دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
«ستغمرنا أوربا بالمال وتجعلنا منطقة عازلة»، هذا ما رأته الكاتبة في صحيفة «جمهوريت»، جيداء قاران؛ حيث سيدفع الاتحاد الأوربي سنوياً ما يقارب مليار يورو لسد احتياجات اللاجئين الموجودين في تركيا، ولافتتاح مخيمات جديدة لللاجئين الذي سيأتون أيضاً، وستقوم البحرية اليونانية لمساعدة وكالة الحدود الأوربية «فرونتكس»، المختصة بمراقبة وضبط الحدود الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، بلعب دور في منع تدفق اللاجئين. وبهذا سترتاح كل أوربا وعلى رأسها اليونان وهنغاريا وإيطاليا.
نفس الفكرة كررتها صحيفة «دي ويلت» الألمانية، التي قالت «كانت تركيا تحلم بإنشاء منطقة عازلة في سورية، فأصبحت هي المنطقة العازلة»، واعتبرت أن أوربا تحضّر أردوغان ليلعب الدور الذي سبق أن لعبه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي كـ«حارس للحدود الأوربية». وذلك مقابل بعض الوعود، التي اعتبر زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو أنها «رشوة»، فيما أطلقت صحيفة «فاينانشال تايمز» عليها اسماً أكثر تهذيباً: «هدايا سياسية»
لعل أهم «الهدايا السياسية» التي ستتلقاها حكومة أحمد داود أوغلو، قبل عشرة أيام من الانتخابات، السماح للأتراك بالتجوال في أوربا دون تأشيرة «شنغن» للدخول. ولكن حتى هذه «الهدية» – تستدرك صحيفة «جمهوريت» – ليست تامة، فالاتحاد الأوربي اشترط توقيع بروتوكول إعادة المواطنين. وهو ما يعني عملياً ان ما ستحصل تركيا عليه هو بعض التسهيلات لسفر السواح الأتراك إلى أوربا. وهو ما يتماهى في تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته مع نظيرها التركي أحمد داود أوغلو، في مكتبه في اسطنبول، عندما جاءت على ذكر موضوع تأشيرات السفر ولكن توقفت عند مسألة «اكتمال بعض المعايير». وأما الهدية الأخرى فهي إعادة الحياة لمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، علماً ان مفاوضات العضوية الكاملة فتحت عام 2005، وتتألف من خمسة وثلاثين عنواناً، فتح منها حتى الآن اربعة عشر عنواناً، عنوان واحد منها فقط هو الذي تم استكماله خلال ما يقارب من عشرة أعوام. وهو ما يثير الشبهات حول العناوين الجديدة التي سيعاد افتتاحها.
في الحقيقة «الهدية» الوحيدة الهامة التي ستحصل عليها حكومة داود أوغلو، إلى جانب المبالغ المالية، هي دون شك غض الاتحاد الأوربي النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، والتي تزايدت في الفترة الأخيرة، وبلغت مستويات تذكر بالمستوى البائس الذي كانت عليه البلاد في فترة الثمانينات، إبان الحكم العسكري، عندما نشطت ميليشيات وعصابات يمينية تابعة للدولة لمساعدتها في قمع الحركة اليسارية التي كانت متطورة، وبدأت تطالب بالسلطة. وهذا إنجاز كبير لداود أوغلو أن يحصل على غض النظر هذا في نفس الفترة التي قتل جيشه فيها مسلحة كردية ورمى بجثتها عارية في الشارع، وقتل مسلحاً كردياً كذلك وربطه بحبل بمدرعة جالت في الشوارع لبث الرعب في نفوس الناس، في طقس بيزنطي متوحش.
من جهتها، نشرت صحيفة «جمهوريت» مقاطع من الاتفاقية التي توصل إليها خط أنقرة – بروكسل لحل أزمة اللاجئين. وقالت أن النص النهائي لا يلحظ الثلاثة مليارات يورو، التي وعد بها تركيا، وإنما اكتفى بالحديث عن «المساهمة بتغطية التكاليف» وذلك عن طريق توزيع 4.2 مليار يورو على كل من لبنان والأردن وتركيا والعراق وعلى المخيمات الموجودة داخل الأراضي السورية، ولعل هذه الصياغة تعني حكماً أن الاتحاد الأوربي سيتعاون مع الهيئات المنبثقة عن «الائتلاف» المعارض وحكومته المؤقتة. وفعلاً كانت «المعارضة» جاهزة لهذا، حيث أعلن زيدون الزعبي، الذي ظهر فجأة حاملاً صفة رئيس «اتحاد منظمات الإغاثة الطبية السورية»، وهي هيئة غير معروفة، قائلاً لوكالة الإذاعة البريطانية BBC أن أهل ريف حلب الجنوبي هاجروا إثر عمليات الجيش، وأنه رأى بنفسه الآلاف، وقدر عددهم بسبعين ألفاً، وأن قرى المنطقة فارغة من سكانها تماماً. ومهد بذلك لطلب المساعدات الأوربية عبر التلويح غير المباشر بموجة هجرة ثانية. وكان غريباً أنه لم يستطع التقاط صورة واحدة فقط لهؤلاء الآلاف.
بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، كان الأهم من كل ذلك هو الاستعراض الذي اقامه في قصره على حساب المستشارة ميركل؛ مشهد سوريالي يشبه المشهد الذي زج فيه الرئيس الفلسطيني، عندما وضع ستة عشر مقاتلاً يحملون أزياء الدول التركية القديمة المختلفة. وهذه المرة أجلس ميركل على تخت أثري عثماني، يحمل شعار الهلال العثماني، ومطلياً بالذهب.
بالنسبة لميركل كان الجلوس بهذه الطريقة أيضاً واحداً من «الهدايا السياسية» التي قدمتها لتركيا، وأخذت ما تريده بالمقابل. أما أردوغان فلا شك أن ابتسامة رضا بلهاء ظهرت على وجهه عندما نام يومها، لقد أثبت للعالم كله كم هو «كبير»
المصدر :
سومر سلطان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة