عمان ـ من إبراهيم محمد ـ يعود الاقتصاد الأردني للتعافي رغم تبعات الأزمة السورية والأزمات الأخرى. غير أن هذا التعافي لا يكفي من أجل نزع فتيل أزمة البطالة المستشرية في صفوف الفئات الشابة، لأن مواجهة الأزمة يتطلب إصلاحات أساسية في قطاع الدولة.

 تمكن الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن من قهر ظروف اللجوء عن طريق إقامة عشرات المشاريع لإنتاج الألبسة والأطعمة والمنتجات التقليدية. وإذا كان لاجئون كهؤلاء جاؤوا بمنتجات جديدة وقيمة مضافة للاقتصاد الأردني، فإن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن يشكلون عبئا إضافيا على هذا الاقتصاد الذي يعاني أصلا من قلة الموارد الطبيعية ومن مشاكل بنيوية عديدة. ورغم تدفق مساعدات عربية ودولية بنحو مليار دولار سنويا، فإن حجم الأعباء المترتبة على الاقتصاد الأردني جراء اللجوء ما تزال ضاغطة عليه بسبب التكاليف الإضافية التي تتحملها الموازنة على نفقات الصحة والتعليم والخدمات العامة الأخرى، الأمر الذي يزيد حدة التحديات التي يعاني منها هذا الاقتصاد حتى قبل اندلاع الأزمة السورية.

 مشاكل بنيوية

 اولريش فاكر Ulrich Wacker، مدير مؤسسة فريدريش نويمان الألمانية في عمان يرى بأن ضعف كفاءة كل من قطاع الدولة وقطاع الصادرات تأتي في مقدمة هذه التحديات. وفي مقابلة مع DW ذكر فاكر أن: “القطاع الحكومي في الأردن يعاني التضخم في حجمه، ويعيش من الضرائب العالية التي تضر بالشركات ويتنافس مع القطاع الخاص بشكل يعرقل تطوّره”. ومن تبعات ذلك توجه الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية إلى بلدان أخرى كمصر ودول الخليج حيث الإعفاءات الضريبية أو الضرائب المنخفضة والإجراءات البيروقراطية المبسطة. ويزيد من صعوبة الوضع، بحسب فاكر، “ضعف قدرة الشركات الأردنية الصغيرة والمتوسطة الحجم في غالبيتها على التصدير بسبب ضعف جودة منتجاتها وقلة خبرتها في التواصل اللغوي والترويجي مع الأسواق الخارجية”.

 بطالة مستفحلة

 ينعكس ضعف أداء قطاع الدولة وهروب الاستثمارات بشكل سلبي على سوق العمل بشكل يؤدي إلى تزايد حدة البطالة التي تقدرها منظمة العمل الدولية بنسبة 14 بالمائة على مستوى الأردن ككل. وجاء في دراسة للمنظمة أن هذه النسبة تصل إلى أكثر من 22 بالمائة في المناطق التي تضم كثافة عالية من اللاجئين والعمال الأجانب. غير أن تقديرات بعض الجهات الأهلية والدولية تذهب إلى حد القول إن نسبة البطالة تطال نحو ثلث الشباب في الأردن. ولا تبدو هذه النسب غريبة على اقتصاد يعاني إضافة إلى المشاكل البنيوية من وجود آلاف اللاجئين السوريين والعمال الأجانب الذين يعملون دون تصاريح وبأجور أقل بكثير من أجور قوة العمل المحلية. ومن العوامل الأخرى التي زادت من حدة البطالة التراجع الكبير الذي وصل إلى أكثر من الثلث في السياحة الأوروبية والدولية التي كانت مزدهرة في الأردن حتى اندلاع الأزمة السورية. وإضافة إلى تراجع السياحة فإن توقف حركة التجارة البرية بين الأردن من جهة وكل من العراق وسوريا من جهة أخرى ألحق أضرارا كبيرة بشركات النقل والصناعة والزراعة الأردنية، لاسيما وأن السوقين العراقي والسوري كانا من أهم أسواق البضائع والخدمات الأردنية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 جهود ونجاح جزئي

 تظهر معطيات الأشهر الأخيرة عودة الاقتصاد الأردني إلى التعافي وإظهار مزيد من المرونة على صعيد التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة. في هذا السياق أفاد البنك المركزي الأردني أن معدل النمو ارتفع خلال النصف الأول من العام الجاري 2015 إلى 4 بالمائة مقابل 3 بالمائة خلال العام الفائت 2014. ويعكس هذا التطور ثمار الجهود الحكومية والخاصة في إطار خططها التنموية وسعيها للتخفيف من الأضرار الناتجة عن الصراعات الدائرة في سوريا والعراق ودول عربية أخرى، فقد أطلقت الحكومة الأردنية خلال أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط الذي استضافته الأردن في مايو/ أيار الماضي 2015 مشاريع بقيمة حوالي 7 مليارات دولار لتحديث قطاعات الطاقة والنقل والمياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وتساهم هذه المشاريع – التي بدء تنفيذها – بخلق آلاف فرص العمل سنويا، كما تساهم المبادرات الفردية، لاسيما في تكنولوجيا المعلومات والسياحة البيئية والثقافية بدورها في خلق الآلاف من فرص كهذه سنويا.

 ما الحل؟

 غير أن مجمل الفرص الجديدة لن تحد من مشكلة البطالة بشكل جوهري وطويل الأمد، لأن الأهم من ذلك لحل هذه المشكلة يتمثل في معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد الأردني. أولريش فاكر يرى في هذا السياق أن على “الحكومة توفير الإطار الجاذب للاستثمارات الخاصة وتنمية القطاع الخاص من خلال زيادة فعالية الخدمات التي تقدمها عن طريق تقليص الجهاز الإداري الحكومي وجعله أكثر كفاءة”. ومن متطلبات ذلك وضع مؤشر أو كاتالوغ يحدد مهام الجهات الحكومية ويقيم أداءها على أساس مدى إنجازها للأهداف الموضوعة وعلى رأسها دعم القطاع الخاص. وفي هذا الإطار يصبح التخلص من الموظفين الذين يتقاعسون عن أداء مهامهم من الأمور التي لابد منها. أما على صعيد الصادرات فيرى فاكر بأن الأردن يحتاج إلى “مؤسسة وطنية للصادرات تضع معايير للمنتج الأردني بشكل يتوافق والمعايير العالمية المعمول بها. ومن مهامها أيضا “شراء البضائع عند اللزوم وتمويل الدعم اللوجستي وتمويل عمليات التصدير”.(دوتشيه فيليه)

  • فريق ماسة
  • 2015-10-14
  • 12578
  • من الأرشيف

الأردن… بطالة مستفحلة تعكس ضعف الكفاءة في قطاع الدولة

عمان ـ من إبراهيم محمد ـ يعود الاقتصاد الأردني للتعافي رغم تبعات الأزمة السورية والأزمات الأخرى. غير أن هذا التعافي لا يكفي من أجل نزع فتيل أزمة البطالة المستشرية في صفوف الفئات الشابة، لأن مواجهة الأزمة يتطلب إصلاحات أساسية في قطاع الدولة.  تمكن الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن من قهر ظروف اللجوء عن طريق إقامة عشرات المشاريع لإنتاج الألبسة والأطعمة والمنتجات التقليدية. وإذا كان لاجئون كهؤلاء جاؤوا بمنتجات جديدة وقيمة مضافة للاقتصاد الأردني، فإن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن يشكلون عبئا إضافيا على هذا الاقتصاد الذي يعاني أصلا من قلة الموارد الطبيعية ومن مشاكل بنيوية عديدة. ورغم تدفق مساعدات عربية ودولية بنحو مليار دولار سنويا، فإن حجم الأعباء المترتبة على الاقتصاد الأردني جراء اللجوء ما تزال ضاغطة عليه بسبب التكاليف الإضافية التي تتحملها الموازنة على نفقات الصحة والتعليم والخدمات العامة الأخرى، الأمر الذي يزيد حدة التحديات التي يعاني منها هذا الاقتصاد حتى قبل اندلاع الأزمة السورية.  مشاكل بنيوية  اولريش فاكر Ulrich Wacker، مدير مؤسسة فريدريش نويمان الألمانية في عمان يرى بأن ضعف كفاءة كل من قطاع الدولة وقطاع الصادرات تأتي في مقدمة هذه التحديات. وفي مقابلة مع DW ذكر فاكر أن: “القطاع الحكومي في الأردن يعاني التضخم في حجمه، ويعيش من الضرائب العالية التي تضر بالشركات ويتنافس مع القطاع الخاص بشكل يعرقل تطوّره”. ومن تبعات ذلك توجه الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية إلى بلدان أخرى كمصر ودول الخليج حيث الإعفاءات الضريبية أو الضرائب المنخفضة والإجراءات البيروقراطية المبسطة. ويزيد من صعوبة الوضع، بحسب فاكر، “ضعف قدرة الشركات الأردنية الصغيرة والمتوسطة الحجم في غالبيتها على التصدير بسبب ضعف جودة منتجاتها وقلة خبرتها في التواصل اللغوي والترويجي مع الأسواق الخارجية”.  بطالة مستفحلة  ينعكس ضعف أداء قطاع الدولة وهروب الاستثمارات بشكل سلبي على سوق العمل بشكل يؤدي إلى تزايد حدة البطالة التي تقدرها منظمة العمل الدولية بنسبة 14 بالمائة على مستوى الأردن ككل. وجاء في دراسة للمنظمة أن هذه النسبة تصل إلى أكثر من 22 بالمائة في المناطق التي تضم كثافة عالية من اللاجئين والعمال الأجانب. غير أن تقديرات بعض الجهات الأهلية والدولية تذهب إلى حد القول إن نسبة البطالة تطال نحو ثلث الشباب في الأردن. ولا تبدو هذه النسب غريبة على اقتصاد يعاني إضافة إلى المشاكل البنيوية من وجود آلاف اللاجئين السوريين والعمال الأجانب الذين يعملون دون تصاريح وبأجور أقل بكثير من أجور قوة العمل المحلية. ومن العوامل الأخرى التي زادت من حدة البطالة التراجع الكبير الذي وصل إلى أكثر من الثلث في السياحة الأوروبية والدولية التي كانت مزدهرة في الأردن حتى اندلاع الأزمة السورية. وإضافة إلى تراجع السياحة فإن توقف حركة التجارة البرية بين الأردن من جهة وكل من العراق وسوريا من جهة أخرى ألحق أضرارا كبيرة بشركات النقل والصناعة والزراعة الأردنية، لاسيما وأن السوقين العراقي والسوري كانا من أهم أسواق البضائع والخدمات الأردنية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.  جهود ونجاح جزئي  تظهر معطيات الأشهر الأخيرة عودة الاقتصاد الأردني إلى التعافي وإظهار مزيد من المرونة على صعيد التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة. في هذا السياق أفاد البنك المركزي الأردني أن معدل النمو ارتفع خلال النصف الأول من العام الجاري 2015 إلى 4 بالمائة مقابل 3 بالمائة خلال العام الفائت 2014. ويعكس هذا التطور ثمار الجهود الحكومية والخاصة في إطار خططها التنموية وسعيها للتخفيف من الأضرار الناتجة عن الصراعات الدائرة في سوريا والعراق ودول عربية أخرى، فقد أطلقت الحكومة الأردنية خلال أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط الذي استضافته الأردن في مايو/ أيار الماضي 2015 مشاريع بقيمة حوالي 7 مليارات دولار لتحديث قطاعات الطاقة والنقل والمياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وتساهم هذه المشاريع – التي بدء تنفيذها – بخلق آلاف فرص العمل سنويا، كما تساهم المبادرات الفردية، لاسيما في تكنولوجيا المعلومات والسياحة البيئية والثقافية بدورها في خلق الآلاف من فرص كهذه سنويا.  ما الحل؟  غير أن مجمل الفرص الجديدة لن تحد من مشكلة البطالة بشكل جوهري وطويل الأمد، لأن الأهم من ذلك لحل هذه المشكلة يتمثل في معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد الأردني. أولريش فاكر يرى في هذا السياق أن على “الحكومة توفير الإطار الجاذب للاستثمارات الخاصة وتنمية القطاع الخاص من خلال زيادة فعالية الخدمات التي تقدمها عن طريق تقليص الجهاز الإداري الحكومي وجعله أكثر كفاءة”. ومن متطلبات ذلك وضع مؤشر أو كاتالوغ يحدد مهام الجهات الحكومية ويقيم أداءها على أساس مدى إنجازها للأهداف الموضوعة وعلى رأسها دعم القطاع الخاص. وفي هذا الإطار يصبح التخلص من الموظفين الذين يتقاعسون عن أداء مهامهم من الأمور التي لابد منها. أما على صعيد الصادرات فيرى فاكر بأن الأردن يحتاج إلى “مؤسسة وطنية للصادرات تضع معايير للمنتج الأردني بشكل يتوافق والمعايير العالمية المعمول بها. ومن مهامها أيضا “شراء البضائع عند اللزوم وتمويل الدعم اللوجستي وتمويل عمليات التصدير”.(دوتشيه فيليه)

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة