام، قد أثبتت قدرة الجيش السوري على هزيمة «داعش» عندما تتوفر الإرادة، ويحسّن التنسيق بين الهجوم البري والغطاء الجوي. اذ استطاعت أرتال المدرعات والقوات الخاصة، فتح ثغرة طولية في خطوط «داعش»، والتقدم وسط هجمات من جنود البغدادي على ميمنتها وميسرتها، من دون أن تتوقف قوات الطليعة عن اختراق الحصار. واتخذ جنود العقيد الحسن إيقاعاً متمهلاً في التقدم في منطقة مكشوفة، تقل فيها المرتفعات، التي لا يتجاوز أعلاها، في تل نعام المئة متر. وسلك المهاجمون ممراً بطول ثلاثين كيلومتراً في قلب خطوط «داعش» من دون أن تتوقف خلال تقدمهم الهجمات على حامية المطار، لإسقاطه قبل وصول طليعتهم الى أسواره، ظهر امس. ومنذ العشرين من الشهر الماضي، تحول إيقاع الهجوم الى عملية قضم بطيئة لسبعة كيلومترات أخيرة، كانت تفصل قوات «النمر» عن مئات الضباط والجنود، ممن دافعوا ببسالة عن المطار الذي تحيط به، من الشرق والشمال والغرب، قناة يترواح عرضها ما بين العشرة الى أربعين مترا، ساهمت في إبعاد خطر المفخخات. ولم تتأثر العمليات بالهجوم الذي شنه «داعش» على طريق اثريا خناصر، ولم تستطع إرباك الهجوم، برغم سيطرتها لمدة عشرة أيام على مقطع من 27 كيلومتراً من طريق حلب حماه الاستراتيجي، وشريان الإمداد الوحيد لمليوني حلبي غرب المدينة، وتشكيلات الجيش السوري و «الدفاع الوطني»، و «كتائب البعث»، و «الحرس الثوري» الايراني، ووحدات «حزب الله». وكانت الإمدادات قد استمرت عبر جسر جوي الى مطار النيرب، ساعد الروس على نقل الإمدادات للمهاجمين، وتعزيزات من حمص واللاذقية. وكان الجيش قد استبق عملية الالتحام مع المحاصرين في المطار بتصعيد القصف والغارات الجوية على تدمر والرقة ومواقع «داعش» في ريف حمص الشرقي، لمنعها من تحريك أرتالها، أو توجيه قوات نحو المطار. ويقول «المرصد السوري» ان رتلا من أربعين آلية، ومئات المقاتلين، يسلك طريقاً تتوجه من الرقة نحو أرياف حلب. وكان رتل من مئة وأربعين آلية قد سلك الطريق نفسه قبل أسبوعين للاستيلاء على طريق اثريا خناصر، تكبد خسائر كثيرة في المواجهة التي دارت مع وحدات من الجيش السوري وحزب الله، واضطر ما تبقى منه الى التراجع. ويبدو أن العملية تتجاوز مجرد فك الحصار عن المطار، الى الانتشار في المنطقة، مع دخول الجيش الى بلدة رسم العبود القريبة من كويرس، كما أن الجيش السوري سيقوم بثتبيت قواته في المنطقة، وعدم الاكتفاء بسحب المحاصرين. واذا ما تأكدت فرضية الانتشار هذه، برغم المخاطر الكبيرة من التفاف «داعش»، واختراقه للممر الذي تنتشر فيه وحدات الجيش السوري، فإن ذلك يعزز الطوق الذي بات يفرضه حول مدينة حلب وأحيائها الشرقية حيث تنتشر المجموعات المسلحة، اذ يتقاطع إحكام السيطرة على شرق حلب وكويرس، مع صمود الجيش السوري في المنطقة الصناعية في الشيخ نجار، وصولا الى باشكوي، وتحصنه غربا في مواجهة آخر مواقع المعارضة في الرشدين، واستعادته أكثر من 55 قرية وبلدة في هجوم ريف حلب الجنوبي الحالي، ووقوفه عند مداخل بلدة الحاضر، ومشارف تل العيس المشرف على طريق حلب دمشق الاستراتيجي. وجلي أن إسقاط الحصار عن كويرس سيحيي العمليات المؤجلة نحو بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين، ويصعّد من هجمات الجيش السوري نحو معقل «داعش» الأخير في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي الممر الممتد من الباب نحو منبج فجرابلس. والممر الذي يبلغ طوله 60 كيلومتراً، وعرضه تسعين كيلومتراً، على الضفة الغربية للفرات، يتسع للكثير من السيناريوات والرهانات التركية، التي تسعى لتحويله الى منطقة آمنة، والكردية التي تنتظر ضوءًا أخضر أميركياً لدخوله ووصل «كانتون» عين العرب كوباني بالإدارة الذاتية في عفرين، بعد وصلها بالحسكة عبر ضم تل أبيض منذ شهر تقريباً، وتوحيد «الكانتونات» الثلاثة في إدارة ذاتية كردية تؤرق الأتراك. وحراً، يرفع كويرس من أوراق دمشق على التأثير على العملية السياسية في فيينا السبت المقبل. ومن دون مبالغة، فقد أثبت الجيش السوري قدرته على هزيمة «داعش» في الوقت الذي يعمل فيه اجتماع فيينا على غربلة من يريد من المشاركين مقاتلته، وبأي شروط، وتحديد من هو الإرهابي أو الصديق من بين فصائل المعارضة. ويأتي ذلك ليتوج شهراً من خيار استراتيجي بفتح كل الجبهات ضد المجموعات المسلحة، وخوض معارك على كل الجبهات، وحيثما استطاع الجيش السوري إرسال قوات. وجلي أن خيار إرسال الآلاف من الجنود الى عمليات هجومية، بالرغم من أن الجيش يعاني من نقص في تجديد قواته وصعوبة في تثبيت مواقعه بعد انتزاعها من يد المعارضة، لم يثن العسكريين الروس والسوريين عن مواصلة الحرب الشاملة التي تخوضها الوحدات البرية السورية تحت غطاء جوي روسي وسوري. ومع كويرس الحر، تتضح معالم الخريطة الجديدة لميزان القوى في سوريا، التي لا تزال تحتاج للمزيد من الوقت لتثبيتها. وباستثناء نكسة ريف حماة الشمالي، حيث تراجع الجيش من قرى كفرنبودة ومعركبة ولطمين ولحايا وتل سكيك وسكيك، بل وخسر مورك، التي تبعد 10 كيلومترات عن مدينة حماة، إلا أن كفة الميزان تميل مع ذلك لمصلحته على بقية الجبهات، اذ أصبح الجيش السوري في وضعية هجومية على الجبهات كافة. وخلال الشهر الماضي، استطاع الجيش السوري السيطرة على سلسلة تلال الجب الأحمر الاستراتيجية في ريف اللاذقية، ويقترب من فصل جبل الزاوية عن جبل الأكراد، بدخوله جبل غمام. وتؤهله تلك المكتسبات تقرير إرسال مدرعاته في سهل الغاب في وقت قريب، من دون التعرض من التلال لزخات صواريخ «التاو» التي تمنعها من التقدم. وفي الغوطة الشرقية، فقدت المجموعات المسلحة المبادرة، حيث يقوم الجيش بالتقدم في حرستا، وحول دوما، ويستعيد مواقع في جنوب شرق الغوطة، حول مطار مرج السلطان، كان قد فقدها في العام 2012. وغني عن القول ان الجبهة الجنوبية خرجت من المعادلة تقريبا، بعد هزيمة خمس أمواج صيفية متصلة لـ «عاصفة الجنوب»، أمام تحصينات الجيش السوري في درعا، وتفاهم روسي - أردني أعفى غرفة عمليات عمّان من وظيفتها حاليا. ويبدو ريف حلب الجنوبي ميدان انتصارات متواصلة للجيش السوري الذي يقوم بتصفية ما تبقى من كتائب لـ «الجيش الحر» في هذه المنطقة، أمام أمر تركي بعدم تحريك أو إرسال أي مؤازرة لتلك المجموعات، وتركيز الاهتمام على الاحتشاد في ريف حلب الشمالي، حيث تقترب «أم المعارك « بالنسبة للأتراك، اذا ما واصل الجيش السوري تقدمه في المنطقة. في المشهد السوري، اختار الروس فتح كل الجبهات السياسية والعسكرية دفعة واحدة، تشتيت المعارضة المسلحة، وإرباك القوى الاقليمية، وإحياء المسار السياسي بالتزامن في فيينا ضمن المربع الأساسي، الذي بات يقاتل مباشرة أو بالوكالة على الأرض السورية. وعكست تلك الاستراتيجية رهانا كبيرا على تحقيق أهداف ميدانية كبيرة تقلب موازين القوى في سوريا، بدأت تظهر مع تحرير مطار كويرس. وكانت تقديرات لا تزال موضع اختبار، تقول باحتمال الوصول اليها في زمن قياسي: شهر أو أكثر بقليل للإمساك بمحاور الطرق الرئيسة في حلب ـ حماة ـ حمص ـ دمشق ـ درعا، وتقطيع خطوط إمداد المعارضة المسلحة... وأربعة أشهر، للوصول الى الحدود التركية السورية في الشمال السوري، ودفع المجموعات المسلحة نحو جيوب معزولة. وتقدم كويرس ورقة إضافية للروس للمضي في العملية السورية بجلائها الخيارات السياسية والعسكرية الروسية في سوريا التي تقف أمام منعطف ثلاثي: ما بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ، وعدم ضبط إيقاع العملية العسكرية في ريف حماة الشمالي، ومواعيد فيينا السوري في ظل عدم تقاطع الحسابات الميدانية والسياسية. ومنذ إسقاط طائرة شرم الشيخ الروسية، بدأت مراجعات غير معلنة لكل عناصر السياسة السورية، لا سيما لمبدأ عدم إرسال قوات برية، لم يشملها بأي حال تفويض مجلس الدوما للرئيس فلاديمير بوتين، كأحد الأثمان غير المحسوبة، للمعركة، باعتبار ان قرار عدم الانخراط على الارض كان سيحمي روسيا من ارتداداته داخليا، أو أفغنة الحرب السورية. وتقول مصادر قريبة من الأجهزة الأمنية الروسية في باريس ان قرار عدم الانخراط على الارض أو إرسال قوات روسية الى سوريا لم يعد مبررا بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ بعبوة ناسفة، بحسب كل الفرضيات، وبعد تباطؤ العمليات في ريف حماه الشمالي، وقد يسقط في منتهى عمليات إعادة تقييم الاوضاع وتحديد الاطراف التي تقف وراء عملية إسقاط الطائرة. ويقول مسؤول أمني غربي سابق لـ«السفير»، انه لم يعد مستبعدا أن يتجاوز الروس في الاسابيع المقبلة تحريم إرسال برية الى سوريا. ويتضافر ذلك مع ما يقوله مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية الروسية من ان الخيار الذي يدرسه الروس يذهب نحو اختيار إرسال قوات خاصة تعمل خلف خطوط «داعش»، وتقوم بعمليات خاطفة ومحدودة لتصفية القيادات والكوادر الرئيسة لـ «داعش» في سوريا. ويقول المصدر المسؤول ان الروس قد يصطادون من نفذوا عملية سيناء، أو المجموعة التي خططت لها، ولكن الشبهات تذهب نحو دولة عربية، بإصدار الأمر بتنفيذ تلك العملية، لإرباك الروس، ومنعهم من المضي قدماً في عمليتهم السورية، وتدفيعهم الثمن مقدماً.   بطاقة تعريف يقع مطار كويرس شرق مدينة حلب بمسافة تقدر بحوالي 40 كيلومتراً. وتبلغ مساحته حوالي 400 هكتار وهو ينقسم إلى قسمين أساسيين: القسم الأول، يضم الكلية الجوية وهي مختصة بتدريب وتخريج الطلاب الضباط من ملاحين وفنيين وطيارين. ويحصل المتدرب على رتبة ملازم عند تخرجه. وبالنسبة للطائرات الموجودة داخله فهي تقتصر على المروحيات وطائرات تدريب معطلة عن العمل منذ فرض الحصار حوله. اما القسم الثاني، فيضم الفوج 111 وهو مكلف بحماية الكلية الجوية وتوجد بداخله كتائب دفاع جوي عدة. وتعرض المطار لهجمات عدة من قبل «الجيش الحر» ولاحقاً «جبهة النصرة»، قبل أن يسيطر تنظيم «داعش» على محيطه. وهو محاصر منذ ثلاث سنوات ولا يقلع منه أي نوع من الطائرات منذ حصاره. ويقدر العدد الموجود فيه حالياً بـ 1000 عنصر بين ضابط وصف ضابط وجندي. وحاول الجيش السوري فك الحصار عنه انطلاقاً من مدينة السفيرة التي تبعد حوالي الـ25 كيلومتراً، حيث سيطر بداية على قرى عدة بدعم من سلاح الجو السوري والروسي.    

المصدر : محمد بلوط – السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة