لم يكن الحضور العماني في ملفات المنطقة عموماً والملف السوري خصوصاً بالأمر الجديد أو المفاجئ.. ومع غياب الدور العربي من الممكن القول إن عُمان- وبما لها من علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف العربية والإقليمية والدولية- ربحت بجدارة العديد من أوراق القوة التي خسرتها دول وممالك أخرى!!

ففي حراكها السياسي الصامت تنتهج عُمان دبلوماسية هادئة وسياسة الحوار واليد الممدودة و«خلق الحلفاء»، وبعكس جارتيها (السعودية وقطر) الداعمتين للجماعات الإرهابية تمويلاً وتدريباً وتسليحاً لا تتبنى منطق حل الأزمات بالحروب بل بالحوار، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي نوّه الرئيس الأسد بجهودها بشكل صريح أكثر من مرة بوصفها: «تمتلك دوراً مهماً في التعامل مع نقاط التوتر المختلفة في المنطقة لدفعها باتجاه التهدئة ثم الحل».

ولقد حافظت سلطنة عمان على علاقاتها مع دمشق ولم تساير الأجندات الغربية، كما رفضت الانخراط بعدوان عسكري سعودي على اليمن، وباركت الاتفاق النووي الإيراني واستضافت اجتماعات عدة حوله بين الأميركيين والإيرانيين قبيل إنجازه (ومن المفيد التذكير أن وزير خارجية إيران كان قد اقترح التوقيع النهائي على الاتفاق في مسقط في دلالة واضحة على تقدير طهران للسلطنة).

واللافت في هذا الإطار أن زيارة الوزير بن علوي لدمشق الإثنين الفائت بعد زيارة الوزير المعلم لمسقط بوقت قصير ووسط ترحيب من الرئيس الأسد بالجهود العمانية المبذولة «لمساعدة السوريين» تعكس قراءة عُمانية صائبة لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني ومن أبرز عناوينها: دعم الدولة السورية ومنطقها القائم على أن: «القضاء على الإرهاب سيسهم في إنجاح أي مسار سياسي»، والحرص على «إيجاد حل ينهي الأزمة ويحفظ وحدة البلاد واستقرارها».

لكن لا بد في الواقع من النظر إلى الزيارة من زاوية أوسع وخاصة أنها تمت بعيد تصريح وزير خارجية قطر حول التدخل العسكري في سورية وأتت بعد لقاء شكري – الجبير وترافقت مع اتصالات دبلوماسية عديدة تبحث الملف السوري، ومجرد حصولها يعني أننا أمام مؤشر إضافي على التوافق الأميركي الروسي في سورية.

وفي ظل ما جرى ويجري من فوضى عبثية في الشرق الأوسط لإعادة رسمه وتشكيله من جديد، لا شك أن مسقط بمبادرتها الإيجابية والجريئة في التوجه العلني نحو العاصمة السورية ونظامها الشرعي استطاعت تشجيع «الأنظمة التائبة أو التي عرفت بأنها كانت تسير بالاتجاه الخاطئ» لفتح أو تسخين أو استئناف العلاقات المقطوعة مع دمشق، وقيامها بهذه الخطوة المهمة المنتظرة على مستوى الشعوب والتي كان من المفترض (وفق التوقعات) أن تبادر إليها مصر كإجراء عملي في الحرب الدائرة على الإرهاب بالمنطقة من شأنه ضبط مستقبل العلاقات العربية مع سورية وتصحيح مسارها بعد كل التشرذم الذي أصابها في زمن التحالف السعودي القطري التركي الصهيوني.

ومع التعنت السعودي الذي قضى نهائياً على معادلة (السين سين) ربما لن يمر وقت طويل حتى تتبلور معادلة جديدة وجدية في المشهد العربي اسمها (السين عين) أي سورية وعمان، وما يعزز هذا الاحتمال تفاقم مشاكل النظام السعودي الداخلية والخارجية، وتقاطع الرؤى بين الدولتين في كثير من الملفات الراهنة.

وبهذا المعنى، يُعتقد أن الحضور العماني سيصبح أكثر وضوحاً خلال المرحلة القادمة بحيث سيُلحظ تأثير دور مسقط في فلسطين وسورية والعراق واليمن (الحوثيون رحبوا بالوساطة العمانية لحل الأزمة اليمنية)، وربما سيلحظ كذلك في إنقاذ الإمارات من لعبة السيطرة على عدن.

  • فريق ماسة
  • 2015-10-28
  • 11044
  • من الأرشيف

مسقط تسبق الجميع إلى دمشق

لم يكن الحضور العماني في ملفات المنطقة عموماً والملف السوري خصوصاً بالأمر الجديد أو المفاجئ.. ومع غياب الدور العربي من الممكن القول إن عُمان- وبما لها من علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف العربية والإقليمية والدولية- ربحت بجدارة العديد من أوراق القوة التي خسرتها دول وممالك أخرى!! ففي حراكها السياسي الصامت تنتهج عُمان دبلوماسية هادئة وسياسة الحوار واليد الممدودة و«خلق الحلفاء»، وبعكس جارتيها (السعودية وقطر) الداعمتين للجماعات الإرهابية تمويلاً وتدريباً وتسليحاً لا تتبنى منطق حل الأزمات بالحروب بل بالحوار، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي نوّه الرئيس الأسد بجهودها بشكل صريح أكثر من مرة بوصفها: «تمتلك دوراً مهماً في التعامل مع نقاط التوتر المختلفة في المنطقة لدفعها باتجاه التهدئة ثم الحل». ولقد حافظت سلطنة عمان على علاقاتها مع دمشق ولم تساير الأجندات الغربية، كما رفضت الانخراط بعدوان عسكري سعودي على اليمن، وباركت الاتفاق النووي الإيراني واستضافت اجتماعات عدة حوله بين الأميركيين والإيرانيين قبيل إنجازه (ومن المفيد التذكير أن وزير خارجية إيران كان قد اقترح التوقيع النهائي على الاتفاق في مسقط في دلالة واضحة على تقدير طهران للسلطنة). واللافت في هذا الإطار أن زيارة الوزير بن علوي لدمشق الإثنين الفائت بعد زيارة الوزير المعلم لمسقط بوقت قصير ووسط ترحيب من الرئيس الأسد بالجهود العمانية المبذولة «لمساعدة السوريين» تعكس قراءة عُمانية صائبة لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني ومن أبرز عناوينها: دعم الدولة السورية ومنطقها القائم على أن: «القضاء على الإرهاب سيسهم في إنجاح أي مسار سياسي»، والحرص على «إيجاد حل ينهي الأزمة ويحفظ وحدة البلاد واستقرارها». لكن لا بد في الواقع من النظر إلى الزيارة من زاوية أوسع وخاصة أنها تمت بعيد تصريح وزير خارجية قطر حول التدخل العسكري في سورية وأتت بعد لقاء شكري – الجبير وترافقت مع اتصالات دبلوماسية عديدة تبحث الملف السوري، ومجرد حصولها يعني أننا أمام مؤشر إضافي على التوافق الأميركي الروسي في سورية. وفي ظل ما جرى ويجري من فوضى عبثية في الشرق الأوسط لإعادة رسمه وتشكيله من جديد، لا شك أن مسقط بمبادرتها الإيجابية والجريئة في التوجه العلني نحو العاصمة السورية ونظامها الشرعي استطاعت تشجيع «الأنظمة التائبة أو التي عرفت بأنها كانت تسير بالاتجاه الخاطئ» لفتح أو تسخين أو استئناف العلاقات المقطوعة مع دمشق، وقيامها بهذه الخطوة المهمة المنتظرة على مستوى الشعوب والتي كان من المفترض (وفق التوقعات) أن تبادر إليها مصر كإجراء عملي في الحرب الدائرة على الإرهاب بالمنطقة من شأنه ضبط مستقبل العلاقات العربية مع سورية وتصحيح مسارها بعد كل التشرذم الذي أصابها في زمن التحالف السعودي القطري التركي الصهيوني. ومع التعنت السعودي الذي قضى نهائياً على معادلة (السين سين) ربما لن يمر وقت طويل حتى تتبلور معادلة جديدة وجدية في المشهد العربي اسمها (السين عين) أي سورية وعمان، وما يعزز هذا الاحتمال تفاقم مشاكل النظام السعودي الداخلية والخارجية، وتقاطع الرؤى بين الدولتين في كثير من الملفات الراهنة. وبهذا المعنى، يُعتقد أن الحضور العماني سيصبح أكثر وضوحاً خلال المرحلة القادمة بحيث سيُلحظ تأثير دور مسقط في فلسطين وسورية والعراق واليمن (الحوثيون رحبوا بالوساطة العمانية لحل الأزمة اليمنية)، وربما سيلحظ كذلك في إنقاذ الإمارات من لعبة السيطرة على عدن.

المصدر : الوطن /باسمة حامد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة