يشكك المراقبون في أن ينفذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته بالاستغناء عن الغاز الروسي، وبالاستعانة بدول أخرى لبناء المحطة النووية الأولى لتركيا بدلا من روسيا.

اعتاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله ضيوفه الأجانب أن يتطرق معهم أمام الصحافيين إلى الجانب الاقتصادي من العلاقات مع بلادهم، في تذكير بأن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، وبأن الاقتصاد يعلو لديها على السياسة.

كان الأمر كذلك، عندما استقبل بوتين في الكرملين في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي جاء إلى موسكو للمشاركة في افتتاح مسجدها الجديد الجامع، حيث جرى التنويه بأن روسيا أحد أكبر شركاء تركيا التجاريين، ولا سيما أنها ورَّدت في عام 2014 نحو 30 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "السيل الأزرق" إلى تركيا، التي يبلغ استهلاكها نحو 50 مليارا سنوياً.

لكن ذلك لا ينفي أن وجهات نظر موسكو وأنقرة في السياسة الدولية كانت دائما متباينة، بدءا من المسألة القبرصية، ومرورا بالوضع في القرم، وانتهاء بشرق أوكرانيا، وأن وجهات نظر البلدين متناقضة تماما إزاء المسألتين الكردية والسورية، ومع ذلك فقد استطاعت تركيا دائما الحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة مع روسيا، كان أبرز معالمها الامتناع عن الانضمام إلى العقوبات الغربية على موسكو.

وينمو التعاون الاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخيرة باطراد وعلى أعلى المستويات.

وقد توجت هذا التعاون زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا العام الماضي في خضم أزمة العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وأعلن بوتين خلال زيارته إلى أنقرة عن إلغاء مشروع مد خط أنابيب "السيل الجنوبي"، الذي كان يهدف لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الشرقية والوسطى، عبر خط أنابيب يمر بالبحر الأسود وبلغاريا والمجر وصربيا والنمسا وسلوفينيا، وعارض مده الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، أعلن الرئيس الروسي عن البدء بمشروع مد "السيل التركي" بأربعة خطوط، أحدها بحجم 15.75 مليار متر مربع، سيمتد من روسيا إلى تركيا مباشرة عبر البحر الأسود، والخطوط الأخرى بحجم 50 مليارا من هناك إلى اليونان.

وفي ضوء تهديدات الرئيس التركي الأخيرة، يستبعد المراقبون أن تجد تركيا بديلا عن الغاز الروسي من ناحية ضمان التوريدات وحجمها وأسعارها الحالية، وأن تجد بديلا للوقود الأزرق الروسي بعد تنفيذ مشروع "السيل التركي"، الذي سيجعل الغاز الروسي أرخص بكثير، إضافة إلى خلقه فرص عمل في تركيا نفسها، وجذبه الأموال إلى تركيا، التي ستلعب دور موزع الغاز إلى الدول الأوروبية المجاورة.

ويستبعد المراقبون أيضا أن تهرع دول أخرى غير روسيا لبناء المحطة النووية الأولى لتركيا، فمحطة "أكويو" هي أول محطة نووية يجري تنفيذها بنظام (ابن-امتلك- استغل)، وهي لن تكلف الحكومة التركية شيئا من النفقات، إذ إن شركة "آتوم ستروي اكسبورت" المملوكة للحكومة الروسية تأخذ على عاتقها مهمات التخطيط والبناء والخدمة والتشغيل. ومن المعلوم أن الشركات الغربية تستطيع تنفيذ المشروع لكن بأثمان مرتفعة وشروط قاسية.

وفيما يتعلق بالسياحة، التي بذلت تركيا جهودا جبارة لتنميتها، وألغيت لذلك تأشيرات الدخول بين البلدين في عام 2010، فليست أنقرة في وارد التخلي عن مورد العملة الصعبة هذا.

وأخيرا، يشكك المحللون المختصون في أن يضحي السلطان التركي الغاضب بمصالح بلاده الاقتصادية المهمة مع موسكو من أجل تصريحات طنانة اعتاد أن يطلقها هنا وهناك.

  • فريق ماسة
  • 2015-10-08
  • 11764
  • من الأرشيف

لماذا لن يجرؤ أردوغان على التخلي عن الغاز الروسي..؟!

يشكك المراقبون في أن ينفذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته بالاستغناء عن الغاز الروسي، وبالاستعانة بدول أخرى لبناء المحطة النووية الأولى لتركيا بدلا من روسيا. اعتاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله ضيوفه الأجانب أن يتطرق معهم أمام الصحافيين إلى الجانب الاقتصادي من العلاقات مع بلادهم، في تذكير بأن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، وبأن الاقتصاد يعلو لديها على السياسة. كان الأمر كذلك، عندما استقبل بوتين في الكرملين في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي جاء إلى موسكو للمشاركة في افتتاح مسجدها الجديد الجامع، حيث جرى التنويه بأن روسيا أحد أكبر شركاء تركيا التجاريين، ولا سيما أنها ورَّدت في عام 2014 نحو 30 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "السيل الأزرق" إلى تركيا، التي يبلغ استهلاكها نحو 50 مليارا سنوياً. لكن ذلك لا ينفي أن وجهات نظر موسكو وأنقرة في السياسة الدولية كانت دائما متباينة، بدءا من المسألة القبرصية، ومرورا بالوضع في القرم، وانتهاء بشرق أوكرانيا، وأن وجهات نظر البلدين متناقضة تماما إزاء المسألتين الكردية والسورية، ومع ذلك فقد استطاعت تركيا دائما الحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة مع روسيا، كان أبرز معالمها الامتناع عن الانضمام إلى العقوبات الغربية على موسكو. وينمو التعاون الاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخيرة باطراد وعلى أعلى المستويات. وقد توجت هذا التعاون زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا العام الماضي في خضم أزمة العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأعلن بوتين خلال زيارته إلى أنقرة عن إلغاء مشروع مد خط أنابيب "السيل الجنوبي"، الذي كان يهدف لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الشرقية والوسطى، عبر خط أنابيب يمر بالبحر الأسود وبلغاريا والمجر وصربيا والنمسا وسلوفينيا، وعارض مده الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، أعلن الرئيس الروسي عن البدء بمشروع مد "السيل التركي" بأربعة خطوط، أحدها بحجم 15.75 مليار متر مربع، سيمتد من روسيا إلى تركيا مباشرة عبر البحر الأسود، والخطوط الأخرى بحجم 50 مليارا من هناك إلى اليونان. وفي ضوء تهديدات الرئيس التركي الأخيرة، يستبعد المراقبون أن تجد تركيا بديلا عن الغاز الروسي من ناحية ضمان التوريدات وحجمها وأسعارها الحالية، وأن تجد بديلا للوقود الأزرق الروسي بعد تنفيذ مشروع "السيل التركي"، الذي سيجعل الغاز الروسي أرخص بكثير، إضافة إلى خلقه فرص عمل في تركيا نفسها، وجذبه الأموال إلى تركيا، التي ستلعب دور موزع الغاز إلى الدول الأوروبية المجاورة. ويستبعد المراقبون أيضا أن تهرع دول أخرى غير روسيا لبناء المحطة النووية الأولى لتركيا، فمحطة "أكويو" هي أول محطة نووية يجري تنفيذها بنظام (ابن-امتلك- استغل)، وهي لن تكلف الحكومة التركية شيئا من النفقات، إذ إن شركة "آتوم ستروي اكسبورت" المملوكة للحكومة الروسية تأخذ على عاتقها مهمات التخطيط والبناء والخدمة والتشغيل. ومن المعلوم أن الشركات الغربية تستطيع تنفيذ المشروع لكن بأثمان مرتفعة وشروط قاسية. وفيما يتعلق بالسياحة، التي بذلت تركيا جهودا جبارة لتنميتها، وألغيت لذلك تأشيرات الدخول بين البلدين في عام 2010، فليست أنقرة في وارد التخلي عن مورد العملة الصعبة هذا. وأخيرا، يشكك المحللون المختصون في أن يضحي السلطان التركي الغاضب بمصالح بلاده الاقتصادية المهمة مع موسكو من أجل تصريحات طنانة اعتاد أن يطلقها هنا وهناك.

المصدر : روسيا اليوم/ حبيب فوعاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة