لربما يؤرق هذا السؤال سلطاتنا النقدية بأكثر مما يرى فيه المواطن أحجية لم تسعفه إجابة شافية عنها، فرغم ما يلقاه اتهامها لـ«مواقع فيسبوك» من مقبولية يائسة لغياب البدائل، هي أول من يعلم بأن دورها الممكن يقتصر على التذخير النفسي لموجات الدولار الصاعدة المدفوعة بأسباب أخرى، وإلا لكان على كميات الدولار الذي واظب المصرف المركزي على حقنها في الأسواق أن تستولد استجابة من نوع ما.. وهذا ما لم يحصل.

 

الأبعاد المعنوية المفترضة وغير القابلة للقياس «للفيسبوك» تعزز مقبولية الأداء الحكومي القائم في مواجهة انخفاض قيمة الليرة، إذ والحال كذلك، يتحول الضخ «الغريزي المتتالي غير المقاس» للقطع الأجنبي إلى مسلمة اقتصادية صالحة للاستخدام حتى تشاء «التجربة» بما يحاكي «تعلم الكيمياء للمبتدئين»!!..

السياسة النقدية آنفة الذكر، دفعت المعروض النقدي المتنوع أمام الليرة خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى حالة من «التوازن المرهف»، ومع المواظبة الحكومية على استلهام طريقة «الكيمياء للمبتدئين» لضبط قطاع النقد، أضحت فترات الهدوء التي يعيشها الأخير بين موسم وآخر مجرد «مرحلة توازن قلق» يكفي لأي قشة مضافة أن تقصم ظهره!.. فما القشة التي فعلت ذلك هذا الموسم؟

في الأعوام الثلاثة الماضية على التوالي، شهدت أشهر آب موجة صاعدة للدولار، ولا زالت عتبة الـ350 ليرة التي سجلها الدولار في آب 2013 ماثلة في الأذهان، بينما تخلل آب التالي 2014 صعودا للدولار من 160 إلى 180 ليرة ليصل مع منتصف أيلول إلى 210 ليرات!!.. وصولا إلى موجة آب الماضي التي كررت السيناريو إياه، ولا زلنا نعيش فصولها حتى الآن؟

مع التكرار الممل للصفعات موسميا، يتبدى التزامن بين «موجة آب» وموسم المحاصيل الإستراتيجية التي تدفق الحكومة كتلة كبيرة من الليرات خلالها.. ففي الموسم الحالي «على سبيل القياس» دفعت الحكومة أكثر من 25 مليار ليرة ثمنا لما استطاعت استجراره من المحاصيل، وعلى رغم مما يحتاجه الأمر من دراسة اختصاصية للوقوف الدقيق على مدى إخلال الكتلة المضافة بالتوازن القلق لعرض الليرة، فبالتأكيد يمكن الجزم بأن للأمر «كما الأعوام السابقة» أثره المتوقع على موقعها السعري.

كان لحكومة تدعي في نفسها صفة «الحرب» أن تتدخل لامتصاص «الكتلة النقدية السائبة» تزامناً مع دفقها منعا لانطلاق السوق في استجابته التلقائية لـ«القشة المضافة» التي تترك «أثناء الحرب» أثرا مضاعفا يفوق بكثير نسبة المعروض الجديد إلى الكتلة النقدية الكلية تبعا لحالة «اللايقين الاقتصادي» ولتراجع القدرة الحكومية على امتصاصها عبر قنوات التحصيل الكلاسيكية «فواتير خدمات عامة، ضرائب».

يغمر الرضى صدر «الكيميائي المبتدئ» لدى إنجاز التفاعل… في حالتنا، وما لم تعود الليرة إلى سعرها السابق، فقد يكون لذلك الرضى أثر مدمر على قدرة الحكومة حيال ترديد أيقونتها: «تعزيز صمودنا وصمود الجيش» عبر ضغط إضافي تسميه «عقلنة الدعم».. ولتجنب «ربطنا إلى السكة» أمام القطارين المتعاكسين: كتلة الدعم في مقابل معيشة المواطن بما يعنيانه من «رفع/ أو عدم رفع» أسعار الخبز والمشتقات والخدمات.. فعليها أن تحدد بدقة حجم «الكتلة السائبة من الليرات» التي طرحتها في الأسواق.. وتجفيفها.

  • فريق ماسة
  • 2015-10-06
  • 13544
  • من الأرشيف

«الليرة» التي قصمت ظهر البعير!

لربما يؤرق هذا السؤال سلطاتنا النقدية بأكثر مما يرى فيه المواطن أحجية لم تسعفه إجابة شافية عنها، فرغم ما يلقاه اتهامها لـ«مواقع فيسبوك» من مقبولية يائسة لغياب البدائل، هي أول من يعلم بأن دورها الممكن يقتصر على التذخير النفسي لموجات الدولار الصاعدة المدفوعة بأسباب أخرى، وإلا لكان على كميات الدولار الذي واظب المصرف المركزي على حقنها في الأسواق أن تستولد استجابة من نوع ما.. وهذا ما لم يحصل.   الأبعاد المعنوية المفترضة وغير القابلة للقياس «للفيسبوك» تعزز مقبولية الأداء الحكومي القائم في مواجهة انخفاض قيمة الليرة، إذ والحال كذلك، يتحول الضخ «الغريزي المتتالي غير المقاس» للقطع الأجنبي إلى مسلمة اقتصادية صالحة للاستخدام حتى تشاء «التجربة» بما يحاكي «تعلم الكيمياء للمبتدئين»!!.. السياسة النقدية آنفة الذكر، دفعت المعروض النقدي المتنوع أمام الليرة خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى حالة من «التوازن المرهف»، ومع المواظبة الحكومية على استلهام طريقة «الكيمياء للمبتدئين» لضبط قطاع النقد، أضحت فترات الهدوء التي يعيشها الأخير بين موسم وآخر مجرد «مرحلة توازن قلق» يكفي لأي قشة مضافة أن تقصم ظهره!.. فما القشة التي فعلت ذلك هذا الموسم؟ في الأعوام الثلاثة الماضية على التوالي، شهدت أشهر آب موجة صاعدة للدولار، ولا زالت عتبة الـ350 ليرة التي سجلها الدولار في آب 2013 ماثلة في الأذهان، بينما تخلل آب التالي 2014 صعودا للدولار من 160 إلى 180 ليرة ليصل مع منتصف أيلول إلى 210 ليرات!!.. وصولا إلى موجة آب الماضي التي كررت السيناريو إياه، ولا زلنا نعيش فصولها حتى الآن؟ مع التكرار الممل للصفعات موسميا، يتبدى التزامن بين «موجة آب» وموسم المحاصيل الإستراتيجية التي تدفق الحكومة كتلة كبيرة من الليرات خلالها.. ففي الموسم الحالي «على سبيل القياس» دفعت الحكومة أكثر من 25 مليار ليرة ثمنا لما استطاعت استجراره من المحاصيل، وعلى رغم مما يحتاجه الأمر من دراسة اختصاصية للوقوف الدقيق على مدى إخلال الكتلة المضافة بالتوازن القلق لعرض الليرة، فبالتأكيد يمكن الجزم بأن للأمر «كما الأعوام السابقة» أثره المتوقع على موقعها السعري. كان لحكومة تدعي في نفسها صفة «الحرب» أن تتدخل لامتصاص «الكتلة النقدية السائبة» تزامناً مع دفقها منعا لانطلاق السوق في استجابته التلقائية لـ«القشة المضافة» التي تترك «أثناء الحرب» أثرا مضاعفا يفوق بكثير نسبة المعروض الجديد إلى الكتلة النقدية الكلية تبعا لحالة «اللايقين الاقتصادي» ولتراجع القدرة الحكومية على امتصاصها عبر قنوات التحصيل الكلاسيكية «فواتير خدمات عامة، ضرائب». يغمر الرضى صدر «الكيميائي المبتدئ» لدى إنجاز التفاعل… في حالتنا، وما لم تعود الليرة إلى سعرها السابق، فقد يكون لذلك الرضى أثر مدمر على قدرة الحكومة حيال ترديد أيقونتها: «تعزيز صمودنا وصمود الجيش» عبر ضغط إضافي تسميه «عقلنة الدعم».. ولتجنب «ربطنا إلى السكة» أمام القطارين المتعاكسين: كتلة الدعم في مقابل معيشة المواطن بما يعنيانه من «رفع/ أو عدم رفع» أسعار الخبز والمشتقات والخدمات.. فعليها أن تحدد بدقة حجم «الكتلة السائبة من الليرات» التي طرحتها في الأسواق.. وتجفيفها.

المصدر : علي هاشم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة